سؤالُ: ما حُكْمُ تَقْسيطِ الزَّكاةِ؟
جوابٌ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأصلِّي وأسلمُ عَلَى نبيِّنا محمدٍ، وعَلَى آلِهِ وأصْحابِهِ أجمعينَ.
أمَّا بعدُ.
فالزكاةُ رُكْنٌ مِنْ أَركانِ الإِسْلامِ العِظامِ: «بُنيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وأَنَّ مُحمَّدَا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامِ الصَّلاةِ، وَإِيتاءِ الزَّكاةِ، وَصَوْمِ رَمَضانَ، وحَجِّ البيتِ» صَحيحُ البُخاريِّ (8)، وَمُسلمٍ (16).
فالزكاةُ مَنْزِلَتُها عَظِيمَةٌ، وَمَرْتَبَتُها كَبيرَةٌ، وَلذلِكَ تقترِنُ في الذكرِ في كِتابِ اللهِ تَعالَى بالصَّلاةِ في كثيرٍ مِنْ مَواضِعِ ذِكْرِها والحث عليها،{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} سورة: البقرةِ، الآية (43)
والأمرُ بِإيتاءِ الزكاةِ، هُوَ أمْرٌ ببَذْلها، طيبةً بها النفسُ، وَقدْ قالَ اللهُ تَعالَى في زكاةِ الثمارِ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} سُورةُ: الأَنعامِ، الآيةُ (141) وهَذا يدلُّ عَلَى أَنَّ الزكاةَ تخرجُ عندَ وُجُوبها، وَهكَذا في كلِّ الأَمْوالِ الَّتي تَجِبُ فِيها الزكاةُ، الواجبُ في الأَصْلِ أَنْ تبذلَ الزكاةُ عندَ وُجُوبِها.
وقدْ ترخَّصَ العُلماءُ رَحِمَهُمُ اللهُ، في تَأْخيرِ الزَّكاةِ لنصْفِ يَوْمٍ أَوْ يومٍ، أَوْ نحوِ ذلكَ، وَهَذا ما ذَهَبَ إِلَيْهِ عامَّةُ العُلَماءِ مِنْ أَصْحابِ المذاهِبِ المشْهُورَةِ، مِنَ الحَنَفِيَّةِ، والمالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالحنابِلَةِ، أَنَّهُ لابُدَّ مِنْ بَذْلِ الزكاةِ عِنْدَ وُجُوبِها.
وقالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الزكاةِ، وَهَذا قَوْلُ في مَذْهِبِ الحنابِلَةِ وَإِنْ لمْ يَكُنْ مُعْتَمَدُ المذهَبِ، وَهُوَ أَيْضا قَوْلٌ في مَذْهِبِ الحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ أَهْلِ العلمِ، مَسْأَلَةٌ هَلْ عَلَى الفَوْرِ، أَمْ عَلَى التَّراخِي، فأَمْرُهُ تَعالَى في قوْلِهِ: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} سُورة: الأَنْعام، الآية (141) هُنا حَدَّدَ.
لكن في مثل قوله:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } سُورةُ: البقرةِ، الآية (43) هُنا الأَمْرُ لمْ يأْتِ تَحْديدهُ، فَهَلْ هَذا يَحْمِلُ عَلَى الوُجُوبِ الفَوْرِيِّ، أَمْ أَنَّهُ عَلَى التَّراخِي، قَوْلانِ لأَهْلِ العِلْمِ، الجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ إِخْراجُ الزكاةِ فَوْرًا.
مَسْأَلَةِ الزَّكاةِ المقَسَّطَةِ: بِمعْنَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ إِنِّي إِذا أَعْطَيْتُ الفَقِيرَ المالِ جَمِيعُهُ في وَقْتِ وُجُوبِ الزكاةِ، كانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَضْييعِ هَذا المالِ، وَأَنَّ الفَقِيرَ يَصْرِفُهُ، وَلا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ أَحْيانًا، ثُمَّ يَكُونُ هَذا سَببًا لِبَقاءِ حاجَتِهِ، وَعَوْدُهُ قريبًا لِيَطْلُبَ مِنَ المالِ الَّذي قَدْ لا يَتَيَسَّرُ.
