×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / فإني قريب / الحلقة (10) التضرع إلى الله تعالى

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:الاثنين 22 ربيع الأول 1447 هـ - الاثنين 15 سبتمبر 2025 م | المشاهدات:509

الحمدُ للهِ ربِّ السماواتِ وربِّ الأرضِ ربِّ العرشِ العظيمِ، أحمدهُ حقَّ حمدهِ، لا أُحْصِي ثَناءً عليهِ هُوَ كَما أثنى على نفسهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ إلهُ الأولينَ والآخرينَ لا إلهَ إلَّا هُوَ الرحمنُ الرحيمُ، وأشهدُ أَنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ علَى محمدٍ وعلَى آلِ محمدٍ كَما صليتَ عَلَى إِبراهيمَ وعَلَى آلِ إِبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ.

أمَّا بعدُ:

فالسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، وأَهْلاً وسهْلاً بكُمْ أَيُّها الإخوةُ والأَخواتُ في هذهِ الحلقةِ الجديدَةِ مِنْ برنامجكُمْ فَإِنِّي قريبٌ،

في هذهِ الحلقةِ نَتناولُ أَدَباً مُهِمَّاً منْ آدابِ المؤمِنِ في عِبادتَهِ، وَفي دُعائِهِ عَلَى وجهِ الخُصُوصِ، إِنَّهُ التضرعُ إِلَى اللهِ تَعالَى، التضرعُ الَّذي يتضمَّنُ إِظْهارَ الفقْرِ إِلَى اللهِ تَعالَى، إِظْهارُ الضَّعْفِ والذلِّ وَالخضوعِ في السُّؤالِ والطلبِ، التضرُّعُ الَّذي هُوَ حكايةُ حالِ الإنسانِ عَلَى وَجْهِ الحقيقةِ، أَنا الفقيرُ إِلَى ربِّ البرياتِ، أَنا المسكينُ في مجموعِ حالاتي، أَنا الظلُومُ لِنفْسِي وَهِي ظالمةٌ، والخيرُ إِنْ يأْتِني مِنْ عِندهِ يأْتي، لا أَسْتطيعُ لِنَفْسِي جلْبَ منفعةٍ، وَلا عَنِ النَّفْسِ لي دفعَ المضراتِ، والفقرُ لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أَبداً، كَما الغِنا أبداً وصْفُ لهُ ذاتي.

وهذه الحال حال الخلق أجمعهم وكلهم عنده عبد له آتي، فمن بغى مطلباً من غير خالقه فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي، والحمد لله ملئ الكون أجمعه ما كان منه وما من بعده يأتي، إن التضرع لله عز وجل هو إظهار غاية الذل لله عز وجل، إظهار غاية الافتقار إليه جل وعلا، إظهار الاستكانة له.

إن التضرع في الدعاء لسان الافتقار يشرح الاضطرار إلى رحمة الله تعالى وفضله وإحسانه وجوده، التضرع والانكسار روح الدعاء ولبه ومقصوده، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيراً فتح له باب التضرع والذل ودوام الافتقار والانكسار بين يديه جل في علاه.

أيها الإخوة والأخوات! إن الله تعالى أمر المؤمنين والمؤمنات بالتضرع في الدعاء فقال: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾[الأعراف:55]، إن ترك التضرع في الدعاء من العدوان الذي نهى الله تعالى عنه، إن التضرع في الدعاء هو صفة دعاء أوليا الله عز وجل من الصالحين والمتقين، والأنبياء والمرسلين، يقول الله تعالى في وصف أولئك: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾[الأنبياء:90]، إن التضرع في الدعاء من أسباب إجابته، ولذلك جعله الله تعالى مما يستدفع به البلاء، قال جل في علاه: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾[الأنعام:42]، وَقالَ سُبحانهُ وبحمدهِ:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾[الأعراف:94]، فالتضرعُ عدُوُّ البلاءِ، فَما كُشفتِ البَلايا وَالمصائبُ وَما مُنعَ وقوعُ العذابِ والهلاكُ بمثلِ التضرعِ للهِ تَعالَى، وَالانْكسارِ بينَ يديهِ، وإِنزالِ الحاجةِ بهِ جلَّ في عُلاهُ، وإنّي لأدْعُو اللهَ والأَمرُ ضَيِّقٌ عليَّ فَما ينفكُّ أَنْ يتفرَّجَ،

وربُّ فَتىً ضاقتْ عليهِ وجُوهُهُ * أَصابَ لهُ في دَعوةِ اللهِ مخرَجا.

