×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

زاد الحاج والمعتمر / السعي / الصفا والمروة

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:السبت 06 ذو الحجة 1436 هـ - السبت 19 سبتمبر 2015 م | المشاهدات:6923

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيهِ، أحمَدُه حقَّ حمدِه لهُ الحمدُ كلهُ، أولُه وآخِرُه ظاهرُه وباطنُه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ إلهُ الأولينَ والآخرينَ، لا إلهَ إلَّا هوَ الرحمنُ الرحيمُ؛ شهادةً أرجُو بها النجاةَ مِنَ النارِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّه، وخليلُه، خيرتُه مِن خلقِه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وصحبِه ومَنِ اتَّبعَ سُنتَه واقتفَى أثرَه بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ؛ أمَّا بعدُ:

فحَياكُمُ اللهُ أيُّها الإخوةُ والأخواتُ وأهلًا وسهلًا بِكم في حلقةٍ جديدةٍ مِن برنامجِكم "أحكامٌ" نتناولُ فيهِ شيئًا مِن أحكامِ الحجِّ والعمرةِ.

والحجُّ والعمرةُ أعمالٌ مباركةٌ شريفةٌ رتبَ اللهُ علَيها عظيمَ الأجورِ وكبيرَ الثوابِ، فهيَ مما يدرِكُ بهِ الإنسانُ خيرَ الدنيا وفوزَ الآخرةِ؛ لذلكَ حريٌّ بالمؤمنِ أنْ يعرفَ ما يتصلُ بهذَينِ العَملينِ المُباركينِ مِن أحكامٍ، يجتهدُ في إدراكِ المعاني المقصودةِ والحِكَمِ المشروعةِ مِن أعمالِ الحاجِّ، وما يقومُ بهِ مِن أعمالٍ، هَذا الأمرُ يا إخواني ويا أخواتي لهُ تأثيرٌ كبيرٌ عندَما ندركُ لماذا نفعلُ هذهِ الأفعالَ؟ لماذا نقصدُ هذهِ البقعةَ؟ لماذا نطوفُ حولَ البيتِ؟ لماذا نسعَى بينَ الصفا والمروةِ؟ لماذا نذهبُ إلى عرفاتٍ وإلى مزدلفةَ وإلى مِنًى؟ هَذا بالتأكيدِ أنهُ يزيدُ مِن إيمانِنا، وإدراكِ المؤمنِ لحكمةِ وغايةِ وأسرارِ هذهِ العباداتِ مما يزيدُ بهِ الإيمانُ، وينتَفي به ما يمكنُ أنْ يُلقيَه الشيطانُ مِن وساوسَ وأوهامٍ تعكرُ علَيهِ صفوَ عبادتِه؛ فلذلكَ أدعو نَفسي وإخواني إلى الاجتهادِ في معرفةِ أحكامِ وحِكَمِ تلكَ العباداتِ لتكملَ العبادةُ ويَأتيَ بها المؤمنُ عَلَى أكملِ أوجُهِها. 

