الحمدُ للهِ حمْداً كَثيراً طيِّباً مُباركاً فيهِ كَما يحبُّ رَبُّنا ويرْضَى أحمدُهُ حقَّ حمدهِ لا أحْصِي ثَناءً عليهِ هُوَ كَما أثنَى عَلَى نفسهِ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ صفيهُ وخليلهُ خيرتهُ مِنْ خلقهِ اللهُمَّ صلِّ عَلَى محمَّدٍ وعلَى آلِ محمَّدٍ كَما صليْتَ علَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ أَمَّا بعدُ : فالسَّلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ وأَهْلاً وسَهْلاً بكُمْ أَيُّها الإخوةُ والأَخواتُ وَحياكمُ اللهُ في هذهِ الحلْقةِ الجديدةِ مِنْ بَرنامجكُمْ فَإني قريبٌ في هذهِ الحلقةِ سنتناولُ إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى شَيئا منْ أدعيةِ الصَّلاةِ الصَّلاةُ دُعاءٌ الدُّعاءُ هُوَ لُبُّ الصَّلاةِ وَرُوحُها هُوَ مَقصودُهُ وَغايتُها وَلِذلكَ كانَ أقربُ ما يكُونُ العبدُ في صلاتهِ وهُوَ ساجدٌ لذلِكَ نَدبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ المؤْمِنُ في هذهِ الحالِ الَّتي هِيَ أَعْلَى أحوالِ الصَّلاةِ قُرْباً إِلَى اللهِ تَعالَى أَنْ يُكثرَ مِنَ الدُّعاءِ ( قالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أقربُ ما يكُونُ العبدُ مِنْ ربهِ وهوَ ساجدٌ) و(قالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ وأَمَّا السُّجُودُ فأكثرُو بهِ مِنَ الدُّعاءِ فقمنٌ أنْ يُستجابَ لكُمْ )أَيْ حرِيٌّ وجديرٌ وقريبٌ أن يستجيبَ اللهُ تعالَى دَعواتكمْ في حالِ سُجودِكُمْ وأَنْواعِ الدعاءِ القوليِّ في الصلاةِ نَوعان دُعاءُ تمجيدٍ وثناءٍ وتعظيمٍ للهِ عزَّ وجلَّ وَهَذا في التكبيرِ والتسبيحِ وَالتحميدِ وَالتهليلِ وَكذلكَ دُعاءُ مسألةٍ وطلبٍ ومنْ أوائلِ مواضعِ دُعاءِ المسألَةِ وَالطلبِ ما جاءَ في دُعاءِ الاستفتاحِ الَّذي رواهُ البُخاريُّ ومسلمٌ منْ حديثِ أبي هريرةَ – رَضِيَ اللهُ عنهُ – قالَ كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَسكتُ بينَ التكبيرِ وبينَ القِراءةِ إِسْكاتةً ويقصدُ بالتكبيرِ تَكبيرةُ الإحرامِ فقلْتُ بأَبي وأُمِّي أنْتَ يا رَسولَ اللهِ إسكاتتكَ بي التكبيرِ وبينَ القِراءةِ ما تقولُ قالَ أقولُ اللهُمَّ باعِدْ بيني وبينَ خطايايَ كَما باعدْتَ بينَ المشرقِ وَالمغربِ اللهُمَّ نقَّني مِنَ الخَطايا كَما يُنقَّى الثوبُ الأَبيضُ مِنَ الدَّنسِ اللهمَّ اغسلْ خَطايايَ بالماءِ الباردِ وَالثلجِ والبردِ ) فهَذا أَوْلُ موضعٍ يُشرعُ فيهِ الدُّعاءُ المسألةُ في الصَّلاةِ أنْ يدْعُو اللهَ عزَّ وجلَّ بهذا الدُّعاءِ وأنهُ لمِنْ أَعظمِ الدُّعاءِ الَّذِي يفتتحُ بِهِ العبدُ مسألَتهُ أَنْ يَسأَلَ اللهَ تعالَى الوِقايةَ مِنْ خطإه وَ السلامةَ مِنْ ذُنُوبِهِ أَنْ يقيهُ اللهُ تعالَى شِئتُمْ سَيَّئاتِهِ فَإِنَّ مِنْ أَعْظمَ ما يحولُ بينَ العبدِ وبينَ ربهِ ما يكونُ مِنْ سيئاتِ وَخطايا فلذلكَ شُرِعَ في أولِ مَواضعِ الدُّعاءِ في الصلاةِ أَنْ يتضرعَ المؤمنُ إلى ربهِ جلَّ في عُلاهُ أَنْ يُباعِدَ بينهُ وَبينَ الخَطايا فعلًا وأثرًا فيقولُ اللهمَّ باعدْ بيني وبينَ خطايايَ كَما باعدتَ بينَ المشرقِ والمغربِ في هذا الدُّعاءِ يسألُ المؤمنُ ربُِّهُ جلَّ في عُلاهُ أَنْ يُباعِدَ بَينهُ وَبينَ الخَطايا أَنْ يجعَلَ الخَطايا بَعِيدةً عنهُ سواءٌ منْها ما كانَ قَدْ وقَعَ فِيهِ مِنْ ترْكِ وَاجِباتٍ أوْ انتهاكٍ للحُرماتِ وكذلكَ الخطايا التي يُخْشَى مُواقعتُها اللهُمَّ باعدْ بيني وبينَ خَطايايَ كَما باعدْتَ بينَ المشرقِ والمغربِ وهذهِ أَبعدُ المسافاتِ الَّتي يمثلُ بِها العربُ بُعدَ المشرقِ عنِ المغربِ اجعلْها بعيدةً مني في آثارِها وشؤْمِها كبعْدِ المشرقِ وَالمغربِ وَقِني الوُقوعَ فِيها وإتيانِها