هذهِ البقعةُ المباركةُ محدودةٌ بحدودٍ واضحةٍ، وقدْ جَعلَتْ علَيها الدولةُ وفَّقها اللهُ علاماتٍ بينةً واضحةً، تبينُ بدايةَ حدودِ مزدلفةَ ونهايةَ حدودِ مزدلفةَ، فينبَغي للحاجِّ أنْ يحرصَ على أنْ يكونَ في هذهِ الحدودِ في هذه الليلةِ.
النبيُّ -صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ- في مسيرِه قضَى حاجتَه، وتوضأَ وضوءًا خفيفًا، فقالَ لهُ أسامةُ: «الصلاةُ يا رسولَ اللهِ؛ فقالَ: الصلاةُ أمامَك»، قالَ أسامةُ: الصلاةُ يا رسولَ اللهِ مذكرًا لهم بصلاةِ المغربِ والعشاءِ؛ لأنهُ أيضًا نفرَ مِن عرفةَ إلى مزدلفةَ بعدَ غروبِ الشمسِ وذهابِ الصفرةِ، يعني دخلَ وقتُ العشاءِ، لكنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ لأسامةَ لمَّا ذكَّرَه بالصلاةِ في طريقِه إلى مزدلفةَ قالَ: «الصلاةُ أمامَك»؛ أي: ستكونُ بينَ يدَيك عندَما نصلُ إلى مزدلفةَ؛ ولذلكَ لمَّا وصلَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مزدلفةَ أمرَ المؤذنَ فأذنَ، ثُم أقامَ فصلَّى المغربَ قبلَ أنْ ينزلَ الناسُ رحالَهم، ثُم لمَّا صلَّى المغربَ أنزلَ كلَّ واحدٍ رحلَه، أمرَ صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ بأنْ تقامَ العشاءُ، فأُقيمتِ العشاءُ، فصلَّى العشاءَ ركعتَينِ، فجمعَ بينَ المغربِ والعشاءِ في مزدلفةَ أولَ وصولِه، وهذا امتثالٌ لِما أمرَ اللهُ تعالَى بهِ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- حيثُ قالَ:﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ البقرة:198 فأولُ ذكرٍ للهِ تعالى في المشعرِ الحرامِ هوَ في هذهِ البقعةِ المباركةِ، في هَذا المنزلِ الطاهرِ وهوَ مزدلفةُ، فكانَ ذلكَ بالصلاةِ التي أذَّنَ لها وأقامَ وصلَّى المغربَ والعشاءَ.