×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / فضائيات / الزكاة والفقر

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:السبت 30 ذو القعدة 1434 هـ - الاربعاء 22 أكتوبر 2014 م | المشاهدات:5174

المقدمُ: أيُّها الإخوةُ والأخواتُ السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبرَكاتُه، مرحبًا بكم في حلقةٍ جديدةٍ مِن برنامجِ "باغي الخيرِ"، موضوعُ حلقتِنا لهذا اليومِ عَن الزكاةِ والفقرِ، وأما ضيفي فهو فضيلةُ الشيخِ الدكتورُ خالدٌ المصلحُ أستاذُ الفقهِ بجامعةِ القصيمِ مرحبًا بكم.

الشيخُ: أهلًا وسهلًا مرحبًا بك اللهُ يحييك، وحيَّا اللهُ المشاهِدين والمشاهداتِ.

المقدمُ: اللهُ يسلمُك ويخليك، سعداءُ بوجودِك معَنا الأسبوعَ الثاني. سعادةَ الدكتورِ نحن اليومَ نتحدثُ عَنِ الزكاةِ والفقرِ، وسؤالٌ متبادرٌ إلى ذهنِ السامعِ والمشاهدِ، وكذلك نحن أيضًا: لماذا خفَّ وهجُ الحديثِ عَنِ الزكاةِ، وحضورُها في حياةِ الناسِ رغمَ أنها الركنُ الثاني مِن أركانِ الإسلامِ أو الثالثِ؟

الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وأُصلِّي وأسلِّمُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمعين.

أما بعدُ:

فأشكرُك على هذا السؤالِ، لم أتوَقعْه لكنه في الحقيقةِ مِن توفيقِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ أن يُطرحَ هذا السؤالُ بينَ يَدي هذه الحلقةِ، وبين أيضًا هذه القضيةِ التي فعلًا كما ذكرتَ توصيفًا دقيقًا فقدَتْ وهجَها في الإعلامِ، في حياةِ الناسِ، في معالجةِ مشاكلِهم، في نواحٍ عديدةٍ ليسَ فقط إعلاميًا، لكنَّ الإعلامَ هو صورةٌ ونموذجٌ مِن فقْدِ الوهجِ لهذه الشعيرةِ العظيمةِ مِن شعائرِ الإسلامِ.

وإذا طُرحتِ الزكاةُ طُرحتْ إما في برامجَ إفتائيةٍ، وأيضًا يسألُ عنها الذي يسألون عَن أسئلةٍ جزئيةٍ محدودةٍ: هل في الحليِّ زكاةٌ أو ليسَ فيه زكاةٌ؟ وما أشبهَ ذلك مِنَ المسائلِ المهمةِ ذاك التي لا تُعطي تصورًا شموليًّا كاملًا لهذه الشعيرةِ العظيمةِ التي تبوأَتْ هذه المنزلةَ الكبرى في الشريعةِ الإسلاميةِ أن كانتِ الركنَ الثالثَ بعدَ الشهادتين، والركنَ الثانيَ بعدَ الصلاةِ وهي مِن حيثُ الأركانُ العمليةُ هي الركنُ الثاني في الأركانِ العمليةِ، بُني الإسلامُ على خمسٍ: «بُنِيَ الإِسَلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأَنَّ مُحمداً رسولُ اللَّهِ، وإِقامِ الصَّلاةِ، وَإِيتاءِ الزَّكاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمضانَ»صحيح مسلم (16).

هذه الشعيرةُ تتبوأُ منزلةً كبرى فهي قرينةُ الصلاةِ في كتابِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ وعلَيها دارَتْ أولَى المعاركِ في حياةِ هذه الأمةِ بعدَ نبيِّها ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في حياةِ أبي بكرٍ الصديقِ ـ رضيَ اللهُ عنهُ ـ عندَما منعَ قومُه الزكاةَ، فقالَ: لأقاتلنَّ مِن فرقٍ بينَ الصلاةِ والزكاةِ، واللهِ لو منعوني عقالًا، العقالُ هو الذي يربَطُ به الإبلُ حتى لا يَهربوا، مثلُ هذا يكونُ في القدمِ ليسَ في الرأسِ [ضحك]، لو مَنعوني عقالًا كانوا أو عناقًا يُؤدونه إلى رسولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم َـ لقاتلتُكم علَيهِ.

وهذا ليسَ لكونِه يحتاجُ إلى عقالٍ أو عناقٍ، لكن هي اختلالٌ لركنٍ أساسٍ مِن أركانِ هذا الدين الذي جاءَ به النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لإصلاحِ حالِ البشريةِ ليسَ في الجزيرةِ العربيةِ، ولا في مناطقِ الفقرِ إنما في الدنيا كلِّها غنيِّها وفقيرِها، لماذا فقدَتِ الوهجِ؟

أنا في ظَنِّي أن هُناك أسبابًا عديدةً لفُقدانِ وهجِ الزكاةِ مع عظيمِ مكانتِها:

- أولًا: أن الزكاةَ خرجَتْ عَن مسارِها المقصودِ شَرعًا، اللهُ ـ تعالى ـ مِن شدةِ عنايتِه بعبادةِ الزكاةِ لم يُبينْ ـ جلَّ في عُلاه ـ الأموالَ التي تُخرُجُ منها الزكاةُ، القرآنُ جاءَ بيانُها في السنةِ لكن في المخارجِ والمصارفِ بينَها بصورةٍ محسومةٍ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ[التوبة:60]، وحتى يقطعَ أيَّ نوعٍ من أنواعِ الاستفهامِ الذي يمكنُ أن يُساقَ مساقَ الاعتراضِ على هذه الأصنافِ قالَ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[التوبة:60]، فهذا التحديدُ لهذه الأصنافِ، وهذا النصُّ إنما هو ناتجٌ عَن علمٍ، وعَن حكمةٍ، فحتى لو خَفيتِ الحكمةُ عَن شخصٍ أو قالَ: يعني لماذا لا نوسعُ؟ ولماذا لا نضيقُ؟ ولماذا لا نحصرُ؟

يعودُ الأمرُ إلى أن هذا هو فرضُ العليمِ الحكيمِ الذي لن يأتيَ أحدٌ بأكملِ منه حُكمًا. إذًا يعني مِنَ الأسبابِ هو أن الزكاةَ أصبحتْ محدودةَ الأثرِ في حياةِ الناسِ بسببِ أنها لم يُعرفْ مقامُها في الشريعةِ، يعني عنوانُ الإصلاحِ العمليِّ الذي جاءتْ به الشريعةُ جاءَ بأمرَينِ:

- إصلاحِ ما بينِ الخالقِ والخلقِ.