إنَّ التضرعَ للهِ عزَّ وجلَّ يَكُونَ بِالقلبِ، ويكُونُ بِاللسانِ، ويكُونُ بالحالِ، فالعبدُ إذا علِمَ عظيمَ قدْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وامتلأ قلبهُ يَقِيناً بعظيمِ فقرهِ إِلَى ربهِ كانَ ذلِكَ محققاً لِغايَةِ الذلِّ للهِ عزَّ وجلَّ في قَلْبِ العَبدِ فينعكِسُ ذلكَ عَلَى لِسانهِ، فَلِسانُ المرءِ ينطَقُ بِما امْتلأَ بهِ قلبهُ مِنْ ذُلِّهِ للهِ عَزَّ وجلَّ وَافتقارهِ إليهِ، وَاستكانتِهِ إِلَى ربِّهِ جَلَّ في عُلاهُ، ولذلكَ في بَعضِ الأَحيانِ يظهرُ ذلكَ عَلَى اللسانِ فَيخضعُ اللسانُ، حَتَّى قالَ بعضُ أَهْلِ العلمِ: إِنَّ التضرُّعَ يكُونُ بأَنْ يسأَلَ العبدُ اللهَ تَعالَى مسأَلةَ مِسكينٍ ذليلٍ قدِ انْكَسَرَ قلبهُ، وذَلَّتْ جوارحُهُ، وَخَشَعَ صَوتُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيكادُ تبلغُ بِهِ ذِلَّتُهُ، ومسكنتُهُ، وَضراعتُهُ، أَنْ يَنْكَسِرُ لِسانهُ عَنْ سُؤالِ ربهِ جَلَّ في عُلاهُ، فهَلْ يَكُونُ مَعَ هَذا رَفْعُ صَوْتٍ؟ كَلَّا واللهِ، إِنَّهُ لا يرتَفِعُ الصَّوْتُ في هَذا المقامِ، ولذلكَ قالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾[الأعراف:55].
إنَّ الخفْيَةَ في الدُّعاءِ هِيَ ثمرةٌ ما امتلأ بِهِ القلبُ مِنْ تَعْظيمِ اللهِ تَعالَى وَالذُّلِّ بينَ يَدَيْهِ وَالانْكسارِ لهُ وَالافْتقارِ إليْهِ جَلَّ في عُلاهُ.

إِنَّ التضرعَ كَما يَكُونُ في القلبِ وَاللسانِ يكونُ أَيْضاً في الصورةِ وَالحالِ، ومِنْ ذلكَ ما وصفَ بهِ ابنُ عباسٍ حالَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في خُروجِهِ للاستسقاءِ قالَ رضِيَ اللهُ عنهُ: خرجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ مُتبذِّلاً مُتواضِعاً مُتضرِّعاً أَيْ: مُظْهِراً التذللَ للهِ تعالَى عندَ الحاجةِ والطلَبِ.

