الحمدُ للهِ ملْءَ السَّمواتِ وملءَ الأرضِ ومِلءَ ما بينهُما وملْءَ ما شاءَ مِنْ شيءٍ بعدَ أهْلِ الثناءِ وَالمجدِ أَحَقُّ ما قالَ العبدُ وكُلُّنا لهُ عبدٌ أحمدهُ حقَّ حمدهِ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحْدهُ لا شَريكَ لهُ وأَشهدُ أنَّ محمَّدا عبدُ اللهِ ورسُولهُ خيرتُهُ مِنْ خلقهِ أعبدُ الناسِ لربهِ اللهُمَّ صلِّ عَلَى محمَّدٍ وعلَى آلِ محمَّدٍ كَما صليتَ عَلَى إبراهيمَ وعَلَى آلِ إِبراهِيمَ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ أَمَّا بعدُ : فَالسلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ وأهْلاً وسهْلاً بكُمْ أَيُّها الإخوةُ والأَخواتُ في هذهِ الحلقةِ الجديدةِ مِنْ برنامجكُمْ فَإني قريبٌ في هذهِ الحلقةِ نَتناولُ بعضَ أدعيةِ الصَّلاةِ إِنَّ المصلِّي يتنقَّلُ بينَ هذهِ الأَعمالِ المباركةِ , قِياماً وركُوعاً , واعتِدالاً وسُجوداً , وجلُوساً وسُجُوداً ثمَّ قُعُوداً هَكَذا هِيَ أعمالُ الصَّلاةِ وكلُّها أعْمالٌ جليلةٌ فاضلَةٌ لِكُلٍّ مِنْها لَذَّةٌ لكُلٍّ مِنها عُبودِيَّةٌ خاصَّةٌ لا يُدركُها إِلَّا الصَّالحونَ الَّذينَ يتعبَّدُونَ للهِ تعالَى بِقلُوبهمْ قبلَ جَوارحهِمْ الَّذِينَ يُقبلُونَ علَى اللهِ تَعالَى بِقلُوبهِمْ قبْلَ أَبْدانهِمْ أُولائِكَ هُمُ الَّذِينَ يذوقُونَ لذةَ الصلاةِ وهُمُ الذينَ يُدركُونَ مِنَ النُّور أَوفَرَ حظٍّ وأعظمَ نصيبٍ أيُّها الإخوةُ والأَخواتُ إنَّ مِنْ مَواطِنِ الدُّعاءِ في الصَّلاةِ بينَ السجدتينِ فإنهُ إِذا رفَعَ رأسهُ مِنْ السُّجودِ واعتدلَ جالِساً شرعَ لهُ أنْ يتضرَّعَ إِلَى ربهِ بِأنْ يُكثرَ مِنَ الاستغفارِ فيكررُ كَما جاءَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رَبِّي اغفرلي رَبِّ اغفرلي ربِّ اغفرلي كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ يُكررُها في هذهِ الجلْسةِ وَإِنَّ تَكرارَ الاستغفارِ في هذهِ القَعدةِ إيذانٌ بِأنَّ العبدَ لم يُوفِّ اللهَ تَعالَى حقَّهُ مهْما تقلَّبَ في طاعَتِهِ قِياماً وركُوعاً وَسُجُوداً فحَقُّ اللهِ تَعالَى أعظَمُ مِنْ أَنْ يدْركَهُ العبدُ ولذلكَ يكثرُ مِنَ الاستغفارِ فَيقولُ ربِّ اغفرلي رَبِّ اغفرلي ربِّ اغفرلي وَإِنَّ سُؤالَكَ أَيُّها المؤْمِنُ وأَيُّتها المؤمنةُ وإِنَّ سَؤالكَ المغفرةَ يا عبدَ اللهِ وَيا أَمَةَ اللهِ مَعْناهُ أَنكَ تطلُبُ مِنَ اللهِ تَعالَى أَنْ يَتجاوَزَ عَنْ سَيِّئاتِكَ أَنَّ يَستُرَ عُيوبَكَ أَنْ لا يأْخُذكَ بخطاياكَ وَهَفواتِكَ فالاستغفارُ يتضمَّنُ تحقيقَ مطلبينِ المطلبُ الأولُ أنْ يسترَ اللهُ تعالَى ما كانَ مِنْ سيئِ العملِ ومنَ المعاصِي سواءٌ كانَ ذلكَ في تركِ الواجباتِ أَوْ في التورطِ في المعاصِي وَالسيئاتِ والأَمْرِ الثَّاني يسألُ اللهَ تَعالَى أَنْ يسترَ عنهُ ما كانَ منْ سيئِ عملِهِ سَواءٌ كانَ ذلِكَ في تركِ الواجباتِ أوْ كانَ ذلكَ في فِعْلِ الخطايا وَالسيئاتِ وقَدْ ( جعلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنهُ كانَ يقولُ بينَ السجْدتينِ اللهُمَّ اغفرلي وَارحمني واجبرْني واهدِني وارزُقْني وَعافِني ) هَكذا جاءَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وسلَّمَ في بعضِ ما نُقلَ عنهُ مِنَ الدُّعاءِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ( وقَدْ جاءَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عباسٍ عنْدَ أصحابِ السُّننِ أَيْضاً أنَّهُ كانَ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ بينَ السَّجدتينِ اللهُمَّ اغفرلي وَارحَمْني وَاجبرْني وَاهدِني وَارزقْني كانَ يقولُ ذلِكَ صَلىَّ اللهُ عليهِ وسلَّمَ وَفي بعضِ الرِّواياتِ يزيدُ وارفَعْني ) وقدْ تقدَّمَ مَعَنا اللهُمَّ اغفرلي وَإِذا حصلتِ المغفرةُ طمِعَ الإنسانُ في مزيدِ إِحْسانهِ فقالَ وَارحمْني قدْ جاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عباسٍ - رضِيَ اللهُ عنهُ – (أنهُ كانَ يقُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: بينَ السَّجدتَيْنِ اللهُمَّ اغفرلي وَارحْمني وَعافِني وَاهْدِني وَارْزقني وفي بعضِ الرواياتِ وارفعْني) وَالمغفرةُ حطُّ الذنوبِ وَالخطايا وَالسيئاتِ وَسترُها منْ رحمتهِ إِيصالُ كلِّ إحسانٍ و خيرٌ للعبدِ , وَالمعافاةُ هِي تسليمُ العبدِ منْ كلِّ ما يخافُهُ في نفسهِ ومالهِ وأهلهِ , واهدني أَيْ وفقْني إلَى سلوكِ الطريقِ المستقيمِ وأَعْني علَى الثباتِ عليهِ وَالزيادةِ منهُ وارزقْني , منْ كلِّ رزقٍ تصلحُ بهِ حالي منْ رزقِ القُلوبِ بِالإيمانِ والتقْوَى , وَالجوارحُ بِالعملِ الصالحِ ومنْ رِزْقِ الدُّنْيا الَّذي يحصُلُ بهِ الاكتفاءُ والإقتناءُ , وارفعْني أيْ بِطاعتكَ والتزامِ هَديكَ فإنَّ اللهَ يرفعُ بِالكتابِ أَقْوماً ويضعُ بهِ آخرينَ واجبرْني , أيْ أخلفني خيراً في كُلِّ ما أَصابَني مِما أكرهُ وهذهِ الدَّعواتُ بِها تجتمعُ سعادةُ الدُّنيا وَالآخرةِ بها تكملُ حياةُ الإِنْسانِ وآخرتُهُ ثُمَّ يرجعُ العبدُ ساجِدا ً للهِ تَعالَى مُتزوداً بزادِ التقْوى تَعْظِيماً للهِ عزَّ وجَلَّ وَسُؤالٌ لهُ جلَّ في عُلاهُ وإنَّما تكررَ السجودُ في الركعةِ لعظيمِ حاجةِ الإنسانِ إِلَى السجودِ وَما فيهِ منَ الخيرِ وَالمنافعِ فأقربُ ما يكُونُ العبدُ منْ ربهِ وهُوَ ساجِدٌ ثم يفعلُ المصلِّي في ركعتهِ الثانيةِ ما فعلهُ في ركعتهِ الأُولَى حتىَّ إِذا