المقدمُ: دكتورُ خالدٌ،كانَ حديثُكم في الحلقةِ السابقةِ تحدَّثتُم عَنِ السجدةِ الثانيةِ وما يقولُ فيها، وحديثُنا في هذهِ الحلقةِ، الآنَ يا شيخُ بعدَ أنْ يرفعَ مِنَ السجدةِ الثانيةِ في الركعةِ الثانيةِ ويجلسَ للتحياتِ، نريدُ أنْ نقفَ معَ هذا الدعاءِ العظيمِ، معَ التحياتِ.
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وأُصلِّي وأُسَلِّمُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمَعينَ، أمَّا بعدُ:
بالاتفاقِ أنهُ مشروعٌ أنْ يقولَ المؤمنُ في قعدتِه بعدَ السجدةِ الثانيةِ مِنَ الركعةِ الثانيةِ التحياتِ، والتحياتُ تقدَّمَ أنْ تكلَّمْنا عَنها وأنها في المرةِ الأولَى واجبةٌ وفي المرةِ الأخيرةُ ركنٌ، وسيأتي مزيدُ إيضاحٍ لهذا إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
وقفتُنا اليومَ هي معَ هذا الكلامِ الذي كانَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ـ يُعلِّمُه أصحابَه ويَعتنِي بتعليمِه حتى إنَّ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- يقولُ: "علَّمَني رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- التحياتِ وكفِّي بينَ كفَّيهِ، هذا يدلُّ على شدةِ العنايةِ والحرصِ والتوثقِ والاهتمامِ، يقولُ: "كما يعلِّمُ السورةَ مِنَ القرآنِ"، وهذا يبيِّنُ لنا منزلةَ هذا الدعاءِ، وأنهُ دعاءٌ عظيمٌ شريفٌ، اهتمَّ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بأنْ يعلِّمَه أصحابَه، وكانَ هذا التعليمُ على هذهِ الصورةِ التي تُوحي بكلِّ هذهِ المعاني التي ذَكرناها.
فما هي تلكَ الكلماتُ التي كانَ يقولُها النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- إنَّها: «التحياتُ للهِ، والصلواتُ والطيباتُ، السلامُ عَليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السلامُ عَلَينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه» [صحيح البخاري:6265]
هذه الكلماتُ المختصرةُ الموجزةُ تضمَّنتْ مِنَ الثناءِ على اللهِ تعالى والإجلالِ لهُ، وسؤالِ الخيرِ للناسِ كافَّةً والجهرِ بالتوحيدِ ما وفَّى وكفَّى، وبيَّنَ سببَ عنايةِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بهذا الذكرِ الذي كان يُعلِّمُه أصحابَه كما يعلمُ السورةَ مِنَ القرآنِ.
النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ كانَ يسمعُ أصحابَه يقولونَ: "السلامُ على اللهِ مِن عبادِه، السلامُ على فلانٍ وفلانٍ"، ويذكُرونَ جبريلَ وميكالَ ومَن يذكرونَ مِنَ الخلقِ، فقالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ التفتَ إليهم كما في الصحيحِ بعدَ أنْ فرغَ مِن صلاتِه فقالَ: «إنَّ اللهَ هو السلامُ»[صحيح البخاري:(831)، ومسلم(402/55)] يعني أنهُ لا يُدعَى لهُ بالسلامِ، فهو السلامُ، منهُ كلُّ سلامةٍ تحصلُ، فالسلامُ هوَ اسمُ اللهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ لهُ اسمٌ هو السلامُ، ولهُ وصفٌ هو السلامةُ مِن كلِّ عيبٍ ونقصٍ، السلامةُ مِن مماثلةِ المخلوقينَ، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، السلامةُ مِنَ العيوبِ التي وصَفها بهِ الجاهِلونَ كقولِ مَن قالوا: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[المائدة:64] سبحانَه وبحمدِه.
فهذهِ السلامةُ بأنواعِها كلِّها ثابتةٌ للهِ -جَلَّ في عُلاه- فلا يُدعَى لهُ ولا يُسألُ لهُ السلامةُ، فهوَ المطلوبُ المسؤولُ الغنيُّ عَن عبادِه جلَّ في عُلاه، ولذلكَ قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ:«إنَّ اللهَ هو السلامُ»، بمعنَى أنهُ لا يصحُّ ولا يسوَّغُ أنْ يقولَ الرجلُ: السلامُ على اللهِ أو تقولَ المرأةُ، المؤمنُ رجلًا أو امرأةً أنْ يقولَ: السلامُ على اللهِ، فاللهُ ـ تعالى ـ غنيٌّ عَنِ السلامِ، فمِنهُ السلامُ جلَّ في عُلاه سُبحانَه وبحمدِه وهوَ السلامُ.
إنما بدَّلَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ ذلكَ الذكرَ إلى ذكرٍ آخرَ وهوَ هذا الذكرُ المتضمِّنُ لمعانٍ جليلةٍ عاليةٍ شريفةٍ، بعدَ أنْ يفرُغَ المؤمنُ مِنَ القيامِ والركوعِ والسجودِ الذي تضمنَ الذلَّ والخضوعَ للهِ ـ تعالى ـ يجلسُ بينَ يدَي ملكِ الملوكِ، وتصوَّرْ هذه الهيئةَ كيفَ يكونُ المُصلِّي بعدَ هذا التقربِ للهِ ـ تعالى ـ بالفعلِ قيامًا وقعودًا ورُكوعًا وسجودًا، يجلسُ بينَ يَدي ربِّ العالَمين يسألُه حاجاتِه ويُنزِلُ بهِ ما يريدُ مِن فكِّ كَربٍ، وكشفِ ضرٍّ، وإغاثةِ ملهوفٍ، وإدراكِ مطلوبٍ وما إلى ذلكَ فكانَ مِنَ المناسبِ لذلكَ أنْ يقدمَ تحيةً لهذا المَلكِ.
فقالَ: «التحياتُ للهِ» التحياتُ جمعُ تحيةٍ، والتحيةُ في الغالبِ هي ما يُحيي الناسُ بهِ أنفُسَهم، أو ما يُحيي الناسُ بهِ بعضَهم بعضًا، فلما كانَ ما يستحِقُّه اللهُ ـ تعالى ـ يفوقُ ويتجاوزُ كلَّ ما يمكنُ أنْ يكونَ مِنَ التحايا التي يتبادلُها الناسُ جاءَ ذلكَ على وجهِ الجمعِ المفيدِ الاستيعابِ لكلِّ تحيةٍ.
«التحياتُ للهِ» فكلُّ تحيةٍ طيبةٍ هي لهُ، يستحقُّها جلَّ في عُلاه، ومعنَى هذهِ التحياتِ قيلَ: مَعناها المُلكُ، التحياتُ للهِ يعني المُلكُ للهِ، وقيلَ البقاءُ والدوامُ، وقيلَ: العظمةُ، وقيلَ: السلامةُ مِن كلِّ آفةٍ ونقصٍ كما تقدَّمَ بيانُه.[فتح الباري لابن رجب7/327]
والصحيحُ أنَّ التحياتِ تشملُ كلَّ هذه المعاني، فالمؤمنُ الذي جلسَ بينَ يَدي ربِّه وقالَ: التحياتُ للهِ، ليسَتْ لسِواهُ ـ جلَّ في عُلاه ـ كأنهُ يثبتُ كلَّ هذه المعاني: المُلكُ للهِ، وأنهُ الدائمُ الذي كلُّ شيءٍ هالكٌ إلَّا وجهَه، سُبحانَه وبحمدِه، وهو العظيمُ، وما قدروا اللهُ حقَّ قدرِه، وهوَ العليُّ العظيمُ سُبحانَه وبحمدِه.
