×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / فضائيات / حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:السبت 11 رجب 1435 هـ - الاربعاء 22 أكتوبر 2014 م | المشاهدات:6815

طيب يا شيخُ، حقوقُ النبيِّ ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ على أُمتِه، أهمُّ هذه الحقوقِ وأعظمُها وأكبرُها الإيمانُ به ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ الإيمانُ الصادقُ به ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وتصديقُه فيما أتَى به مِن ربِّه عزَّ وجلَّ.

الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وأُصلِّي وأسلِّمُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمعينَ.

أما بعدُ:

بعثةُ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وإرسالُه للناسِ مِنةٌ عُظمَى امتنَّ اللهُ ـ تعالى ـ بها على الناسِ، فهو الرحمةُ قالَ ـ تعالى ـ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء:107]، وقدِ امتنَّ اللهُ بإرسالِه فقالَ: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ[آل عمران:164]، فهو منةٌ مِنَ اللهِ ـ تعالى ـ بها على الناسِ، بصرَّهم مِنَ العَمَى، هداهم مِنَ الضلالةِ، أخرجَهم مِنَ الظلماتِ إلى النورِ، معرفةُ قدرِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ ـ وعظيمُ ما جاءَ بهِ يتبعُه أنَّ هذه النعمةَ لها حقوقٌ، ولا بُدَّ مِن معرفةِ حقوقِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لأن النعمَ تدومُ بالشكرِ، ومِنَ الشكرِ أن تعطيَ لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه.

النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لهُ حقوقٌ، مِن أكبرِها وأهمِّها والأساسِ الذي تُبنَى عَليهِ سائرُ الحقوقِ هو الإيمانُ به ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وقدْ أمرَ اللهُ ـ تعالى ـ بالإيمانِ به في مواضعَ عديدةٍ فقالَ: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا[التغابن:8]، وقال ـ تعالى ـ: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ[الأعراف:158]، والنبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أمرَ الناسَ أن يؤمِنوا به، وقالَ: «أُمِرْتُ أن أُقَاتِلَ الناسَ حتى يَقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ, فإذا قالُوها, عَصَموا مِنِّي دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّها, وحِسابُهم على اللهِ عزَّ وجلَّ»صحيح البخاري (25)، وصحيح مسلم (20)، ولما سُئلَ عَنِ الإيمانِ قالَ: «الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، واليوم الآخر»صحيح مسلم (8)، وكلُّ مَن سألَه عنْ طريقِ الدخولِ في الإسلامِ، أمَرَه بأن يشهدَ بأن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ رسولُ اللهِ.

فالإيمانُ به هو الإيمانُ بأنه خاتمُ النبيين، وأنه رسولُ ربِّ العالَمين، وأنه لا طريقَ يُوصلُ إلى اللهِ تعالى ويدخلُ الجنةَ بعدَ بَعثتِه إلا ما كانَ عَليهِ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فقدْ سدَّ الطرقَ جميعًا، اللهُ سدَّ الطرقَ كلَّها الموصلةَ إليهِ إلا الطريقَ الذي جاءَ به النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وهو الصراطُ المستقيمُ، ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[المؤمنون:73].

فحقُّه أن نؤمنَ به إيمانًا جازمًا بأنه الرسولُ الكريمُ، وهذا الإيمانُ يَقتضي أمرَينِ:

- الأولَ: قبولُ ما جاءَ به مِنَ الأخبارِ، فكلُّ ما أخبرَ به النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ سواءٌ أن كانَ في القرآنِ الكريمِ أو كانَ فيما أخبرَ به مِن بيانِ القرآنِ مما أوحاهُ اللهُ ـ تعالى ـ إليهِ يجبُ قبولُه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر:7].

- الأمرَ الثاني: وجوبُ طاعتِه فإنهُ ما بُعثَ رسولُ إلا ليطاعَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[النساء:59]وهذا في آياتٍ عديدةٍ في كتابِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ طاعةُ الرسولِ هي مِنَ الإيمانِ به.