نحنُ في هذهِ الحلقةِ سنتكلمُ عَن مشعرَيْنِ عظيمَينِ مِن شعائرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- هما الصفا والمروةَ اللذَيْنِ قالَ اللهُ تعالَى فيهِما {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}البقرة:158 سنتكلمُ عَن هذا -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى- وما يتصلُ بهذَينِ الجبلَيْنِ، وما السرُّ في مشروعيةِ السعيِ بينَهُما، وما يتعلقُ بهِما مِن أحكامٍ، ذلكَ كلُّه بعدَ أنْ نستمعَ وإياكُم  إلى قراءةِ أخينا الشيخِ عبدِ العزيزِ زهرانَ الذي يشارُكنا في حلقاتِ هَذا البرنامجِ بتلاوتِه الطيبةِ، نسعدُ بِك شيخُ عبدُ العزيزِ اللهُ يسلمُك وأهلًا وسهلًا بِك وتُسمعُنا ما يتعلقُ بالصفا والمروةِ في آياتِ الذكرِ الحكيمِ تفضلْ: أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}البقرة:158 نسألُ اللهَ تعالى أنْ يرزقَنا وإياكُمُ القيامَ بأمرِه والتدبرَ لآياتِه، جزاكَ اللهُ خيرًا على هذهِ القراءةِ، هذهِ الآيةُ الكريمةُ يقرأُها الحجاجُّ ويقرأُها المعتمِرونَ عندَما يُقدِمون على الصفا والمروةِ اتباعًا لهدْيِ النبيِّ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وعملًا بسُنتِه فإنهُ جاءَ أنهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فرغَ مِن طوافِه بالبيتِ قالَ{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}البقرة:125 قرأَ هذهِ الآيةَ توجهَ إلى مقامِ إبراهيمَ، صَلَّى ركعتَينِ ثُم عادَ فمسحَ الحجرَ أو قبَّلَه، ثُم خرجَ إلى الصفا إلى المسعَى وأقبلَ إلَيهِ مِن بابِ الصفا، ثُم إنهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبلَ قرأَ قولَ اللهِ تعالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}البقرة:158 شاكرٌ؛ يُثيبُ العامِلينَ، عليمٌ؛ لا يَخفَى عَلَيهِ شيءٌ مِن ظواهرِهم وباطِنهم فسيَجزيهم بما يستحِقونَ مِنَ الثوابِ والأجرِ؛ لذلكَ ختمَ اللهُ تعالى هذهِ الآيةَ بهذَيْنِ الاسمَينِ الدالَّيْنِ على عظيمِ العطاءِ في الشكرِ، وعلى أنهُ محصي الظواهرِ والبواطنِ لا يخفَى عَلَيهِ شيءٌ، فهوَ عليمٌ -جلَّ في عُلاه- لا تخفَى علَيهِ خافيةٌ، فما يكونُ مِن مثقالِ ذرةٍ في خيرٍ لا يضيعُ، ما يكونُ مِن مثقالِ ذرةٍ في شرٍّ لا يترُكُه -جلَّ في عُلاه- {فمَنْ يعمَلْ مِثْقالَ ذرَّةٍ خيرًا يَرَهُ، ومَنْ يعمَلْ مِثقالَ ذرَّةٍ شرًّا يَرَهُ} اللهُ تعالَى أخبرَ عَنِ الصفا والمروةِ بأنهُما مِن شعائرِ اللهِ، أي: مما جعَلَه اللهُ تعالى محلًّا للتعظيمِ، فشعائرُ اللهِ هيَ كلُّ ما أمرَ بتعظيمِه، وسيَأتي -إنْ شاءَ اللهُ تعالى- حلقةٌ مخصصةٌ للحديثِ عَن شعائرِ اللهِ ومعنَى شعائرِ اللهِ وما يتصلُ بذلكَ، لكنْ في ما يتعلقُ بالآيةِ في حلْقَتِنا هذهِ أنَّ اللهَ سمَّى الصفا والمروةَ أنهُما مِن شعائرِ اللهِ، أي: مِنَ الأماكنِ التي جعَلَها اللهُ تعالى شِعارًا لدينِه، وهيَ شعارٌ لكلِّ مَن حجَّ البيتَ أو اعتمرَ أنْ يأتيَ الصفا والمروةَ، فالصفا والمروةُ جبلانِ في جهةِ المشرقِ مِنَ الكعبةِ، هَذانِ الجبلانِ، قصةُ مشروعيةِ السعيِ بينَهُما ترجعُ إلى عملِ هاجرَ أمِّ إسماعيلَ -علَيهِما السلامُ- فإنَّها لمَّا جاءَ بها إبراهيمُ وتركَها وابنَها معَ شيءٍ مِنَ الطعامِ قليلٍ، وشيءٍ مِنَ الماءِ يسيرٍ تبِعَتْه -رضيَ اللهُ عَنْها- فقالَتْ: أتترُكُنا في هذا الوادي الذي ليسَ فيهِ شيءٌ كما قالَ في دعاءِ ربِّه {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}إبراهيمَ:37 ما فيهِ زرعٌ قالَتْ لهُ: يا إبراهيمُ أتترُكُنا في هَذا الوادي أنا والصبيَّ فلَمْ يُجبْها بشيءٍ، آخرُ شيءٍ لما شافَتْ إصرارَ إبراهيمَ على الترْكِ قالَتْ: آللهُ أمرَكَ بذلِكَ؟ يَعني هلِ اللهُ أمرَكَ بأنْ تترُكَنا في هَذا المكانِ؟ قالَ: نعَمْ؛ أي: اللهُ أمَرَني بذلِكَ، فقالَتْ إذًا لا يُضيِّعُنا، اللهُ أكبرُ! ما أعظمَ ثقةَ المؤمنِ بربِّه إذا امتلأَ بإجلالِه وتعظيمِه ومعرفةِ ما لهُ مِن الكمالاتِ!، قالَتْ: لا يُضيعُنا ولم يضيِّعْها -جلَّ في عُلاه- رجَعَتْ إلى ابنِها وبقيَتْ تُطعِمُه وترضِعُه تطعمُه وترضِعُه مِنَ الطعامِ الذي تركَه؛ شيءٌ مِن تمرٍ وشيءٌ مِن ماءٍ حتى نفَذَ، انتهَى الموضوعُ ما في طعامٍ ولا شرابٍ، بدأَ الطفلُ يَبكي ويصيحُ لحاجتِه إلى الحليبِ، وهيَ قدِ انتهَى ما عندَها مِنْ طعامٍ، فلَم تجِدْ بُدًّا مِنَ السعيِ تبحثُ عَن مصدرٍ للتغذيةِ حتى تُغذِّيَ ابنَها وتكفيَهُ ما يحتاجُ مِن طعامٍ، فكانَتْ تبحثُ مشغولةً بالبحثِ ومشغولةً بابنِها لا تستطيعُ أنْ تبحثَ وهوَ معَها لأنهُ سيُثقِلها في المسيرِ، وأيضًا هيَ معلقةُ القلبِ بهِ تخشَى أنْ يصيبَه ضررٌ فما كانَ مِنها إلَّا أنْ توجهَتْ إلى أقربِ جبلَينِ مِنَ البيتِ وكانَ ذلكَ الصفا والمروةَ، فصعدَتِ الصفا تبحثُ تتلمَّسُ هلْ في المِنطقةِ في هذا الوادي أحدٌ تستَدعيهِ أو تطلبُ مِنهُ عونًا، فكانتْ تصعدُ الصفا حتى ترى ابنَها مِن بينِ الحوائلِ وترجعُ تنزلُ، وكانتْ إذا وصلَتْ إلى بطنِ الوادي ركدَتْ شفقةً على ابنِها أنْ يصيبَه شيءٌ حتى ترتفعَ على المروةِ، فهوَ الجبلُ المقابلُ للصفا وتبحثَ وتنظرَ إلى ابنِها تطمئنَّ علَيهِ، ثُم تعاوِدَ المسيرَ حتى فعلتْ ذلكَ سبعَ مراتٍ ذهابًا ومجيئًا مِنَ الصفا إلى المروةِ ومِنَ المروةِ إلي الصفا، إلى أنِ اكتملَتْ سبعةُ أشواطٍ وهيَ تنظرُ إلى ابنِها فلم تجدْ شيئًا نزلَتْ، وهَذا هوَ أصلُ مشروعيةِ السعيِ بينَ الصفا والمروةِ أنهُ تَأسٍّ بما كانَ مِن أُمِّ إسماعيلَ؛ عندَما كانتْ تطلبُ الماءَ لابنِها أو تطلبُ الطعامَ لابنِها، فرجَعَتْ ووجدَتْ ما فرَّجَ اللهُ بهِ عنْها وعَنِ ابنِها مِنَ الماءِ الذي نبعَ قُربَ البيتِ، وهوَ بئرُ زمزمَ فجعلَتْ تجمعُ الماءَ مِن ذلكَ ثُم تقولُ زمْ زمْ لتجمَعَه؛ ولذلكَ سُميَ زمزمَ استنادًا  إلى هَذا الكلامِ الذي كانتْ تزمُّ بهِ الماءَ تجمَعُه لئلَّا ينتثرَ ولو تركَتْه النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يقولُ لكانَ عائمًا، فالحكمةُ في أنَّها لم تترُكْه لأنهُ ما كانَ عبادةً وطاعةً حيثُ إنَّ الطائفينَ يَطوفون قريبًا منهُ فلو كانَتْ عينًا تَجري لعاقَ ذلكَ الطائفينَ؛ المهمُّ أنَّ هَذا هوَ الأصلُ في مَشروعيةِ السعيِ، ينبَغي لكلِّ مَن سعَى بينَ الصفا والمروةِ أنْ لا تغيبَ عنهُ هذهِ الحادثةُ التي فيها جؤارُ امرأةٍ فقدَتْ كلَّ مُعينٍ، كلَّ مصدرِ أمنٍ يحققُ لها الأمنَ الغذائيَّ لها ولابنِها، إلَّا أنها لجأتْ إلى اللهِ وأصبحَتْ تسعَى تبحثُ حسْبَ ما استطاعَتْ عمَّن يُعينُها، وقدْ أحسنتِ الظنَّ بربِّها فجاءَها الفرجُ، فإذا سعَيْنا بينَ الصفا والمروةِ نذكرُ هَذا ونحنُ نسألُ اللهَ ونحنُ نَدعوهُ ونحنُ نتوسلُ إلَيهِ أنْ يرزُقَنا القَبولَ، وأنْ يُعينَنا على مصالحِ دينِنا ودُنيانا، فإنهُ مَن كانَ في ضرورةٍ في أثناءِ سَعيِه ضرورةٍ قلبيةٍ حقيقيةٍ للهِ -عزَّ وجلَّ- يُرجَى أنْ يُجابَ دُعائَه؛ ولذلكَ قيلَ إنَّ مِن مواطنِ الإجابةِ في مواقفِ الحجِّ والعمرةِ الدعاءَ على الصفا والدعاءَ على المروةِ.

