القسمُ الثاني مِنَ المواقيتِ: المواقيتُ المكانيةُ، وهيَ أيضًا محددةٌ بتحديدِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولذلكَ سُميَتْ مواقيتُ؛ لأنها وُقَّتتْ، وأصلُها الجامعُ ما في الصحيحَينِ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالَى عَنهُما- أنهُ قالَ: «وَقَّتَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهلِ المدينةِ ذا الحُليفةِ، ولأهلِ نجدٍ قرنًا، ولأهلِ اليمنِ يَلملَمَ، ولأهلِ الشامِ الجُحفةَ»، ثُم قالَ:« هُنَّ لهُنَّ» هذهِ المواقيتُ لأهلِ هذهِ الجهاتِ «ولمَن أتَى عليهِنَّ»؛ أي لمَن أتَى على هذهِ المواقيتِ «مِن غيرِ أهلِهنَّ»، أي مِن غيرِ أهلِ هذهِ الجهاتِ «ممَّن أرادَ الحجَّ أو العمرةَ»، «ومَن كانَ دونَ ذلكَ» هَذا القسمُ الثاني، وهمُ الذينَ دونَ المواقيتِ، الذين بيوتُهم وأماكنُ إقامتِهم لا يمرونَ في طريقِهم إلى مكةَ بميقاتٍ، «ومَن كانَ دونَ ذلكَ فمِن حيثُ أنشأَ» يعني مِن حيثُ نوَى الحجَّ، والعمرةَ، يجبُ عليهِ أنْ يحرمَ «حتى أهلُ مكةَ يحرِمونَ مِن مكةَ» حتى أهلُ مكةَ يحرمونَ بالحجِّ مِن مكةَ، أما العمرةُ فقولُ عامةِ أهلِ العلمِ على أنهُ يجبُ أنْ يكونَ الإحرامُ بالعمرةِ للمكيِّ مِنَ الحلِّ كما أمرَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قصةِ عمرةِ عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عَنها.
إذًا: المواقيتُ المكانيةُ هيَ أماكنُ محددةٌ، وهيَ أربعةُ أماكنَ بنصِّ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-: ذو الحليفةِ وهوَ أبعدُ المواقيتِ، قرنُ المنازلِ، يلملمُ، الجُحفةُ.
اختلفَ العلماءُ في ذاتِ عرقٍ، وهوَ الميقاتُ الخامسُ، هلْ هوَ بتوقيتِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم باجتهادِ عمرَ؟
والراجحُ: أنهُ بتوقيتِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واجتهادُ عمرَ الذي وافقَ فيهِ توقيتَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتكونُ المواقيتُ التي جاءَ بها النصُّ خمسةً، وما عَداها فإنهُ يحرمُ إذا كانَ لا يمرُّ بميقاتٍ، فإنْ كانَ يمرُّ بمحازاةِ ميقاتٍ فيجبُ أنْ يحرمَ مِن حذْوِ الميقاتِ الذي يمرُّ علَيهِ، وإلَّا فإنهُ إذا كانَ دونَ المواقيتِ فإنه يحرمُ مِن حيثُ أنشأَ، مِن حيثُ عزمَ نيةَ الحجِّ والعمرةِ، وأهلُ مكةَ يحرِمونَ بالحجِّ مِن مكةَ، وبالعمرةِ مِنَ الحلِّ.