×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / ادعوني أستجب لكم / الحلقة (2) دعاء العبادة

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:22 رمضان 1441 هـ - الموافق 15 مايو 2020 م | المشاهدات:2881

إنَّ الحمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا، وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِياً مُرْشِدا،وَأَشْهدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُاللهِ ورسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَليهِ وعلَى آلهِ وَصحبِهِ، ومَنِ اتَّبعَ سُنَّتهُ، واقْتَفَى أثَرَهُ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، أَمَّا بَعْد:

فأَهْلاً وَسهْلاً ومرْحباً بكُمْ.. أَيُّها الإِخْوَةُ والأَخَواتُ.. في هَذِهِ الحلْقَةُ الجَدِيدةُ مِنْ بَرْنامَجِكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ غافر:40   هذهِ الحلقةُ سنسْتكْمِلُ فِيها الحديثَ عنْ قولِ الكريمِ المنَّانِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿ادْعُونِي﴾ في قولهِ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي﴾ اللهُ ـ جلَّ وَعَلا ـ يُخبِرُوا في كِتابِهِ أَنَّهُ قالَ لِعِبادهِ: ﴿ادْعُونِي﴾ فهُوَ الجلِيلُ الكريمُ، المُتفَضِّلُ علَى عِبادةِ، الآمرُ لهمْ بِدُعائِهِ، وَقَدْ بيَّنَ العُلَماءُ مِنْ مَعاني الدُّعاءِ الَّذي شَمِلتْهُ هَذِهِ الآيةُ، أنَّهُ شامِلٌ لِكُلِّ العِباداتِ بِلا اسْتَثْناءٍ، فَكُلُّ عِبادَةٍ ظاهِرَةٍ أَوْ باطِنَةٍ، هِيَ مِنْ دُعاءِ اللهِ ـ عزَّ وَجلَّ ـ كُلُّ عِبادةٍ واجبةٍ أوْ مُسَتحبةٍ، هِيَ مِنْ دُعاءِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ لا يُسْتَثْنَى مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ مِنَ العِباداتِ، لا فِيما يتَّصِلُ بِصِلَةِ العبْدِ بربهِ، وَلا فِيما يتصلُ بِصِلَةِ الإِنْسانِ بِالخَلْقِ، الكُلُّ مندَرِجٌ في أَنَّهُ عِبادةٌ للهِ ـ جلَّ وَعَلا ـ فَهُوَ داخِلٌ في قَوْلِهِ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي﴾ وكذَلِكَ في سائِرِ الآياتِ، فَإِنَّ العُلَماءَ يُفسرُونَ العِبادةَ بِالدُّعاءِ، والدُّعاءَ بالعِبادَةِ، فأَوَّلُ نِداءٍ نادَى اللهُ ـ تَعالَى ـ فِيهِ البَشَرِيَّةَ الناسَ، في مُحكْمِ كِتابِهِ، في سُورةِ البقرةِ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْوَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:21   وَالعِبادَةُ هُنا هِيَ دُعاءُهُ، وَهِيَ تَوْحِيدهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ وَلهذا جاءَ في كَلامِ المفسرينَ: أَنَّ أَمْرَ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ في هَذِهِ الآية: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي﴾ هُوَ أَمْرٌ بِتَوْحيدهِ، وَهَذا إِنَّما يفهمُهُ مَنْ أَدْرَكَ أَنَّ الدُّعاءَ مَفْهُومٌ واسعٌ، يَشْملُ كُلَّ العباداتِ بِلا اسْتَثْناءٍ، وَلا تَعْجَبْ عِندما تَسْمَعُ قولَ الثوريِّ – رَحِمَهُ اللهُ -: "الدُّعاءُ ترْكُ الذُّنُوبِ" الدُّعاءُ ترْكُ الذُّنوبِ، أَيْ الدُّعاءُ الحَقيقيُّ، أَيْ العِبادةُ الحقيقِّيةُ هِيَ تَرْكَ الذُّنُوبِ، في أَنْ تَجْتَنبَ ما نَهاكَ اللهُ ـ تعالَى ـ عنْهُ، عِنْدَما يَقْرَأُ الإِنْسانُ مثْلَ هَذا الكلامَ، أَوْ يَرِدُ عَلى ذِهْنِهِ مِثْلُ هَذِهِ الأَقْوالِ، يَسْتَغْرِبُ كَيْفَ الدُّعاءُ ترك الذُّنوبِ؟ الدُّعاءُ مَفْهُومٌ أَنَّهُ سُؤالٌ، أَوْ طَلَبٌ، أوْ إِنزالُ حاجَةٍ، أَوْ طَلَبٍ تفْريجُ كُربَةٍ وَما أَشْبَهَ ذَلِكَ.