- وما بينَ الخلقِ أنفسِهم.

الأولَى عالجَتْها الصلاةُ فالصلاةُ هي عنوانُ الصلاحِ بينَ العبدِ وربِّه، وأما عنوانُ الصلاحِ بينَ الإنسانِ والناسِ والمحيطِ والمجتمعِ هو الزكاةُ، ولذلك كانَ بهذه المنزلةِ. الحقيقةُ أن الزكاةَ الآنَ أصبحتْ في أذهانِ كثيرٍ مِنَ الناسِ يعني أشبهَ ما يكونُ بالضريبةِ، بالإتاوةِ، يخرجُها يعني دونَ إدراكٍ لمَعناها، والاستشعارِ لمَغْزاها، ولا أيضًا التأدبُ بآدابِ الإخراجِ، لا مِن حيثُ التحرِّي في مصارفِها، ولا من حيثُ عدمُ المنِّ بها فتجدُه يُخرِجُ ويشعرُ أنه متفضلٌ على الناسِ في حينِ أن اللهَ هو المتفضلُ عَلَيك أن يسرَ لك المالَ، وهو المتفضلُ عليك في إخراجِه، وهو المتفضلُ عَليك أن أوجدَ لك جهاتٍ تصرفُ فيها المالَ.

أيضًا مِنَ الأسبابِ التي يعني فقدَتِ الزكاةُ وهجَها أنها في الحقيقةِ انحصرَتْ في مصرفٍ واحدٍ، أو مصرفَينِ، في أذهانٍ كثيرٍ مِنَ الناسِ، الآنَ لما تأتي.. نحن عنوانُ حلقتِنا [الفقرُ والزكاةُ]، طيب وبقيةُ المصارفِ هي ثمانيةٌ، الفقرُ هو واحدٌ منها وإن كانَ الفقرُ والمسكنةُ منها..

المقدمُ: لأنه هو الأهمُّ وهي لم تعالجْ بعدُ.

الشيخُ: صحيحٌ بالتأكيدِ، بس أنا أردتُ أن أبيِّنَ أنه لما انحصرتِ المصارفُ قلَّ التأثيُر، يعني وأصبحَ معالجةً لجزئيةٍ في حياةِ الناسِ، الفقرُ هو جزئيةٌ مِن حياةِ الناسِ، لكن هناك جزئياتٌ أخرَى وأبوابٌ أخرى أيضًا الزكاةُ جاءتْ لمعالجتِها، والناسُ عنها غافلونَ.

هذه بعضُ الأسبابِ التي يمكنُ أن يقالَ أنها سببتْ فقدانَ الزكاةِ لوهجِها، أيضًا يعني هُناك عدمُ توعيةٍ، ضعفٌ في الطرحِ الإعلاميِّ، ضعفٌ في الطرحِ الشرعيِّ، أسبابٌ عديدةٌ يمكنُ أن تكونَ أيضًا أنه نحنُ لا نفهمُ الزكاةُ، ولا نسمعُ عنها، ولا يتداعى الناسُ لها إلا في رمضانَ، ورمضانُ شهرٌ في السنةِ، وبالتالي أصبحتْ لا وجودَ لها ولا حضورَ، لما يجي واحدٌ فيه شيءٌ محرمٌ له حاجةٌ أو هو مِن أهلِ الزكاةِ قالوا: انتظرْ حتى يأتيَ رمضانُ، إذًا هو سيجوعُ، ثمانيةُ أشهرٍ مِن محرمٍ إلى رمضانَ حتى يأخذَ الزكاةَ.

المقدم: واللهُ ما يريدُ هذا.

الشيخ: بالتأكيدِ اللهُ لا يريدُ هذا، لم يجعلِ اللهُ رمضانَ محلًّا لإخراجِ الزكاةِ، هذا الاقترانُ اقترانٌ خاطئٌ أو اقترانٌ غيرُ صحيحٍ، اقترانٌ مخطئٌ ليسَ بصوابٍ، لماذا؟

لأن الزكاةَ تجبُ بتمامِ الحولِ، ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ[الأنعام:141].

المقصودُ، اللهُ يسلمك أنه موضوعُ الانحسارِ هذا الوقتيِّ للزكاةِ هو أيضًا افقدَها الوهجَ؛ لأن هناك عواملَ عديدةً سببتْ أن الزكاةَ أصبحتْ محدودةَ الأثرِ في حياةِ الناسِ.

المقدمُ: جميلٌ، ذكرتَ سعادةَ الدكتورِ وفضيلةَ الشيخِ أن أولَ معركةٍ وهذا ملمحٌ مثيرٌ ومهمٌّ يعني أن أولَ معركةٍ بعدَ وفاةِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ قامَتْ على هذه الشريعةِ، هلْ بعدَ حربِ الردةِ قامتْ معركةٌ حولَ الزكاةِ فيما علِمتَ أنت؟

يبدو أنه حُسمتِ المشكلةُ، أنا لا يحضرني الآن عبرَ استعراضٍ سريعٍ فيما يعني المخزونُ الذهنيُّ للحروبِ التي وقعتْ ما أذكرُ أن هناك واقعةً بعدَ حسمِ أبي بكرٍ ـ رضيَ اللهُ عَنه ـ لقضيةِ الردةِ ومنعِ الزكاةِ أنْ منعَ قومًا الزكاةَ وأصبحتْ قضيةً مثارةً على مستوَى الأمةِ، بعدَ تلك الحادثةِ الأولى في زمنِ أبي بكرٍ.