إذًا، الإيمانُ يقومُ على ركيزتَينِ:

* الركيزةِ الأولَى: عقدُ القلبِ بأنه رسولُ ربِّ العالَمين، وأنهُ الصادقُ الأمينُ، وأنَّ اللهَ أنزلَ عَليهِ الكتابَ المبينَ، وأنه خاتمُ النبيين، وقبولُ كلِّ ما أخبرَ به عَنِ اللهِ أو عَنِ اليومِ الآخرِ أو عَن سائرِ الأخبارِ المتعلقةِ بالديانةِ.

* الأمرِ الثاني: الانقيادُ له، بالطاعةِ، والإذعانِ له في أمرِه ونَهيه ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21]، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[آل عمران:31]، هذا حقُّه، الأساسُ الأولُ وهو الإيمانُ به صلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ.

المقدمُ: ذكرتَ يا شيخُ وجوبَ طاعةِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ والحذرَ مِن معصيتِه، ومِن ركائزِ الإيمانِ به ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ أيضًا يا شيخُ اتخاذُه قدوةً، النبيُّ ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ يجبُ أن يكونَ قدوةً للمسلمين في جميعِ الأمورِ، اتباعُه ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ وتعلمُ سيرتِه والاقتداءُ به، يعني يا شيخُ أصلُ مِنَ الأصولِ التي يجبُ على المسلمِ يعني تعلمَ سيرةِ النبيِّ ـ عَليهِ الصلاةِ والسلامِ ـ حتى يقتديَ به.

الشيخُ: صحيحٌ، اللهُ ـ تعالى ـ يقولُ في كتابِه:  ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21]، والأسوةُ هو القدوةُ، وهو أسوةٌ زكاها الله تعالى هو صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ أسوةٌ وقدوةٌ، زكاها ربُّ العالَمين حيثُ قالَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ﴾، لم يسكُتْ بل قالَ: ﴿حَسَنَةٌ﴾أي أنه يحسنُ بها حالُكم في المعاشِ والمآلِ، في الدنيا وفي الآخرةِ.

فالنبيُّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ قدوةٌ لكلِّ مَن أرادَ الهُدَى، وإذا تأمَّلْنا في طيبِ خصالِه، وكريمِ شِيَمِه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وشمائلِه وجدْنا أنه قدْ بلغَ الذروةَ، يَكفي أنَّ اللهَ ـ تعالَى ـ يقولُ في وصفِ ما كانَ عليهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم:4]، خُلقٌ عظيمٌ يشملُ ما كانَ في الباطنِ مِنَ الإيمانِ باللهِ والتصديقِ، وما كانَ في الظاهرِ مِنَ المعاملةِ.

فاتباعُه والاتساءُ لهُ هو بالتأكيدِ أعظمُ أسبابِ الاستقامةِ، هو سببُ نيلِ محبةِ اللهِ ـ تعالى ـ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[آل عمران:31]، هو سببٌ للاهتداءِ، ولذلكَ قالَ اللهُ ـ جلَّ وعَلا ـ: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[الأعراف:158]، ومن أعرَضَ عَن سُنةِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فقدْ أشاعَ عَنِ الهُدَى الذي جاءَ بهِ، وقدْ قالَ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ: «فمَن رغِبَ عَن سُنَّتي فليسَ منِّي»صحيح البخاري (5063)، وصحيح مسلم (1401).

ولهذا أنا أقولُ لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ: ينبغي أن يكونَ القدوةُ لكَ في دقيقِ أمرِك وجليلِه، في طريقِ وصولِك إلى اللهِ ـ تعالى ـ محمدٌ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ: كيفَ كانَ؟ ماذا عمِلَ؟ كيفَ صنعَ؟ كيفَ تعاملَ؟ كيفَ تصرَّفَ؟

والنبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أمَرَنا بالاتساءِ به لاسيما في العباداتِ فقالَ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ: «خُذوا عنِّي مناسِكَكم»صحيح مسلم (1297)في الحجِّ، وكانَ يُصلِّي ويقولُ لأصحابِه: «صَلَّوا كمَا رَأَيتُمُوني أُصَلِّي»صحيح البخاري (631)، ولما جاءَ القومُ ووَصفوا عبادتَهم بنحوٍ خارجٍ عَن هديِه قالَ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كذا وكذَا؟ ، أَما واللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم له لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمَنْ رغِبَ عن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّى»»صحيح البخاري (5063)، وصحيح مسلم (1401).

