المقدِّمُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُسْتَمِعِينا الكِرامُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ أَهْلًا وَمَرْحَبًا بِكُمْ مَعَنا إِلَى هَذا البَرْنامَجِ يَنابِيعُ الفَتْوَى، يَسُرُّنا أَنْ يَكُونَ وَإِيَّانا إِنْ شاءَ اللهُ في هَذا الدَّرْسِ فَضِيلَةَ الشَّيْخُ الدُّكْتُور خالدُ المصْلِحُ أُسْتاذُ الشَّرِيعَةِ بِجامِعَةِ القَصِيمِ الَّذِي نَأْنَسُ وَنَسْعَدُ بِالحَدِيثِ مَعَهُ حَوْلَ دُرُوسِ هَذا البرْنامَجِ وَكَذَلِكَ يتَفَضَّلُ عَلَيْنا بِإِذْنِ اللهِ فِيما يَخُصُّ الِإجابةَ علَى أَسْئِلَةِ المتابِعِينَ عَبْرَ الإِذاعَةِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا شيخ خالدُ وحيَّاكُمُ اللهُ.
الشَّيْخُ:- وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ حَيَّاكُمُ اللهُ أَخِي أَهْلًا وَسَهْلًا.
المقَدِّمُ:- بارَكَ اللهُ فِيكُمْ أَيْضًا أُرَحِّبُ بِكُمْ أَنا مُحَمَّدٌ الجَرِيني وَأَخِي لُؤَيٌّ الحلَبِيُّ مِنَ الإِخْراجِ وَسَوْفَ تَسْتَمِعُونَ أَيْضًا أَيُّها الأَحِبَّةُ إِلَى تَذْكِيرٍ بِأَرْقامِ الاتِّصالِ في ثَنايا هَذِهِ الحَلْقَةِ.
في هَذا الدَّرْسِ إِنْ شاءَ اللهُ سَوْفَ يَكُونُ حَدِيثُ شَيْخِنا حَوْلَ صِيامِ أَهْلِ الأَعْذارِ كَيْفَ يَكُونُ صِيامُهُمْ وَمَنْ هُمْ أَوَّلًا أَهْلُ الَأْعذارِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَيْضًا لِلمَرْءِ أَنْ يُخْلِصَ بِدِينِهِ في هَذا الشَّهْرِ المبارَكِ وَيُخْلِصُ للهِ –عَزَّ وَجَلَّ- في نِيَّتِهِ وَفي عَمَلِهِ لَعَلَّ اللهَ –عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَ الجَمِيعِ الصِّيامَ وَالقِيامَ وَصالِحَ الأَعْمالِ تَفَضَّلْ شَيْخَنا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُمْ.
الشَّيْخُ:- الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ أَمَّا بَعْدُ..
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ تَحِيَّةً طَيِّبَةً لَكَ أَخِي مُحَمَّد وَلِفَرِيقِ العَمَلِ وَالإِخْوَةِ وَالأَخْواتِ المسْتَمِعينَ وَالمسْتَمعاتِ وَأَسْألُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِلجَمِيعِ التَّوْفِيقَ والسَّدادَ في القَوْلِ وَالعَمَلِ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَنا فِيما يُحِبُّ وَيَرْضَى.
الفِقْهُ في الدِّينِ مِنْ أَعْظَمِ ما يَشْغَلُ الإِنْسانُ بِهِ نَفْسَهُ لِعَظِيمِ أَثَرِهِ وَكَبِيرِ نَفْعِهِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفقِّهْهُ في الدِّينِ»صَحِيحُ البُخارِي (143) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مُتَفَّقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ مُعاوِيَةَ في البُخارِيِّ (71)، وَمُسْلِمٌ (1037) فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنا وَإِيَّاكُمُ الفِقْهَ في الدِّينِ وَالعَمَلَ بِالدِّينِ.
الصَّوْمُ فَرِيضَةٌ فَرَضَها اللهُ تَعالَى عَلَى أَهْلِ الإِيمانِ فَقالَ تَعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾البقرة: 183 وَفي هَذا الفَرْضِ كانَ اللهُ –جَلَّ وَعَلا- بِالمؤْمِنينَ رَحِيمًا فَإِنَّهُ جَلَّ في عُلاهُ رَاعَى أَحْوالَ العاجِزِينَ وَأَهْلَ الأَعْذارِ فَعَذَرَهُمْ جَلَّ في عُلاهُ وخَفَّفَ عَنْهُمْ كَما قالَ تَعالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184 وكما قال: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾البقرة: 185 فاللهُ جَلَّ في عُلاهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فَرْضَ الصِّيامِ عُمُومًا ثُمَّ فَرَضَ صِيامَ شَهْرِ رَمَضانَ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ ذَكَّرَهُ –جَلَّ وَعَلا- عُذْرا أَهْلَ الأَعْذارِ وَالرُّخْصَةِ لَهُمْ فَقالَ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾البقرة: 185 أيْ لا يَقْوَى عَلَى الصِّيام إِمَّا لمرضِهِ أَوْ لِسَفَرِهِ الَّذِي هُوَ مَظَنَّةُ المشَقَّةِ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرْ فَالواجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِي ما أَفَطَرَهُ سَبَبُ مَرَضِهِ أَوْ بِسَبَبِ سَفَرِهِ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾البقرة: 185 .
فَأَهْلُ الأَعْذارِ هُمْ مَنْ كانَ غَيْرُ قادِرٍ عَلَى الصِّيامِ أَوْ كانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيامُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَوْقَ الطَّاقَةِ أَوْ كانَ مَظِنَّةُ المشَقَّةِ أَيْ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ قادِرٍ عَلَى الصَّوْمِ.
إِذًا أَهْلُ الأَعْذارِ هُمُ الَّذِينَ قامَ بِهِمْ عُذْرٌ يَعْجِزُونَ مَعَهُ عَنِ الصِّيامِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ المشَقَّةِ لَهُمْ بِالصَّوْمِ فَهَؤُلاءِ يُعْذَرُونَ وَهُمْ في الجُمْلَةِ صِنْفانِ؛ صِنْفٌ عُذْرُهُ دائِمٌ مُسْتَمِرٌّ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، وَصِنْفٌ عُذْرُهُ عارِضٌ مُنْقَطِعٌ.
أَمَّا الصِّنْفُ الأَوَّلُ وَهُمْ مَنْ كانَ عُذْرُهُمْ دائِمًا، وَهُمْ مَنْ كانَ عاجِزًا عَنِ الصَّوْمِ كبَر مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي.
وَالثَّانِي مِمَّنْ عَجْزُهُ دائِمٌ المريضُ مَرِيضٌ لا يُرْجَىَ بُرْئُهُ وَلا يُنْتَظَرُ الشَّفاءَ مِنْهُ وَلا يَقْوَى عَلَى الصِّيامِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيامُ، فَهَؤُلاءِ عُذْرُهُمْ دائِمٌ أَمَّا العاجِزُ الكَبِيرُ الَّذِي لا يَسْتِطِيعُ الصَّوْمَ، فَلا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ في أَنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الصِّيامُ وَيَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ الَّذِي يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً سَوْاءٌ كانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَي فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ في رَمَضانَ، وَالأَصْلُ في ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالَى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾البقرة: 184 .
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيما رَواهُ البُخارِيُّ: لَيْسَتْ بِمَنْسوخةٍ يَعْنِي هَذِهِ الآيَةُ لَمْ يُرْفَعْ حُكْمُها بِالكُلِّيَّةِ في كُلِّ أَحَدٍ إِذْ إِنَّ اللهَ تَعالَى خَيَّرَ الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصِّيامَ يَسْتَطِيعُونَهُ وَلا يَصُومُونَ هَذا في أَوَّلِ الأَمْرِ كانَ الأَمْرُ عَلَى التَّخْييرِ يَصُومُ أَوْ يَفْدِي هَذا صِيامَهُ وَيَصْرِفُ هَذا وَبَقِيَ الحُكْمُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى المسْتَطِيعِ أَنْ يَصُومَ وَلَكِنَّهُ بَقِيَتِ الرُّخْصَةُ في حَقَّ الشَّيْخِ الكَبِيرِ وَالمرْأَةِ العَجُوزِ لا يَقْدِرانِ عَلَى الصِّيامِ كَما قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ لَيْسَتْ بِمْنسُوخَةٍ أَيْ لَم يُرْفَعْ حُكْمُها رَفْعًا كُلِّيًا، بَلْ هِيَ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ وَالمرْأَةِ العَجُوزُ لا يُطِيقانِ الصِّيامَ فَيُفْطِرانِ وَيُطْعِمانِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًاصَحِيحُ البُخارِيِّ (4505) .
هَذا ما يَتَعَلَّقُ بِالعاجِزِ لِكِبَرٍ، أَمَّا المرِيضُ وَقَدْ جَرَىَ هَذا لأَنَسِ ابْنِ مالِكٍ صاحِبِ رَسُولِ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ أَطْعَمَ بَعْدَ ما كُبُرَ عامًا أَوْ عامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ.
أَمَّا العاجِزُ لِمرضٍ لا يُرْجَى الشِّفاءُ مِنْهُ فِيما جَرَتْ بِهِ عادَةُ النَّاسِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالطِّبِّ، فَهَذا المرِيضُ الَّذي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ يُلْحَقُ بِالعاجِزِ عَجْزًا لِكِبَرٍ، فُيُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَهَذا أَيْضًا لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ، فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ كانَتْ هَذِهِ حالُهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا لَكِنْ هَذا المريِضُ الَّذِي لا يُرْجَى شِفاؤُهُ وَهُوَ مَنْ أَصابَهُ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الصِّيامُ أَوْ يَعْجَزُ عَنِ الصِّيامِ مَعَهُ وَلا يَنْتَظِرُ شِفاءً إِمَّا بِالعادَةِ، وَإِمَّا بِخَبَرِ الطَّبِيبِ الثِّقَةِ.
هَذا القِسْمُ الأَوَّلُ مِنْ أَهْلِ الأَعْذارِ وَهُمْ مَنْ عُذْرُهُمْ دائِمٌ، حُكْمُهُمْ يَجُوزُ لَهُمْ الفِطْرُ وَهَذا مَحَلُّ اتِّفاقٍ وَالواجِبُ عَلَيْهِمْ الإِطْعامُ في قَوْلِ جُمْهُورِ العُلَماءِ يُطْعِمُونَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَمِقْدارُ الإِطْعامِ ما تَيَسَّرَ مِنَ الطَّعامِ وَأَقَلُّ ما ذُكِرَ مِنَ التَّقْدِيرِ في السُّنَّةِ نِصْفُ صاعٍ فَلَوْ أَخَذَ بِهِ في إِطْعامِ المسْكِينِ في الفِدْيَةِ فَإِنَّهُ قَوْلُ الجُمْهُورِ وَلَهُ وَجْهٌ قَوْلِيٌّ.
ويطعم إما في كل يوم بيومه أو أنه يجمع أيام ويطعم عما مضى، لكن لا يتقدم بالإطعام عما ما لم يأتي من الأيام لأنه يكون كما ذكر العلماء إخراج الواجب قبل أوانه.
أما الصنف الثاني من أهل الأعذار فهم أصحاب الأعذار الطارئة، وهؤلاء أصناف لكن صنفان ذكرهم الله تعالى في كتابه ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾البقرة: 185 والمقصود بالمريض المريض الذي يرجى الشفاء والطيب، فهذا يفطر ويقضي لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184 عَلَى أَنَّ العُلَماءَ لَهُمْ تَفاصِيلُ فيما يَتَعَلَّقُ بِالمرَضِ الَّذِي يُبِيحُ الفِطْرَ، فَحَكى النَّوَوِيُّ الاتِّفاقَ عَلَى أَنَّ المرَضَ اليَسِيرَ الَّذِي لا يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ الصِّيامُ لا يَجُوزُ فِيهِ الفِطْرُ يَعْنِي مِثْلُ بَعْضِ الأَمْراضِ الجِلْدِيَّةِ الَّتِي لا أَثَرَ لِلصَّوْمِ أَوْ مَرَضٍ لا يَشُقُّ عَلَىَ الإِنْسانِ
المقدِّمُ:- الرَّشْحُ أَوِ الزُّكامُ شَيْءٌ مِنْ هَذا.
الشَّيْخُ:- الرَّشْحُ دَرجاتٌ أَحْيانًا قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا فَيَشُقُّ عَلَيْهِ، لَكِنْ عَلَى كُلِّ حالٍ هُوَ القاعِدَةُ المرضُ الَّذي لا يَتَأَثَّرُ بِالصَّوْمِ فالمرضُ الَّذِي لا يَتَأَثَّرُ بِالصَّوْمِ لا يَجُوزُ الفِطْرُ فِيهِ لأَنَّ الآيَةَ إِنَّما ذَكَرَتْ عُذْرًا وَهُوَ المرَضُ وَالمقْصُودُ بِهِ المرَضُ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ مَشْقَةٌ يَشُقُّ فِيها الصِّيامُ.
أَمَّا ماعَدا هَذا مِنْ أَحْوالِ الأَمْراضِ فالجُمْلَةُ أَنَّ الفِطْرَ فِيها لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ، لَكِنْ هُناكَ تَفاصِيلٌ قَدْ يَجِبُ الإِفْطارُ قَدْ يُسْتَحَبُّ وَقْدْ يُباحُ فَإِذا كانَ يُؤَدِّي إِلَى الهَلاكِ، فالفِطْرُ وَاجِبٌ إِذا كانَ يَزِيدُ المرَضَ فَجُمْهُورُ العُلَماءِ عَلَى أَنَّ الفِطْرَ مُسْتَحَبٌّ وَقالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ بَلْ يَجِبُ، إِذا كانَ يُؤَخِّرُ الشِّفاءَ فهَذا يُسْتَحَبُّ مَعَهُ الفِطْرُ وَقالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ، إِذا كانَ الصَّوْمُ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلكِنْ لا يَزِيدُ المرَضُ وَلا يَتَأَخَّرُ البُرْءِ فَهَذا يَجُوزُ فِيهِ الفِطْرُ بِالاتِّفاقِ لِقَوْلِ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184 هَذِهِ هِيَ أَحْوالُ المرَضِ العارِضِ وَما يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الفِطْرِ فِيهِ.
الثَّانِي مِنْ أَهْلِ الأَعْذارِ المسافِرُ، والمسافِرُ رَخَّصَ اللهُ تَعالَى لَهُ في الفِطْرِ فَقالَ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184 وَالسَّفَرُ الَّذِي يُبِيحُ الرُّخْصَةَ بِالفِطْرِ هُوَ السَّفَرُ المسْتَحَبُّ أَوْ الواجِبُ أَوْ المباحُ كُلُّهُ محلُّ الرُّخْصَةِ وَخَرَجَ بِهَذا نَوْعانِ مِنَ السَّفَرِ؛ السَّفَرُ المكْرُوهُ، وَالسَّفَرُ المحرَّمُ.
فَهذانَ أَمَّا السَّفَرُ المحرَّمُ فَذَهَبُ جُمْهُورُ العُلَماءِ إِلَى أَنَّ المسافِرَ في مَعْصِيَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخَصِ السَّفَرِ، وَبَعْضُهُمْ أَلْحَقُ المكْرُوهَ بِهِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ المكْرُوهَ لا يَمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ، لكِنْ يَكُونُ فِطْرُهُ مَكْرُوهًا
المقدم:- لماذا المكروه يا شيخ؟
الشَّيْخُ:- المكْرُوهُ أَنْ يُسافِرَ مَثَلًا لِعَمَلٍ مَكْرُوهٍ مِثْلُ: مَنْ يُسافِرُ مَثْلًا لِشُهُودِ أَمْرٍ لَيْسَ مُحَرَّمًا، وَلِكِنَّهُ مِنَ المكْرُوهاتِ لَيْسَ يُسافِرُ لموْضِعٍ يُخْشَى فِيهِ الفِتْنَةُ أَوْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ فِتْنَةٌ، فَهَذا السَّفَرُ قَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَلا حاجَةَ لَهُ بِالسَّفَرِ إِلَيْهِ هَذا قَدْ يَكُونُ سَفَرًا مَكْرُوهًا، وَبِالتَّالِي سَفَرَهُ في هَذِهِ الحالِ قَدْ يُكْرَهُ فِيهِ الفِطْرُ هَذا ما يَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ الَّذِي يُبِيحُ الفِطْرَ.
إِذًا المسْتَحَبُّ وَالواجِبُ مِنَ السَّفَرِ كَسَفَرِ الحَجِّ مَثَلا، الفَرِيضَةُ يُسَتَحَبُّ كَزِيارَةِ صِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ بِرِّ الوالدينِ أوِ العمرةِ أوِ الحجِّ غيرِ الواجبِ، السفرُ المباحُ ما كانَ لمصالحِ الإنسانِ ومنافعهِ كُلُّ هذا تكونُ فيهِ الرُّخصةُ قائمةً لمظنةِ المشقةِ.
أمَّا ما يتعلقُ ما هُوَ الأفضلُ هَلْ يفطرُ أوْ يصومُ في حالِ الإباحةِ أَوْ الاستحْبابِ؟ فهذهِ مسألةٌ مختلفٌ فيها بينِ أهلِ العلمِ منهمْ منْ يرَى أنَّ الفطرَ مستحبٌ مطْلقًا، ومنهمْ منْ يقولُ: إنَّ الفطرَ في السفرِ إنَّما يشرعُ عندَ الحاجةِ إليهِ وإلا فالفطرُ أفضلُ وثمَّةَ تفاصيلٌ والَّذي يظهرُ واللهُ تعالَى أعلمُ أنهُ إِذا شقَّ علَى الإنسانِ الفطرُ في السفرِ، فإنَّ السنةَ أنْ يفطرَ
المقدمُ:- إذا شقَّ الصيامُ عليهِ.
الشيخُ:- إِذا شقَّ عليهِ الصومُ فإنهُ يكرهُ لهُ الصومُ لقولِ النبيِّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ»صحيحُ البخاريِّ (1946)، ومسلم (1115) فأفطرَ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأمسكَ بعضُ أصحابهِ قالَ: أولئكَ العصاةُ أولئك العصاةُ، أما إذا كانَ الأمرُ لا مشقةَ فيهِ فقدْ جاءَ عنهُ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أنهُ صامَ وهُوَ مسافرٌ معَ مظنةِ المشقةِ والحرِّ الشديدِ قالَ أبو الدرداءِ رضيَ اللهُ تعالَى عنهُ كَما في الصحيحِ «خَرَجْنا مع رَسولِ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في شَهْرِ رَمَضانَ في حَرٍّ شَدِيدٍ، حتّى إنْ كانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ يَدَهُ على رَأْسِهِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وَما فِينا صائِمٌ، إلّا رَسولُ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَواحَةَ»صحيحُ البُخارِيِّ (1945)، وَمُسْلِمٍٍ (1122) .
دَلَّ هَذا عَلَى جَوازِ الصَّوْمِ في السَّفَرِ حَتَّى مَعَ المشَقَّةِ، لَكِنَّ الأَوْلَى وَالأَكْمَلُ وَالأَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ أَلَّا يَصُومَ إِذا كانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ، هَذا الصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ أَهْلِ الأَعْذارِ العارِضَةِ.
مِنْ أَهْلِ الأَعْذارِ العارِضَةِ أَيْضًا الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمُ الفِطْرُ الحامِلُ وَالمرْضِعُ، فَقَدْ أَجْمَعَ العُلُماءُ عَلَى أَنَّ الحامِلَ وَالمرْضِعَ إِذا خافَتا عَلَىَ أَنْفُسِهِما فَلُهُما الفِطْرُ لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ في ذَلِكَ، لاتِّفاقِهِمْ في المعْنَى مَعَ المرِيضِ فَقَدْ قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184 هَذا إِذا خافَتا عَلَى أَنْفُسِهِما، وَإِذا خافَتا عَلَى وَلَدَيْهِما وَعَلَى أَنْفُسِهِما أَيْضًا جازَ الفِطْرُ بِالإِجْماعِ، وَأَمَّا إِذا خافَتا عَلَى وَلَدَيْهِما فَيَجُوزُ الفِطْرُ أَيْضًا، لَكِنْ مِنَ العُلَماءِ مَنْ يُوجِبُ مَعَ ذَلِكَ إِطْعامًا وَهَذا خِلافٌ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، لَكِنْ إِنْ أَطْعَمَ فَحَسَنًا.
إِذًا الحامِلُ وَالمرضعُ يَجُوزُ لَهُما الفِطْرُ سَواءٌ خافَتا عَلَى أَنْفُسِهِما، أَوْ عَلَى وَلَدَيْهِما أَوْ عَلَى أنْفُسِهِما وَوَلَدَيْهِما.
أَمَّا الصِّنْفُ الخامِسُ وَالسَّادِسُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُمُ الفِطْرُ لِعُذْرٍ عارِضٍ فَهُما الحائِضُ وَالنُّفَساءُ، فَإِنَّهُما يَجُوزُ لَهُما الفِطْرُ لِحاجِتِهِما لِرُخْصَةِ اللهِ تعَالَى لهما فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لِلحائِضِ وَهِيَ مَنْ يَجْرِي مِيعادَ الدَّمِ المعْتادِ وَكَذَلِكَ النُّفَساءُ لا يَجُوزُ لَهُما الصِّيامُ وَعَلَيْهُمُ القَضاءُ.
هَذِهِ أَحْوالُ أَهْلِ الأَعْذارِ العارِضَةِ وَبِهذا يَكْتَمِلُ ما يَتَعَلَّقُ بِصِيامِ أَهْلِ الأَعْذارِ سَواءٌ كانُوا لِعُذْرٍ دائِمٍ أَوْ لِعُذْرٍ مُنْقَطِعٍ.
