المقدمُ: كثيرٌ مِنَ الشرِكاتِ بلِ المصارفِ باتَتْ تهرولُ -إنْ صحتِ العبارةُ- إلى بيعِ بعضِ المنتجاتِ كالسياراتِ مثلًا والتي عمَّتْ بها البلوَى، ويحتاجُها الناسُ عَن طريقِ الإجارةِ معَ الوعدِ بالتملُّكِ، وبعضُهم يقولُ: الإجارةُ منتهيةٌ بالتملُّكِ -إنْ صحتْ هذه العبارةُ أيضًا الأخرَى- هلْ مِن إجمالٍ، تقريبٍ لأبرزِ أحكامِها وضوابطِها؟، سيَّما أننا نرَى تقديمَ هذه السياراتِ وأيضًا هذا المشروعُ مِن قبَلِ مصارفٍ ومِن قبَلِ شركاتٍ، ما التوجيهُ؟
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين وأُصلِّي وأسَلِّمُ على المبعوثِ رحمةً للعالَمين نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمعينَ، أما بعدُ:
ما يتصلُ بالإجارةِ المنتهيةِ بالتمليكِ هو مِنَ العقودِ المستحدثةِ التي جدَّتْ في المعاملاتِ الماليةِ المعاصرةِ، وهي مِن حيثُ جدتُها في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ أيضًا حديثةٌ، وإنْ كانَتْ قدْ سبقَ لها وجودٌ في التجاراتِ الغربيةِ، أولَ ما عُرِفَ هذا العقدُ عُرفَ في بريطانيا وقيل في أمريكا، ومرَّ بمراحلَ، نُقلَ هذا العقدُ في أولِ مجيئِه إلى البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ على النحوِ الذي كانَ علَيهِ في البلادِ الغربيةِ.
وعندَما نظرَ العلماءُ أولَ ما جاءَ هذا العقدُ تطبيقًا بينَ الناسِ في معاملاتِهم كانَ على نحوٍ يجمعُ أحكامَ عقدينِ على عينٍ واحدةٍ، فأبيعُكَ هذه السلعةَ وفي نفسِ الوقتِ أؤجرُك إياها، ولذلكَ يُسميها كثيرٌ مِنَ الحقوقيِّينَ والقانونيينَ الإجارةَ الساترةَ للبيعِ، وهو في الحقيقةِ بيعٌ لكنه لحفظِ حقِّ البائعِ في ما إذا تعثرَ السدادُ والوفاءُ يسمَّى إجارةً، وإن كانَ في الحقيقةِ بيعًا، فأجرَوا على هذه الأحكامِ الواقعةِ، أحكامِ العقدَينِ؛ عقدِ الإجارةِ وعقدِ البيعِ دونَ تمييزٍ ولا تعاقُبَ، بلْ هما واقعانِ على عينٍ واحدةٍ في آنٍ واحدٍ.
ولذلكَ لما نظرَ العلماءُ في هذه العقودِ صدرَ فيها الفتوَى عن هيئةِ كبارِ العلماءِ بما يُشبهُ الاتفاقَ على تحريمِ هذا العقدِ؛ لكونِه يتضمنُ عقدَينِ على عينٍ واحدةٍ، وهذا نوعٌ مِنَ الغررِ؛ لأنهُ لا يُعلَمُ هلْ ينتهَي هذا العقدُ بيعًا أم ينتهي إجارةً؟ وبه صدرَتِ الفتوَى.
مِن طلبةِ العلمِ مَن يُرددُ هذه الفتوَى عندَما يُسألُ عَن الإجارةِ المنتهيةِ بالتمليكِ غافلًا عَن أنَّ هذا العقدَ قد جرَى عليهِ تحديثاتٌ كثيرةٌ بسببِ الملاحظاتِ التي وردَتْ عليهِ، وفي كثيرٍ مِنَ الأحيانِ التي يُستعمَلُ فيها هذا العقدُ تُلُوفيَتْ وجُنِّبتْ هذه الملاحظاتُ وأصبحَ عقدُ إجارةٍ منفصلٍ بأحكامِه، يعقبُه عقدُ بيعٍ إمَّا وعدًا وإما ترتيبًا بالالتزامِ أن يكونَ إذا تمتِ الإجارةُ، فعندَ ذلكَ تنتقلُ العينُ إما بسعرٍ بثمنٍ وإما بهبةٍ.