المقدمُ: صحيحٌ لكنَّ الناسَ لازالوا يمنعون الزكاةَ، هل هذا مَعناهُ أنه حتى لدَى السلطاتِ يعني أصبحَ القضيةَ يعني متسامَحٌ فيها إلى حدٍّ ما، يعني مثلًا في دولٍ تحكمُ بالشريعةِ الإسلاميةِ فيما سبقَ مِن تاريخِ الإسلامِ مثلُنا أنا كذلك لا أذكرُ، وكذلك عندَنا في المملكةِ الآنَ ما عمرنا سمِعْنا أحدٌ سُجنَ لأنه لم يُؤدِّ الزكاةَ.

الشيخُ: هو الحقيقةُ ظاهرةٌ، المنعُ موجودٌ في زمنِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ ـ لكنَّ المنعَ الفرديَّ غيرُ المنعِ الجماعيِّ، الامتناعُ الفرديُّ هذا له معالجةٌ خاصةٌ، أبو بكرٍ ـ رضيَ اللهُ عنهُ ـ عالجَ الامتناعَ الجماعيَّ، امتناعَ الطوائفِ والجامعاتِ عَن أن يُؤدوا الزكاةَ، قالوا: ما لنا ولدينِ أبي بكرٍ، كنا نُؤديها لمحمدٍ وانتهَى الموضوعُ ماتَ محمدٌ، فهنا كانتْ تحتاجُ إلى معالجةٍ على مستوَى ما فعلَ أبو بكرٍ ـ رضيَ اللهُ عنهُ ـ أما ما يتعلقُ بالمنعِ الفرديِّ فمعلومٌ أن مِنَ الصحابةِ ممن كانَ في زمنِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ مَن منعَ، وقد قالَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في الحديثِ لأنه بعثَ عمرُ لأن يجنيَ الزكاةَ، فجاءَ وقد منعَ خالدٌ، والعباسُ عمُّ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وابنُ جميلٍ، فقالَ النبيُّ  ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في هذه الظاهرةِ.

المقدمُ: مَنعوا الزكاةَ؟

الشيخُ: ما أعطوا، لم يَستجيبوا لعمرَ في إعطاءِ الزكاةِ، فماذا قالَ؟

قالَ: فأما خالدٌ فإنكم تَظلِمون خالدًا.

المقدمُ: دافعَ عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ؟

الشيخُ: دافعَ عَن هذا فقدِ احتبسَ أذرُعَه في سبيلِ اللهِ، وأما العباسُ فإن عمَّ الرجلِ صِنو أبيه فهي على ومثلها، وأما ابنُ جميلٍ فما ينقمُ ابنُ جميلٍ إلا أن كانَ فقيرًا فأغناهُ اللهُ، فكانَ هذا منعًا، اعتذرَ عَنِ اثنَينِ وأما الثالثُ فبيَّنَ أنه ليسَ له عذرٌ في المنعِ إلا أن كانَ فقيرًا فأغناهُ اللهُ، وحقُّ هذه النعمةِ التي منَّ اللهُ بها أن تُشكرَ بإخراجِ الزكاةِ لمن كانَ في حزبِهم؛ لأنه كانَ يومٌ مِنَ الأيامِ ممن يستحِقون الزكاةَ، كانَ فقيرًا فلما أغناهُ اللهُ فلماذا يمنعُ ما كانَ يستحِقُّه قبلَ أن يغنيَه اللهُ، فظاهرةُ المنعِ الفرديِّ موجودةٌ وفي الشريعةِ معالجةٌ لها، منها الوعدُ كما فعلَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وأما ابنُ جميلٍ فما ينقَمُ إلا أن كانَ فقيرًا فأغناهُ اللهُ، وهذا تذكيرٌ بالماضي وأنه اللي كنتَ فيه ممكن أن ترجعَ إليه.

المقدمُ: وهو مؤثرٌ؟

الشيخ: نعمْ، مؤثرٌ ويحملُ على المبادرةِ على البذلِ. أما المعالجةُ الثانيةُ فهي أنه مَن منَعَ الزكاةَ فإنا آخِذوها وشطرَ مالِه غرامةً ماليةً، عقوبةً ماليةً، أخذُ الزكاةِ معَ شطرِ المالِ أي: نصفِه.

المقدمُ: أوف، نصفُ المالِ!

الشيخ: نصفُ المالِ هذه عقوبةٌ.

المقدم: هذا مقررٌ شرعًا؟

الشيخُ: هذا حديثٌ واردٌ وهو في السننِ وهو صحيحٌ، وهو دالٌّ على أن مَن منعَ الزكاةِ لوليِّ الأمرِ أن يُعاقبَه بهذه العقوبةِ التي تقتضي أن تُفرضَ عليه غرامةً زائدةً على ما وجبَ عَليهِ مِنَ الزكاةِ وهي شطرُ مالِه أو ما يقدرُه مِن تقديرٍ مصلحيٍّ يحملُ الناسَ على أداءِ ما وجبَ عَلَيهم.

إذًا هناك معالجاتٌ في الشريعةِ الإسلاميةِ لمنعِ الزكاةِ لكنَّ التطبيقَ يبقى أن جانبَ الزكاةِ جانبٌ تعبُّديٌّ في الأصلِ، وبالتالي هو شيءٌ بينَ الإنسانِ وربِّه عزَّ وجلَّ، ومهما حاولَ جباةُ الزكاةِ الذين يقومون بأخذِها مِن جهاتِ ولاةِ الأمرِ استقصاءِ ما عندَ الناسِ بالتأكيدِ أنهم لن يستطيعوا، وأن الوسائلَ للمراوغةِ والمانعِ وإظهارِ حساباتٍ غيرِ حقيقيةٍ هذا شيءٌ يعرِفُه المتخصصون في هذه الأمورِ، فتظهرُ ميزانياتٌ غيرُ صحيحةٍ حتى يكونَ مستوَى الزكاةِ المطلوبِ على المؤسسةِ أو الشركةِ أو رجلِ الأعمالِ أقلَّ بكثيرٍ مما يجبُ عليه.