المقدِّمُ:- شَيْخُنا بارَكَ اللهُ فِيكُمْ كُنْتُمْ تَتَحَدَّثُونَ عَنْ أَهْلِ الأَعْذارِ وَلَعَلَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ هَلِ لِلمُسافِرِ المعْذُورِ أَنْ يُفْطِرَ في سَفَرِهِ وَيَصِلُ إِلَى المدِينَةِ الَّتِي قَدْ وَصَلَ فِيها وَهُوَ لازالَ في سَفَرٍ يُفْطِرُ بَيْن المقِيمينَ بِحُجَّةِ أَنَّهُ في سَفَرٍ؟
الشيخُ:- هُوَ المسافِرُ في حلٍّ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَإِذا سافَرَ الإِنْسانُ مَثَلا إِلَى مَكَّةَ، إِلَى الرِّياضِ، إِلَى جِهَةٍ مِنَ الجِهاتِ، إِلَى بلَدٍ مِنَ البُلْدانِ غَيْرَ بَلَدِ إِقامَتِهِ فَيَتَرَخَّصُ بِالرُّخْصَةِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ يَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ مِنْ خُرُوجِهِ إِلَى رُجُوعِهِ.
أَمَّا ما يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ إِظْهارِ الفِطْرِ بَيْنَ الصَّائِمِينَ، فَهَذا مِنْ حَيْثُ الإِثْمُ المتَعَلِّقُ بِالفِطْر في رَمَضانَ لَيْسَ عَلَيْهِ إثْمُ الفِطْرِ لَكِنَّهُ لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لما في هَذا مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى النَّاسِ وَأَيْضًا لما فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ لموطِنِ التُّهْمَةِ، فَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ مُسافرٌ وَلاسِيَّما اليَوْمُ النَّاسُ لا يُوجَدُ في الغالِبِ ما يُمَيِّزُ المسافِرَ عَنِ المقيمِ في لِباسِهِمْ وَأَحْوالِهِمْ لما يَسَرَّ اللهُ تَعالَى مِنْ قُرْبِ المسافاتِ وَحالِ رَغَدِ العَيْشِ الَّذِي يَعِيشُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَللهِ الحَمْدُ.
فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ الفِطْرَ لأَجْلِ أَلا يَكُونَ مَظِنِّةَ تُهْمَةٍ، وَأَيْضًا النِّظامُ يِمْنَعُ إِظْهارَ الفِطْرِ حَتَّى لمنْ لا يَصُومُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَزِمَ ما وَجَّهَ إِلَيْهِ النِّظامَ وَما جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الإِسْلامِ.
المقدمُ:- أحسنَ اللهُ إليكمْ شيخَنا المتصلةُ الأُولَى مَعنا أمُّ محمدٍ حياكِ اللهُ يا أمَّ محمدٍ.
المتصلةُ:- السلامُ عليكمْ ورحْمةُ اللهِ.
المقدمُ:- عليكمُ السلام ورحمة الله وبركاته أتفضلي.
المتصلة:- الشيخ معي أكلمه.
المقدم:- إي معكِ أتفضلي.
المتصلة:- يا شيخُ أنا مرة أخافُ خوف شديد من النفاقِ عندي رُعب شديدٌ أنا كنتُ مريضةً نفسيًا فبعدَ ما استوعبْتُ صِرْتُ أَخافُ خَوف شديد من الكلمات اللي نطقتها؟
المقدم:- خير إن شاء الله تسمعينَ الإجابةَ يا أمَّ محمدٍ باركَ اللهُ فيكِ.
الشيخُ:- أسال الله لكِ العافية والشفاءَ هَذا نوعٌ منَ الوَسواسِ وأَنا أقولُ يا أُخْتي لا تستسلمي لهذا الهاجسِ والوسواسِ الَّذِي يقذفهُ الشَّيطانُ في قلبكَ وَعَلَيْكِ بالاجْتِهادِ في الخروجِ منْ دائرةِ هَذا التسلُّطِ الشَّيطانِي فَذلك بأَزْكي الأَذْكارِ والأدْعِيَةِ وكثرةِ الاسْتِعاذَةِ بِاللهِ منَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ قراءةُ الإِخلاصش والمعوذتينِ، قراءةُ البقرةِ وما أشبهَ ذلكَ مما جاءتْ بهِ السنةُ مما يدفعُ اللهُ تعالَى بهِ كيدَ الشيطانِ، وإذا عجزتِ عنِ التخلصِ مِنْ هَذا الوسْواسِ معَ أخْذِكِ بهذهِ الأسبابِ، فمِنَ الأَسْبابِ الَّتي يُمكنُ أنْ تنفعَ أنْ يطلبُ الإنسانُ العلاجَ عندَ أصحابِ الاخْتِصاصِ منَ المعالجينَ النفْسيِّينَ سواء مِنَ الطِّبِّ النفْسي أوْ ما أشبهَ ذلكَ مما يُساعدُ عَلَى محاصرةِ هذهِ الوَساوِسِ وَالسلامَةِ منْها أسألُ اللهَ أنْ يُطهرَ قلبكِ وَلا شيءَ عَليكِ لا تلتفَتي كلَّ ما يلقي الشيطانُ في قلبكِ منْ أنَّكِ منافقةٌ وأنكِ غيرُ مؤمنةٍ كل هَذا منْ كَيْدِ الشَّيطانِ الَّذِي يقصدُ بِهِ أَنْ يُضِلَّكِ وأنْ يُحْزنَ قلبكِ فَلا تلتَفتي إليهِ، أَعاذنا اللهُ وإياكمْ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ.
المقدمُ:- أُمَّ عبدِ اللهِ حياكِ اللهُ يا أُمَّ عبدِ اللهِ.
المتصلةُ:- الله يحييكِ السَّلامُ عليكُمْ يا شيخ.
المقدمُ:- وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ
المتصلةُ:- عنْدي سُؤالٌ كانَ في واحد أعطانا مبلغ وأنا حلفتُ أنهُ ما يدخُل علَيَّ ولا على أولادي رزق اشتري به أكل ولكن احتجْنا المبلغَ هَذا واشتريْنا دُولاب في المطبخِ بهِ هلْ عليْنا حُلول كَفارةٌ أوْ شيءٌ؟ء
المقدمُ:- تستمعينَ أمَّ عبدِ اللهِ أتفضلي نعم شيخ خالد.
الشيخ:- ما فهمتُ سؤالَها واللهِ.
المقدمُ:- الأخْتُ أمُّ عبدِ اللهِ تقولُ: بأَنَّها أُعْطَيتْ مالًا وحلفتْ أنَّها لا تطعِمُ نفسَها ولا منْ في بيْتِها مِنْ هَذا المالِ ثمَّ احتاجَتْ بعدَ ذلكِ إِلَى أنْ تَأخذَ منْ هَذا المالِ واستعملتهُ فما الحكمُ بعدَ أنْ حَلَفَتْ؟
الشيخُ:- هيَ حلفتْ ما فَهِمْتُ سُؤالَها؟
المقدمُ:- يبدُو يا شيخ خالد حنثتْ في اليمينِ قالتْ: أَنَّها لَنْ تَسْتَعْمِلَ هَذا المالَ الَّذي أعطيته ولكنَّها بعدَ ذلكَ استعملتْ هَذا المالَ بعدَ أنْ حلَفَتْ أَنَّها لا تستعملُهُ وأطْعمتْ بهِ عيالَها.
