الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، أحمَدُه حقَّ حمدِه لهُ الحمدُ كلُّه أولُه وآخرُه، ظاهرُه وباطنُه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، إلهُ الأولينَ والآخِرينَ، لا إلهَ إلَّا هُو الرحمنُ الرحيمُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه خيرتُه مِنْ خلقِه بعثَه اللهُ بينَ يدَيِ الساعةِ بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلَيهِ بإذنِه وسِراجًا مُنيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ حتى أتاهُ اليقينُ وهُو عَلَى ذلكَ، فصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وصحبِه، ومَنِ اتبعَ سُنتَه واقتفَى أثرَه بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، أمَّا بعدُ:
فنعمةُ اللهِ تعالى عَلَى العبدِ بإدراكِ العشرِ نعمةٌ عُظمَى تستوجِبُ شُكرًا،والشكرُ حقيقتُه هُو الإقرارُ بالفضلِ قلبًا، واللهجِ بالثناءِ قولًا، والامتثالِ والعملِ، والامتثالِ بالعملِ فعلًا، وبهذا ينتظمُ الشكرُ الحقيقيُّ، فالشكرُ ليسَ شيئًا يقولُه اللسانُ ويتخلفُ عنهُ القلبُ والعملُ، بَلِ الشكرُ الحقيقُ هُو مَنْ جمعَ هذهِ الأمورِ الثلاثةِ:
1. أن يكونَ شكرًا بالقلبِ إقرارًا بالفضلِ.
2. وشكرًا باللسانِ، ثناءً عَلَى المتفضِّلِ.
3. وشكرًا بالعملِ، عملًا بفضلِه وامتثالَ أمرِه فِعلًا.
ولذلكَ قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾[سبأ:13]، فجعلَ الشكرَ عملًا وذلكَ أنَّ الشكرَ لا يكونُ فقَطْ باللسانِ بلْ لا بُدَّ أنْ ينعطفَ عَلَيهِ وأنْ يجتمعَ معَه شكرُ القلبِ مَعَ شكرِ اللسانِ معَ شكرِ العملِ، يقولُ الشاعرُ:
أفـــــادتْكُمُ النعـــــماءُ مِنّـِــــي ثلاثةً *** يَــــدي ولِسانـــــي والضمــيرَ المحجَّبَا.
فلا يكونُ الشكرُ بالثناءِ باللسانِ إنَّما لا بُدَّ أنْ يجتمعَ مَعَ ذلكَ إقرارُ القلبِ بالفضلِ، وانقيادُ البدنِ بالعملِ بما يحِبُّ المشكورُ، بما يحبُّ الذي يُثنَى عَلَيهِ.
ولهَذا أيُّها الإخوةُ شكرُ اللهِ -عزَّ وجلَّ- عَلَى نعمةِ إدراكِ هذهِ العشرِ ليسَ فقطْ بأنْ يقولَ الإنسانُ الحمدُ للهِ عَلَى ما يسَّرَ مِنْ إدراكِ العشرِ، بلْ لا بُدَّ أنْ يجتمعَ معَ ذلكَ إقرارُ القلبِ بنعمةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- قبولُ ذلكَ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- بالقلبِ أنْ يشكرَ العبدُ اللهَ بقلبِه أنْ بلَّغَه هذهِ العشرَ، ثُم بعدَ ذلكَ أنْ يحفظَ هذهِ النعمةَ بأنْ يكونَ عَلَى ما يحبُّ اللهُ ويرضَى في هذهِ العشرِ فيكونُ قائمًا بحقِّها، حافِظًا لحُرمتِها مقدِّرًا لِما كانَ فيها مِنْ تعظيمِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- وحُرمتِها ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونسَ:58]، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج:32]، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾[الحج:30].
نحمَدُ اللهَ ـ تعالى ـ عَلَى ما يسَّرَ مِنْ إدراكِ هذهِ العشرِ، ونسألُه أنْ يُعينَنا فيها عَلَى الطاعةِ والإحسانِ، وأنْ يستعمِلَنا فيها بكلِّ قُربةٍ ترفعُ الدرجاتِ، وتُضاعِفُ الأجورَ، وتحطُّ الأوزارَ والخَطايا.