رفعَ رأسهُ منَ السجود الثاني في الركعةِ الثانيةِ جلَسَ بينَ يدي ربهِ جلٌ في علاهُ مُطرقاً رأسهُ ذَليلاً بينَ يديهِ مُثْنياً عليهِ جَلَّ وعَلا بأفضلِ التحياتِ الَّتي لا تصلحُ إِلَّا لهُ وَلا تليقُ إِلَّا بِهِ جلَّ في عُلاهُ ويقولُ : التحياتُ للهِ والتحياتُ كلُّ تحيةٍ يُحيّا بِها عظيمٌ منْ سُجودٍ أو ثناءٍ أو بَقاءٍ أَوْ دوامٍ فهِي للهِ جلَّ وَعَلا وقَدْ قيلَ في تفْسيرِ التحياتِ بأَنَّها الملكُ وَقِيلَ بِأَنَّها البَقاءُ وَالدوامُ والمعْنَى الجامعُ التحياتُ كلُّ تحيةٍ مباركةٌ يحيىَّ بِها عظيمٌ مِنْ سُجودٍ أوْ ثَناءٍ أوْ بَقاءٍ أَوْ دوامٍ فَهِيَ للهِ عزَّ وجلَّ هُوَ المستحقُّ لهُ سبحانهُ وبحمدِهِ لا يستحقُّها سواهُ ثُمَّ قالَ وَالصلواتُ والصلواتُ كلهُّا لهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ فكَما أنَّ التحيةَ لهُ فَكذلِكَ الصَّلاةُ والعبادةُ لا تَنبغِي إِلَّا لهُ ثمَّ عطفَ الطيباتُ لأنهُ جلَّ في عُلاهُ طيبٌ لا يقبلُ إِلَّا طيبٌ فَهُوا سبحانهُ وَتَعالَى طيبٌ وكلامهُ طيبٌ وفعلهُ طيبٌ ولا يَصْدرُ عنهُ إِلَّا طيبا ولا يُضافُ إِليهِ إِلَّا طيبٌ وَلا يصعدُ إِليهِ إِلَى طيبٌ فالطيباتُ كُلُّها للهِ وَصْفاً وفعْلاً وقوْلاً ونسبةً سبحانهُ وبحمدهِ وبعدَ هذا التمجيدُ والتحميدُ والتقديسُ والثناءُ عليهِ جلَّ في عُلاهُ يأْتي حقُّ أعظمِ الناسِ حقَّاً وهوَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ فيسلمُ عليهِ المؤمِنُ قائِلاً السلامُ عليكَ أَيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ وهَذا دعاءٌ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بأَنْ يسلمهُ اللهُ تعالَى وأنْ يرحمهُ وأَنْ يُضاعِفَ عليهِ منَ البركاتِ ما يعْلُوا بِهِ شأنُهُ ويعظمُ بهِ أمرهُ ويكتفِي بهِ شرُّ خصومهِ فيهِ ويدفعُ اللهُ تعالَى بهِ شَرَّ أعدائهِ ثم يدْعُو لنفسهِ بعدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيقولُ السلامُ علينا ثمَّ يعطِفُ بعدَ ذلِكَ السلامُ علَى كُلِّ عبدٍ للهِ صالحٍ وعَلَى كلِّ عبادِ اللهِ الصَّالحينَ ثُمَّ بعْدَ ذلِكَ يأْتي بِالشهادتينِ أشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللُه و أنَّ محمدا رسولُ اللهِ وبعدَ ذَلكَ يَقُومُ المصلِّي إِلَى بقيةِ صلاتهِ إِنْ كانتْ صَلاتُهُ أكثرَ منْ ركعتينِ ثمَّ إِذا جلسَ في الجلسةِ الأخيرةِ قبلَ السلامِ يجلسُ كَما جلَسَ في التشهدِ الأولِ فيقولُ التحيةُ عَلَى النحوِ الَّذي تقدمَ وبعدَ ذلكَ يُصلِّي علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأَكْمَلُ صيغِ الصلاةِ عليهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : اللهُمَّ صلَّي علَى محمدٍ وعَلَى آلِ محمَّدٍ كَما صليتَ عَلَى آلِ إِبْراهيمَ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ وباركَ عَلَى محمَّدٍ وعلَى آلِ محمَّدٍ كَما باركتَ عَلَى إِبراهيمَ معْنى قولِ النبيِّ اللهُمَّ صلَّي علَى محمَّدٍ أنَّكَ تَسألَ اللهَ تَعالَى لنبيهِ محمَّدٍ خيراً كثيراً في الدُّنيا وَالآخِرةِ عطاءً جزيلاً في الدُّنيا وَالآخرةِ هَذا معْنَى الصَّلاة علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وبعدَ ذلكَ يتخيرُ المؤمنُ منَ الدُّعاءِ ما شاءَ ( فقدْ قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم : كَما في حديثٍ عبد اللهِ ابنِ مسعودٍ – رَضِيَ اللهُ عنهُ - ثمَّ ليتخيرْ مِنَ الدُّعاءِ أعجبهُ إِلَيْهِ فَيسأَلُ اللهَ تَعالَى ما شاءَ منْ فضلهِ وإحسانهِ وبرهِ وعطائهِ مِنْ خيرٍ الدُّنْيا وَمِنْ خيرِ الآخرةِ) وَمِنْ أهمِّ ما يسألهُ المؤمنُ في هَذا الموضِعِ الَّذي هُوَ مِنْ أهمِّ مَواضعِ إِجابةِ الدُّعاءِ أنْ يَستعيذَ بِاللهِ مِنْ أَربعِ كَما أَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ فيقولُ اللهمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عذابِ القبرِ ومِنْ عَذابِ جهنمَ ومنْ فتنةِ المحيا وَالمماتِ ومِنْ فتنةِ المسيحِ الدجَّالِ فهذهِ الأربعةِ هِيَ أُصُولُ الشُّرورِ في الدُّنْيا والآخرةِ إِذا سلَّمَ مِنْها وَعصمَ اللهُ تَعالَى العبدُ مِنْها سلمَ أعْلَى السلاماتِ ونَجَى مِنْ كُلِّ عطبٍ وهَلاكٍ في الدُّنيا وَالآخرةِ وكذلكَ يَدْعُوا بِما وردَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللُه عليهِ وسلَّم كَما في وصيتهِ لمعاذِ لا تدعنَّ دُبر كُلِّ صَلاةٍ أَنْ تَقولَ اللهُمَّ أَعِنِّي علَى ذِكركَ وشُكركَ وحُسْنِ عبادتِكَ وَ (كَما علَّم أَبا بكرٍ – رَضِيَ اللهُ عنهُ - لما قالَ علِّمْني دُعاءً أدْعُوا بِهِ في صَلاتي فقالَ لهُ قلْ اللهُمَّ إِنِّي ظلمتُ نفْسِي ظُلْماً كثيرًا وإنهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إِلَّا أنتَ فاغفرْ لي مَغْفرةً منْ عندكَ وَارحمني إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرحيمُ هَكَذا هِيَ الصَّلاةُ مليئةٌ بالدُّعاءِ مِنْ أَوَّلها إِلَى آخِرها لَيْسَ فِيها إِلَى تعظيمِ اللهِ بِدُعائِهِ تَعْظِيمَ اللهِ بِالثناءِ عليهِ تَعظيمِ اللهِ قيما ًوركُوعاً وَسُجُوداً وقُعُوداً اللهُمَّ أَعِنِّى علَى ذِكركَ وشكركَ وارزقْنى حُسْنَ عِبادتِكَ) إِلَى أَنْ نلْقاكمْ في حلقةٍ قادِمَةٍ منْ برنامجكُمْ فَإِنِّي قريبٌ أستودعكمُ اللهَ الَّذي لا تضيعُ وَدائعهُ والسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ






