الأمْرُ الثاني:
المجيءُ إلى الجبلِ، بعضُ الحجاجِ يقصدُ الجبلَ ويكلِّفُ نفسَه في المجيءِ إليهِ، النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-قالَ: وقفْتُ ها هُنا وعرفةُ كلُّها مَوقفٌ، فدلَّ هَذا على أنَّ وقوفَه في هَذا الموضعِ ليسَ لخاصيةٍ فيهِ، فيقصدُ المجيءَ إليهِ، بلْ حيثُ ما وقفَ الإنسانُ بعرفةَ فيما يتعلقُ بداخلِ الحدودِ؛ فإنهُ قدْ أتَى بما طُلِبَ منهُ، والنبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- لم يصُلِّ عندَ الجبلِ شيئًا، ولم يرقَ الجبلَ كما يفعَلُه كثيرٌ مِنَ الحجاجِ، والعلامةُ الموضوعةُ: الشعارُ الأبيضُ الذي في أعلَى الجبلِ إنما هو لتمييزِ هَذا الموضعِ، وليسَ لشيءٍ آخرَ: لا لأجلِ الصعودِ إليهِ، ولا لأجلِ أنْ يأتيَ ويصلِّي إليهِ، ولا لأجلِ الطوافِ إليهِ؛ بعضُ الحجاجِ يَأتي ويطوفُ، كلُّ هذا مِنَ البدَعِ والمحدَثاتِ التي لم يكُنْ لها أصلٌ في هدْيِ سيدِ الأنامِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ.
ونحنُ نقولُ: ينبَغي أنْ نعرفَ أنهُ لن يكونَ العملُ صالحًا مقبولًا إلَّا بشرطَينِ:
الشرطِ الأولِ: أنْ يكونَ للهِ خالصًا.
والثاني: أنْ يكونَ على وَفقِ هديِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-، والنبيُّ لو كانَ المجيءُ إلى هَذا الموضعِ والصعودُ إلى الجبلِ، والصلاةُ عندَه خيرًا وبِرًّا؛ لَما ترَكَ الأمةَ دونَ بيانٍ، لفعَلَه أو لبيَّنَه للناسِ بقولِه -صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ- لم يفعَلْه ولم يفعلْه أصحابُه فينبَغي الحذرُ مِنَ المُحدَثاتِ والبدعِ.
أسألُ اللهَ أنْ يوفقَنا وإياكُم إلى البِرِّ والطاعةِ، وأنْ يُتِمَّ لنا النسُكَ على الوجْهِ الذي يرضَى بهِ عنَّا –جلَّ في عُلاه-.