وارزقْني اجتنابَها كَما باعدْتَ بينَ المشرقِ وَالمغربِ ثُمَّ يَقُولُ بَعدَ ذلِكَ وَنَقِّني مِنَ الخطايا أيْ طهرني ونظِّفْني وأَزلْ ما علَقَ بِقلْبي وَصَحائفِي منْ تلكَ الأَعْمالِ والخَطايا والسيِّئاتِ كَما يُنَقَّى الثوْبُ الأَبْيضِ مِنَ الدنَسِ أَي كَما يُنَظَّفُ ويغسلُ الثوبُ الأبيضُ الَّذي علقَ بهِ درنٌ أو وسخٌ وعين لون الثوب بالأبيض لأنه اللون الذي يظهر به الدرن والوصخ ويظهر به النظافة والنقاء ثم قال اللهم إغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد وهذا تأكيد للتطهير ومبالغة فيه اللهم إغسل خطاياي أي إمحها وأزلها ونقني منها بالماء والثلج والبرد أما الماء فهوا الطهور الذي يزيل الأخباث ويرفع الأحداث وأما الثلج والبرد لأنهما لم يستعملا في تنظيف شيءٍ قبل ذلك فكان إستعمالهما أقوى ما تزال بهي الأدران والأوساخ وأثارالمعاصي والسيئات فتضمن هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح به صلاته سؤال الله تعالى الوقاية من الذنوب وشئمها وسؤال الله تعالى النقاء والنظافة من آثارالذنوب وأوضارها ومناسبة هذا الدعاء في أول الصلاة أن المصلي يقوم بين يدي ربه جل وعلى يناجيه فشرع له أن يسأل الله تعالى أن يباعد بينه وبين أسباب البعد وبين الله تعالى وهي الذنوب وأن يطهره منها ليصلح حين إذن لتقريب والمناجات فيستكمل فوائد الصلاة ويجني ثمارها من المعرفة والأنس والخشوع والمحبة فتصير صلاته ناهية له عن الفحشاء والمنكر وهي الصلاة النافعة التي أمر الله تعالى بها المؤمنين والمؤمنات ثم بعد ذلك يستعيذ المؤمن بالله تعالى من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه والإستعاذة بالله عز وجل هي إحتماء به وإعتصام به فعندما تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أحتمي به وأعتصم وألتجئ إليه جل في علاه أن يعصمني من الشيطان من تسلطه ومن وساوسه ومن كيده ومكره ومن تزينة وصرفه فالإستعاذة بالله عز وجل مناسبة لهذا المقام فإن المصلي قائم بين يدي الله عز وجل لمناجاته فيحسن أن يستعيذ به من أن يتسلط عليه شيطان فيصرف وجهه أو يصرف قلبه عن الإقبال عن ربه جل في علاه بعد ذلك يفتتح المؤمن صلاته بقراءة الفاتحة التي تضمنت أعظم الأدعية وأهمها وبها تصلح الدنيا والآخرة إنهوا دعاء الفاتحة ( إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم *غيرالمغضوب عليهم ولا الظالين ) ثم بعد ذلك يقراء ما تيسر معه من القرآن ويسير في ذلك على هدي خير الأنام فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ فكانت قراءته صلى الله عليه وسلم قراءة تعبد يقف عند آيات الرحمة فيسأل الله تعالى من فضله ويقف عند آيات العذاب يستعيذ به من سخطه وعذابه فإذا مر مثلاً بذكر الجنة يقف ويقول اللهم إجعلني من أهلها اللهم إني أسألك الجنة اللهم إني أسألك هذا الفضل وإذا مر بآيت وعيد وقف وقال أعوذ بالله من ذلك أو أعوذ بالله من النار أو أعوذ بالله من سخطه ونحوا ذلك هكذا هي قراءة المؤمن يقرأ بحظور قلب يسأل الله تعالى من فضله ويستعيذ به من عذابه وسخطه جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث جابر إبن عبد الله - رضي الله عنه – قال لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم )قال أعوذ بوجهك ( أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك)) فكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى ويعتصم به عند آيات العذاب كما كان يسأله عن آيات الرحمه اللهم إجعلنا من أوليائك وحزبك وإرزقنا ياذا الجلال والإكرام لذة مناجاتك خذ بنواصينا ماتحب وترضى واصرف عن السوء والفحشاء إلى أن نلقاكم في الحلقة القادمة من برناجكم فإني قريب أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .






