أولُ أعمالِ الحجِّ والعمرةِ هوَ الإحرامُ، فلا يكونُ حجٌّ أو عمرةٌ بلا إحرامٍ، والمقصودُ بالإحرامِ هوَ عقدُ القلبِ، بأنْ ينويَ الدخولَ في النُّسكِ، أو بأنْ ينويَ الالتزامَ بالأحكامِ المتعلقةِ بالنسكِ مِن أنْ يمتنعَ مما يمتنعُ عنهُ المحرمُ، ومَن هُنا نعرفُ أنَّ الإحرامَ هوَ الدخولُ في النسكِ، وليسَ عملًا محددًا مِن أنْ يلبسَ إزارًا ورِداءً محددًا؛ لأنَّ مِنَ الناسِ مَن يتصورُ أنَّ الإحرامَ هوَ أنْ تلبسَ الإزارَ والرداءَ.
تقولُ أحرمْتُ.
نقولُ أحرمتَ كيفَ؟
تقولُ لبسْتُ الرداءَ والإزارَ.
اللُّبسُ هَذا ليسَ إحرامًا،إنما الإحرامُ هوَ ما في قلبِك مِنَ الدخولِ في النسكِ، عقدُ وعزمُ القلبِ على الدخولِ في النسكِ، بأنْ تمتنعَ مما يمتنعُ منهُ المحرمُ، وأنْ تشرعَ في الأعمالِ والأحكامِ المتعلقةِ بالإحرامِ.
ولهَذا يمكنُ أنْ يحرمَ الإنسانُ بثيابِه، يَعني مثلًا في الطائرةِ ما عندَه إزارٌ ولا رداءٌ، أو معَه في الشحنِ مثلًا، وجاءَ الميقاتُ ونبَّهَ المنبهُ أنهُ قدْ جازَ الميقاتَ، عندَ ذلكَ يدخلُ الإحرامَ بعقْدِ القلبِ، ولو كانَ عليهِ ما عليهِ مِن لباسٍ، فمتَى ما تيسرَ لهُ نزعُ ما يُمنَعُ مِن لُبسِه، فينزعُ اللباسَ ويحرِمُ بالإزارِ والرداءِ.
فلُبسُ الإزارِ والرداءِ واجبٌ، لكنه ليسَ هوَ الإحرامَ، فإنهُ في هَذا إنْ لم يجدِ الإزارَ فليلبَسِ السراويلاتِ هكَذا قالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويكونُ محرمًا وعلَيهِ سروالٌ، ما يمنعُ هَذا مِنَ الإحرامِ، وهذا يظهرُ مثلًا الآنَ بعضُ الناسِ يَلبَسون إزارًا ورداءً قبلَ الميقاتِ إنْ كانَ بعضُهم قادِمينَ مِن طريقِ الطائفِ أو كانوا بالطائرةِ ويروحُ للمطارِ ثُم يقولونَ لهُ الرحلةُ تأخرَتْ أو أُلغيَتْ، هلْ يقولُ أحرمتُ؟ على هَذا لا بُدَّ أنْ يذهبَ ويُتِمَّ كما قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾البقرة:196 إن كانَ قدْ نوَى الدخولَ في النسكِ، نعمْ، يجبُ أنْ يذهبَ ويُتمَّ النسكَ إذا كانَ يستطيعُ، وإذا كانَ لا يستطيعُ، أي إنْ كانَ لم يحرمْ أي: لم يعقدِ القلبَ على الالتزامِ بأحكامِ الإحرامِ إنما لبسَ إزارًا ورداءً فإنَّ ذلكَ لم يكنْ محرمًا، يفُكُّ الإزارَ والرداءَ كسائرِ اللباسِ لأنهُ لم يَلزَمْه بعدُ أحكامُ الإحرامِ.
إذًا: الخُلاصةُ،أنَّ الإحرامَ ليسَ لُبسَ الإزارِ والرداءِ، إنما عقدُ القلبِ وعزيمةُ الفؤادِ أنْ يدخلَ الإنسانِ في الإحرامِ بأنْ يمتنعَ مما يمتنعُ منهُ المحرمُ ويلتزمُ بما يلتزمُ بهِ الحاجُّ أو المعتمرُ.