أمَّا ما يختصُّ الرجالَ، فيختصُّ الرجالَ نوعانِ مِنَ المحظوراتِ:
هُما في اللباسِ وفي تغطيةِ الرأسِ، لِما جاءَ في الصحيحَينِ مِن حديثِ عبدِ اللهِ ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالَى عنهُ-: « أنهُ سُئلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يلبسُ المحرِمُ؟ قالَ لا يلبسُ القمُصَ».
القُمُصُ هيَ الثيابُ هذهِ، سواءٌ كانَتْ سابغةً أو كانتْ قصيرةً أو كانتْ إلى الوسَطِ ؛ كلُّها تُسمَّى قمُصًا.
القمُصُ والعمائمُ وهَذا ما يتصلُ بالثاني، وهوَ تغطيةُ الرأسِ، والبرانسُ وهذا يتعلقُ بالبدَنِ والرأسِ؛ لأنَّ البرنسَ هوَ ثوبٌ فيهِ غطاءٌ يلحقُ بهِ غطاءُ الرأسِ مثلُ لباسِ الإخوةِ في بلادِ المغربِ العربيِّ.
ثُم أيضًا قالَ «ولا السراويلاتُ ولا الخفافُ» هذهِ مما يُمنَعُ منهُ المحرمُ وقتَ إحرامِه في اللباسِ لكنَّها تختصُّ الرجلَ، وأفادَتْ أنَّ الذي يخصُّ الرجلَ مما يُمنَعُ منهُ في محظوراتِ الإحرامِ هوَ ما يتعلقُ باللباسِ في بدنِه أو في رأسِه.
إذًا: ما يختصُّ الرجلَ مِن محظوراتِ الإحرامِ اللباسُ المعهودُ ويُسميهِ بعضُ الناسِ المخيطَ، والحقيقةُ أنَّ تسميتَه بالمخيطِ تُوقِعُ بعضَ الناسِ في نوعٍ مِنَ الالتباسِ؛ فيتوهمُ أنَّ كلَّ ما فيه خياطةٌ يُمنَعُ منهُ المحرمُ، وهذا لا دليلَ عليهِ إذ إنَّ الأدلةَ واضحةٌ وجليةٌ في تحديدِ وتنصيصِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الممنوعاتِ لأنَّ الرجلَ جاءَ يسألُ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالَ: يا رسولَ اللهِ ما يلبسُ المحرمُ؟ يعني أيُّ شيءٍ يلبسُه؟ فأجابَه قالَ« لا يلبسُ»؛ يعني أجابَه بالممنوعاتِ ولم يجبْهُ بما يلبسُه، لأنَّ ما يلبسُه واسعٌ، لكنْ ما يمنعُ منهُ محصورٌ محدودٌ، وبالتالي جاءَ النصُّ عليهِ في قولِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « لا يلبسُ القمُصَ ولا العمائمَ، ولا البرانسَ ولا السراويلاتِ ولا الخفافَ، إلَّا أحدٌ لا يجدُ نعلَينِ فليلبَسْ خُفَّينِ وليقطعْهُما أسفلَ مِنَ الكعبَينِ، ولا يلبسُ ثوبًا مسَّه ورسٌ، ولا زعفرانٌ» هَذا مجملُ ما يُمنَعُ منهُ المحرمُ -وهوَ الرجلُ- مما يخصُّه في محظوراتِ الإحرامِ سواءٌ كانَ ذلكَ في بدنِه أو كانَ ذلك في رأسِه.
أما المخيطُ فإنهُ لا يمنعُ منهُ إذا كانَ الإزارُ فيهِ شقٌّ وخاطَه، أو كانَ الرداءُ فيهِ شقٌّ وخاطَه، أو كانَ يحتاجُ إلى خياطةِ رداءَينِ حتى يغطيَ بدنَه أو إزارَينِ حتى يسترَ أسفلَ بدنِه فإنهُ لا حرجَ علَيهِ في ذلكَ.
ومِن هُنا نجيبُ على أكثرِ الأسئلةِ الواردةِ: هلِ الأزُرُ التي يوضَعُ فيها خيطٌ يمسِكُ الإزارَ عَنِ السقوطِ هلْ تجوزُ للمحرمِ أم لا تجوزُ؟
الجوابُ: نعمْ فإنَّ ذلكَ لا يُمنَعُ منهُ لأنهُ ليسَ قميصًا، ولا سِروالًا ولا برنسًا فما المانعُ منهُ؟
إذا كانَ لم يندرجْ تحتَ اسمٍ سماهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كونُه مخيطًا فيهِ الخياطةُ هَذا لا دليلَ على المنعِ منهُ، والاتفاقُ منعقدٌ على أنَّ وجودَ الخيطِ في الإزارِ والرداءِ لا يصيِّرُه محرَّمًا، إذا كانَ غيرَ مفصَّلًا على جُزءٍ مِنَ البدنِ كتفصيلِ الثيابِ المعتادةِ.
إذًا: عرَفْنا أنَّ الذي يخصُّ المُحرِمَ الذكَرَ مِنَ المحظوراتِ هوَ اللباسُ، وما يُغطَّى بهِ الرأسُ، فكلُّ غطاءٍ معهودٍ كالقبعةِ كالعمامةِ كالطربوشِ، أما لو وضعَ على رأسِه مثلًا متاعًا يحمِلُه فهَذا لا يسمَّى غطاءً فلا حرجَ عليهِ في ذلكَ ولو توقَّى بهِ الشمسُ فإنهُ لا حرجَ عليهِ ما دامَ أنهُ يقصِدُ بهِ الحملَ وهذا ليسَ لباسًا.