الشيخُ:- اللهُ تَعالَى يقولُ: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ﴾المائدة: 89 فإذا حلفَ الإِنسانُ يَمينًا جازِمًا علَى أمرٍ يفعلهُ، أوْ عَلَى أمْرٍ لا يفعلُهُ وخالفَ ذَلِكَ هَذا يُسمَّى حنثَ المخالفة تُسمَّى حنث في اليمينِ بمعنَى أنَّهُ خالَفَ يمينهُ الَّتي حلفَ علَيْها فِيما يُستقبلُ، في هذهِ الحالَ قالَ تَعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾المائدة: 89 لابدَّ مِنَ الكفَّارَةِ وَالكفارةُ علَى مرتبتينِ؛ المرتبةُ الأُولَى:- إِطْعامُ عشرةِ مَساكينَ وَهَذا الأوَّلُ هذهِ المرتبةُ الأُولَى، أوْ كِسوتُهُمْ أَوْ تحريرُ رقَبَةٍ المتيسرُ هُوَ طعامُ لأكثرِ الناسِ الإطعامُ ما يَسرَ اللهُ منْ وَاجِباتٍ سَواءٌ كانَ غَداءً أَوْ عَشاءً ولوْ أَخْرجتِ كيلُو منَ الأُرْزِ معَ شيءٍ منَ الإِدامِ أوْ نَحوِ ذلكَ حصلَ بهِ المقصودُ ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾المائدة: 89 هذهِ المرتبةُ الأُولَى منَ الإِطْعامِ إِطعامُ عشرةِ مَساكينَ.
المرتبةُ الثانيةُ هِيَ صومُ ثلاثةِ أَيامِ ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾المائدة: 89 هَذا هُوَ الواجبُ علَى منْ حلَفَ علَى شيءٍ أنْ يفعلهُ أوْ علَى شيءٍ ألا يفعلَهُ وخالَفَ فيهِ فعليهِ الكفارةُ.
المقدمُ:- بعضُ الناسِ شيخُنا قدْ يتجوَّزُ في الكفاراتِ، فينتقلُ مُباشرةً منَ الإطْعامِ أوْ منَ الكِسوةِ إلَى الصيامِ حتَّى وأنهُ كانَ قادِرًا علَى أداءِ أحدِ الشَّرطينِ الأوليينِ.
الشيخُ:- هُوَ بعضُ الناسِ عندهُ وهَنٌ أنَّ الكفارةَ هيَ الصِّيامُ يقولُ: مباشرةً يعنِي حنثَ عليكَ صِيامُ ثلاثَةِ أيامٍ هَذا غلطٌ لأنَّ هذهِ المرتبةُ الثالثةُ، المرتبةُ الأُولَى هيَ إطعامُ عشرةِ مَساكينَ أَوْ كسوتُهمْ أَوْ تحريرُ رقبةٍ قالَ تعالَى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾المائدة: 89 يعْني بكلِّ خِياراتِها الثلاثةُ، ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ﴾المائدة: 89 .
المقدم:- أخُونا عارفٌ حياكَ اللهُ يا عارفُ.
المتصلُ:- السلامُ عليكُمْ.
المقدِّمُ:- وعليكُمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ أتفضلْ.
المتصلُ:- ممكنْ أكلم الشيخ.
المقدمُ:- إي نعمْ يسمعكَ الشيخُ أتفضل.
المتصلُ:- عندي سُؤالٌ أنا زوجتي كانتْ عليْها الدورةُ وطهرتْ ولكنْ اكْتشفتْ بعدَ ما صارتْ عَلاقةُ جماعٍ أنها بَقِيَ عَلَيها الدورةُ وصارتْ هذهِ كَمْ مرةٍ هلْ عليَّ كفارةٌ أوْ عليَّ شيءٌ في هَذا الشَّيءِ؟
المقدمُ:- واضح يا شيخ؟
الشيخ:- بعد ما حصلَ جماعٌ زمنَ الحيضِ وأنتَ ما تعرِفُ.
المتصلُ:- لا صارتْ عليْها طهرتْ خَلاص بس ما صارَ الجماعُ اكتشفتْ أنهُ في دم.
الشيخُ:- يعْني أنتَ ما تعْلم لما أتيتَ أهْلَكَ ما كنتَ تعلمُ أنَّ هَذا زمنُ الحيضِ كنتَ تظنُّها طاهرٌ.
المتصلُ:- أيوه.
الشيخُ:- لا شيءَ عليكَ مادامَ أنكَ لا تعلمُ فَلا شيءَ عليكَ فإنَّ الأَحكامَ الشرعيةَ جِميعها إِنما تثبتُ في حقِّ منْ كانَ عالمًا قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾الإسراء: 15 وقالَ النبيُّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فيما رَوىَ ابنُ عباسٍ «عُفِيَ لي عن أُمَّتي الخطأُ والنسيانُ والاستكراهُ»سنن ابن ماجه (2043)، وصححهُ الألبانِيُّ ومنهُ ما يكونُ منَ الجهْلِ فإنهُ يعْفَى عنهُ.
المقدمُ:- أخُونا حامدٌ حياكَ اللهُ يا حامد.
المتصلُ:- السلامُ عليكمْ.
المقدمُ:- وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ أتفضل يا أخِي.
المتصلُ:- أَنا عِنْدي ثلاثةُ أسْئلةٍ لِلشيخِ الأولُ:- حكمُ الباقياتِ الصالحاتِ
الشيخُ:- الباقياتُ الصالحاتُ اسمُ لِكُلِّ عملٍ صالحٍ فإنَّ العَملَ الصالحَ هوَ الَّذِي يبقَى يطلقُ علَى الصَّلاةِ وعَلَى الصدَقةِ وعلَى الصوْمِ وعَلَى الذكَرِ فكُلُّ هَذِهِ منَ الباقياتِ الصالحاتِ فيبقَى للإِنْسانِ بعدَ موتهِ ويَنتفعُ بِها.
المتصلُ:- أَنا مَعَ الإمامِ يعنْي التسبيح مع الإمام والقنوتُ معَ الإِمامِ
المقدمُ:- عفْوا أخي حامد الآنَ المساجدُ مغلقةً احْترازًا مِنْ فيرُوس كُورونا.
المتصل:- أنا عندي في السودانِ.
الشيخُ:- يعْني سؤالكَ ما هوَ بالتحديدِ يا أَخِي؟
المتصل:- بعد السلام الإمام بعد ما ننصرف من الإمام التسبيح مع الإمام والاستغفار مع الإمام والفاتحة مع الإمام بعد الصلاة.
المقدم:- يعْني تقصدُ بِصُورةٍ جَماعيةٍ؟
المتصلُ:- بصورةٍ جماعيةٍ كلُّ المسجدِ.
المقدمُ:- سؤالكَ الثاني وَالثالثُ.
المتصلُ:- السؤالُ الثاني أَنا والدِتي توفِّيتْ مِن أربعِ شُهورٍ اللهُ يغفرْ وَيرْحمْها كانتَ في المستَشفَى.
المقدمُ:- يَعني تقصِدُ أَخِي حامدُ أنكَ أتيْتَ أحدَ الكهَنَةِ لِشفاءِ والدَتِكَ.
الشيخُ:- اللهُ يتوبُ عليكَ.
المقدمُ:- الثالثُ يا حامد
المتصلُ:- السُّؤالُ الثالثُ أَنا كنتُ ألْعبُ كرةً زمان رياضِي بعْد المباراةِ انتَهَى لما طلعت بره لقيته ما في وأنا قلتُ واللهِ العظيم لوْ ما جابُوا لي أَنا ما بلْعَبْ مع الناسِ ما جابوا لي لكن جابوا لي كدارة جديدة.
الشيخ:- يعني أعطوكَ غيرَ ِلباسِكَ أعطَوْكَ لباسًا آخرَ غيرَ لِباسكَ وأنتَ ما تعلمُ أنهُ ما غير لِباسكَ.
المتصلُ:- لا َأنا فقدتُهُ ما لقيتُهُ أصْلا.
الشيخُ:- نفصلُ في الجوابِ إنْ شاءِ اللهُ.