إذًا، خلاصةُ هذا وغيرِه مِنَ النصوصِ يبينُ لنا أنه الطريقُ الذي يصلُ به الإنسانُ إلى محبةِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ إلى تمامِ الإيمانِ بالنبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أن يجعلَه أسوةً نموذجًا يَحتذي بعملِه، يَقتدي بسُنتِه، يَهتدي بهَديِه، وعندَ ذلك سيصلُ إلى سعادةِ الدنيا وإلى فوزِ الآخرةِ.

المقدمُ: يا شيخُ لو تفضلتَ على مسألةِ تعلُّمِ سيرةِ النبيِّ ـ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ خاصةً يا شيخُ بالنسبةِ للنشءِ، النشءُ يا شيخُ يجبُ أن يُعلَّمَ سيرةَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كيفَ كانَ يأكلُ؟ كيف كانَ يجلسُ؟ كيفَ كانَ ينامُ؟ كيف كانَ يتعاملُ معَ الآخَرين؟ كيف كانَ يتعاملُ معَ غيرِه؟

فتعليمُ هذا الأمرِ للنشءِ يجعلُه يا شيخُ يعني ينشأُ نشأةً صالحةً.

الشيخُ: معرفةُ سيرةِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وما كانَ عَليهِ في قيامِه، وقعودِه، وذهابِه، ومجيئِه، ومُعاملتِه، وما لَقيَه ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ ـ في سبيلِ هدايةِ الناسِ وتبليغِ الشريعةِ، كيفَ كانَ يعاملُ أهلَ بيتِه؟ كيف كان يعاملُ أصحابَه؟ كيف كانَ يعاملُ العالِمَ، كيف كانَ يعاملُ الجاهلَ؟ كيف يعاملُ المؤمنَ به؟ كيف يعاملُ الكافرَ المخالفَ له؟ كيف يعاملُ المنافقينَ؟ كيف تصرَّفَ في صحتِه ومرضِه؟ في سفرِه وإقامتِه؟ في سائرِ أيامِه ولياليهِ وفي عبادتِه لربِّه؟

بالتأكيدِ أنَّ هذا يفيدُ عددًا مِنَ الفوائدِ:

- أولًا: أنه البراهينُ الدالةُ على صدقِه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فإنَّ أعظمَ ما يدلُّ على صدقِ سيرتِه ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ مِن أعظمِ ما يدلُّ على صدقِه ما كان عليهِ مِن شمائلَ؛ لذلكَ قبلَ أنْ تكتملَ رسالتُه في بدايتِها خديجةُ تقولُ: « كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُق الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ«صحيح البخاري (3)، وصحيح البخاري (160)، هذا قبلَ أن يُبعثَ، وقبلَ أن يُمنَّ عليهِ بالنورِ العظيمِ، تقولُ له هذه الشمائلُ التي هي مِن كمالِ الخصالِ التي اتصفَ بها مِنَ الفضائلِ التي تميزَ بها النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ قبلَ أن يمنَّ عليه اللهُ بالنورِ المبينِ، لا يُخزَى وهذه صفاتُه.

