المقدمُ: فضيلةَ الشيخِ طبعًا نحنُ نتحدثُ دائمًا في مستهلِّ هذا البرنامجِ وفي كلِّ حلقةٍ عَنِ الماجرياتِ التي تدورُ ولا زِلْنا فيما يُسمَّى بعاصفةِ الحزمِ، نحتاجُ مِن فضيلتِك رسالةً فيما يتعلقُ بعاصفةِ الحزمِ على الأقلِّ لجنودِنا المرابِطينَ البواسلِ على الحدودِ السعوديةِ أو الحدِّ الجنوبيِّ.
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمَعينَ، أما بعدُ.
فأسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ الكريمِ الذي بيَدِه مفاتيحُ النصرِ أنْ ينصرَنا على مَن عادانا، وأنْ يؤثِرَنا ولا يُؤثرَ عَلَينا، وأنْ يجعلَ لإخوانِنا في اليمنِ فرجًا قريبًا ومخرجًا عاجلًا، فهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ جَلَّ في عُلاه.
رسالَتي في هذهِ الكلماتِ الموجَزاتِ أولًا لنا جميعًا أنْ نستحضرَ أننا لنْ ننجوَ، ولن نحققَ نصرًا، ولن نحرزَ فوزًا إلا بتقوَى اللهِ ـ تعالى ـ فتقوَى اللهِ تجلبُ الخيراتِ، وتدفعُ المساءاتِ، قالَ اللهُ ـ تعالى ـ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾[الأعراف: 96]، وقالَ -جلَّ في عُلاه-: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[الزمر: 61]، وقالَ –سُبحانَه وبحمدِه-: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ قَدْرًا﴾[الطلاق: 2-3].
فمِن أعظمِ أسبابِ النصرِ أنْ يحققَ المجتمعُ أهلُ الإيمانِ أهلُ الإسلامِ التقوَى، وهذا يتطلبُ أنْ يعيدَ كلُّ واحدٍ مِنا حساباتِه، نحنُ لَسنا في ظرفٍ معتادٍ، نحنُ في جوِّ حربٍ ولهُ متطلباتُه، وإنْ كُنا -وللهِ الحمدُ- نعيشُ في أمنٍ، وقدْ لا نستشعرُ كثيرًا مما يعانيهِ إخوانُنا، وما يقومُ بهِ جنودُنا، وما يشرفُ عليهِ ولاتُنا مِن هذه الحربِ التي اضطُرِرْنا إلَيها اضطرارًا، إلَّا أنَّ ذلكَ لا يَعني أنْ يغيبَ الإنسانُ عَن هذا الشعورِ بالكليةِ ويبقَى يأكلُ ويشربُ ويَلهو وكأنَّ شيئًا لم يكُنْ، والنارُ في بيتِ جارِه وما كانَ في بيتِ جارِك يمكنُ أنْ يصيبَك.
لذلكَ أنا أدعو نَفسي وإخواني إلى تجديدِ التوبةِ ومراعاةِ هذا الظرفِ بتحقيقِ التقوَى والاستغفارِ وسؤالِ اللهِ ـ تعالى ـ الحفظَ لنا ولأهلينا ولبلادِنا وللمسلمينَ ولولاةِ أمرِنا، فإنَّ ذلكَ مما يحصلُ بهِ النصرُ، أيضًا أُوصيهم بالدعاءِ لإخوانِنا المُقاتلينَ الذينَ يُقاتِلونَ، وكذلكَ المُرابِطينَ الذين يحرُسونَ الثغورَ في كلِّ جهاتِها فالخطرُ ليسَ فقطْ مِن جهةٍ واحدةٍ، الخطرُ يتهددُنا مِن جهاتٍ عديدةٍ وهؤلاءِ المرابِطونَ الذينَ في الحدودِ هُم يسهرونَ على أمرِنا، ننامُ وهم يسهَرونَ، نفرحُ وهُم مُنتبِهونَ لتحركاتِ العدوِّ، نأكلُ ونشربُ بينَ أولادِنا وهم مُغترِبونَ، كلُّ هذه المعاني لا بُدَّ أنْ نستحضرَها وهذا يحفزُنا على مشاركتِهم ولو بالدعاءِ، فإنَّ مشاركتَهم بالدعاءِ ومعرفةَ فضلِ ما يقومونَ بهِ مِن حمايتِنا وحمايةِ أموالِنا ومكتسباتِنا وسائرِ ما نتمتعُ بهِ مِن نعَمٍ الحقيقةُ أنَّ هذا أقلُّ حُقوقِهم عَلَينا.
أوصي أيضًا في هذا السياقِ المُقاتِلينَ في الجبهاتِ أنْ يستحضرَ النيةَ الطيبةَ، وأنهم في دفاعٍ عَنِ المظلومينَ مِن إخوانِهم في اليمنِ، وأنهم في دفاعٍ عَن بلادِهم وعَن مُقدساتِهم وعن دولتِهم وعن شعبِهم وعن أمتِهم، فهذه المعاني كلُّها مما يحفِّزُ النفوسَ لبذلِ المُهَجِ في حمايةِ البلادِ ونُصرةِ المظلومينَ.
هذه المعاني لها تأثيرٌ بالغٌ في النشاطِ والقوةِ وينزلُ بها مِنَ البركاتِ على القلوبِ، والقوةِ على الأبدانِ ما يشاهدُ ويعرفُ بالممارسةِ والواقعِ، فإنَّ الإنسانَ الذي يربطُ قلبَه باللهِ -عزَّ وجلَّ- فيُحسِنُ قصدَه ويتوكلُ عليهِ ويعرفُ فضلَه وإحسانَه، ينفتحُ لهُ مِن أبوابِ التوفيقِ والعونِ والمددِ والنصرِ والتأييدِ والتثبيتِ ما ليسَ له على بالٍ، كما لا يخفَى أنَّ النيةَ الصالحةَ هي التي يبلغُ بها الإنسانُ الأجرَ العظيمَ والفضلَ الكبيرَ، جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-فقالَ: يا رسولَ اللهِ، الرجلُ يقاتلُ يبتَغي الأجرَ والذكرَ ما لهُ؟ قالَ: «لَا شَيْءَ لَهُ» ، قال: الرجل يقاتلُ -عادَ السؤالَ مرةً ثانيةً- يبتغي الأجرَ مِنَ اللهِ والذكرَ مِنَ الناسِ قالَ: «لَا شَيْءَ لَهُ» قالَ مرةً ثالثةً الرجلُ يقاتلُ يبتغي الأجرَ والذكرَ ما له؟ قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-: «لَا شَيْءَ لَهُ»، ثُم قالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ».[أخرجه النسائي في الصغرى(3140)، وصححه الألباني في الصحيحة(52)]
ولهذا أنا أذكِّر إخواني الذين في المَيدانِ، والذين يمدونَهم ويُساعدونَهم، والذين تهيَّئوا للمشاركةِ أنْ يستحضِروا النيةَ الطيبةَ، فالنوايا مَطايا، وكمْ مِن فتحٍ ونجاةٍ ونصرٍ يُنزِلُه اللهُ تعالى على القلوبِ المخلصةِ، الصادقةِ يؤيدُ بنصرِه مَن يشاءُ جلَّ في عُلاه، كما أوصي أيضًا إخوانَنا المرابطينَ في حرسِ الحدودِ وفي الجهاتِ الذين في المواجهةِ، الذين يَرقُبونَ العدوَّ ويَرصُدونَ تحركاتِه وسائرِ ما يكونُ منهُ، أوصيهم باستحضارِ أجرِ الرباطِ، فرباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما عَلَيها، وهذا فيه عظيمُ الفضلِ وكبيرُ الأجرِ لكلِّ مَن حرسَ حدودَ المسلمينَ وصانَ بلادَ الحرمَينِ مِنَ السوءِ والشرِّ والمتربصينَ الذين يريدون أنْ يظفروا بأيِّ فرصةٍ، سواءٌ كانَ ذلكَ بالتسللِ، أو كانَ ذلكَ بالدخولِ للفسادِ والأذَى، أو كان ذلكَ للقتالِ والاعتداءِ على الآمنينَ مِن أهلِ الإسلامِ في هذه البلادِ، أنا أوصيهم بالرباطِ وباستحضارِ النيةِ بالرباطِ فأجرُهم عظيمٌ عندَ ربِّ العالمين وفضلُهم كبيرٌ وقدْ جاءَ في صحيحِ الإمامِ مسلمٍ مِن حديثِ سلمانَ أن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-قالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ»[صحيح مسلم(1913/163)]وهَذا فضلٌ عظيمٌ وأجرٌ كبيرٌ يَعني هذا خيرٌ مِنَ الدنيا مِنَ الأجرِ والثوابِ وما عَلَيها وهي أيضًا مِن حيثُ الأجرُ كما ذكرتُ مِن كثرةِ الفضلِ له أجرُ صيامِ شهرٍ وقيامِه، كما لا يَفوتُني أنْ أوصيَ، أنْ أرسلَ رسالةً لإخوانِنا اليمينيينَ أنْ يجتَهِدوا في دفعِ عدوِّهم، وأنْ يعلَموا أنَّ هذه الحملةَ مِنهم ولهم، وهي لنصرتِهم وإنقاذِهم مِن هذا العدوِّ المتربصِ الذي أشاعَ في البلادِ الفسادَ وأكثرَ فيها الأذَى، وسفكَ فيها الدماءَ، وهدمَ فيها المساجدَ، وقتلَ فيها الأنفسَ، واستباحَ الديارَ، ومكنَ للفرسِ فيها، فأصبحوا همُ الآمرينَ الناهينَ، وفعلَ ما فعلَ مِن إفسادِ اليمنِ على وجهٍ يحتاجُ إلى سنواتِ لإصلاحِه، هذا الفسادُ يحتاجُ إلى قوةٍ وتلاحمٍ واجتماعٍ ومعرفةٍ وإدراكِ خطورةِ الأمرِ، وهذا لا يتأتَى إلا بجمعِ الكلمةِ في مواجهةِ هذا الزحفِ، أنتم مُنتصِرونَ بإذنِ اللهِ باجتماعِكم، وقدْ يسَّرَ اللهُ لكم هذه العاصفةَ التي قادَها خادمُ الحرمَينِ الشريفَينِ وإخوانُه مِن دوَلِ الخليجِ والتحالفِ العربيِّ، ومَن أعانَهم مِن بلادِ المسلمينَ كلِّها لنصرتِكم، ليسَ للخليجِ مصالحٌ تَكتسبُها، إنما هي لنجدَتِكم ووقايةِ الشرِّ الذي سيطالُكم وسيتعدَّى لغيرِكم، فلم يكُنِ الشرُّ فقط خاصًّا بكم، بلِ الشرُّ إذا تمكنَ الفرسُ مِن هذهِ البلادِ عبرَ الحوثيِّ وجماعتِه لن يقتصرَ على اليمنِ، بل سيعمُّ اليمنَ وسيطالُ المنطقةَ كلَّها، أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ الكريمِ أنْ يعجلَ فرجًا عاجلًا لإخوانِنا في اليمنِ. اللهُمَّ أنجِ المُستَضعفينَ مِن إخوانِنا في اليمنِ، اللهُم انصُرْنا ولا تنصرْ عَلَينا، اللهُم أيِّدْنا بتأييدِك، وأمِدَّنا بنصرِك واجعلِ العاقبةَ الحميدةَ لنا، واجعلْ دائرةَ السوءِ على الحوثيِّ ومَن أعانَه ومَن كانَ معَه ومَن أمَدَّه، اللهُم إنكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ندرأُ بِك في نحورِهم ونعوذُ بكَ مِن شرورِهم يا قويُ يا عزيزُ.
المقدمُ: اللهُم آمين، أحسنَ اللهُ إلَيك فضيلةَ الشيخِ.