طبعًا البعضُ يقولُ: أنا أفعلُ هذا حتى اصرفَها بنظرٍ وأضعَها عندَ مُستحِقيها، يعني أنا ما أدري عَن هذا العذرِ هل هو حقيقيٌّ أو لا؛ لأنه في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ ترى ملياراتٍ وأموالًا طائلةً ثُم لا تجدُ لها أيَّ عائدٍ، يا أخي البنوكُ الآنَ، البنوكُ هذه أينَ زكاتُها! وهي التي يعني تأخذُ هذه الأموالُ تتجرُ بها، سواءٌ أن كانتْ أموالًا بإيداعٍ سليمٍ أو بإيداعٍ محرمٍ، أين زكاتُها؟

هي مؤسساتٌ ماليةٌ، هي ليستْ شركاتٍ تطوعيةً، هي شركاتٌ ربحيةٌ وبالتالي لا بُدَّ أن تظهرَ بشفافيةِ ووضوحِ زكاتِها، حتى يعرفَ الناسُ أن هذه المؤسساتِ التي تمصُّ خيراتِ الناسِ وتستنزفُ ما في ممتلكاتِهم وجيوبِهم بطرقٍ شتَّى، يعني ينبغي أن يعرفوا أنهم يشارِكون في أداءِ هذه الفريضةِ التي هي مِن شعائرِ الإسلامِ وفرائضِه، هذا جانبٌ.

وأيضًا غيرُ الشركاتِ والمؤسساتِ والمساحاتِ الواسعةِ العقاريةِ التي تُرصدُ للبيعِ ولا تُخرَجُ زكاتُها أشياءُ كثيرةٌ.

المقدمُ: طيب سعادةَ الدكتورِ أنت ها الحين أشرتَ في بدايةِ حديثِك عَن أن الملياراتِ هذه، والملايينَ المملينةَ هذا لا نرَى أو لا نسمعُ لربما في الحساباتِ يُخرِجون الزكاةَ، لكن لا نلمسُ  أثرَ هذه الملايينِ في حياةِ كثيرٍ مِنَ الناسِ وإن كانَ الضمانُ الاجتماعيُّ أكثرَ ما يأخذُ منه مِن هذا المصرفِ، لكن ما هي النصيحةُ أو ما هو التوجيهُ أو ما هي الفكرةُ التي تراها مناسبةً خصوصًا مِن جانبِ الحكومةِ مثلًا أو مِن جانبِ وليِّ الأمرِ لإظهارِ أمرِ هذه الشريعةِ، ألا يمكنُ مثلًا قضيةُ شطرِ المالِ أنا متابعٌ لوسائلِ الإعلامِ لم أسمعْ إطلاقًا أن أحدًا منعَ الزكاةَ فأُخذَ شطرُ مالِه عقابًا له.

الشيخُ: لا هو في نوعٍ العقوباتِ لا تصلُ إلى هذا مثلًا الذي لا يُؤدي الزكاةَ تُوقَفُ معاملاتُه، لكن هذا في حقِّ أصحابِ الشركاتِ الكبرى طبعًا يعطون الزكاةَ لكنَّ الكلامَ ليسَ في إعطاءِ الزكاةِ، أنا عندي أن التحدي في مصلحةِ الزكاةِ والدخلِ، ليسَ في المنعِ الكليِّ إنما في تقديمِ المعلوماتِ الحقيقيةِ التي مِن خلالِها يُعرفُ حجمُ التجارةِ وما يجبُ، ثم أنه ما في مانعٍ أنه يعني حتى نوسعَ على أصحابِ الأموالِ ولا يؤخذَ كلُّ ما عندَهم مِن زكاةٍ ويُمنعَ ما يمكنُ أن... يعني يخصصُ جزءٌ يقالُ: هذا الجزءُ للضمانِ، وهذا الجزءُ أثبتوا أنكم صرفتوه بطريقِكم بأيِّ وجهٍ مِن أوجهِ الصرفِ التي ترونَها في مصارفِ الزكاةِ المعروفةِ.

وبالتالي إذا قدمَ صاحبُ المؤسسةِ بيانًا بأنه صرفَ الزكاةَ وفقَ آليةٍ معينةٍ وقوائمَ واضحةٍ عندَ ذلك هو أعانَ حقيقةً أصبحَ موظفًا عندَ مؤسسةِ ومصلحةِ الزكاةِ والدخلِ وأعانَها في سدِّ حاجةِ المجتمعِ في جانبٍ مِن جوانبِ الزكاةِ والفقرِ.

المقدمُ: لكنَّ الآليةَ القائمةَ أنتم ما ترَى أنها ممكنٌ مِن خلالِها أنه تضمنَ أن الناسَ يُؤدون زكاتَهم مثلًا، الآليةَ الحاليةَ القائمةَ.

الشيخُ: والله يا أخي هو على كلِّ حالٍ، النظامُ يجري مراجعتُه بينَ فترةٍ وأخرى، وعلمتُ أن هناك تحديثًا للنظامِ خلالَ السنةِ الماضيةِ لنظامِ مصلحةِ الزكاةِ والدخلِ مِن حيثُ إضافةُ بعضِ البنودِ وما إلى ذلك مِنَ الأمورِ التي... لكنَّ المسألةَ تحتاجُ إلى هيئةٍ شرعيةٍ أو هيئاتٍ شرعيةٍ وخبراءَ ليسوا فقط وَقتيينَ إنما على وجهِ الدوامِ لدراسةِ مستجداتِ الزكاةِ ومحاولةِ تطويرِ هذا الجهازُ لتحقيقِ المقصودِ منه مِن حيثُ إعانةُ الناسِ على تقديمِ ما يجبُ في أموالِهم، وإرشادِهم إليه، المصلحةُ تؤدي دورًا مهمًّا وضروريًّا للمجتمعِ لكن يحتاجُ إلى أن يُطوَّرَ هذا الأداءُ وأن نتلافَى ما يمكنُ أن يكونَ مِن إشكالٍ يعني أن نجتمعَ بأصحابِ الأموالِ والتجارِ، ونرَى ما هي ملاحظاتُهم على النظامِ؟ ما هي إشكالياتُهم؟ أين مواضعُ الخللِ؟

طبعًا قدْ يقولُ قائلٌ: أن التجارَ أو بعضَ أصحابِ رؤوسِ الأموالِ أصلًا يتأفَّفون مِن هذا، يا أخي هو لو كانَ في بلدٍ آخرَ لفُرضتْ عليه الضريبةُ، فيعني هو سيؤخذُ منه سيؤخذُ منه، لكن هنا الفرقُ بينَ الضريبةِ والزكاةِ أن الزكاةَ تُدفعُ أداءً لحقِّ اللهِ -عزَّ وجلَّ- وقُربَى وعبادةٍ بخلافِ الضريبةِ التي تؤخذُ مِن إنسانٍ وهو يشعرُ أنه شيءٌ مِن مالِه اُقتُطِعَ وهو كارهٌ، قد لا يعودُ عليه أجرٌ كما لو كان محتسبَ الأجرِ في الزكاةِ.