هذا بيانٌ لِما كانَ عَليهِ قبلَ الرسالةِ،فكيف بعدَ أن هذَّبَه اللهُ ـ تعالى ـ بهذه الرسالةِ، واستنارَ قلبُه، وأشرقَ فؤادُهُ بالقرآنِ العظيمِ وطاعةِ ربِّ العالَمين، بالتأكيدِ أن تلك الفضائلَ تضاعفَتْ وزادَتْ حتى بلغتِ الذروةَ في الكمالِ الإنسانيِّ. ولهذا أنا ادعو كلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ إلى أن يعطيَ نفسَه فرصةً لمطالعةِ سيرةِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أنْ يقتنيَ كتابًا يشرحُ سيرةَ النبيِّ  ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وأدعو أيضًا وسائلَ الإعلامِ أن تُبرزَ ما كانَ عَليهِ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ مِنَ الشمائلِ، كذلك الكتاباتُ ينبغي أن تُكتبَ بصورةٍ عصريةٍ تقربُ سيرةَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ للناسِ ـ كونُ كثيرٍ مِن أبنائِنا لا يعرفُ ماذا كانَ عَليهِ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فقدْ يعرفُ أنه رسولُ ربِّ العالَمين على وجهِ الإجمالِ، بالتأكيدِ أن هذا مِنَ القصورِ في حقِّه صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ.

مشروعُ التعريفِ بالنبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ هو أعظمُ ما يقربُ الناسَ إلى الهدايةِ؛ لأن سيرتَه دليلٌ على صدقِ سيرتِه، ترجمةٌ للقرآنِ العظيمِ، لما سُئلَتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها ـ عَن خلقِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ قالتْ: «كَانَ خَلْقُهُ الْقُرْآنَ»صحيح مسلم (746).إذًا، سيرتُه وما كانَ عَليهِ، وما تقلبَ به ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في ليلِه ونهارِه مِنَ الشيَمِ والأخلاقِ والخصالِ وفي معاملتِه هي ترجمةٌ للقرآنِ، هي دينُ الإسلامِ الذي ينبغي أن يُظهرَ ويُشهرَ ويعرفَه الناسُ حتى يأسِرَ قلوبَهم، فإن سيرةَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ تأسرُ القلوبَ بصورةٍ تجعلُ العاقلَ المنصفَ لا يملكُ إلا أن يقولَ: إنه رسولُ ربِّ العالَمين، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على رسولِ اللهِ.

أقترحُ أيضًا ولو يعني مثلًا في البيوتِ يعني تناولْ مثلًا أحاديثَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كتابَ سيرةٍ يعرضُ ما كانَ عَليهِ مِن شمائلَ وخصالٍ، مراحلَ عمرِه، مراحلَ ما لقيَهُ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ مِن عناءٍ في دعوتِه لربِّه، هذا مما يفيدُ ويزيدُ إيمانَ الأسرةِ، ويكفلُ الترابطَ، ويشيعُ الأخلاقَ الفاضلةَ بينَ الأبناءِ، يُعطي نموذجًا حيًّا لما نَدعو إليهِ مِنَ الهُدَى، والرحمةِ التي جاءَ بها النبيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ.

المقدمُ: محبةُ النبيِّ ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ وهذه المحبةُ فهو يا شيخُ يجبُ أنْ تكونَ أعظمَ مِن محبةِ أيِّ شخصٍ حتى مِن نفسِ الإنسانِ، يحبُّ النبيَّ ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ أكثرَ مِن نفسِه ومالِه وأهلِه، وأيضًا ترَى يا شيخ هذه المحبةَ لها علاماتٌ، ودلالاتٌ.

الشيخُ: أعظمُ دلالاتٍ المحبةِ هو صدقُ اتباعِه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فإن المحبةَ الحقيقيةَ ليسَتْ فقطْ أن يدَّعيَ الإنسانُ أن قلبَه مملوءٌ بمحبةِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ والانجذابِ إليه، هذا بالتأكيدِ مطلوبٌ، بالتأكيدِ أنَّ ميلَ القلبِ إلى النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ مطلوبٌ، وهذا له موجباتٌ عديدةٌ يعني لو قالَ قائلٌ: لماذا نحبُّ النبيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ؟