 ما المشروعُ في السعْيِ؟؛ السعيُ أولًا لا يكونُ إلَّا في حجٍّ أو عمرةٍ؛ يَعني لا يُشرَعُ أنْ يذهبَ الإنسانُ ويسعَى دونَ أنْ يكونَ في حجٍّ أو عمرةٍ، إنما يكونُ السعيُ في حجٍّ أو عمرةٍ، فليسَ هناكَ تقربًّا للهِ بالسعيِ مجردًا عَنْ حجٍّ أو عمرةٍ؛ يَعني الآنَ أنا مثلًا هلْ يشرعُ لي أنْ أذهبَ.

 أهلُ مكةَ الذينَ يسكُنونَ فيها أو مَن جاءَ واعتمَرَ هلْ لهُ أنْ يسعَى بينَ الصفا والمروةَ تعبُّدًا؟ الجوابُ: لا لأنه لا يكونُ السعيُ إلَّا في حجٍّ أو عمرةٍ؛ الدليلُ قولُ اللهِ تعالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}البقرة:158 يطَّوَّفُ بهِما أي: يسيرَ بينَهُما؛ بينَ الصفا والمروةِ، ليسَ المقصودُ أنْ يطوفَ على الصفا ثُم يطوفَ على المروةِ كما يتصورُه بعضُ الناسِ، أنَّ المقصودَ بالطوافِ هوَ الدورانُ؛ لا، الطوافُ هوَ: أنْ يطيفَ بالشيءِ يأتيَ إليهِ ويرجعَ منهُ يأتيَ إليهِ هَذا طافَ بهِ ولو لم يدرِ بهِ هَذا الدورانُ، إنما الطوافُ دائريًّا إنما يكونُ بالبيتِ وهَذا الذي جاءَ عَنِ  النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  في صفةِ الطوافِ بالبيتِ، إذًا السنةُ في مَن حجَّ أو اعتمرَ أنْ يأتيَ للسعْيِ للطوافِ بينَ الصفا والمروةَ، نقولُ السنةُ أيِ الهدْيِ النبويِّ، أما الحكمُ للسعيِ فمِنَ العلماءِ مَن قالَ إنَّ السعيَ ركنٌ في الحجِّ والعمرةِ، ومِنهُم مَن قالَ أنهُ واجبٌ، ومنهُم مَن قالَ أنهُ سنةٌ، هذهِ أقوالُ العلماءِ في حكمِ السعيِ بينَ الصفا والمروةِ، ونحنُ نُعرِضُ عَنِ الدخولِ في الترجيعِ لأنهُ مسألةٌ تحتاجُ إلى نوعٍ مِنَ التفصيلِ في الاستدلالِ، وما ذكرَه أهلُ العلمِ مَن قالَ بالركنيةِ ومَن قالَ بالوجوبِ ومَن قالَ بالسنيةِ مسألةٌ خلافيةٌ بينَ أهلِ العلمِ، الجمهورُ عَلَى أنهُ ركنٌ، وذهبَ طائفةٌ إلى أنهُ واجبٌ، وذهبَ آخَرون إلى أنهُ سنةٌ، ولكلِّ قولٍ أدلةٌ يستدِلُّ بها أصحابُها.