المقدمُ: طيب الآنَ في دولٍ إسلاميةٍ كثيرةٍ لا تأخذُ بمبدأِ الزكاةِ بمنظورِها الشرعيِّ بما أنها لا تلزِمُ نفسَها بتحكيمِ الشريعةِ الإسلاميةِ لكنها تأخذُ مِنَ الضريبةِ ما هو أكثرُ مِنَ الزكاةِ الشرعيةِ، هل يمكنُ أن نعتبرَ أن هؤلاء أدوا الزكاةَ مِن خلالِ أن ينووا بعضَ الضريبةِ هذه زكاةً؟

الشيخُ: هو إشكاليةٌ هنا أن المالَ يُدفعُ لا على أنه زكاةٌ مِن حيثُ أخذُه ومِن حيثُ مصرفُه، لأن الزكاةَ لها مصارفُ محددةٌ، مِن أهلِ العلمِ مَن يقولُ وهذا قولٌ وقفتُ عليه في دراساتِ بعضِ الباحثين أنه يحتسبُ بما أنه أُخذَ منه بغيرِ حقٍّ يحتسبُ ذلك مِنَ الزكاةِ لكني لا أرَى أن هذا رأيًا سديدًا، أرأيتَ لو أن سارقًا سرقَ منك مالًا أكنتَ تحتسبُه مِنَ الزكاةِ؟

تقولُ: واللهِ أنا أُخذَ مني وخلاص، يعني هذا مالٌ مفروضٌ عليك ومأخوذٌ ولا يُصرفُ في مصارفِ الزكاةِ ولا يحققُ المقصودَ الشرعيَّ مِنَ الزكاةِ، ولا يؤخذُ مِن أموالِ الزكاةِ يعني هي معالجةٌ معينةٌ في البلادِ التي لا تطبقُ النظامَ الزكويَّ إنما...

المقدم: غالبيةُ الدولِ الإسلاميةِ على هذا الحالِ.

الشيخُ: غالبيةُ الدولِ على هذا الحالِ لكنَّ حسابَه مِن الزكاةِ لا يصلحُ وإلا كانَ نقولُ أيضًا:  نحن عندَنا هنا في البلدِ معَ وجودِ الزكاةِ الرسومُ: رسومُ الرخَصِ، رسومُ العمالةِ، الفيزِ، وما إلى ذلك مِن رسومٍ  تُدفعُ للدولةِ نحسبُها زكاةً؟ هذا ليسَ بصحيحٍ إلا أن هذه أموالٌ تؤخذُ على وجهٍ مختلفٍ تمامًا عَنِ الزكاةِ لا في طريقةِ الأخذِ، ولا في قدْرِه، ولا في مصرفِه، فكيف توجهُها إلى أن تكونَ زكاةً، هذا بعيدٌ.

المقدمُ: طيب أنت ذكرتَ مِنَ الأسبابِ التي خففَتْ وهجَ الزكاةِ لدَى الناسِ سواءٌ أن كانَ لدى المنفقِ أو لدى الآخذِ أن تحديدَها أو حصرَها في عنصرٍ واحدٍ وهو الفقرُ، مع أن حتى هذا العنصرَ لم تُغنِه، فما هي العناصرُ التي ترَى أن تُحيي مثلًا بندَ المؤلفةِ قلوبِهم مثلًا؟

يعني ليسَ هذا بالضرورةِ هذا منها لكن هُناك الغارمون، هناك إصلاحُ ذاتِ البينِ، هناك في سبيلِ اللهِ، هُناك  ابنُ السبيلِ، وفي سبيلِ اللهِ ليسَ محصورًا على القولِ الراجحِ في الجهادِ في سبيلِ اللهِ الجهادُ المسلحُ، إنما يشملُ كلَّ أنواعِ الجهادِ، الجهادُ بالعلمِ والبيانِ يعني صرفُ الزكاةِ في دعمِ القنواتِ التي تعلمُ، أليسَ هذا في سبيلِ اللهِ؟

هو في سبيلِ اللهِ، وفي سبيلِ اللهِ المقصودُ بها الجهادُ بالتأكيدِ، وبعضُ العلماءِ يوسعُ يجعلُ في سبيلِ اللهِ شاملةً كلَّ أعمالِ البرِّ وهذا قولُ الأقلِّين، عامةُ علماءِ الأمةِ على أن في سبيلِ اللهِ في الجهادِ، لكن حتى إذا قُلنا: في الجهادِ ليسَ حصرًا بالجهادِ المسلحِ القتلُ، والمقاتلةُ سواءٌ أن دفاعًا أو طلبًا لا إنما المقصودُ بالجهادِ هنا كلُّ أوجهِ الجهادِ، اليومَ ما هناك في غالبِ الدنيا هناك لكن ليسَ في غالبِ الدنيا الجهادُ في سبيلِ اللهِ اللي هو القتالُ محدودٌ، فيه مناطقُ ملتهبةٌ، مناطقُ محدودةٌ، مناطقُ معينةٌ لكنَّ النوعَ الثاني مِنَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ الذي قالَ فيه اللهُ ـ عزَّ وجلَّ ـ لنبيِّه في سورةِ الفرقانِ: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا[الفرقان:52].