نحبُّه؛ لأنَّ اللهَ ـ تعالى ـ اصطفاهُ بينَ سائرِ الخلقِ، نحبُّه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لأنَّ اللهَ ختمَ به الرسالةَ، نحبُّه لأنَّ اللهَ أخرَجَنا بهِ مِنَ الظلماتِ إلى النورِ، نحبُّه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لما كمَّلَه اللهُ به مِنَ الخصائلِ، الخصائصِ والخصالِ وعظيمِ الشيمِ والشمائلِ النبويةِ المباركةِ، نحبُّه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لأنه تحملَ أعظمَ الأذَى في إنقاذِنا وإخراجِنا مِنَ الظلماتِ إلى النورِ، نحبُّه لأنه لم يتركْ خيرًا إلا دلَّنا عَليهِ، ولا شرًّا إلا حذرَنا منهُ، نحبُّه لأنه يجدُ ألمًا لكلِّ ما يُصيبنا مِن عنتٍ أو مشقةٍ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[التوبة:128]، كلُّ هذه مِن موجباتِ محبتِه، نحبُّه لأنه خاتمُ النبيينَ، وإمامُ المرسَلين وسيدُ ولدِ آدمَ أجمَعين، نحبُّه لأنه ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ بمحبتِه ندركُ محبةَ اللهِ، فإنه مَن أحبَّه قدْ أحبَّ اللهَ عزَّ وجلَّ.

كلُّ هذه مِن موجباتِ محبتِه التي تزرعُ في القلبِ محبةَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ بالتأكيدِ إذا قامتْ محبةُ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ـ في القلبِ على وجهٍ كاملٍ استوجبَتْ واقتضتْ أمرَينِ:

- أولًا: التصديقُ له في كلِّ ما أخبرَ به، لا يعارضُ قولَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ برأيٍ، ولا يعارضُ قولَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ بمعارضٍ بل يقبلُ ما قالَه، ويؤمنُ بما جاءَ به، ويسلِّمُ له صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ.

- الأمرَ الثاني أنه يتبعُه في هَديِه، وفي عملِه، ويطيعُه في أمرِه، ويَنتهي عما نَهَى عنهُ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ.

هذه ثمارُ المحبةِ، هذه نتائجُها، هذه دلائلُها، القلبُ قد يدَّعي محبةَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لكن عندَما يتخلفُ هذا في العملِ على وجهٍ دائمٍ لا على وجهٍ عارضٍ، هذا مِن دلائلِ عدمِ صدقِ الدعوةِ في المحبةِ. لذلك يقولُ اللهُ ـ تعالى ـ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[آل عمران:31]، لكنَّ مخالفةَ الإنسانِ في أمرٍ عارضٍ، وقوعُه في خطأٍ، هذا لا يَعني أنه لا يحبُّ النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فالنبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كان يُؤتَى برجلٍ شرِبَ الخمرَ فجلَدَه، ثم جيءَ به فشربَ الخمرَ فجلَدَه، وكانَ يُؤتَى به مراتٌ في شربِ الخمرِ ويجلِدُه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فقالَ رجلٌ: «اللَّهُمَّ العَنْه، ما أكثرَ ما يُؤتَى به! فقالَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم:ـ  لا تَلْعَنُوه، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه»صحيح البخاري (6780)، طيب هذا يشربُ خمرًا، لم يترُكِ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ الجانبَ الإيجابيَّ، هذا شربُه للخمرِ لم يتعارضْ معَ المحبةِ ما دامَ أنَّ المحبةَ في قلبِه صادقةٌ، قدْ يعثرُ الإنسانُ، قد يخطئُ، قد يقعُ في خطأٍ، قد يرتكبُ ذنبًا لكن هذا لا يُلغي أنه يحبُّ اللهُ ورسولُه، ما دامَ المحبةُ هي انجذابَ القلبِ لا يعني هذا الانجذابَ القلبيَّ أن يكونَ الإنسانُ معصومًا مِنَ الخطأِ، قدْ يخطئُ لكن ينبَغي أنْ يتوبَ، ينبغي أن يستعتبَ، ينبغي أن يستغفرَ، ينبغي أن يقومَ المسيرةَ «كلُّ بني آدمَ خطَّاءٍ، وخيرُ الخطَّائين التَّوابون»سنن الترمذي (2499)، وسنن ابن ماجة (4251).

