فيما يتعلقُ بفضائلِ الحجِّ، وما يكونُ مِنَ الأجورِ المرتبةِ علَيهِ يمكنُ إجمالُها في صنفَيْنِ مِنَ الفضائلِ:
الفضيلةِ الأولَي:
حطُّ الذنوبِ والخَطايا والسيئاتِ: فقدْ جاءَ في الصحيحَيْنِ مِن حديثِ أبي هُريرَةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ:«مَن حجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجعَ كيومِ ولدتُه أمُّه»، وهَذا يبينُ لنا أنَّ الحجَّ مما يحطُّ اللهُ تعالى بِهِ الخَطايا، وقدْ جاءَ صريحًا فيما رواهُ مسلمٌ مِن حديثِ عبدِ اللهِ عمرِو بنِ العاصِ -رضيَ اللهُ عنهُما- أنَّ عَمْرًا لمَّا أرادَ الإسلامَ اشترطَ عَلَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أنْ يُغفرَ لهُ ما تقدمَ مِن ذنبِه فقالَ:«أمَا علمتَ يا عمرُو أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كانَ قبلَه، وأنَّ الحجَّ يهدمُ ما كانَ قبلَه»، فالحجُّ يهدمُ ما كانَ قبلَه مِن سيئاتِ العملِ.
وقدِ اختلفَ العلماءُ -رحِمَهمُ اللهُ- فيما يهدمُه الحجُّ مِنَ السيئاتِ، هلْ هوَ مختصٌ بالصغائرِ؟ أم يشملُ الصغائرَ والكبائرَ؟بعدَ اتفاقِهم على أنهُ لا يغفرُ حقوقَ الخلقِ، فحقوقُ الخلقِ لا بُدَّ فيها مِنَ الاستباحةِ؛ لأنها تتعلقُ بحقِّ الآخرينَ، وأما ما يتعلقُ بحقِّ اللهِ تعالى فقدْ ترددَتْ أقوالُ العلماءِ بينَ هذيْنِ القوليْنِ.
وعامةُ أهلِ العلمِ على أنَّ المغفرةَ المذكورةَ في الحديثِ «الحجُّ يهدمُ ما كانَ قبلَه»،وكذلكَ«رجَعَ كيومِ ولدَتْه أمُّه» فيما يتعلقُ بالصغائرِ دونَ الكبائرِ.
والذي يظهرُ -واللهُ تعالَى أعلمُ- أنَّ الأحاديثَ في عمومِها وإطلاقِها تشملُ الأصغرَ والأكبرَ، وما احتجَّ به الذينَ قصَروا المغفرةَ على الصغائرِ محلُّ تأملٍ فيما ذكروهُ، وقدْ جاءَ في "الصحيحِ" مِن حديثِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنْها أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- ذكَرَ في فضلِ يومِ عرفةَ فقالَ:«ما مِن يومٍ أكثرَ مِنْ أنْ يعتقَ اللهُ فيهِ عبدًا مِنَ النارِ مِن يومِ عرفةَ»، وهَذا يدلُّ على أنَّ المُعتَقين قدْ حطتْ خطاياهم؛ فإنَّ الذي يوجبُ دخولَ النارِ هوَ كثرةُ الذنوبِ والخَطايا فإذا أُعتِقَ منْها فإنهُ قدْ غُفِرَ لهُ ما كانَ موجبًا لدخولِها.
وهَذا قدْ يقولُ قائلٌ: يشملُ حقوقَ الآدميينَ، وفضلُ اللهِ واسعٌ، فمَن حققَ ما شُرِطَ وأمِلَ خيرًا مِنَ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى كريمٌ منانٌ، وقدْ قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- فيما روَى البخاريُّ ومسلمٌ مِن حديثِ أبي هُريرَةَ في الحديثِ الإلاهيِّ « أنا عندَ ظنِّ عَبدي بي »، وهَذا يتطلبُ أنْ يحسِنَ العبدُ الظنَّ باللهِ -عزَّ وجلَّ- وأن يؤملَ منهُ خيرًا، والتوبةُ لا بدَّ مِنها بالتأكيدِ لكنَّ الحجَّ المبرورَ لا يكونُ إلَّا بالتوبةِ، لا يمكنُ أنْ يكونَ حجًّا مبرورًا إلَّا بتوبةِ صاحبِه مِن خطاياهُ وندمِه على ما فرَّطَ مِن سيئاتِه.