إنَّ مِنَ التضرعِ إِلَى اللهِ عزَّ وجلَّ بالحالِ: أنْ يرفعَ يديهِ في سُؤالهِ ربَّهُ، وقدْ جاءَ ذلكَ في سُؤالِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في مَواضِعَ عديدةٍ في سُؤالهِ في الاستسقاءِ، وَفي سُؤالِهِ صَلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ عَلَى الصَّفا وَالمروةَ، وَفي سؤالهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدما دَعا لبعضِ أَصْحابهِ، كانَ يرفَعُ يديهِ رَفْعاً شَدِيداً حتَّى يُرَى بياضُ إِبطيْهِ، وَذاكَ مِنْ ذُلِّ الحالِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَيُّها الإِخْوةُ وَالأَخواتُ إِنَّ مِنْ أَسْبابِ التضرعِّ للهِ عزَّ وجَلَّ: أَنْ يَعْرِفَ الإِنْسانُ حالهُ، وأَنْ يعرفَ عَظِيمَ فقرهِ لربهِ جَلَّ في عُلاهُ، وَقَدْ قالَ بعضُ السلفِ: ما وَجدْتُ لمؤمنٍ في الدُّنْيا مَثَلاً إِلَّا مَثلُ رَجُلٍ عَلَى خشبةِ في البحْرِ وهُوَ يقُولُ: يا ربي يا ربي لعلَّ اللهَ أَنْ يُنجِّيَهُ، تأَمَّلْ هَذِهِ الحالِ هَذِهِ الصُّورةِ الَّتي لا يخلُوا عنْها حالُ الإنسانِ، كُلُّنا غَرْقَى إِنْ لم يُدركْنا اللهُ تَعالَى بِرَحْمَتِهِ، كُلُّنا هالِكُونَ إِلَّا أَنْ يتَداركَنا اللهُ تَعالَى بفضلِهِ وإِنْعامِهِ، ولذلِكَ جاءَ في الصَّحيحِ أَنَّ اللهَ تَعالَى يَقُولُ لِعبادهِ: « يا عِبادي كُلكمْ ضالٌّ إِلَّا مَنْ هديتهُ، فاستهدُوني أَهدكُمْ، يا عِبادِي كلكُمْ جائعٌ إِلَّا مَنْ أَطعمتهُ فاستطعمُوني أُطْعِمْكُمْ، يا عِبادِي كُلُّكُمْ عارٍ إِلَّا مَنْ كسوتُهُ فاسْتكْسُوني أَكسُكُمْ »، إنَّ الإنْسانَ مهْما عظمُتْ قُدرتُهُ، وعظُمُ مُلكُهُ، إلا أنَّهُ في غايَةِ الذلِّ وَالحاجَةِ إِلَى اللهِ عزَّ وجلَّ، لا ينفكُّ عنِ الحاجةِ إِلَى اللهِ عزَّ وجلَّ في دقيقٍ أو جليلٍ، في صَغيرٍ أَوْ كبيرٍ.

إنَّ مِنْ أَسْبابِ ظُهورِ التضرُّعِ للهِ عزَّ وجلَّ: أَنْ يُعلِّقَ العبدُ أَمانيهِ بِاللهِ عزَّ وجلَّ فَلا يتعلَّقُ بِسواهُ ذَاكَ أَنَّهُ لا مانِعَ لما أَعْطَى وَلا مُعْطِيَ لما منعَ، وأنهُ لا يأْتي بالحسناتِ إِلَّا اللهُ جلَّ وَعَلا، وَلا يدفعُ السيئاتِ إِلَّا هُوَ سُبحانَهُ وبحمْدِهِ، فاصدقْ في توجُّهِكَ إِلَى اللهِ عزَّ وجلَّ، علِّقْ قلبكَ بِهِ سُبحانهُ وبحمدهِ، إِيَّاكَ أَنْ تتعلقَ بِالخلقِ فإنهُ مَنْ تعلَّقَ بِالخلقِ وُكِلَ إِلَى هوانٍ وذُلٍّ وخَسارٍ.

إذا انقطعت أطمعا عبد عن الورى * تعلق بالرب الكريم رجاءه

فأصبح حراً عزةً وقناعةً * على وجهه أنواره وضيائه

وإن علقت بالخلق أطماع نفسه * تباعد ما يرجوا وطال عنائه.

فلا ترجوا إلا الله في الخطب وحده، ولو صح في خل الصفاء صفائه، فبقدر علم العبد بالله عز وجل، وعلم العبد بنفسه وفقره وضعفه وفاقته يتحقق له الضراعة لله عز وجل، ادعوا ربكم متضرعين إليه، اظهروا افتقاركم إليه جل في علاه فإن من أظهر الافتقار صادقاً في دعائه وسؤاله فتح الله له أبواب العطايا، واذكر ما قصه الله تعالى في دعوة موسى عليه السلام حيث قال: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾[القصص:24]، ما الذي أدركه بعد هذا القول؟ إنه أدرك الأمن الذي فقده، وأدرك النكاح الذي لم يكن متيسراً له، وأدرك العمل الذي يرتزق منه، بل أدرك ما هو أعظم من ذلك كله، أدرك النبوة، فقل صادقاً من قلبك: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾[القصص:24].

اللهُمَّ عاملْنا بما أنتَ أهلُهُ مِنَ الفضْلِ وَالإحسانِ، وارزُقْنا فوقَ ما نؤمِّلُ يا رب العالمينَ.

إلىَ أنْ نلقاكُمْ في حلقَةٍ قادمَةٍ مِنْ بَرنامجكُمْ فَإني قريبٌ، أستودعكُمُ اللهَ الَّذي لا تضيعُ ودائعُهُ، والسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات96132 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91883 )

مواد مقترحة

452. Jealousy
8216. مقدمة.
8275. مقدمة