الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ وأُصَلِّي وأُسلِّمُ عَلَى المبعوثِ رحمةً للعالمينَ نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمَعينَ أمَّا بعدُ:
فيما يتعلقُ بالإحرامِ، الإحرامُ هوَ الدخولُ في النسُكِ وهوَ عبادةٌ يُفتتَحُ بها الحجُّ والعمرةُ، فأولُ الأعمالِ التي تُطلَبُ مِنَ الحاجِّ ومِنَ المعتمرِ أنْ يحرمَ، والإحرامُ هوَ عقدُ القلبِ، بمعنَى أنْ يعزِمَ الحاجُّ والمعتمرُ على الالتزامِ بأحكامِ الإحرامِ، ويَقتَضي هَذا الالتزامَ بمتطلباتٍ وممنوعاتٍ.
متطلباتٍ: يَأتي بها الإنسانُ على وجهِ الوجوبِ أو على وجهِ الاستحبابِ.
وممنوعاتٍ: يمتنِعُ مِنها الإنسانُ إمَّا على وجهِ الوجوبِ أو على وجهِ الاستحبابِ.
ما يتعلقُ بمحظوراتِ الإحرامِ تندرجُ تحتَ الممنوعاتِ التي ينبَغي للحاجِّ أنْ يتوقَّاها في إحرامِه، وقدْ ذكرَها اللهُ تعالَى إجمالًا في آياتِ الحجِّ فقالَ:﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾البقرة:197
هذه المذكوراتُ الثلاثةُ هيَ أصولُ ما ينبَغي للحاجِّ أنْ يتجنَّبَه ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾البقرة:197 يَعني مَن أحرَمَ، وعقدَ قلبَه على الالتزامِ بأحكامِ النسُكِ فإنَّ عليهِ مراعاةَ هذهِ الأمورِ الثلاثةِ باجتنابِها، ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾البقرة:197 وهذا البيانُ الإلهيُّ يشملُ كلَّ المحظوراتِ؛ لأنَّ جميعَ المحظوراتِ إمَّا رفثٌ وإما فسوقٌ وإما جدالٌ، وهيَ ممنوعاتٌ خاصةٌ بالحجِّ، وإنْ كانَ الممنوعاتُ التي يُمنعُ مِنها الحاجُّ أيضًا تتجاوزُ ما يتعلقُ بالإحرامِ لأنَّ الفسوقَ يشملُ كلَّ مُحرَّمٍ، مما مُنعَ منهُ الإنسانُ سواءٌ كانَ ذلكَ يتعلقُ بالحجِّ خُصوصًا كالمحظوراتِ، أو مما يتعلقُ بغيرِ الحجِّ كالمحرماتِ على المسلمِ في سائرِ الأوقاتِ: كالغِيبةِ، والنميمةِ، وأذيةِ الخلقِ باليَدِ، أو باللسانِ، أو بالقلبِ، والسرقةِ، وما إلى ذلكَ مما يُمنَعُ منهُ المسلمُ، في إحرامِه وفي غيرِ إحرامِه.
إذًا: محظوراتُ الإحرامِ، هُناك محظوراتٌ عامةٌ، ممنوعاتٌ تُمنَعُ على الحاجِّ في الإحرامِ وفي غيرِه، هذهِ لا يتكلمُ عَنها الفقهاءُ.
وإنما ينصبُّ اهتمامُ الفقهاءِ على ما يُمنَعُ حالَ الإحرامِ، لِماذا؟ لأنَّ الممنوعاتِ العامةَ هذهِ ليسَ لها علاقةٌ بالإحرامِ، هيَ ممنوعةٌ في كلِّ الأحوالِ، الغيبةُ مثلًا يُمنعُ المحرمُ وغيرُ المحرمِ مِن أنْ يغتابَ؛ وذلكَ أنَّ اللهَ تعالى حرَّمَ الغيبةَ في كتابِه وحرَّمَها رسولُه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سُنتِه، وكذلكَ الكذبُ، وكذلكَ الاعتداءُ على أموالِ الناسِ، وعلى أنفُسِهم، وعلى أعراضِهم، كلُّ ذلكَ مما حرَّمَتْه الشريعةُ؛ فيجبُ صيانتُه في الإحرامِ وغيرِه.
لكنْ في الإحرامِ يتأكدُ على المؤمِنِ أنْ يصونَ نفسَه عَنْ ذلكَ لقولِه تعالَى: ﴿وَلا فُسُوقَ﴾البقرة:197 فالفسوقُ يشملُ كلَّ ما نَهَى اللهُ تعالى عنهُ، مِنَ الغيبةِ والنميمةِ وسائرِ الأعمالِ.
لكنَّ المحظوراتِ الخاصةَ بالإحرامِ هيَ التي يتكلمُ عَنها الفقهاءُ، لِماذا؟
لأنها تتعلقُ بالمحرمِ دونَ غيرِه، فمثلًا، المُحرمُ يُمنعُ مِن لُبسِ المخيطِ، لبسُ ما فصِّلَ على البدنِ هَذا لا يمنَعُ على غيرِ المحرمِ.
يمنعُ المحرمُ مِنَ الطيبِ وهَذا لا يمنَعُ على غيرِه وهلُمَّ جرًّا مما سيَأتي عرْضُه.
إذًا: لما نتحدثُ عَن محظوراتِ الإحرامِ نحنُ نتحدثُ عما يمنعُ منهُ المحرمُ على وجهِ الخصوصِ، لكنْ هلْ هُناك أشياءُ أخرَى يمنعُ مِنها؟
الجوابُ: نعمْ، وسائرُ أهلِ الإسلامِ يمنعُ مِنَ المحرَّماتِ كلِّها، الظاهرةِ والباطنةِ في حقِّ اللهِ، وفي حقِّ الخلْقِ، هذهِ النقطةُ واضحةٌ ودليلُ ذلكَ قولُه: ﴿وَلا فُسُوقَ﴾البقرة:197
وأيضًا الآياتُ التي حرَّمَتْ هذهِ المحرماتِ لم تَستثنِ حالَ المحرمِ عَن غيرِه.