يُسَنُّ للمحرمِ أنْ يصححَ النيةَ والقصدَ، قالَ اللهُ تعالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}آل عمران:97
فمِن أوائلِ هذه العبادةِ إخلاصُ النيةِ للهِ عزَّ وجلَّ، طبعًا لما نقولُ آدابٌ ما يَعني أنهُ مستحبٌّ، أو أنهُ سنةٌ، لا. قدْ يكونُ واجبًا، وقدْ يكونُ شرطًا لصحةِ العبادةِ.
الإخلاصُ شرطٌ لصحةِ العبادةِ، لا بُدَّ منهُ لصحةِ العبادةِ، لكنْ نُذَكِّرُ بأنهُ ينبَغي أنْ يستحضرَ في هَذا الموضعِ أنَّ عملَه للهِ، لا يريدُ منهُ إلَّا وجهَ اللهِ جلَّ في عُلاه، فيكونُ الباعثُ لهُ على العملِ هوَ الرغبةُ فيما عندَ اللهِ.
أيضًا مما ينبَغي أنْ يتحلَّى بهِ مَن أرادَ الحجَّ أو العمرةَ أنْ يتهيأَ للإحرامِ، والتهيؤُ بأنْ يغتسلَ ويدخلَ على أكملِ ما يكونُ مِن حالِ النظافةِ وكمالِ الهيئةِ؛ فقدْ أمرَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أسماءَ بنتَ عُميسٍ بالاغتسالِ، وقدْ أمرَ عائشةَ بالاغتسالِ معَ أنَّ أسماءَ كانتْ نُفسَاءَ، وعائشةَ -رضيَ اللهُ عَنْها- كانَتْ حائضًا، وأمرَهُما بالاغتسالِ، فغيرُهُما مِن بابِ أولَى.
وتجرَّدَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ لإحرامِه، وجاءَ عنهُ أنهُ اغتسلَ، فهَذا مِنَ السننِ التي يَنبغي أنْ يراعيَها مَن يريدُ الإحرامَ.
وما يتعلقُ بما يفعَلُه كثيرٌ مِنَ الناسِ عندَ الإحرامِ، وذكرَه الفُقهاءُ مِن إزالةِ الشعورِ، وتقليمِ الأظافرِ، هذا ليسَ مِن سننِ الإحرامِ الخاصةِ إنما هذا مِن سننِ الفطرةِ والآدابِ العامةِ، فإذا كانَ عندَه شيءٌ مِن هذه الشعورِ أو مِن هذه الأظافرِ التي يحتاجُ لإزالتِها فهذا حسنٌ، حتى لا يحتاجَ إلى إزالتِها في وقتِ الإحرامِ، هَذا ليسَ هوَ مِن سننِ الإحرامِ، ولا مِن آدابِ الإحرامِ، هوَ مِن سننِ الفطرةِ والآدابِ العامةِ التي يجبُ أنْ يتحلَّى بها المسلمُ والمسلمةُ.
مما يُسَنُّ أيضًا أنْ يتطيَّبَ، فإنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- كانَ يتطيبُ قبلَ إحرامِه، ولم يأمُرْ بذلكَ صحيحٌ؟ لكنهُ كانَ يفعلُه، وسُنتُه تثبتُ بالفعلِ والقولِ، وقدْ جاءَ عَن عائشةَ -رضِيَ اللهُ عَنْها- أنها قالَتْ: «كنتُ أطيِّبُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- لإحرامِه قبلَ أنْ يحرِمَ ولحلِّه قبلَ أنْ يطوفَ بالبيتِ».
فيتطيبُ في رأسِه وفي بدنِه فهذا مِنَ السُّننِ، أما طيبُ الإحرامِ سواءٌ كانَ لباسًا للمرأةِ أو كانَ لباسًا للرجلِ، الإزارُ والرداءُ، فإنَّ العلماءَ لهم فيهِ أقوالٌ:
مِنهم مَن يرَى أنهُ سُنةٌ.
ومِنهُم مَن يرَى أنهُ مكروهٌ.
ومِنهم مَن يرَى أنهُ مباحٌ.
والأَولَى تركُ ذلكَ احتياطًا وبُعدًا عَن مواطنِ الشبُهاتِ، لكِنْ لو فعَلَه أحدٌ بأنْ طيبَ إحرامَه لم أقوَ على أنْ أقولَ إنهُ أتَى محظورًا؛ بلْ هوَ إما أنْ يكونَ مباحًا، وقدْ قالَ بعضُ أهلِ العلمِ أنهُ مكروهٌ، والصوابُ أنهُ مباحٌ.
فيما يتعلقُ بآدابِ الإحرامِ أيضًا أنْ يحرمَ بعدَ صلاةٍ: إما صلاةُ فرضٍ أو صلاةٌ مسنونةٌ؛ بمعنَى أنهُ لا يتقصدُ بأنْ يصليَ لأجلِ الإحرامِ، لكنْ يُسنُّ أنْ يكونَ إحرامُه بعدَ صلاةٍ، إما فريضةٍ وإما نافلةٍ لها سببٌ خاصٌّ.
فريضةٌ كأنْ يوافقَ صلاةَ الظهرِ، يُصلي الظهرَ ثُم يحرمُ أو سائرُ الفرائضِ، أو نافلةٌ خاصةٌ كصلاةِ الضحَى، وتحيةِ المسجدِ، وسنةِ الوضوءِ، والسنةِ بينَ الأذانِ والإقامةِ، وما إلى ذلكَ مِنَ السننِ التي لها أسبابٌ خاصةٌ، ذهبَ كثيرٌ مِن أهلِ العلمِ إلى أنَّ الإحرامَ لهُ صلاةٌ تخصُّه، ولا دليلَ على هَذا.
ومِن سُننِ الإحرامِ أيضًا أنْ يكونَ إحرامُه إمَّا بعدَ الصلاةِ، وإما إذا ركِبَ على دابتِه، وهذانِ قولانِ لأهلِ العلمِ بناءً على إحرامِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، فمن أهل العلم من نقل عنه أنه أحرم دبر الصلاة، ومنهم من قال: أنه أهل وأحرم لمَّا استوى على دابته، والأمر في هذا قريب.
إذا كان قد تجهز وتهيئ بالطيب وسائر ما يسن فليحرم بعد الصلاة يكون عقب عبادة، وإذا كان باقي عليه شيء أو يخشى أن يحتاج إلى ما يستكمل به التهيؤ فلو جعله إذا ركب دابته تحقق له السنة بفعله بموافقة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أَهلَّ لما استوي على راحلته، الأمر في هذا قريب، هذا وهذا له وجه.
ومن السنن المتعلقة بالإحرام أن يحرم بإزار ورداء، طبعا يجب التجرد من المخيط، والمخيط المقصود به ما فُصِّل على البدن كاملا أو على عضو منه، سواء كان فيه خياطة، أو لم يكن فيه خياطه؛ يعني المنسوج كالمخيط فيما يمنع منه إذا كان مفصلا على عضو من أعضاء المتنسك، يُحْرم في إزار ورداء أبيضين، وفي نعلين لقول النبي صلى الله عليه وسلم فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين.
هذا ما يتعلق بالسنن التي تسن للمحرم .