×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / قل هذه سبيلي / الحلقة (15): كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:الأربعاء 19 رمضان 1435 هـ - الاربعاء 22 أكتوبر 2014 م | المشاهدات:4487

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الرَّحمنِ الرحيمِ مالكِ يوْمِ الدِّينِ، أحمدُهُ جلَّ في عُلاهُ، لهُ الحَمْدُ كلهُّ، لهُ الحمدُ في الأُولَى وَالآخِرةِ، وَلهُ الحُكمُ وَإليهِ تُرجُعونَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهدُ أَنَّ محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ صفيهُ وخليلهُ خيرتهُ مِنْ خلقهِ، اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى محمدٍ وَعَلَى آلِ محمدٍ كَما صَلَّيتَ عَلَى إِبراهِيمَ وعَلَى آلِ إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ أمَّا بعدٌ..

فاللهُ -جلَّ في علاهُ- لهُ الحكمةُ البالغةُ في كلِّ ما أمرَ بهِ، وفي كُلِّ ما نَهَى عنهُ، أمرَنا بكلِّ ما فِيهِ صَلاحُنا نَهانا وحَذَّرنا مِنْ كُلِّ ما فِيهِ ضَررٌ وفسادٌ عليْنا.

أَيُّها الإخْوةُ والأَخواتُ إِنَّ المؤمنَ ينطلِقُ مِنْ هَذهِ القاعِدَةِ للنظرِ لِكُلِّ ما أَمرَ اللهُ بهِ بالشرعِ، اللهُ غنيٌّ عنَّا وعنْ عِباداتِنا، فلمْ يأمرْنا بِالطاعاتِ لمصلحَةِ ترجعُ إليهِ، إنَّما لِصالحنا وَلِنفْعِنا لِصَلاحِ المعاشِ وَالمعادِ، لِصلاحِ الدُّنْيا وَالآخرةِ، في المقابلِ أَيْضًا كُلُّ ما نَهَى اللهُ تَعالَى عنْهُ، إِنَّما نَهَى عنهُ لما فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، لما فِيهِ مِنَ المفسدَةِ سَواءٌ كانَتِ المفْسَدَةُ خاصَّةً، أَوِ المفسدةُ عامَّةً، المفْسَدةُ حاضرةً أَوْ المفسدَةُ مُسْتقبلةً، كلُّ ذلكَ ينبغِي أَنْ يستحضرهُ المؤمِنُ ليسلمَ منَ التَّواني في طاعةِ اللهِ فِيما أمرَ امْتِثالا وَفِيما نهىَ تَركا وَاجتنابًا.

إنَّ المؤْمِنَ إِذا استشْعَرَ هَذا المعْنَى عرفَ السرَّ في تحريمِ اللهِ تَعالَى لما حرمَ منَ المحرَّماتِ، حرَّمَ اللهُ جملةٌ مِنَ المحرَّماتِ لكنْ مِنْ أَعْظَمِ ما جاءَ في المحرَّماتِ فِيما يتعلقُ بِالمعامَلاتِ المالِيَّةِ الرِّبا بأَنْواعهِ، وَالرِّبا نَوْعانِ؛ رِبا يتعَلَّقُ بِالقُروضِ، تأْتي لِشخصٍ تقولُ أَنا أَحْتاجُ مبلغٌ سواءٌ كانَ الشخصُ شَخْصًا مَعْنويًّا أوْ شخْصًا حقِيقيًّا وَيقُولُ لَكَ: أعْطيكَ المائةَ بِمائةٍ وعشرةٍ، أُعطيكَ أَلْفًا بِألفِ وَمائِةٍ هَذا رِبا وَسببهُ القرضُ.