 طيِّب ما السنةُ في المجيءِ إلى الصفا والمروةَ؟ ما فعلَه النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهُ لمَّا فرغَ مِنَ الطوافِ، ولهَذا قالَ بعضُ أهلِ العلمِ لا يكونُ سعيٌ إلَّا بعدَ طوافٍ، بمعنَى أنهُ لا يكونُ هناكَ سعيٌ مجردٌ سابقٌ للطوافِ أو مجردٌ عَنِ الطوافِ بلْ لا بُدَّ في السعيِ أنْ يكونَ عقبَ طوافِ نسُكٍ، معنَى هذا إمَّا بعدَ طوافِ القدومِ أو بعدَ طوافِ العمرةِ، وإما أنْ يبدأَ بالسعيِ فجمهورُ العلماءِ على أنَّ السعيَ لا يصلحُ إلَّا بعدَ طوافٍ، هكَذا قالَ جماعةٌ مِن أهلِ العلمِ، وقالَ آخَرون أنهُ يصحُّ تقديمُ السعيِ على الطوافِ لحديثِ أسامةَ الذي فيهِ أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لمَّا قالَ لهُ الرجلُ سعيْتُ قبلَ أنْ أطوفَ قالَ: "افعَلْ ولا حرجَ" والصوابُ أنهُ تقديمُ السعيِ على العمرةِ لجهلٍ أو لنسيانٍ فلا حرجَ فيهِ ولكنْ إذا كانَ مُدركًا فينبَغي أنْ يرتِّبَ.. يبدأُ بالطوافِ؛ طوافِ العمرةِ: أو طوافِ القدومِ ثُم يَأتي بعدَ ذلكَ بسعيِ الحجِّ؛ السعيُ قدْ يكونُ للعمرةِ وقدْ يكونُ للحجِّ هذهِ أنواعٌ، السعيُ سعيٌ لعمرةٍ وسعيٌ لحجٍّ، وهوَ مطلوبٌ مِن كلِّ مَن قصدَ هذا البيتَ في حجٍّ أو عمرةٍ، كيفَ يسعَى؟ يَأتي بعدَ الفراغِ مِنَ البيتِ إلى جهةِ الصفا ويقرأُ أولَ ما يقدمُ قولَ اللهِ تعالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}البقرة:158 يعني: يقرأُ الآيةَ كاملةً، وهَذا في مجيئِه، في إقبالِه، فإنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرَأَها لمَّا أقبلَ ثُم قالَ بعدَها في ذلكَ قالَ: "أبدأُ بما بدأَ اللهُ بهِ" وفي بعضِ الرواياتِ نبدأُ وهذهِ روايةُ النسائيِّ "نبدأُ بما بدأَ اللهُ بهِ" إذًا، المشروعُ البَدءُ بالصفا، ومِن هُنا نعرفُ أنَّ البدايةَ في السعيِ تكونُ مِنَ الصفا ثُم يذهبُ إلى المروةِ، يبدأُ بالصفا وينتَهي عندَ المروةِ، ذهابُه شوطٌ ورجوعُه شوطٌ، لكِنْ ما يفعَلُه بعضُ الناسِ أو يتَوهَّمونه مِن أنهُ يحسبُ الشوطَ ذهابًا ومجيئًا هَذا شوطٌ لا، الذهابُ شوطٌ والرجوعُ شوطٌ، فيبدأُ بالصفا وينتَهي بالمروةِ، إذا جاءَ إلى الصفا توجهَ إلى البيتِ إنْ أمكنَه أنْ يرَى البيتَ فهَذا المطلوبُ، إذا لم يمكنْه أنْ يرَى البيتَ فإنهُ يُطلَبُ منهُ أنْ يبذُلَ سعيَ جَهدِه في التوجهِ إلى القبلةِ ويرفعَ يدَيهِ إلى السماءِ، يعني على صفةِ الداعي ليسَ كما يفعلُه الكثيرُ مِنَ الحجاجِ يقولونَ: اللهُ أكبرُ باليَدَينِ كلَيْهِما هَذا ما وردَتْ بهِ السنةُ، إنما يرفعُ يدَيهِ للدعاءِ فيقولُ (اللهُ أكبرُ الله أكبر الله أكبر، لا إلهُ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهوَ عَلَى كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه، نصرَ عبدَه، وأعزَّ جُندَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه) هكَذا جاءَتْ في السنةِ في حديثِ جابرٍ كبرَ ثلاثَ مراتٍ وحللَ بهذهِ الصيغةِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُم بعدَ ذلكَ يَدعو بما تيسرَ لا نقولُ دعاءٌ إنما نقولُ الذكرُ يَدعو بما تيسرَ وهوَ متجهٌ إلى القبلةِ رافعٌ يدَيهِ، بعدَ ذلكَ جاءَ في السنةِ أنْ يكررَ التكبيرَ والتهليلَ مرةً ثانيةً، ثُم بعدَ ذلكَ يَدعو ثُم يكررُ التكبيرَ والتهليلَ، ثُم ينصرفُ ينزلُ إلى المسعَى بعدَ هَذا إذا وصلَ إلى العلمَينِ شدَّ في السعيِ وجدَّ في السيرِ ويُسرِعُ ما استطاعَ؛ لأنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  كانَ يقطَعُه شدًّا كما قالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لا يقطعُ الأبطُحَ وهوَ ما بينَ الجبَليْنِ وهوَ الآنَ مكانُ العلمَينِ "لا يقطعُ الأبطحَ إلَّا شدًّا" يعني  سعيًا شديدًا حتى إذا وصلَ المروةَ أيضًا توجهَ إلى الكعبةِ وفعلَ نفسَ ما فعلَ على الصفا، يتوجهُ للقبلةِ رافعًا يدَيهِ هكَذا يقولُ (اللهُ أكبرُ الله أكبر الله أكبر، لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه، نصرَ عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه) ويَدعو بما شاءَ، لو أنهُ قالَ: واللهِ أنا ما حفظتُ هَذا مجردَ التكبيرِ والدعاءِ يَكفي لكنَّ السنةَ هوَ أنْ يأتيَ بهَذا الدعاءِ مكررًا ثلاثَ مراتٍ، يَدعو مرتَينِ بينَ كلِّ ذكرٍ ثُم ينزلُ، الآنَ كمَّلَ شوطًا وشرعَ في الشوطِ الثاني، طيب، في أثناءِ الشوطِ ماذا يفعلُ؟ يقرأُ قرآنًا، يسبحُ، يَدعو بما شاءَ مِنَ الدعاءِ، وقدْ وردَ الدعاءُ عَن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ (ربِّ اغفِرْ وارحَمْ إنكَ أنتَ الأعزُّ الأكرمُ) هذهِ صيغةٌ وردَ عَن غيرِه؛ الصيغُ كثيرةٌ، والأمرُ في هَذا واسعٌ، يَدعو بما شاءَ.