لكنَّ هَذا قِصَرٌ لمفْهُومِ الدُّعاءِ عَلَى جانبٍ مِنْهُ، عَلَى ناحِيَةٍ مِنْ نَواحِيهِ، عَلَى صُورَةٍ مِنْ صُورِهِ، وَإِنَّما الدُّعاءُ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، يَشْمَلُ فِعْلَ كُلِّ طاعَةٍ، وَتَرْكَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ فِعْلَ الطَّاعاتِ، وَتَرْكَ المعاصِي جَميعهُ عِبادةٌ، يَتَقَرَّبُ بِها العَبْدُ إِلَى اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ فَهُوَ داخِلٌ في قوْلِ اللهِ ـ تَعالَى ـ في مُحكمِ كِتابِهِ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ عِنْدما نَسْتحْضِرُ مِثْلَ هَذا المعْنَى، يتضحُ لَنا أَنَّ قَوْلَهُ ـ صلواتُ اللهِ وَسلامُهُ عَلَيْهِ ـ: «وَأَفْضَلُ الدُّعاءِ الحَمْدُ للهِ» سُنَنُ الترمِذِيِّ (3383)، وابنُ ماجه (3800)، وقالَ الترمِذِيُّ: حَسنٌ غريبٌ   هَذا لا إِشكالَ فيهِ، فَإِنَّا قَوْلُ العَبْدِ: "الحَمْدُ للهِ" وَجَبَ رِضا الربِّ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ فَكُلُّ مَنْ قالَ بِقَلْبِهِ، وَلِسانِهِ: "الحَمْدُ للهِ" فَهُوَ داعِ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وَهُوَ سائِلٌ للهِ ـ عزَّ وجَلَّ ـ وَهُوَ متَعَبِّدٌ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وَلهذا جاءَ في الصَّحِيحِ، قَوْلُ النبيِّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ يَأْكُلُ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْها، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ علَيْها» صحيحُ مسلمٍ (2734)   فالأكلةُ ولوْ كانَتْ أَيْسَرَ ما يكُونُ، وَأَزْهَدُ ما يَكُونُ إِذا أَكلْتَها، وَقُلْتَ: "الحَمْدُ للهِ" فَقَدْ عَبَدْتَ اللهَ، امتثلْتَ ما أَمَركَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ مِنْ دُعاءِهِ، وَهُنا يتبيَّنُ أَنَّ الدُّعاءَ مَفْهُومٌ واسِعٌ، لَيْسَ مقْصُوراً عَلَى صُورةٍ، وَلا مَوْقُوفاً عَلَى نموذَجٍ، وَهذا مِنَ المهِمِّ أَنْ أُدْرِكَهُ، وَأَنْ تُدْرِكَهُ أيُّها المشاهِدُ الكريمُ.. وأيتُها المشاهِدَةُ الكريمةُ.. مِنَ المهمِّ أنْ نفهَمَ هَذا المفْهُومَ الواسِعَ، نَسْتَحْضِرَ هَذا المعْنَى الواسِعُ حَتَّى لا نحرِمُ أَنْفُسَنا خَيْراً كَثِيراً، وَحَتَّى نَرْتَقِبَ عَطاءً جَزيلاً مِنَ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ فَالدُّعاءُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يُحصَرَ في عَمَلٍ، وَلهذا جاءَ في كَلامِ النبيِّ ﷺأذكارِ، تتضَمَّنُ تَمْجِيداً، وَتَقْدِيساً، وَسُميتْ دُعاءً، فَهَذا يَقُولُ – صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ -: "أفَضْلُ الدعاءِ الحمْدُ للهِ" وَفي ما رواهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْْهُ –:  «أنَّ النبيَ ﷺكانَ إذا حزبهُ كَرْبٌ» أَيْ إِذا نَزَلَ بهِ ما يَكْرَهُ مِنْ مُصابٍ، أَوْ بلاءٍ، أَوْ شِدَّةٍ، قالَ – صَلَواتُ الله َوسلامُه عليهِ – في استدْفاعِ ذلكَ المكروهِ، واستِجْلابِ الغَوْثِ، والعَطاءِ، والنَّجْدَةِ، وَالنَّجاةِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كانَ– صَلَواتُ الله وسَلامُهُ علَيْهِ – «يَقُولُ: "لا إِلَهِ إِلَّا اللهُ العظِيمُ الحَلِيمُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ الأرضِ وربُّ العرشِ العَظِيمِ» صَحِيحُ البُخارِيِّ (6345)، وَمُسْلمٍ (2730)   أينَ الدعاءُ؟ أيْنَ السُّؤالُ؟ أَيْنَ الطَّلَبُ؟ ليْسَ ثَمَّةَ سُؤالٌ، وَلا طَلَبٌ، وَلا إِنْزالُ حاجَةٍ بِلَفْظٍ مُعَيَّنٍ، إِنَّما هُوَ تَمْجِيدٌ، وَتَقْديسٌ، وَتَعْظِيمٌ للهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ حَصَلَ بِهِ تفْرِيجُ الكُرُباتِ، وَكَشْفِ المكْرُوهاتِ، وحَصَلَ بِهِ إِغاثَةُ اللَّهَفاتِ، وَحَصَلَ بِهِ عَظِيمُ الأَجْرِ وَالثَّوابِ، فَما ينزلُ عَلَى قلْبِ المؤمِنِ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَالسَّكَنِ، وَالانْشِراحِ، وَالبهْجَةِ، وَالسُّرورِ، وَالَّلذَّةِ، وَاليَقِينِ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ عِنْدَما يَقُولُ هَذِهِ الكلماتِ، يَفُوقُ كُلَّ المسائلِ، وَيَفُوقُ كُلَّ الطَّلَباتِ، فَإِنَّ التَّعرُّضَ للكريمِ بِتَمْجِيدِهِ، التَّعُّرضُ لِلعَظِيمِ بِالثَّناءِ عَلَيْهِ، يُوجِبُ عطاءَهُ، وَإِحْسانَهُ، وَيَسْتَمْطِرُ فَضْلَهُ، وَعطاءَهُ.