هناكَ نوعٌ منَ الرِّبا آخرُ وهُوَ ما يُعْرفُ بِربا البيعِ، يكُونُ نِتاجَ بيعِ بعضِ الأَمْوالِ ببعضِ، فيكونُ فِيها زِيادَةٌ كبيعِ الذَّهبِ بِالذهبِ زِيادَةً أَوْ تأخيرًا بالقبضِ كبيعِ الذهبِ بِالفضةِ، كلُّ هَذا مما حرمهُ اللهُ تعالَى إذا ترتَّبَ عليهِ زيادةِ في القرضِ، وهوَ ظلمٌ وزيادةٌ في البيوعِ في الأَموالِ الربويةِ، سواءٌ كانتِ الزِّيادةُ في القدَرِ فِيما اتفقَ جِنسًا، أو في الأَجْرِ فِيما اختلفَ جِنْسًا واتفقَ علِّةُ

 إِنَّ اللهَ تعالَى يقُولُ في كِتابهِ يبينُ لَنا عظيمَ أثرِ هذهِ الموبقةِ الرِّبا الَّذي هُوَ فسادُ الدُّنيا والآخرةِ.

أقصدُ فَسادَ الدُّنيا أي أنهُ مِنْ أَعظمِ أَسْبابِ فَسادِ اقتصادِ الناسِ، يقولُ اللهُ تعالَى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ[البقرة: 275]، هَذا التَّصويرُ لحالِ أكلةِ الربا جاءَ بعدَ ذكرِ حالِ أُولئِكَ الَّذِينَ ينفقونَ أموالهمْ بالليلِ والنهارِ سرًّا وعلانيةً، طَلبًا لما عندَ اللهِ وَرجاءً لِثوابِهِ وَنوالِهِ وَإِعطائِهِ –سُبحانَهُ وبحمْدِهِ-.

إنَّ اللهَ تعالَى ذكرَ الآيةَ الَّتي تسبقُ هذهِ الآيةَ هُوَ قولُ ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[البقرة: 274] ثُمَّ ذكرَ حالَ أهلِ الجشعِ الذينَ يستنزفونَ أموالَ الناسِ، يستغلُّونَ حوائجهُمْ، يلحقونهم الضَّررَ بمضاعفَةِ الأَقْساطِ عليهِمْ أَوْ الأَمْوالِ عليهمْ بالقرضِ وَما شابههُ مِنَ المعاملاتِ الماليَّة، إنَّ أولئكَ لا يستَوونَ يقولُ اللهُ تعالَى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ[الروم: 39]، لا يزيدُ عندَ اللهِ لا في حُكمهِ وَلا في مُمارسَتِهِ –جلَّ وعَلا- ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ[الروم: 39] أيِ الذينَ يُضاعِفُ اللهُ لهمُ العطاءَ.

الربا يُطلقُ علَى ما هوَ أعمُّ مِنَ الزِّيادةِ في القرضِ، أَوِ الزيادةِ في بيعِ الأَموالِ الربويةِ فيطلَقُ عَلَى كُلِّ المعامَلاتِ المحرَّمَةِكلُّ الأجْسامِ الخبيثةِ فهِيَ داخِلَةٌ في هَذا، الذين يأْكُلُونَ الرِّبا يُصِيبهُمْ مِنَ التَّخبُّطِ في مسيرتهمْ وَالاختلالِ في اقْتِصادِهِمْ والتَّعثُرِ في مَعاشِهمْ ما وصَفَهُ اللهُ تَعالَى ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ[البقرة: 275]، في الدنْيا علَى أحدِ التفسيرينِ لا يقُومونَ في أعمالهمْ، في تجارتهمْ، في سعيهِمْ، في كسبهِمْ، في مشاريعِهمْ ﴿إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ[البقرة: 275]، أيْ إِلَّا كَما تَسلَّطَ علَيْهِ الشيطانُ بِالصرعِ، فَلا يستطيعُ أنْ يستقيمَ بَلْ هُوَ في أمرٍ مطَّردْ، في أَمْرٍ مريدٍ، في أمرٍ مخوفٍ تجدهُ يمشِي ويتعثَّرَ يخبطُ يَمينًا وشَمالًا، ولذلِكَ قالَ: ﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ[البقرة: 275]، لكَ أَنْ تتصوَّرْ كيفَ هَذا المسيرُ الَّذِي يكونُ مِنَ المصرُوعِ الَّذِي تسلطَ عليهِ المسّ، أو تسلطَ عليهِ الصرعُ حتَّى لا يَكادُ يعرفُ طَرِيقًا وَلا تَسْتقيمُ لهُ خُطا.