المقدمُ:- أتفضل يا شيخ الله يحفظَك.
الشيخُ:- فيما يتعلقُ عنْ سؤالهِ الأولِ الباقياتُ الصالحاتُ ذكَرها اللهُ تَعالَى في كتابهِ الحَكِيمِ فَقالَ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾الكهف: 46 للعلماءِ في تفسيرِ الآيةِ عددٌ منَ الأقوالِ منهمْ مَنْ قالَ: إنَّ الباقياتِ الصالحاتِ هِيَ الأذكارُ الَّتي تكونُ عَلَى لِسانِ الإنسانِ منَ التفسيرِ والتدبيرِ والتحليلِ والتهليلِ والتحميدِ ولا حولَ ولا قوةَ إِلا باللهِ.
وقد جاء في ذلك حديث خرجه الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي سعيد أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «استكثِروا مِن الباقياتِ الصّالحاتِ» قيل: وما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: التَّكبيرُ والتَّهليلُ والتَّسبيحُ والحمدُ للهِ ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلّا باللهِ»مسند أحمد (11713)، وقال محققو المسند: حسن لغيره .
وَهذا البيانُ النبويُّ في قولِ استكثرُوا منَ الباقياتِ الصَّالحاتِ وجوابِهِ لِلصحابةِ لما سألُوا عنْهُنَّ قالُوا: التكبيرُ وَالتسبيحُ والحمدُ وَلا حولَ وَلا قوَّةَ إِلا باِللهِ ليسَ حَصْرًا للباقياتِ الصالحاتِ بهذا المعنَى، بلْ الباقياتُ الصالحاتُ شاملٌ لكُلِّ عملٍ صالحٍ والنبيُّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- إنَّما عرفَ الباقياتِ الصالحاتِ ببعضِ صُورِها فهُوَ تعريفٍ للشيءِ بالمثالِ.
يعني النبيُّ –صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- مثلَ للباقياتِ الصالحاتِ بأيسرَ ما يكونُ منَ العلَنِ وَهُوَ الذكر في التَّسْبيحِ والتحميدِ والتهليلِ والتكبيرِ والحوقلةِ، فليسَ هَذا حصرًا للباقياتِ الصالحاتِ بِالأذكارِ يَسْألُ الأخُ عنِ الباقِياتِ الصَّالحاتِ بِهذا المعْنى وهُوَ ما يكونُ منَ الذكر في أدبارِ الصَّلواتِ.
الذكرُ في أدبارِ الصلَواتِ منَ الأَعمالِ الصَّالحةِ الَّتي ندبَ إِلَيْها النبيُّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بقولِهِ وفعْلِهِ ورتبَ عَلَى ذلكَ أُجُورًا عظيمةً، وخيراتٍ كثيرةً وجعلَ ذلكَ سَببًا للسبقِ والفوزِ بعَظيمِ الأجرِ لما قالَ لهُ الصحابةُ ذهبَ أهلُ الدُّثُورِ بالأُجورِ والدرجاتِ العُلا منَ الجنةِ فوجههمْ إلَى التسبيحِ والتحميدِ والتكبيرِ ثلاثَ وثلاثينَ أَدبارَ الصلواتِ وقولِ اللهُ أكبرُ يعْني أربعا وثلاثينَ في الأخيرِ ووجَّههمْ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- إِلَى صورةٍ متعددِةٍ منَ الذِّكْرِ في أدبارِ الصَّلواتِ.
علَى كلِّ حالٍ السنةُ في أذكارِ الصلواتِ أنْ يكونَ كُلُّ مُصلٍ علَى وجهِ الانفرادِ، لا يكونُ فِيها اجتماعٌ لأنَّ الذِّكرَ عَلى الانفرادِ أَجمعُ للقلبِ وأحضرُ للذِّهنِ منْ أنْ يذكَّرَ كُلُّ أحدٍ بذكرِ مجتمعٍ معَ الآخرِ، إِذْ إنهُ يصبحُ نوعٌ منَ التكرارِ والترْدادِ إلَى القَوْلِ دُونَ حُضُورِ قَلبٍ ولكنَّ المشْرُوعَ وَالَّذي كانَ عليهِ عَمَلُ النبيِّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- وعملِ أَصْحابِهِ أَنَّ كُلَّ مُصلٍّ يذكرُ اللهَ –عزَّ وجلَّ- بمفرَدِهِ مِنْ أذْكارِ الَّتي شَرعها النبيُّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وحضَرَها عَنْها أصحابُهُ وَنَقلُوها.
المقدِّمُ:- حديثُ سُنِّيٌ يا شيخ إِذَنْ؟
الشيخُ:- هذهِ السنةُ والَّتي ينبغِي أنْ يَلْزمها الإنسانُ، السُّؤالُ الثانِي.
المقدمُ:- يقولُ: بأنَّ أُمهُ توفيتْ وكانتْ قبلَ وَفاتِها يُرَجِّي أنْ تَشفَى ولكنهُ ذَهَبَ إلى أحَدِ الكَهَنَةِ يستشفِي أوْ يطلبُ الشفاءَ عنْ طَرِيقهِ وَاللهُ المسْتعانُ فَما لبثتْ والدِتُهُ أنْ تُوفيِّتْ.
الشيخُ:- اللهمَّ اغفرْ لَها وارحمْها الإتيانُ إلَى الكُهَّانِ منْ كبائرِ الذُّنُوبِ وَعظائمِ الإثمِ ويُخشَى علَى صاحبِها أنْ يخرجَ منَ الإسْلامِ لاسِيَّما إِذا وقعَ منهُ تصديقٌ لهؤلاءِ فِيما يقولُون أوْ مُتابعةٌ لهمْ فِيما يزينونهُ منَ الشِّرْكِ فقدْ جاءَ في صحيحِ الإمامِ مسلمٍ مِنْ حديثِ إِحْدَى زوْجاتِ النبيِّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أَنَّها قالتْ: قالَ النبيُّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مَنْ أَتَى كاهِنا فسألهُ لمْ تُقبلْ لهُ صَلاةٌ أربعينَ يَوْمًا، وهَذا بيانُ أنَّ الجرمَ عظيمٌ والذنْبُ كبيرٌ في الإِتيانِ إِلَى الكهَّانِ وسؤالهمْ هَذا إنْ لم يصْدُقُ.
أما إِذا صدَّقَهُ فِيما يقولُ فقَدْ جاءَ في رِوايةٍ عندَ الإمامِ أحمدَ عنْ حديثِ أَبِي هريرةَ أنَّ النبيَّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: «مَن أتى كاهنًا أو عرّافًا فصَدَّقَه بما يقولُ فقد كفرَ بما أُنزِلَ علَى محمَّدٍ ﷺ»مسندُ أحْمَدَ (9536)، وصححهُ الألبانِيُّ .
وهَذا يبينُ أَنَّ الموضوعَ خطيرٌ وكبيرٌ ينبغِي الإنسانُ أنْ يُبعدَ عنهُ، ما يفعلهُ بعضُ الناسِ منَ الإِتيانِ عنْ جهْلٍ أسألُ اللهَ أنْ يتوبَ عليهمْ ويعْفُو عنهمْ وأن يستغفِرُوا وأنْ يَتركُوا الإتْيانَ للكُهَّانِ، الكُهَّانُ لا يزيدُونَ الناسَ إِلا شَرًا وضُرًا قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾الجن: 6 ويقولُ اللهُ تعالَى: ﴿وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾طه: 69 .
فينبغي للمؤمن أن يعتصم بالله وأن يلجأ إليه، وأن يعتمد عليه وأن يتوكل عليه وألا يلتفت إلى سواه، فالفرج والنجاة والسلامة في لزوم ما كان عليه هديه –صلى الله عليه وسلم- من تمام التوكل على الله والتعلق به والإخلاص له وإنزال الحوائج به، قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾النمل: 62 وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾البقرة: 186 .
فاللهُ تعالًى هوَ الَّذي يكشفُ كُلَّ كُرْبَةٍ وكُلَّ ضُرٍّ ينزلُ بِالإنسانِ ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾الأنعام: 64 فينبغِي للمؤمنِ أنْ يتوبَ إِلَى اللهِ منْ هَذا إِذا وقعَ منهُ، وأنْ يحسنَ عقيدتَهُ وأَلَّا يلتفتَ إِلَى سِوىَ اللهِ في قَضاءِ حوائجهِ فَهُوَ الصمدُ الَّذي يصمُدُ إليهِ جميعُ خلقهِ في سمواتهِ وأرضهِ، بلْ –سبحانهُ وبحمدِهِ- بهِ تُقْضَى حوائجهُ لا إلهَ إِلَّا هُوَ لهُ مقاليدُ السَّمواتِ والأَرْضِ.
المقدمُ:- أَيْضًا كانَ لهُ بعضُ الإِشْكالِ فيما يتعلقُ بلبسٍ رياضيٍ وأرادَ أنْ يلبسَ شيئًا جَدِيدًا فأعطوهُ شَيئًا جدِيدًا وهُوَ ربَّما لم يعلمْ أنهُ حلفَ في ذلكَ إِذا حنَثَ يا شيخُ ما الحكمُ عليهِ؟
الشيخُ:- الحنثُ عليهِ كفارةَ كَما تقدمَ الكفارةُ إِطعامُ عشرةِ مساكينَ أوْ كِسوتُهمْ أو تحريرُ رقبةٍ هذهِ المرتبةِ الأُولَى والمتيسرُ هُوَ الإِطْعامُ إِطْعامُ عشرةِ مَساكينَ مِنْ أَوْسطِ طعامِ البلدِ كِيلُو أوْ نَحْوِ ذلكَ مِنَ الطعامِ الَّذِي يأكلهُ أهلُ البلدِ تُعْطيهِ عشرةَ أشخاصٍ، فإنْ عجزَ أو لمْ تقدرْ علَى هذا القدرِ فإنهُ تَنتقلُ المرتبةُ الثانيةُ وهِيَ صِيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ.
وعليكَ التوبةُ إِلَى اللهُ قدْ أخذتَ حقَّ غيركَ، بمعْنَى أنهُ كانَ اللباسُ لِغيركَ فَلا يجُوزُ لكَ أنْ تأخُذهُ وإِذا كنتَ أخذتُهُ فَتُبْ إِلَى اللهِ حسبَ ما فهمْتَ أنَّ هَذا كانَ في سابقُ الزَّمانِ إِنْ كنتَ تستطيعُ معرفةَ صاحبِ الحقِّ فردَّ حقهُ إليهِ، بمعْنَى عوضهِ عما أخذتهُ منْ لِباسٍ إنْ كنتَ والله مضتِ الأيامُ وَلا أدري لمن اللباسُ وإنْ كنتُ أعرفهُ أعرفُهُ ما استطعتُ أنْ اهْتديَ إِلَيْه فتصدق عنهُ وادْعُو لهُ وأسأل اللهَ لِي ولك التوبة والمغفرةَ والعفوَ والتجاوزَ والصفحَ.
المقدم:- هنالك يا شيخ بارك الله فيك تساهل عند بعض المسلمين في بعض المجتمعات والبلدان فيما يتعلق بإتيان الكهنة أو السحرة أو المشعوذين نسأل الله –سبحانه وتعالى- لهم الهداية، لكن قبل الإجابة شيخنا والتعليق لهذا الموضوع لأهميته نأخذ هذا الاتصال من الأخت ريهام حياكِ الله يا ريهام.
المتصلة:- السلام عليكم.
المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: أنا لما أقرأ القرآن يأتيني سبحان الله أجلس أفكر في الآيات ويأتيني وسواس إذا قرأت القرآن وثاني شيء في الصلاة.
المقدم:- وسواس يعني كيف تخطئين في القراءة أو تنسين أين وقفتي؟
المتصلة:- لا ما أنسي أجلس أفكر في الآيات
الشيخ:- يعني في المعاني؟
المقدم:- تدبر يعني ولا ماذا جيد هذا؟ التفكر في الآيات أمر جيد؟
المتصلة:- قراءة القرآن أو أحيانا إذا كنت أصلي أغلط في الصلاة وأنسي كم صليت؟ ثاني شيء يا شيخ في صلاتي إذا أنا حلفت وما أتمت الحلف إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام هل هذه كفارة؟
الشيخ:- ما سمعتِ جوابنا قبل قليل؟
المتصلة:- لا والله ما سمعت يا شيخ
المقدم:- خير إن شاء الله بارك الله فيكِ نعم يا شيخ خالد.
الشيخ:- فيما يتعلق بالكفارة تكرر هذا السؤال المرة الثالثة الجواب أن كفارة اليمين ابتداء بالإطعام الذي يبدأ به الإنسان المرتبة الأولى الإطعام إن عجز عن الإطعام يصوم ثلاثة أيام وليس الأول الصيام إنما الأول الإطعام إذا قدر أن يطعم عشرة مساكين هذا هو الواجب بدلالة الآية في قوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾المائدة: 89 أو تحرير رقبة ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ هذا ما يتعلق بحنث اليمين.
أما ما يتعلق بسؤالها الأول وهو المتعلق بالوساوس، الوساوس طريق السلامة منها الإعراض عنها طريق السلامة من الوساوس أن تعرض عنه ولا تلتفت إليه ولا تقف عنده ولا ترجع تفكر فيه، كل من أصيب بالوسواس في أي باب من الأبواب، وفي أي أمر من الأمور طهارة، صلاة، إيمان، عبادة، في ذات الله جل في علاه أعرض عن هذا.
النبي –صلى الله عليه وسلم- وجه من بلي بالوسواس فيما يتعلق بالذات الإلهية أن يقول: أمنت بالله ورسله ولينتهي معنى لينتهي يعني ليقطع هذا التسلسل الذي يلقيه الشيطان في ذهنه وفي قلبه مما يتعلق بالذات الإلهية مما يتعلق بأي أمر من أمور الأمور الوسواس التي يوسوس فيها الشيطان لأن الاستمرار في هذه الوسوسة والمضي ورائها هو في الحقيقة في الإسلام في الشيطان ولكيده وينتهي به المطاف إلى الضيق والكدر وتنغيص العبادة والصرف عنها ويجعل العبادات الطاعات على قلب صاحبها العامل بها كالجبل.
فلذلك العلاج الوساوس وكثير من الناس يشكو من هذا العلاج للوساوس هو الإعراض عنها إذا عجز الإنسان عن أن يعرض عنها وتمكن منه الشيطان ولم يستطع الانفكاك منه من ذلك فلا حرج عليه من حيث الحرج لا حرج عليه نسأل الله أن يتوب عليه لكن عليه أن يبحث عن سبل العلاج الأخرى فثمة وسائل عديدة للعلاج من هذه الوساوس، ومن ذلك العلاج الطبي الذي يسره الله تعالى عند أهل الطب من أهل الطب النفسي وما دار في فلكه من العلوم، فالتخلص من الوساوس أن يبذل سبب فيما يتعلق بالخلوص من الوساوس بالاستعاذة بالله –عز وجل- واللجأ إليه وترك المضيء في هذه الوساوس إذا عجز عن ذلك فليطلب علاجًا.
