الأنساكُ: معنَى الأنساكِ أي: صفاتُ الحجِّ، كيفَ يحجُّ الناسُ؟ ما الأعمالُ التي يقومُ بها الحجاجُ؟ هَذا معنَى الأنساكُ.
نقولُ: الأنساكُ ثلاثةٌ، يَعني أنَّ صفاتِ أعمالِ الحجاجِ على ثلاثةِ أنحاءَ، على ثلاثةِ أقسامٍ، على ثلاثِ صوَرٍ، على ثلاثةٍ أنواعٍ، هذا معنَى الأنساكِ.
إذًا: النسُكُ هوَ صفةُ العملِ، فلما نقولُ الأنساكُ ثلاثةٌ، يَعني أنَّ صفاتِ أعمالِ الحجاجِ التي يَفعلونَها قبلَ مجيئِهم إلى مكةَ ثلاثةُ أنواعٍ:
النوعُ الأولُ: الحجُّ مفرِدًا؛ وهوَ أنْ يأتيَ إلى مكةَ لا يقصدُ إلَّا الحجَّ، ولا يعملُ عملًا إلَّا الحجَّ، ويُلَبِّي بالحجِّ في أشهُرِه وهيَ أشهرُ الحجِّ الثلاثةِ شوالٌ وذو القَعدةِ وذو الحَجةِ، أو عشرةُ ذي الحَجةِ، على قولَينِ لأهلِ العلمِ.
إذا لبَّى بالحجِّ قالَ: "لبيكَ حجًّا" الآنَ دخلَ في الحجِّ، وبالتالي الآنَ ماذا سيصنعُ؟ هوَ سيُلَبي ويطوفُ ويسعَى ويقفُ في المواقفِ لكِنهُ لا يقصدُ بهذا إلَّا الحجَّ، ليسَ ثمةَ عملٌ آخرُ، هذا هوَ النسكُ الأولُ ويسمَّى: الإفرادَ، وهوَ أنْ يأتيَ بالحجِّ فقطْ، ولذلكَ يسمَّى الإفرادَ لأنهُ ما في عملٍ آخرَ فهوَ حجٌّ فقطْ لم يضُفْ إليهِ عملًا آخرَ.
القسمُ الثاني: أنْ يضيفَ إلى الحجِّ العمرةَ، وهَذا على صورَتَينِ: تمتعٍ وقِرانٍ.
نبدأُ بالقرانِ لأنهُ قريبٌ مِنَ الحجِّ، الصورةُ الأُولَى أنْ يأتيَ فقطْ يريدُ الحجَّ، الصورةُ الثانيةُ أنْ يأتيَ بحجٍّ وعمرةٍ مقترنتَيْنِ جميعًا، لا يفرِّقُ بينَهُما بفاصلٍ، بلْ كلُّ ما يفعَلُه هوَ لحجِّه وعمرتِه، طوافُه لحجِّه وعمرتِه، سعيُه لحجِّه وعمرتِه، فهُما مُقترِنانِ؛ ولذلكَ سُميَ صاحِبُهما قارنًا.
هَذا لا يتحللُ، يَأتي محرِمًا يقولُ: "لبَّيكَ حجًّا وعمرةً"، ولا يتحللُ إلَّا يومَ العيدِ، يبقَى على إحرامِه مُلبِّيًا، ممتنِعًا مِن محظوراتِ الإحرامِ إلى أنْ يأتيَ يومُ النحرِ، يومُ العيدِ، يومُ العاشرِ مِن ذي الحَجةِ، هَذا يُسمَّى القارنَ، لكنْ هَذا عندَما دخلَ في النسكِ قالَ "لبيكَ حجًّا وعمرةً" أو "لبيكَ عمرةً في حجٍّ" أو "لبيكَ عمرةً وحجًّا".
والفرقُ بينَ الإفرادِ والقِرانِ والتمتُّعِ:
أنهُ في الإفرادِ قالَ: " لبيكَ حجًّا" فقطْ، وأمَّا في التمتعِ والقرانِ أضافَ إليهِ عمرةً، فقالَ:" لبيكَ حجًّا وعمرةً، أو" لبيكَ عمرةً في حجةٍ"، أضافَ العمرةَ بقلبِه نيةً وقصْدًا، وفي عملِه، والمفرِدُ والقارنُ أعمالُهما واحدةٌ إنما يفترِقانِ في أمرَيْنِ:
الأمرِ الأولِ: النيةُ، فالقارنُ يَنوي العمرةَ معَ الحجِّ، وأيضًا يجبُ عَلَيهِ هدْيٌ وهوَ مندرجٌ في قولِه تعالَى:﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾البقرة:196 أي: جمعَ في سَفرةٍ واحدةٍ بينَ العمرةِ والحجِّ،﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾البقرة:196.
هذا النوعُ الثاني مِن أنواعِ الأنساكِ.
النوعُ الثالثُ:مِن أنواعِ الأنساكِ التمتعُ، وسُميَ تمتعًا لأنَّ الحاجَّ المتقربَ المتعبِّدَ يَأتي في أشهرِ الحجِّ بعمرةٍ يقولُ:"لبيكَ عمرةً"، ثُم يَأتي إلى مكةَ ويطوفُ ويسعَى ويتحللُ بالحلاقِ أو بالتقصيرِ، يتحللُ بمعنَى أنهُ يخرجُ مِنَ الإحرامِ يكونُ حلالًا، ليسَ ثمةَ شيءٌ ممنوعٌ، بلْ يرجعُ كحالِه التي كانتْ قبلَ إحرامِه، كلُّ شيءٍ مباحٌ لهُ مما أباحَ اللهُ تعالَى للحلالِ، إلى أنْ يأتيَ اليومُ الثامنُ مِن ذي الحَجةِ ويُحرِمَ بالحجِّ مِن عامِه، في هذهِ الحالِ يكونُ مُتمتِّعًا؛ وهيَ أنْ يحرمَ بالعمرةِ في أشهرِ الحجِّ، ثُم يتحللُ مِنها، ويحرمَ بالحجِّ مِن عامِه، كلُّ مَن فعلَ هذا فهوَ متمتعٌ، ولا فرقَ في ذلكَ أنْ يكونَ قدْ قالَ عندَ إحرامِه بالعمرةِ: "لبيكَ عمرةً متمتعًا بها للحجِّ"، أو قالَ: "لبيكَ عمرةً"، وقدْ جمعَتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ تعالَى عَنها- هذهِ الأنساكَ الثلاثةَ في حجةٍ واحدةٍ قالَتْ كما في الصحيحِ «خرَجْنا معَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجةِ الوداعِ، فمِنا مَن أهلَّ بعمرةٍ»، هذا المتمتعُ، «فمِنَّا مَن أهلَّ بعمرةٍ ومِنا مَن أهلَّ بحجٍّ وعمرةٍ» هَذا القارنُ، «ومِنا مَن أهلَّ بالحجِّ» وهَذا المفردُ.
هذهِ هيَ الأنساكُ الثلاثةُ: تمتعٌ، وقرانٌ، وإفرادٌ.