 هلْ يصحُّ أنْ يسعَى راكبًا؟ إذا كانَ في حاجةٍ إلى الركوبِ فذلكَ جائزٌ بفعلِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- إذا لم يكنْ حاجةٌ اختَلفَ العلماءُ في مسألةِ إذا لم يكنْ حاجةٌ هلْ يصحُّ أنْ يسعَى راكبًا أو لا، والصوابُ أنهُ لا بأسَ بالسعيِ راكبًا ولو لم تكنْ حاجةٌ لكنهُ خلافُ السنةِ، لو أنهُ نامَ في إتمامِ سعيِه  لا حرجَ في سعيِه حتى ولو نامَ.

 أسألُ اللهَ القبولَ لي ولكُم، وأنْ يجعَلَنا وإياكُم مِن أوليائِه وحزبِه، وأنْ يتقبلَ مِن حجاجِ بيتِ اللهِ، وإلى أنْ نَلقاكُم في حَلْقةٍ قادمةٍ مِن برنامجِكم "أحكامٌ" أستودِعُكمُ اللهُ الذي لا تضيعُ ودائعُه، والسلامُ عَلَيكُم ورحمَةُ اللهِ وبرَكاتُهُ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94934 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90594 )

مواد مقترحة

435. Jealousy
8190. مقدمة.
8249. مقدمة
12192.