وأنهُ -جلَّ وعَلا- السالمُ مِن كلِّ نقصٍ، فلا يطالُه نقصٌ بوجهٍ مِنَ الوجوهِ ـ سُبحانَه وبحمدِه ـ يسبِّحُ لهُ مَن في السماواتِ ومَن في الأرضِ، فهو المنزَّهُ عَن كلِّ عيبٍ ونقصٍ ـ جلَّ في عُلاه ـ هذا معنَى التحياتِ للهِ، فنحنُ نُحيِّيهِ ونثبتُ لهُ كمالَ المُلكِ سُبحانَه وبحمدِه، بعدَ إثباتِ الكمالاتِ للهِ ـ تعالى ـ التي يستحقُّها، جاءَ ذكرُ الصلواتِ، قالَ: «التحياتُ للهِ والصلواتُ»، الصلواتُ جمعُ صلاةٍ، والصلاةُ هي العبادةُ، قيلَ: هي الصلاةُ التي يُصلِّيها المؤمنُ أنها للهِ لا لسِواهُ، وقيلَ: إنها العباداتُ عمومًا، سواءٌ كانَتِ الصلاةُ أو غيرُها مِنَ العباداتِ، وقيلَ: إنها الدعاءُ على وجهِ الخصوصِ، وأنَّ الصلاةَ هي الدعاءُ الذي يَدعو العبدُ ربَّه -جلَّ في عُلاه- ويسألُه.[انظر هذه المعاني وأكثر منها في فتح الباري لابن حجر2/313]
وعلى كلِّ حالٍ الذي أفادَه أنهُ كما أنهُ استحقَّ الكمالَ المطلقَ سُبحانَه وبحمدِه؛ لكمالِ صفاتِه -جَلَّ في عُلاه- فهو أيضًا يستحقُ أن لا يُعبدَ إلا هوَ، فكلُّ مَن عَبدَ سواهُ فهو إنما يعبدُ باطلًا ويسعَى في ضلالٍ، وما يشعرُ أيانَ يُبعَثُ، ولا مَتى يُدرِكُ هذا الذي يُريدُ، فإنهُ لا سبيلَ لإدراكِ الخيرِ مِن سِوَى اللهِ تعالى، بلِ الخيرُ كلُّه في يدَيهِ جلَّ في عُلاه، لا مانِعَ لِما أعطَى ولا مُعطيَ لِما منَعَ، لذلكَ يجبُ أنْ يخلوَ القلبُ عندَ ذكرِ مثلِ هذه الكلماتِ مِن كلِّ تعلقٍ بسِوَى اللهِ جلَّ في عُلاه.
«التحياتُ للهِ، والصلواتُ، والطيباتُ» ،والطيباتُ يعني: الكلماتُ الطيبةُ، وقيلَ: الأعمالُ الطيبةُ، وقيلَ: كلُّ طيبٍ .[فتح الباري لابن حجر2/313]، كما قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- في الصحيحِ: «إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبَلُ إلَّا طيبًا»[صحيح مسلم(1015/65)] فهو طيبٌ في صفاتِه جلَّ في عُلاه، وهو طيبٌ فيما يجبُ لهُ سبحانَه وبحمدِه، ولهذا لا يقبلُ إلَّا طيبًا جلَّ في عُلاه، وكلُّ هذا تمجيدٌ وتقديسٌ للربِّ، وابتدأَ بهِ قبلَ ذكرِ غيرِه؛ لأنهُ المستحقُّ للكمالِ في التقديسِ والتحميدِ وهو المستحقُّ للثناءِ جلَّ في عُلاه، «التحياتُ للهِ والصلواتُ والطيباتُ».
بعدَ ذلكَ يَأتي السلامُ، وقبلَ ما ندخلُ نتكلَّمُ عَنِ السلامِ نقولُ: إنَّ هَذا ما جاءَ في هذه الصيغةِ هو واحدٌ مِنَ الصيَغِ التي علَّمَها النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أصحابَه جاءَ «التحياتُ للهِ الصلواتُ الطيباتُ»[أخرجه أبو داود في سننه(971)] بدونِ الواوِ، وجاءَ «التحياتُ للهِ الزاكياتُ الطيباتُ السلامُ علَيكَ أيُّها النبيُّ»[أخرجه مالك في الموطأ(55)، والبيهقي في الكبرى(2827)]، جاءَتْ بالصيغِ، والمؤمنُ ينوِّعُ في الصيغِ لإدراكِ كلِّ ما جاءَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ.
بعدَ أنْ يُوفَّى اللهُ ـ تعالى ـ حقَّه بالتمجيدِ والتقديسِ لإثباتِ كمالِه، وأنهُ المنفردُ جلَّ في عُلاه بالعبادةِ الذي لا يستحقُّ العبادةَ سِواه سبحانَه وبحمدِه.
جاءَ السؤالُ والطلبُ، فلما نسألُ يتأملُ الناسُ مَن أحقُّ الناسِ بأنْ يُسألَ لهُ؟ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ ولهذا بدأَ بالنبيِّ قبلَ غيرِه؛ لأنهُ أعظمُ الناسِ حقًّا على أتباعِه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعلى آلِه وسَلَّمَ ـ فإنهُ أشرفُ الخلقِ، وهو الذي أنارَ اللهُ لنا بهِ السبيلَ، وهدانا بهِ مِنَ الضلالةِ، وأنقَذَنا بهِ مِنَ الظلُماتِ، وبهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ وما بيَّنَ لنا مِنَ الحقِّ يُدخِلُ الجنةَ.
فلذلكَ كانَ مِن حقِّه أن يُبدأَ بالسلامِ علَيهِ، وكانَ المشروعُ في التحياتِ أنْ نقولَ: السلامُ علَيكَ أيُّها النبيُّ، والمقصودُ بالنبيِّ هوَ: النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وسَلَّمَ ـ الذي أخرَجَنا اللهُ بهِ مِنَ الظلُماتِ إلى النورِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بأبي هوَ وأُمي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّمَ.
والدعاءُ للنبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ بالسلامِ أنْ تقولَ: السلامُ على النبيِّ تَدعو اللهَ ـ تعالى ـ أنْ يُسلِّمَ نبيَه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ وذلكَ في حياتِه وبعدَ مماتِه، الآنَ ماتَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر:30] لكنْ هلِ السلامُ مفيدٌ حتى بعدَ موتِه؟ نعمْ، وذلكَ بأنْ يُحفظَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ في قبرِه، وألا يُمَسَّ بسوءٍ، وألا يُنالَ بمكروهٍ، كما أنهُ دعاءٌ لملَّتِه وشريعتِه والدينِ الذي جاءَ بهِ أنْ يُحفَظَ ويُعزَّ ويُظهَرَ، وكذلكَ دعاءٌ لهُ بأنْ يسلَمَ مِن كلِّ ما يخشاهُ ويخافُه أو يرهبُه في دارِ الآخرةِ، فكلُّنا بحاجةٍ إلى السلامِ.
بعدَ ذلكَ قالَ: «السلامُ علَيكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه» والرحمةُ والبركاتُ هي مِنَ الخيرِ الذي يُدعَى أيضًا بهِ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، قالَ: «السلامُ عَلَينا»، وهُنا يرجِعُ الإنسانُ إلى نفسِه بعدَ أداءِ حقِّ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- يبدأُ بنفسِه، وقالَ هُنا: «عَلَينا» لا على وجهِ التعظيمِ، إنما على وجهِ الافتقارِ وأني مِن هؤلاءِ الفُقراءِ الذينَ يَحتاجونَ إلى تسليمِك، «نا» تأتي للجمعِ، وتأتي للتعظيمِ، وهُنا للجمعِ؛ لأننا كلَّنا بحاجةٍ إلى سلامةِ اللهِ ـ تعالى ـ فلا سبيلَ لنا بإدراكِ الخيرِ إلَّا بأنْ يُسلِّمَنا اللهُ تعالى.
ولذلكَ «السلامُ علَيكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السلامُ عَلَينا»
هلْ يخصُّ نفسَه؟ لا، يعمُّ أيضًا، فيقولُ: «وعَلَى عبادِ اللهِ الصالحينَ» يقولُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-: «فإذا قالَها أصابَ كلَّ عَبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ»[صحيح البخاري:6230] فإذا قلتُ: «السلامُ عَلَينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ» تشملُ كلَّ عبادِ اللهِ الصالحينَ في كلِّ مكانٍ في السماءِ وفي الأرضِ، وفي كلِّ زمانٍ، الآنَ وما ذهبَ وما يَأتي أنتَ تَدعو لهم بالسلامةِ، وهذا يُبيِّنُ الرابطةَ بينَ عبادِ اللهِ عبرَ القُرونِ وعبرَ الزمانِ، وأنها رابطةٌ تتجاوزُ الزمانَ والمكانَ، «السلامُ عَلَينا وعَلَى عبادِ اللهِ الصالحينَ» بلْ تتجاوزُ حتى الجنسَ، لأنكَ لما تقولُ: «السلامُ عَلَينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ» فأنتَ تدعو لعبادِ اللهِ الصالحينَ مِنَ الإنسِ ومِنَ الجنِّ ومِنَ الملائكةِ ومِن غيرِه مِن خلقِ اللهِ تعالى الذين لا نعلَمُهم.
«السلامُ عَلَينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين» تأتي بعدَ هذهِ المسائلِ العظيمةِ التي يسألُ اللهَ تعالى فيها العبدُ الأمنَ مِنَ الآفاتِ والسلامةِ مِنَ الشرورِ والأضرارِ في الدنيا وفي البرزخِ وفي الآخرةِ، تأتي شهادةُ التوحيدِ التي هي مفتاحُ دارِ السلامِ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مفتاحُ الجنةِ.
المقدمُ: يا شيخُ لو نتوقفُ عندَ هذه الشهادةِ.
الشيخُ: وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
المقدمُ: حتى لا نطيلَ على الإخوةِ والأخواتِ، أحسَنَ اللهُ إليكُم يا شيخُ وجُزيتم خيرًا.