الجوابُ:
أيامُ التشريقِ أيامُ ذكرٍ للهِ عزَّ وجلَّ، كما في صحيحِ الإمامِ مسلمٍ عَن نُبيشةَ الهُذَليِّ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قالَ: "أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ للهِ عزَّ وجلَّ"، والذكرُ فيها يكونُ بمطلقٍ؛ بالتكبيرِ والتهليلِ والتحميدِ والتسبيحِ، كما كانَ يفعلُ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهُم، فعُمرُ كانَ يكبِّرُ في خيمتِه في مِنًى فيكبِّرُ مَن حولَ الخيمةِ، فيسمعُ التكبيرَ أهلُ المسجدِ فيكبِّرونَ، حتى ترتجَّ منًى تكبيرًا، وهَذا مِنَ الذكرِ الذي شرعَه اللهُ تعالى للحجاجِ في قولِه: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أيام مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} والأيامُ المعدوداتُ هيَ أيامُ التشريقِ، إذًا الذكرُ في هذهِ الأيامِ يكونُ باللسانِ، ويكونُ أيضًا بإقامةِ الصلواتِ في أوقاتِها؛ وذلكَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أقامَ هذهِ الصلواتِ في هذهِ الأيامِ في أوقاتِها، فكانَ يُصلِّي كلَّ صلاةٍ في وقتِها، ولا يجمعُ، إنما كانَ يصلِّي الظهرَ في وقتِها، والعصرَ في وقتِها، والمغربَ في وقتِها، والعشاءَ في وقتِها، ويصلِّيها قصْرًا.
ومِنَ الذكرِ لزومُ هذهِ البقعةِ، وحبسُ النفسِ فيها، ولكنْ هذا ليسَ بواجبٍ، إنما هوَ مِن أوجُهِ الذكرِ التي يتقربُ بها المؤمنُ للهِ عزَّ وجلَّ؛ تعظيمًا لهُ، كما كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- يفعلُ.(أليسَ بقاءُ الحاجِّ في منًى مِنَ الواجباتِ؟)
ومِن أوجهِ الذكرِ، المبيتُ ليالي التشريقِ في منًى؛ فإنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- باتَ فيها ليلةَ الحادي عشرَ، وليلةَ الثاني عشرَ، وليلةَ الثالثَ عشرَ، وهَذا المبيتُ واجبٌ في قولِ جمهورِ العلماءِ، وذهبَ طائفةٌ مِن أهلِ العلمِ إلى أنهُ سنةٌ.