هَذا حالُ الذينَ يأْكُلونَ الرِّبا في سعيهمْ، إنهمْ يبحثونَ عنِ الكسبِ مِنْ كلِّ طريقٍ، بغضِّ النظرِ عَنْ الوَسيلَةِ الَّتي يَكْسِبُونَ بِها، إِنَّ النفسَ إِذا أُطْعمتْ بِالحرامِ لم تقفْ عندَ حَدٍّ، لم يُشْبعْها شيءٌ بلْ هِيَ في لهثٍ مستمرٍ وكدٍّ دائمٍ للاسْتكثارِ منَ المكاسِبِ المحرمَةِ الَّتي نِهايتُها وعاقبتُها أَنَّها تحبطُ العَملَ، أَنَّها تبدِّدُ ذلكَ الكسبَ، فالرِّبا والكسبُ المحرمُ بكلِّ صورهِ يمحقهُ اللهُ كَما أَنَّ الآيةَ هِيَ وَصْفٌ لحالِ في الآخرةِ ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ[البقرة: 275]، يعني يومَ القِيامَةِ يَوْمَ يَقُومُ الناسُ لربِّ العالمينَ حُفاةً عراةً غرْلا غيرَ مختونينَ، يقومُونَ في أفقَرِ ما يَكُونُونَ وأَحوجُ ما يكُونُونَ إِلَى رحمةِ اللهِ –عزَّ وجلَّ- يقُومُونَ علَى هذهِ الصّفةِ يتخبطُهُ الشيطانُ مِنَ المسِّ.

وَهذا يَومٌ عظيمٌ مهولٌ يحتاجُ فيهِ الإنسانُ إِلَى ذِهنٍ وَإِلَى اكْتِمالِ مَسيرٍ حتَّى يتوقَّى الزلَلَ وَالخطأَ، ويتوقَّى الخطرَ فإذا كانَ يسيرُ هَذا المسارَ، ويقومُ علَى هَذا النحْوِ كيفَ ينجُو؟ كيفَ يسلَمُ مِنْ أَهْوالِ ذلكَ اليومِ؟ إِنَّها بعثةٌ وخروجٌ مغزى أَنْ يسيرَ يومَ القِيامَةِ عَلَى هَذا النَّحْوِ مِنَ الخَبَلِ في مَسِيرِهِ.

ولذلكَ أقولُ لإِخواني وأَخَواتي: احذرُوا كُلَّ كسْبٍ حرامٍ، ليسَ فقطْ في الرِّبا، بلْ في الرِّبا والميسرِ والقمارِ والغشِّ والتدليسِ وأَكْلِ أموالِ الناسِ بِالباطِلِ، احْذَرُوا الكسب المحرم فإنه أعظم مانع يمنع من الخير، جاء في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم- «ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟»[صحيحُ مسلمٍ (15)]- يبعدُ أَنْ يُستجابَ لهذا الَّذي امْتلأَ أَكْلا للحرامِ، سواءٌ بِالرِّبا أَوْ غَيْره.

فأُوصيكمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ، وتركِ المكاسبِ المحرمَةِ والتوبَةِ إِلَى اللهِ مما صارَ في أيدِينا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ أَوْ مِنَ الأموالِ المحرَّمةِ بِالتخلُّصِ مِنْها بِرَدِّها إِلَى أهْلِها أَوْ إذا لمْ يعرفِ الإنسانُ أَهْلَها يَتخلَّصَ مِنْها بِالصَّدَقَةِ، وَليرْجُو ما عِندَ اللهِ حَتَّى يسلم مِنْ أَنْ يَسِيرَ في الدُّنْيا عَلَى هَذِهِ الحالِ، أَوْ يُبعثُ يَوْمَ القِيامَةِ كالَّذي يَتَخَبَّطُه الشَّيْطانُ مِنَ المسِّ.

أَسْألُ اللهَ تَعالَى أَنْ يَرْزُقَنا وَإِيَّاكُمْ بصيرةً في الدِّينِ، إلى أَنْ نَلقاكُمْ في حلْقَةٍ قادِمةٍ، أَستودعكُمُ اللهَ الَّذي لا تضيعُ ودائعُهُ، والسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95419 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91120 )

مواد مقترحة

452. Jealousy
8198. مقدمة.
8257. مقدمة
12167.