إنه جهادُ القرآنِ، تبليغُ هذا الدينِ، وهذا سواءٌ أن كان للمسلمين أو لغيرِ المسلمين يعني حتى تعليمُ المسلمين هذا مِنَ الجهادِ، وتعليمُ غيرِ المسلمين بأن توصلَ وتبرِزَ محاسنَ هذا الدينِ مِن خلالِ القنواتِ، يا أخي هذا مِنَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، وأينَ الزكاةُ عنه؟

طبعًا قد يحتجُّ محتجٌّ أنه يعني هناك مَن يقولُ: لا تُصرَفُ الزكواتُ في مثلِ هذا، أنا أقولُ: نحن دائمًا –اسمحْ لي بهذه الكلمةِ- يعني في مقامٍ ما لا نشتهي نختارُ ما هو أشدُّ، وفي مقامٍ ما يعني لو قلتُ لواحدٍ في مثلِ هذه المسألةِ أنه صرفَ الأموالَ الزكويةَ في دعمِ القنواتِ والمشاريعِ العلميةِ وتفاعلاتِ طلبةِ العلمِ، وإنشاءِ المدارسِ التي تعلمُ ما ينفعُ المسلمين، وكفالةِ الطلبةِ الذين يَسدون حاجةَ المسلمين في العلومِ الشرعيةِ ابتداءً وفي غيرِها مِنَ العلومِ، يقولُ لك: واللهِ بس فيه علماءَ يقولون: لا.

طيب هو لما ييجي في مسألةٍ ثانيةٍ فيما يتعلقُ بكسبٍ أو مناقصةٍ أو ربحٍٍ أو ... وتقولُ: العلماءُ يقولون ما يجوزُ، يقولُ: لا هناك علماءُ يقولون يجوزُ، فلماذا لا نمشي على نسَقٍ واحدٍ؟ وإذا كنا نتوسعُ...

المقدم: على كده هم يستفتون هواءَهم يَعني!

الشيخ: يعني نوعًا ما، بعضُ الناسِ قد يتورطُ في هذا ويجدُ مخرجًا له مِن أن يصرفَ وأن يبذُلَ، يا أخي أنا أقولُ: الجانبُ العلميُّ والتعليميُّ هو مِن أهمِّ مصارفِ الزكاةِ، لماذا؟

لأنه داخلٌ مندرجٌ في الجهادِ اليومَ، الأممُ لا تُقاسُ بقدرِ ما عندَها مِن ميراثٍ علميٍّ إنما ترجمةُ هذا الميراثِ العلميِّ في سلوكِ مجتمعِها، في تعليمِ المجتمعِ، في منتجاتِ ومخرجاتِ هذه المدارسِ التعليميةِ، كلُّ هذه يعني الآنَ القُوَى ليست قُوى السلاحِ فحسبُ، القوةُ هي قوةُ الاقتصاد، والزكاةُ عاملٌ رئيسٌ في معالجةِ مشاكلِ الاقتصادِ، الآنَ اليابانُ هل تمثلُ قوةً عسكريةً في العالم؟ لا، هي في أيِّ مصافٍّ في الدولِ؟

هي في العالمِ الأولِ، لا بمخزونِها الدينيِّ، أو موروثِها الدينيِّ، ولا بقوتِها العسكريةِ إنما بقوتِها الاقتصاديةِ الصناعيةِ العلميةِ التي بوأَتْها هذه المرتبةُ. المسلمون تحتاجُ البلادُ الإسلاميةِ إلى أن ترتقيَ بشعيرةِ الزكاةِ إلى أن تكونَ رافضًا، وتكونَ معينًا، وتكونَ داعمًا لتحقيقِ هذا التقدمِ الذي هو من إبرازِ الجانبِ المشرقِ في هذا الدينِ العظيمِ.

المقدمُ: مرحبًا بكم مشاهدينا الكرامُ لا يزالُ حديثُنا عنِ الزكاةِ والفقرِ، وضيفي هو فضيلةُ الشيخِ الدكتورِ خالدُ بنُ عبدِ اللهِ المصلحُ أستاذُ الشريعةِ بجامعةِ القصيمِ مرحبًا بكم مجددًا. سعادةَ الدكتورِ أنت تحدثتَ عَن أنه مِن أهميةِ مقاصدِ الزكاةِ أنها تُصلِحُ ما بينَ الناسِ، هلِ التصورُ الشائعُ أنه دائمًا الأغنياءُ ها الحين خصوصًا لو دخلتَ على الشبكاتِ الاجتماعيةِ هناك حقدٌ دفينٌ ضدَّ الأغنياءِ، وأصحابِ الثرواتِ أو معظمِهم في البلدانِ العربيةِ، وأنهم دائمًا في شعورٍ بينهم كأنهم سارقون، وما حدثَ في تونسَ حتى محاكماتٌ وملاحقاتٌ، وفي مصرَ أيضًا أحدُ الشواهدِ الحيةِ على ذلك، هو مِن هذا البابِ؟

الشيخُ: والله يا أخي هذا نتاجٌ مِن مشاكلَ عديدةٍ ليسَ فقط مِن بابِ منْعِ الزكاةِ أو عدمِ أدائِها أو التقصيرِ فيها، هُناك يعني تراكماتٌ لاسيما في المجتمعاتِ التي تكونُ شريحةُ الفقرِ فيها واسعةً، يعني إذا كانَ الآنَ خمسُ العالمِ تحتَ خطِّ الفقرِ، ونصفُ العالمِ حولَ الفقرِ، يعني حالةُ الكفايةِ هي الأقلُّ في المجتمعِ، الأغنياءُ همُ الأقلُّ في الدنيا كلِّها، وبالتالي هؤلاء الأغنياءُ الذين يملِكون نقصدُ الغنَى الكفافَ والكفايةَ وأن لا تحتاجَ إلى أحدٍ، لا أقصدُ الغنى الذي بمعنَى هو وفرةِ السيولةِ والأملاكِ في يدِ الإنسانِ والشركاتِ، هذا النوعُ الحقيقةُ يعني فيه نوعٌ مِنَ الاستئثارِ والجشعِ ليسَ في الجميعِ إنما أقصدُ في فئةٍ منهم، سببتْ نوعًا مِنَ الطبقيةِ.

طبعًا الذي مَنَّ اللهُ عليه بالغِنَى يقولُ: هذا لي، وهذا مَنَّ اللهُ به عليَّ، منهم مَن يقولُ: هذا لي وهذا منَّ اللهُ به عليَّ، ومنهم مَن يقولُ: هذا لي وهذا مِن تلقاءِ نفسي كابرًا عَن كابرٍ كما كانَ يقولُ رئيسُ الاستكباريين الماليين في الدنيا قارونُ، وإما أن يكونَ رجلًا صالحًا عندَه مالٌ يقولُ: هذا مِن فضلِ اللهِ، وقدْ يكونُ فيه أثرةٌ ونهمٌ في استكثارِه.