ولذلكَ مما تختلفُ فيه الصورُ وإنْ كانَتْ تتفقُ أنها جعلَتِ العقدَ على مرحلتَينِ:
- مرحلةِ إجارةٍ.
- ثُم يعقبُها إما بيعٌ وإما هبةٌ.
المقدمُ: تأذَنْ لي شَيخي في أثناءِ سردِكم للأنواعِ ثمةَ أسئلةٌ وردَتْ في خاطري، وأتمنَّى أنْ تنظِّموها في عرضِكم للأنواعِ، الأسئلةُ التي يثيرُها كثيرٌ مِن إخوَتي وأخواتي الكرامِ بالذاتِ الإخوةُ الذين يتورَّعونَ الدفعةَ المقدمةَ والدفعةَ المؤخرةَ، هذه يسألونَ عَنها كثيرًا.
الشيءُ الثاني: ماذا لو تضمنَ العقدُ الأولُ عقدُ الإجارةِ وعدًا بالتمليكِ حالَ الانتظامِ في السدادِ مثلًا.
الشيخُ: مثلُ ما ذكرتَ جرَى التَّلافي لكثيرٍ مِنَ الملاحظاتِ الواردةِ على العقدِ، وبالتالي أصبحَ العقدُ مِن حيثُ الأصلُ عقدًا مباحًا؛ لأنَّ الأصلَ في العقودِ الحِلُّ، وعلى هذا جرَتْ أكثرُ العقودِ، التي تُسمَّى عقودَ الإجارةِ المنتهيةِ بالتمليكِ، التي تقدِّمُها البنوكُ التي تعتمدُ المصرفيةَ الإسلاميةَ، وكذلكَ الشركاتُ في أغلبِ مُعاملاتِها قد يكونُ هُناك إشكالياتٌ بهذه العقودِ؛ كتحميلِ المستأجرِ ضمانَ العينِ، أو تحميلِه الصيانةَ للعينِ إذا تلفَتْ، إذا تعثرَ عملُها أو ما إلى ذلك مما يمكنُ أن يُعثرَها عَنِ العملِ.
هُناك ملاحظاتٌ؛ كقضيةِ التأمينِ، تحميلُ المستأجرِ التأمينَ، وهُناك ملاحظاتٌ عديدةٌ في العقدِ، لكن لا تعودُ على الأصلِ بالإبطالِ والإفسادِ، وبالتالي الذي آراهُ مناسبًا معَ هذا التعديلِ الذي جرَى على عقدِ الإجارةِ الُمنتهي بالتمليكِ أنهُ مِن حيثُ الأصلُ هو عقدٌ مباحٌ، لكن إذا تعثَّرَ بوجودِ شروطٍ محرَّمةٍ، أو وجودِ بعضِ الإشكالياتِ فهُنا يبطلُ الشرطُ، ويبقَى العقدُ سليمًا، والفيصلُ في حلِّ المنازعاتِ الناشبةِ بينَ المتعاقِدَينِ في الإجارةِ المنتهيةِ بالتمليكِ: المحاكِمُ، وسيفصلُ القاضي بما يوافقُ الشرعَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
ما يتعلقُ بوجودِ الدفعةِ المقدمةِ: هذه الدفعةُ المقدمةُ هي -حقيقةً- دفعةٌ(تحتَ الحسابِ) للإيجارِ، ولذلكَ لو تعثرَ العقدُ الإجاريُّ فإنهُ يعادُ للمستأجرِ ما بقيَ من هذه الأقساطِ، فهي مثلُ أقساطٍ مقدمةٍ للاستئجارِ، وإنْ كانَ سيدفعُ لكن هو يدفعُ نسبةً حتى أنه إذا دفعَ في الأولِ نسبةً مِنَ الإجارةِ خفَّتْ عليهِ الأقساطُ الإجاريةُ، وبالتالي يكون ذلكَ عَونًا لهُ على الوفاءِ.