إذًا، محبةُ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ هي كمالُ اتباعِه، وبقدرِ ما يُتابعُه طبعًا محبةَ هذا الذي قالَ: ما علمتُ إلا أنه يحبُّ اللهَ، وعندَه خطأٌ ليستْ كمحبةِ الذي سلِمَ مِنَ الخطأِ لا نُساوي بين هذا وذاك، ولهذا الذي يُسرِفونَ على أنفسِهم في المعاصي ويقولونَ: نحبُّ اللهَ ورسولَه، نقولُ: نسألُ اللهَ أن تكونوا محبينَ للهِ ورسولِه لكن كمِّلوا هذه المحبةَ، وابلُغوا بها ما ينبغي أن يكونَ مِن صدقِ الامتثالِ لأمرِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ وأمرِ رسولِه حتى تُحققوا محبةً كاملةً.

المقدم: إنزالُ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ المنزلةَ اللائقةَ به، والمكانةَ اللائقةَ به فلا غلوَّ ولا تقصيرَّ في حقِّه عَليهِ الصلاةُ والسلامُ.

الشيخُ: النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أعظمُ الناسِ حقًّا، أعظمُ الخلْقِ حقًّا عَلَيك هو النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فحقُّه عظيمٌ، حقُّه أن تؤمِنَ به، وأن تحبَّه بحقٍّ، وأن تتبعَه حقُّه، وأن تطيعَه حقُّه، أن تحبَّه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ حقُّه، أن لا تغلوَ فيه، ولا تقصرَ في حقِّه، الله ـ تعالى ـ يقولُ في وصفِ هذه الأمورِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[البقرة:143]لا غلوَّ ولا تقصيرَ، لا إفراطَ ولا تفريطَ، لا زيادةَ ولا نقصَ، لا وكسَ ولا شططَ، هذا هو السمةُ العامةُ لهذه الشريعةِ في كلِّ أمورِها ومِن ذلك في حقِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ.

الصحابةُ كانوا يُحبونه حُبًّا عظيمًا ليسَ هُناك في أجيالِ الأمةِ جيلٌ وطبقةٌ أحبتِ النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كما أحبَّه الصحابةُ ـ رضيَ اللهُ عَنهُم ـ ولكنَّهم ـ رضيَ اللهُ عَنهم ـ لم يَغلوا فيه، بل كانوا يَمتثِلونَ ما أمرَ به ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ ـ ففي قولِه: «لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»صحيح البخاري (3445). الحقُّ الأعظمُ للنبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أنَّ تؤمنَ بأنه عبدُ اللهِ، وأنه رسولُه، وهذانِ الوصفانِ هما الكمالُ البشريُّ لأننا نحن نظنُّ أن الكمالَ البشريَّ بأن نُضفيَ مِنَ الصفاتِ والأخلاقِ والوصفِ له ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ ما يزيدُ على ما جاءَ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه، لن يبلغَ أحدٌ بوصفِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ مَبلغًا يَفيهِ حقَّه كما إذا قالَ: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.

ولذلك في أعلَى وأشرفِ مقاماتِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلمَ ـ بماذا وُصفَ؟

وُصفَ بالعبوديةِ، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ[الإسراء:1]، ما قالَ بأيِّ وصفٍ آخرَ إلا وصفَ العبوديةِ لأنه الذي بلَّغه هذه المنزلةَ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا[الجن:19]، وما إلى ذلكَ مِنَ الآياتِ التي ذكرَ اللهُ تعالى فيها النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ ـ فيها بهذا الوصفِ ينبغي أن لا يغلوَ الإنسانُ في النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ بأن يرفعَه على منزلتِه التي وضعَه اللهُ فيها إلى أن يجعلَه في منزلةِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ فالزيادةُ في النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ بدعائِه، بالاستغاثِة به، بإنزالِ الحوائجِ به، بصفاتهِ بصفاتِ الألوهيةِ مِن أنه يعلمُ الغيبَ، وأنه، وأنه يعلمُ ما كانَ وما يكونُ، كلُّ هذا مِنَ القصورِ في النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كلُّ هذا مِنَ الزيادةِ التي يجبُ على المؤمنِ أن يُقصِرَ عَنْها، ولا يجوزُ له أن يصفَها بهذه الصفاتِ لأنها صفاتُ ربِّ العالَمين التي لا يجوزُ أن تكونَ إلا لهُ، لم يكنْ له كفُوًا أحدٌ فهو ربُّ العالَمين عالمُ الغيبِ لا يُظهِرُ على غيبِه أحدًا ـ جلَّ في عُلاه ـ إلا مَنِ ارتضَى مِن رسولِ بالقدرِ الذي يُبلِّغُ به رسالةَ ربِّ العالمينَ.