هذا النوعُ مِنَ الناسِ يعني في بعضِ المجتمعاتِ الحقيقةُ توغَّلوا في كلِّ مرافقِ الكسْبِ، وحَّدوا الناسَ إلى أنه ضاقتْ معايشُهم وأصبحَ الناسُ لا يجِدون يعني مالاً ولا طريقةً للتكسبِ إلا مِن خلالِ هؤلاء ثم لو أرادوا أيَّ نوعٍ مِن أنواعِ النشاطِ حيلَ بينَهم وبينَ ما يشتهون بسببِ وجودِ هؤلاء، وبالتالي تراكمُ الأحقادِ ليسَ فقط ملكُ المالِ هو السببَ الوحيدِ، وليسَ منعُ الزكاةِ هو السببَ الوحيدِ، هناك تراكماتٌ.

المقدمُ: تجاوزوا منعَ الزكاة لما هو أكبرُ يعني.

الشيخُ: نوعٌ مِنَ الاستئثارِ والأثرةِ التي تُغري النفوسَ بالانتقامِ، وتملأُ القلوبَ بالحقدِ، ولذلك أنا أقولُ: مِنَ المهمِّ أنه تتدخلُ الدولُ في هذه الحالِ لا في فقطْ صيانةِ هؤلاءِ إنما في تقريبِ الفجواتِ بينَ طبقاتِ المجتمعِ.

المقدمُ: سعادةُ الدكتورِ إذا عُدْنا للموضوعِ هذا، أنت قلتَ لي تحتَ الهواءِ أولَ تشريعٍ إنسانيٍّ معلومٍ حتى الآنَ ينظمُ التعاونَ الاجتماعيَّ هو الزكاةُ، ومعَ ذلك يحزُّ في النفسِ أنه مثلُ ما سألتَ سعادةَ الدكتورِ، ما نزالُ نعتزُّ بهذه الشريعةِ وأن لنا الأسبقيةَ، ونحن سبقناهم دائمًا نقولُ: في العنانِ العالميِّ لحقوقِ الإنسانِ وما إلى ذلك أن الإسلامَ سبَقَنا إليهم، لكن في واقعِ الأمرِ همُ الضريبةُ التي عندَهم وفي قوانينِهم مطبقوها، وقاعد الحكومةُ كلُّها يُنفَقُ عَلَيها مِن هذه الضريبةِ.

الشيخُ: أحسنتَ، إذًا الإشكاليةُ ليستْ في النظامِ، في التطبيقِ هذا الضبطُ، وبالتالي أنا أقولُ: أنه نحن نحتاجُ كما ذكرَ الدكتورُ إلى إيجادِ مؤسساتٍ لكن هذا ليس كافيًا، نحتاجُ إلى بناءِ الثقةِ بينَ الناسِ والحكوماتِ، بينَ الناسِ والجهاتِ الجابية للزكاةِ، عندما تقومُ الثقةُ ثقْ تمامًا أن الناسَ سيأتون، الآنَ الناسُ يذهبون إلى بعضِ المحسنينَ وبعضِ المشايخِ وأئمةِ المساجدِ يقولُ: عندي زكاةٌ ما أدري وين أحطها جزاك اللهُ خيرًا خُذْها؛ لأنهم يثِقون فيهم ويرَوْن أنهم سيضَعونها في مواضعِها، فكيف إذا كانَ هناك جهاتٌ رسميةٌ حكوميةٌ ذاتُ مصداقيةٍ وشفافيةٍ وثقةٍ، زرعتِ الثقةَ بينَها وبينَ الناسِ!

المقدم: كيفَ تزرعُ هذه المنظماتُ الثقةَ؟

الشيخُ: الشفافيةُ بالتأكيدِ، الشفافيةُ في الأخذِ، والشفافيةُ في العطاءِ، وضوحِ القوائمِ، وضوحِ الشروطِ، وشروطِ الاستحقاقِ والصرفِ، هذا هو الجاري في نظامِ الضريبةِ في البلدانِ التي تطبقُ نظامَ الضرائبِ وتحققُ العدالةَ، والناسَ يشعُرون بفائدةِ ما يُجبَى منهم. ولذلك هو يطالبُ عندَما يحصلُ قصورٌ في جهةٍ تستفيدُ مِن ضريبتِه ولا يجدُ لهذه الضريبةِ أثرًا في الخدمةِ المقدمةِ له، تجدُه يسألُ ويقولُ: لا، ونحاكمُ..

المقدم: ومصروفاتُ وزيرٍ معينٍ يقولون: هذا كيفَ قضَى إجازتَه مِنَ الضريبةِ؟

الشيخُ: بلا شكَّ أن الثقةَ إنما تُبنَى بالوضوحِ، الوضوحُ والنظامُ هو الذي يَبني ثقةً بينَ الناسِ، الإشكاليةُ أن التجارَ لا يثِقون بالجهاتِ الجالبةِ للزكاةِ، لا يثقون حقيقةً هذه إشكاليةٌ قائمةٌ، ولذلك تتعثرُ هذه الجهاتُ...

المقدمُ: وأنت أينَ لمستَ هذا؟ مِن خلالِ التساؤلاتِ؟

الشيخُ: مِن خلالِ -يا أخي- مِن خلالِ التلاعبِ في الميزانياتِ التي تُقدَّمُ للجهاتِ ذاتِ الاختصاصِ، وأنا أعرفُ هذا على التلاعبِ مِن خلالِ بعضِ القائمين والعامِلين في جهاتِ مصلحةِ الزكاةِ والدخلِ يعرِفون هذا، يعرفُ أن التاجرَ يجيب له شيئًا ما هو صحيحٌ، وقد يدفعُ لبعضِ العامِلين حتى يمررَ بعضَ الأوراقِ التي مِن خلالها...