المقدمُ: عفوًا في هذه المسألةِ ذاتِها للمؤجرِ أنْ يطلبَ إجارةً في كلِّ سنةٍ أو في كلِّ قسطٍ بما يتفقُ هو والمستأجرُ، لا بأسَ بهذا.
الشيخُ: في الغالبِ أنه يُجري اتفاقًا مِن أولِ العقدِ.
المقدمُ: لكن إذا اتفقَ، وكانَتْ –مثلًا- الدفعةُ الأولَى ربما مضعفةٌ أو أكثرُ وقد وافقَ المستأجرُ، فهو وشأنُه؟
الشيخُ: أيْ نعمْ، هو وشأنُه مِن حيثُ قدرُ الأجرةِ، ليسَ هُناك تدخلٌ في قدرِ الأجرةِ، لكن الذي يظهرُ أنَّ هذا القدرَ هو تخفيفٌ للأقساطِ الإجاريةِ وبالتالي هو جزءٌ مِنَ الأجرةِ لكنه دُفعَ مقدمًا، وأما ما يتعلقُ بالدفعةِ الأخيرةِ، الدفعةُ الأخيرةُ هي دفعةُ البيعِ إذا كانَ العقدُ بيعًا، فإنه يكونُ ما يدفعُه أخيرًا هو لا يَخلو مِن حالَينِ:
إما ثمنُ المبيعِ إذا كانَ ثمنًا لنقلِ الملكيةِ، وإما أنْ يكونَ بقيةُ أقساطٍ مؤجلةٍ للإجارةِ، يعني يقسمُ الأجرةَ إلى قسمَينِ: قسمٍ مقدمٍ، وقسمٍ مقسطٍ، وقسمٍ مؤخرٍ، ثُم بعدَ ذلكَ إذا دفعَ هذا لهُ حقُّ التملكِ إما بالهبةِ وإما بعقدٍ بالبيعِ ويكونُ البيعُ حينئذٍ إما بثمنٍ رمزيٍّ متفَقٍ عليهِ أولا، وإما أنْ يكونَ بثمنِ السلعةِ في وقتِ نهايةِ العقدِ الإجاريِّ.
المقدمُ: أحسنَ اللهُ إلَيكُم وشكرَ اللهُ لكم، بهذا اتضحَتِ الصورةُ كثيرًا.
مِنَ الأسئلةِ التي جمعَها فريقُ الإعدادِ؛ هلْ هُناك فرقٌ بينَ أنْ أشتريَ سلعةً سيارةً مِن مصرفٍ لا يملِكُها في ظاهرِها، إنما يستطيعُ تملكَها بطريقةٍ أو أخرَى؟ أو أشتريَها مباشرةً مِن معرضِ أو شركةِ سياراتٍ تعرضُ هذا المنتجَ مباشرةً، يعني: البيعُ والإجارةُ المنتهيةُ بالتملكِ أيُّهما أسلمُ مِن وجهةِ نظرِكم، وأيضًا مِن وجهةِ نظرِ الشرعِ التعاملُ معَ المصارفِ في مثلِ هذا التعاملِ بالذاتِ، الإجارةُ معَ الوعدِ بالتملكِ، أو التعاملِ مع الشركاتِ والمعارضِ مباشرةً؟
الشيخُ: لا فرقَ، أهمُّ ما يكونُ في العمليةِ أن يكونَ المؤجرُ مالكًا لمنفعةِ العينِ حتى لا يدخلَ في قولِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «لا تَبِعْ ما ليسَ عندَك»[أخرجه أبو داود في سننه(2503)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(13162)]، قوله: «لا تبِعْ ما ليسَ عندَك» يشملُ بيعَ الأعيانِ وبيعَ المنافعِ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ مالكًا للمنفعةِ حتى يستطيعَ التصرفَ بها، فإنْ لم يكُنْ مالكًا للعينِ ولا مالكًا للمنفعةِ، أو ليسَ مالكًا للمنفعةِ فهُنا ليسَ لهُ حقُّ التصرفِ.