كما أنه هُناك مَن يَجفو النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فلا يعتمدُ سيرتَه، ولا يعرفُ حقوقَه، ولا يتَّبعُ هديَه،ولا يعرفُ منزلتَه، ولا يقومُ بما يجبُ له مِنَ التعزيرِ والتوقيرِ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ ـ هذا وذاك كلاهُما خارجٌ عَنِ الصراطِ المستقيمِ. والطريقِ القويمِ في تعظيمِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في محبتِه، في سلوكِ الصراطِ القويمِ، فيما يجبُ له هو أنْ يكونَ كما قالَ أبو بكرٍ الصديقُ، كما كانَ عُمرُ، كما كانَ عثمانُ، كما كان عليٌّ، كما كان سائرُ الصحابةِ ـ رضيَ اللهُ عَنهم ـ في محبتِهم للنبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وانجذابِ قلوبِهم إليهِ، ونصرتِه بما يستطيعونَ، بأنفسِهم وأموالِهم، وذبهم عَن سُنتِه، ومعَ هذا كانوا لا يزيدون في أوصافِه، ولا يقصِّرونَ فيما يجبُ له مِنَ الطاعةِ والاتباعِ صلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ.

المقدمُ: وجوبُ التحاكُمِ إليهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، والرِّضا بحُكمِه، ويكونُ يا شيخُ بعدَ موتِه بالتحاكمِ إلى شريعتِه وسنتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ.

الشيخُ: بالتأكيدِ أن مِن حقوقِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أن يرُدَّ الأمرَ إليهِ، في الدقيقِ والجليلِ فيما يتعلقُ مِن منازعاتِ الناسِ التي تتصلُ بالديانةِ، وأيضًا في فصلِ القضاءِ بينَهم في الخصوماتِ ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء:65]، ليسَ الشأنُ في التحاكمِ إليهِ فقطْ بلِ انشرحَ الصدرُ بحُكمِه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ ـ وما جاءَ به مِنَ الهُدَى وفصلِ الخصوماتِ بينَ الناسِ، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء:65]، بهذا يتمُّ الإيمانُ فمَن عدَلَ عَن حُكمِ اللهِ ورسولِه فإنه تركَ النورَ المبينَ، والهَديَ القويمَ، وخرجَ عَنِ الصراطِ المستقيمِ.

إذًا، مِن حقوقِه التحاكمُ إليهِ، وردُّ الأمرِ إليهِ، سواءٌ أن كانَ ذلكَ مما يتعلقُ بأحكامِه بالديانةِ بالدرجةِ الأولَى فيما يتعلقُ بالعلمِ باللهِ، فيما يتعلقُ بطريقِ العبوديةِ الذي يتحققُ به الوصولُ إلى اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ أو كانَ ذلك فيما شجرَ مِنَ الحقوقِ وقدْ بيَّنَه النبيُّ ـ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ـ وعندَ ذلك يرُدُّ الحكمَ إليهِ وبهذا يتمُّ الإيمانُ.

الإعراضُ عنهُ لا شكَّ أنه إعراضٌ عَن خيرٍ وهُدًى وخروجٍ عَن ما يَقتضيهِ الإيمانُ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ[النساء:65]،فنفَى اللهُ ـ تعالى ـ الإيمانَ عَن هؤلاءِ الذين أعرَضوا عَن حُكمِه صلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ.