المقدمُ: وأنتَ تظنُّ أن اللي يدفعُ التاجرُ لهذا ليسَ عدمُ الرغبةِ في دفعِ الزكاةِ، إنما عدمُ الثقةِ؟

الشيخُ: ليسَ في كلِّ صورِه يعني حتى نكونَ مُنصفين ليسَ في كلِّ صورِه عدمُ الرغبةِ في دفعِ الزكاةِ، هناك مَن يريدُ التهربَ مِن دفعِ الزكاةِ لكن هناك مَن لا يثقُ في طريقةِ الصرفِ، في آليةِ الصرفِ، في الشفافيةِ، وبالتالي يكونُ هناك تلكؤٌ وتأخرٌ لكن لو فُتحَ المجالُ بطريقةٍ بُنيَتْ فيها جسورُ الثقةِ بينَ الناسِ وبينَ هذه الجهاتِ الجابيةِ والقائمةِ على الزكاةِ، وأيضًا سارَ هناك تطويرٌ يا أخي في البحثِ وفي مصارفِ الزكاةِ، وفي الجهاتِ...

يعني الشريعةُ جاءَتْ بتأصيلٍ لكن هذا التأصيلُ يطلَقُ في كلِّ زمانٍ بحسبِه، يعني معاذٌ لما بعثَه النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ إلى اليمنِ قالَ: «إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهُمْ إلى شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فإيَّاكَ وكَرائِمَ أمْوالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَها وبيْنَ اللهِ حِجابٌ»صحيح البخاري (1496)، وصحيح مسلم (19)، كانوا حَديثي عهدٍ بإسلامٍ، فلما جاءَ وقتُ الصدقةِ والزكاةِ أتوا إلى معاذٍ بصدقاتِهم مِن حصادِ زروعِهم، فقالَ لهم.... هنا انظرْ إلى الكلامِ أنه هناك نوعٌ مِنَ الشفافيةِ وهناك نوعٌ مِنَ التصرفِ الذي يتحققُ به المصلحةُ للأمةِ والمجتمعِ، لما جاءوا له بهذا قالَ شيئًا مِن زكاتِهم كانتْ  خمسًا في عروضِ التجارةِ طلَبَهم باستبدالِها بما هو أنفعُ لمَن سيرسلُ إليهم الزكاةُ في المدينةِ النبويةِ، فغيرُ.

إذًا نحن نحتاجُ إلى طلبٍ منهم مِن غيرِ جنسِ ما وجبَ فيه المالُ، فمثلًا وجبَ في الحبوبِ أخذُ ثيابٍ، وجبَ في ثيابٍ أخذُ نقودٍ لأنه أنفعُ، وبالتالي نحن نحتاجُ إلى أنه تكونُ هناك حياةٌ تستشرَفُ، طريقةُ استثمارِ الزكاةِ يعني كلُّ الدراساتِ الموجودةِ يا أخي دراساتٌ حالمةٌ، دراساتٌ غيرُ متبناةٍ مِن جهاتٍ رسميةٍ في الغالبِ، وبيوتُ الزكاةِ الجهاتُ التي تعملُ على دراسةِ قضايا الزكاةِ تجدُها محصورةً في زكاةِ أسهمٍ، في زكاةِ... في أنواعِ المسائلِ التي لا ترتقي بهذه الشعيرةِ إلى مرتبتِها وموقعِها الذي يجبُ أن تكونَ فيها.

المقدمُ: اليوم الجهاتُ مقصرةٌ وما إلى ذلك لكن أنا الآنَ والمشاهدُ اللذان لدَيهِ أموالٌ، هذا ليسَ مبررٌ لنا في أنه لا نقومُ بواجبِنا، ماذا يمكنُ أن نقولَ للناسِ؟

الشيخُ: يا أخي أبدًا، الذي يريدُ أن يصلَ إلى إبراءِ ذمتِه لن يعجزَ، وهناك نماذجُ مشرقةٌ من أغنياءَ وتجارٍ وأصحابِ أموالٍ أنشؤوا مؤسساتٍ خيريةً تقومُ بصرفِ أموالِهم، وترعَى غيرَ ما يؤخذُ منهم.

المقدمُ: يعني هو المستفيدُ وهو... يعني يقفُ على الكلِّ يعني؟

الشيخُ: بمعنَى أنه يقفُ على الكلِّ، هناك جهةٌ تأخذُها الجهاتُ المسئولةُ لكن ما زادَ على هذا مما في زكاتِه الجهاتُ المسئولةُ لا تأخذُ لها نظمًا معينةً فيما تأخذُه مِنَ الأموالِ في أطُرٍ معينةٍ لكن هذا لا يستوعبُ كلَّ ما يتجهُ فيه الزكاةُ مِن أموالِ الناسِ وحتى صدقاتِهم، وبالتالي إيجادُ مثلِ هذه المؤسساتِ الخيريةِ سواءٌ أن كانتْ مؤسساتٍ خيريةً باسمِها مصرحةً وهذا الأحسنُ وأسألُ اللهَ أن يسهلَ يعني النظامَ الذي يسرعُ الترخيصَ لمثلِ هذه المؤسساتِ أو كانتْ مؤسساتٍ يعني بدونَ اسمٍ في تنظيمِ عمليةِ إخراجِ الزكاةِ، يعني هو عندَه عشرون قسمًا في شركتِه، يعني يعجزُ أن يوجِدَ قسمًا لترتيبِ الأمورِ الخيريةِ، وتنسيقِ صرفِ هذه الأموالِ!

تلمسُ الجهاتُ التي تعطي هذه الأموالَ وتضعُها في حقِّها، يا أخي البطالةُ واسعةٌ، والتدريبُ يحتاجُ، والتعليمُ فقيرٌ، الحاجةُ الصحيةُ...

المقدمُ: تُعينُ في هذه الجوانبِ، في هذه المصارفِ، تشجعُ.

الشيخُ: هناك أشياءُ كثيرةٌ يعني يمكنُ أن يطرُقَها التجارُ بأموالِ زكاتِهم ويحتسبون الأجرَ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ لكن أنا عندي مِنَ الإشكاليةِ الكبيرةِ والأساسيةِ هو وجودُ المحركِ الدافعِ الذاتيِّ إن ما تقدمُه مِن خيرٍ فهو للرسالةِ التي بينَ يدَيهِ.

المقدمُ: هو يمكنُ نُقلَتِ الكرةُ إليهم شكرًا لك فضيلةَ الشيخِ على هذه الدقائقِ.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95537 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91318 )

مواد مقترحة

449. Jealousy
8074. مقدمة.
8133. مقدمة
12173.