اختلَفَ العلماءُ في القدرِ الذي يوجِبُ الفديةَ إذا أخذَ مِن شعْرِه.
أولًا: الحلاقُ هوَ صورةٌ مِن صوَرِ إزالةِ الشعرِ، ولكنَّ الحكمَ لا يختصُّ بالحلاقِ فقطْ؛ بلْ يشملُ كلَّ الصورِ التي يزولُ بها الشعرُ، سواءٌ كانَ حلاقًا أو تقصيرًا أو حرقًا أو إذابةً، كما لو وضعَ بعضُ الموادِّ التي تذيبُ الشعرَ، كلُّ هَذا يندرجُ فيما نُهيَ المحرمُ عنهُ، مِن حلقِ رأسِه.
وأما القدرُ: فمِنَ العلماءِ مَن قالَ: إنهُ إذا أزالَ ثلاثَ شعراتٍ فإنهُ يكونُ قدْ وقعَ في محظورٍ مِن محظوراتٍ الإحرامِ، وتجبُ الفديةُ.
ومنهُم مَن قالَ: إذا أخذَ رُبعَ رأسِه.
وقالَ آخَرونَ: الثلثُ.
وقالَ آخرونَ: إذا أخذَ ما يُماطُ بهِ الأذَى، ما يُزالُ بهِ الأذَى لو كانَ في رأسِه قملٌ مثلًا أو مرضٌ، القدرُ الذي يزيلُ الأذَى إذا أخذَه هوَ الذي يجبُ بهِ الفديةُ، وهَذا مذهبُ الإمامِ مالكٍ رحِمَه اللهُ، وهوَ أقربُ الأقوالِ إلى الصوابِ.
وعَلَيهِ فإنَّ الإنسانَ لو حكَّ جِلدَه أو اغتسَلَ وتساقطَ شيءٌ مِن شعرِ رأسِه أو شعرِ بدنِه فليسَ عليهِ شيءٌ؛ لأنَّ هَذا لا يُعتبرُ حلْقًا ولا تقصيرًا.
وقدْ سُئلَتْ عائشةُ -رَضيَ اللهُ عَنها- عَنِ المحرمِ يحُكُّ رأسَه؟ فقالَتْ:"لو قيَّدتُم يَدي لحككْتُ برِجلي"، فيهِ الدلالةُ على أنَّ الحاجَّ والمعتمرَ لا يمتنعُ مِن ذلكَ لعدمِ الدليلِ؛ فالمنهيُ عنهُ هوَ الحلاقُ، وليسَ السقوطَ الذي يكونُ مِن غيرِ فعلِ الإنسانِ أو اختيارِه.