المقدمُ: أيضًا ترَى يا شيخُ الصلاةَ على النبيِّ ـ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ـ على عجالةٍ يا شيخُ أن الوقتَ ترَكَنا، الصلاةُ عَليهِ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لها صيَغٌ كثيرةٌ ومواطنُ كثيرةٌ، فيا شيخُ أطلِعْنا على صيغِ الصلاةِ عليهِ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- وهذه المواطنُ التي صلَّتْ عَليهِ.

الشيخُ: الصلاةُ على النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ منزلتُها عظيمةٌ، ولها فضائلُ عديدةٌ كثيرةٌ يَكفي أنَّ اللهَ ومَلائكتَه يُصلُّون على النبيِّ كما قالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56]، فأمرَنا اللهُ ـ تعالى ـ بالصلاةِ عَليهِ والسلامِ عَليهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، وقدْ بيَّنَ لنا كيفَ نُصلي عَليهِ، اللهُم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركْتَ على إبراهيمِ وعلى آلِ إبراهيمِ إنك حميدٌ مجيدٌ.

هذا أوفَى صيَغِ الصلاةِ عَليهِ، في السنةِ جملةٌ: اللهُم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّتِه، فيُصلِّي عَليهِ بكلِّ الصيغَ التي وردَتْ عنِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أو في الصيَغِ الأولى التي بيَّنَها النبيُّ وعلَّمَها أصحابَه، ويقولُها المؤمنونَ في صلواتِه. معنَى الصلاةِ على النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ نحنُ نسألُ اللهَ له الخيرَ الكثيرَ، مِنَ العُلماءِ مَن قالَ: الصلاةُ عَليهِ، الدعاءُ له بالرحمةِ، الدعاءُ لهُ بالمغفرةِ، منهم مَن قالَ: الدعاءُ لهُ بأنْ يذكرَه اللهُ في الملأِ الأعلَى، والذي يظهرُ -واللهُ أعلمُ- أن كلَّ ذلك مشمولٌ بالصلاةِ، فالصلاةُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ مَعناها إذا قلتَ: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ تقولُ: يا أللهُ أعطِ محمدًا خيرًا كثيرًا، في نفسِه، وفي أُمتِه، وفي شريعتِه، وفي النورِ الذي جاءَ به، وفي الدنيا، وفي الآخرةِ، وهذا أشملُ ما يكونُ مِن دعاءِ الخيرِ.

فمَن صلَّى على النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ بها عشرًا، ولذلكَ يدركُ المؤمنُ بصلاتِه على النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ خيرًا كثيرًا فإنَّ اللهَ قدْ وعدَ بالمضاعفةِ لمَن صلَّى على النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ الصلاةُ عليه مِن موجباتِ محبتِه، مِن موجباتِ اتباعِه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ ولذلك ينبغي للمؤمنِ أن يحرصَ على الصلاةِ على النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في أذكارِ الصباحِ والمساءِ، وأيضًا فيما وردَ مِنَ الصلاةِ عليهِ، وفيما إذا ذكرَ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ ـ والإكثارِ مِنَ الصلاةِ عَليهِ سببًا لجرَيَانِ خيرٍ كثيرٍ، لاسيما يومِ الجمعةِ فإنَّ يومَ الجمعةِ كما في حديثِ أوسٍ يومٌ مخصوصٌ بفضائلَ منها أن الصلاةَ عَليهِ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ معروضةٌ عليهِ، فالصلاةُ يبلِّغُها ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ ـ في كلِّ الأوقاتِ، لكن في يومِ الجمعةِ هُناك حفاوةٌ تُعرضُ عَليهِ، معنَى أن هُناك مزيدُ عنايةٍ واهتمامٍ بالصلاةِ عَليهِ في يومِ الجمعةِ، ونحن في يومِ الجمعةِ اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، اللهُم صلِّ على محمدٍ، اللهُم صلِّ على محمدٍ.

المقدمُ: صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ بارَكَ اللهُ فيكم فضيلةَ الشيخِ.  

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95419 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91120 )

مواد مقترحة

449. Jealousy
8051. مقدمة.
8110. مقدمة
12168.