فَهَلْ يجوزُ أَنْ أُقَسِّطَ الزكاة كَما جاءَ في سُؤالِ أَخِينا؛ بِمَعْنَى أَنْ أَجْعَلَها مُقَسَّطَةٍ شَهْريًا، بِمِقْدارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى فَقِيرٍ، أَوْ عَلَى أُسْرَةٍ فَقِيرَةٍ؟
هَذِهِ المسْأَلَةِ لِلعُلَماءِ فِيها قَوْلانِ:
مُنْهُمْ: مَنْ يَرَى الجَوازَ، وَهَذا قوْلُ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِمَّنْ ذَكَرَتْ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالحنابِلَةِ.
وَأَمَّا الجُمْهُورُ مِنَ الحَنفِيَّةِ وَالمالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنابِلَةِ فَلا يَرَوْنَ الجوازَ، بَلْ يَرَوْنَ أَنْ يُعْطى المالَ فَوْرًا عِنْدَ الوُجُوبِ العِنايَةُ لِلبابرتي (2/155)، وَمِناهِجُ التَّحْصِيلِ لِلرجراجِي (2/336)، والمجمُوع (5/335)، والمغني (2/510) .
وهناك قولٌ توسط بينَ هذيْنِ القَوْلَيْنِ، وَهُوَ أنَّهُ يجوزُ لِلحاجَةِ تَقْسِيطُ الزكاةِ.
بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذا كانَ الفقيرُ لا يُحْسِنُ التصرفُ، وَلا هُناكَ سَبيلٌ لِكبحِ سُوءِ تَصَرُّفِهِ إِلَّا بِأَنْ أُقَسِّطَ عَلَيْهِ الزكاةَ خِلالَ السنةِ، وأَكُونُ قَدْ قَيَّدْتُها، وَضَبَطْتُها، فِيما إِذا حَصلَتْ وَفاةٌ، أَوْ اجْتاحَتِ الأَمْوالَ جائِحَةٌ، فإنهُ مَعْرُوفُ القَدَرِ الَّذِي في ذِمَّتِي مِنْ مالِ الزَّكاةِ.
هَذا القَوْلُ هُوَ قَوْلٌ وَسْطَ بَيْنَ القَوْلَيْنَ، وَهُوَ قَوْلٌ وَجِيهٌ، لَهُ حَظٌّ مِنَ النظرِ، ذاكَ مُراعاةً لِلمَصْلَحَةِ، وَتَحْقيقًا لِلحاجَةِ.
هُنا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ: وَهِيَ أَنَّ الواجِبَ عَلَى أَهْلِ الزَّكاةِ المبادَرَةُ إِلَى إِخْراجِها؛ لأَنَّ إِخْراجِها قَدْ يَؤُدِّي إِلَى تَضْييعِها، لَكِنْ في حالاتِ الاضِّطِرارِ، أَوْ في حالاتِ الحاجَةِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُها، وَأُشيرُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُقَسِّطَ الزكاةَ، أَوْ يُقَسِّطُها مُقَدَّمَةً، أَوْلَى مِنْ تَقْسِيطِها مُؤَخَّرَةً مُؤَجَّلَةً.
بمعْنَى أَنَّهُ أَنا أَعْرَفُ تَقْرِيبا زكاةُ مالي هَذِهِ السُّنَّةُ اثْنا عَشْرَ أَلْفًا، وَبِالتَّالي أُقَسِّطُ هَذِه مِنَ الآن قَبْلَ وُجُوبِ الزكاةِ عَلَى الأَشْهَرِ، إِلَى أَنْ يَأْتي وَقْتُ الزكاةِ، وَأَكُونُ قَدِ اسْتَوَعَبَتْ كُلَّ ما يَجِبُ عَلَيَّ مِنْ زَكاةِ هَذِهِ السُّنَّةِ، ثُمَّ أَنْظُرُ إِذا كانَتْ زَكاتي أَكْثَرَ مِمَّا أَخْرَجْتُ أَخْرِجْ ما تَبَقَّى، وَإِذا كانَتْ دُونَ ذَلِكَ فَأَنا بِالخِيارِ، إِمَّا أَحْتَسِبُهُ مِنْ زَكاةٍ قادِمَةٍ، وَإِمَّا أَنْ أَحْتَسِبُهُ صَدَقَةً، وَبِهذا نُخْرِجُ مِنْ هَذا الإِشْكالِيَّةِ.
وَأَسْأَلُ اللهَ تَعالَى أَنْ يَرْزُقَنا وَإِيَّاكُمُ البَصِيرَةَ في الدِّينِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنا محمدٍ.