وقد جاء جماعة إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- من أصحابه يشكون له ما يجدون من الوساوس وجههم إلى ما ذكرت أولا قال لهم: ذاك صريح الإيمان يعني ما تجدونه من الألم بسبب هذه الوسوسة وهذه المعاني القبيحة التي يقذفها الشيطان في نفوسكم لذا هذا الألم وهذا الكره هو من صريح الإيمان ثم أرشد النبي –صلى الله عليه وسلم- مثل هؤلاء فقال: قل أمنت بالله ورسله وأمر في حديث آخر بالانتهاء عن هذا فإن الاستعاذة بالله من الشيطان حماية ووقاية أعاذنا الله وإياكم من كيد الشيطان.
المقدم:- شكر الله لكم شيخنا على ما تفضلتم به من الحديث حول درس اليوم حول صيام أهل الأعذار وما تفضلتم به بالإجابة على أسئلة المستمعين لكن في الختام شيخنا كثير من المسلمين في بلدان شتى يعبدون الله –عز وجل- بنية طيبة، بنية صافية من صيام وصلاة وغير ذلك من العبادات، ولكن قد اقترفوا إثمًا كبيرًا ألا وهو إتيان الكهان أو السحرة والمشعوذين وما إلى ذلك مما يؤثر عليهم في دينهم وعقيدتهم واللجوء إلى غير الله، وهم لازالوا على عبادتهم لله –عز وجل- فلعلكم توجهون بارك الله فيكم حتى يراجع المسلم نفسه.
الشيخ:- إتيان الكهان من عظائم الذنوب وموبقاتها، وهي من طرائق التي قد توقع الإنسان في الكفر من حيث لا يشعر ولذلك حذر النبي –صلى الله عليه وسلم- من إتيان الكهان ونهى عنه ناهيًا مؤكدًا ومغلظًا ببيان عظيم العقوبة المترتبة على إتيان الكهان الذين يأتون إلى الكهان إما يطلبوا منهم علاج، وإما أن يطلبوا حل سحر وفك سحر، وإما يطلبوا منهم كشف مغيبات وكل هذه الأمور لا تنال ولا تدرك إلا باللجأ إلى الله –عز وجل- وإنزال الحاجة به –سبحانه وتعالى- فلا يعلم الغيب إلا الله جل في علاه ولا يكشف الضر إلا الله –عز وجل- ولا يملك تحويل ما بالإنسان من سوء وشر إلى الله –عز وجل- فبالتالي الإتيان إلى الكهان هو عبث وغلط كبير.
ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «مَن أتى كاهنًا أو عرّافًا فصَدَّقَه بما يقولُ فقد كفرَ بما أنزِلَ على محمَّدٍ ﷺ» هذا إذا صدق لأن تصديق الكاهن حقيقته تكذيب للقرآن الذي أخبر فيه الله أنه لا يعلم الغيب إلا الله.
وفي العقوبة أيضًا قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، وتصور هذا المعني معنى قوله: لا تقبل له صلاة أربعين ليلة يعني أن الإثم الذي يحصل للإنسان العقوبة والوزر الذي يحصل للإنسان بسبب إتيان الكهان وسؤال الكاهن يحبط عمل وأجر صلاة أربعين ليلة هذا شيء كثير يعني الصلاة أجرها عظيم وهي أحب العبادات إلى الله
المقدم:- الصلاة الواحدة لها قيمة يا شيخ.
الشيخ:- فكيف صلوات أربعين يومًا تذهب لإتيان كاهن حتى تسأل من سحر فلان، وين السحر الفلاني؟ وكيف أفك المشكلة الفلانية، وما أشبه ذلك مما أخبرني ما حظي؟ ما مستقبلي؟
المقدم:- مهما كانت حاجة الإنسان يا شيخنا إلى ذلك؟
الشيخ:- مهما كانت حاجة الإنسان حاجة الإنسان تقضي باللجأ إلى الله –عز وجل- الموحد أقوى الناس المتوكل على الله –عز وجل- أقوى الناس الله –عز وجل- يقول في محكم كتابه: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾الطلاق: 3 وكافيه وقال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾الزمر: 36 وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾الأنفال: 64 اللهُ كافيهِ مبلغهمْ ما يؤملُونَ فينبغِي الإنسانُ أنْ يصبرَ ويحتسبُ علَى ما نزلَ بهِ مِنْ بلاءٍ وأَلَّا يطلبَ الفرجَ إلا مِمَّنْ بيدهِ الفرجُ يا إِخْواني ويا أَخَواتي اللهُ تعالَى هُوَ الَّذي يكشفُ السُّوءَ فَلا كاشِفَ لهُ إِلَّا هُوَ ليسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشفٌ كَما قالَ تعالَى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾يونس: 107 تعتمدُ عليهِ وتتوكلُ عليهِ وتحسنَ الصلةَ بِهِ، فإنهُ قريبٌ مجيبٌ جلَّ في عُلاهُ أَسألُ اللهَ لِي ولكمْ حسنَ الصلةِ بهِ وأنْ يقضِي حوائِجنا وأنْ يصرفَ عَنا كلَّ سوءٍ وشرٍّ وأنْ يَنْصرنا عَلَى من عادَانا وأنْ يُؤْثِرنا ولا يؤثِرَ عليْنا، وأنْ يَهدِيَنا وييسرَ الهدَى لَنا وأنْ يوفِّقَنا إِلَى ما فِيهِ البرُّ والصَّلاحُ في السرِّ والعلنِ ويرزقَنا تمامَ الإخلاصِ لهُ والتوحيدَ لهُ وأنْ يُعِيننا وإياكمْ عَلَى الصالحاتِ وأنْ يُوفِّقَ وُلاةَ أمْرِنا إلَى ما يحبُّ ويرْضَى وأنْ يسددِهُمْ بالأقوالِ والأعْمالِ، وأنْ يَصْرِفَ عَنَّا وعنِ المسلمِينَ وعنِ البشريةِ الوباءَ وأن يُعيدَنا إِلَى أحسنِ ما كُنَّا في طاعةٍ وإيمانٍ وسلامةٍ وإسلامٍ.
المقدمُ:- شكر اللهُ لكمْ فضيلةَ الشيخِ الدكتورُ خالد المصلح الأُستاذ بكليةِ الشريعةِ بجامعةِ القصيم علَى ما تفضلتمْ بهِ وأفدتُمْ في ثَنايا في هَذا الدرسِ حولَ صِيامِ أَهْلِ الأعذارِ وَما ينبغِي لهمْ أيْضًا حولَ إِجابتكمْ وَتفضلتمْ بِالإجابَةِ لِلإِخْوَةِ الكرامِ منَ المستَمعينَ والمتابعينَ لكمْ عبرَ إِذاعةِ نِداءِ الإِسْلامِ شكرَ اللهُ لكمْ يا شيخَنا كذلكَ أنتمْ مُسْتمعِينا الكرام الشكرُ موصولٌ لكمْ علَى طيبِ المتابعةِ والإنصاتِ إِنْ شاءَ اللهُ الأحدُ القادمُ بِإذنِ اللهِ نتجددُ وإياكمْ علَى العلمِ والمعرفةِ بدينِ اللهِ –سُبحانهُ وتعالَى- في الختامِ هذهِ أطيبُ تحيَّةٍ منِّي محمد الجريني وأخِي لؤَي الحلَبي منَ الإِخراجِ والسلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.