لذَلِكَ نَفْهَمُ أَنَّ كُلَّ طاعةٍ، وكُلَّ عِبادةٍ أنْتَ تَسْتجلِبُ بِها رَضا اللهِ ـ عزَّ وَجلَّ ـ تَسْأَلُ مِنَ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ خَيْراً، وَلَنْ يُخيِّبَكَ اللهُ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ وَلهذا يَذْكُرُ الناسُ دُعاءِ ذِي النُّونِ – عَلَيْهِ السَّلامُ – وَهُوَ مِنَ الأَدْعِيَةِ الَّتي قِيلَ أَنَّها تَضَمَّنْتُ الاسْمَ الأَعْظَمُ، الَّذِي إِذا دُعِيَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ أَجابَ، وَإِذا سُئِلَ أَعْطَى، عَنْها لَوْ تَأَمَّلْنا هَذا الدُّعاءَ، وَهَذا الذِّكْرَ لَيسَ فيهِ طلبٌ، ليسَ فيهِ سُؤالٌ لحاجَةٍ مُعيَّنَةٍ، إِنَّما فيهِ التمجيدُ، والتقديسُ، والتعظيمُ، والثناءُ علَى العظيمِ المنانِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ الَّذي يفتحُ لَكَ أبوابَ العَطاءِ، وَتنالُ مِنْ خزائِنِهِ ما ليْسَ لكَ عَلَى حسابِ، وَليْسَ لَكَ علَى خاطِرٍ، وَلا يَرِدُ لَكَ علَى ذِهْنٍ، فَهُوَ الَّذِي: ﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ البقرة:212   سُبحانَهُ وَتَعالَى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ المائدة:64   يداهُ سحَّاءُ بالخيرِ، لا يُغيضُهُما نفقَةٌ، ما عِنْدَ اللهِ مِنَ العَطاءِ، ما عِندَ اللهِ مِنَ الهباتِ، ما عِنْدَ اللهِ مِنَ الفَضْلِ شيءٌ لا تُدركهُ العُقُولُ، وَإِنَّما يُستفتحُ ذَلِكَ، وَيُستَجْلَبُ بِالدُّعاءِ، بِمفهُومهِ العامِ، وَبمفْهُومِهِ الخاصِّ، لكنَّ مَفْهُومَهُ العامَّ أعْظَمُ، وَهُوَ أَنْ تُحقِّقَ العُبُودِيَّةَ بِقَلْبِكَ، وقالِبِكَ، بِظاهِرِكَ، وَباطِنِكَ، في سِرِّكَ، وَإِعْلانِكَ، تُدْرِكُ ما تُؤمِّلُهُ.
ذُو النُّونِ – علَيْهِ السَّلامُ – أَحاطَ بِهِ كَرْبٌ شَدِيدٌ، وَنَزَلَ بِهِ بَلاءٌ عَظِيمٌ: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ الصافات:142   كَما ذَكَرهُ الكَرِيمُ المنانُ ـ جلَّ في علاهُ ـ لا نجاةَ، وَلا سَبِيلَ لِلخُرُوجِ مِنْ هَذا إِلَّا بِالاعْتِصامِ بِاللهِ، إِلَّا بِالَّلجَأِ إليهِ، هَلْ سَأَلَ اللهَ ذُو النُّونِ – عَلَيْهِ السَّلامُ – هَلْ سَأَلَ الله أن يُنَجِّيَهُ مِنْ هَذِهِ الكرْبَةِ، أَنْ يُخْرْجهُ  مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، لا لم يَقُلْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، إِنَّما تَضَرَّعَ إِلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ بِتَمْجيدهِ، بِتحقيقِ العِبادةِ لَهُ، بِتَوْحيدهِ، فَكانَ دُعاءُهُ ما قصَّهُ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ الأنبياء:87   هَذا الدُّعاءُ العَظِيمُ المخْتَصَرُ ليسَ فِيهِ سُؤالٌ، هَلْ فِيهِ سُؤالٌ في هَذا الدُّعاءِ؟ هَلْ فِيهِ طَلَبٌ؟ هَلْ قالَ: رَبي نجِّني أَخْرِجْني مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، لم يَقُلْ ذَلِكَ، إِنَّما ذَكَرَ اللهُ، ومجَّدهُ، وَقدَّسَهُ، وَعظَّمَهُ، فَكانَ ذلِكَ مِفْتاحاً لِعَطاءِ الكَرِيمِ المنَّانِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ فَجاءَهُ العَطاءُ، جاءَتْهُ الهِباتُ: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ هذا في المبْدَأِ: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ الصافات:145   أخْرَجَهُ اللهُ ـ تَعالَى ـ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، وَيَسَّرَ لَهُ مِنْ أَسْبابِ النَّجاةِ ما حَقَّقَ لَهُ السَّلامَةَ، كُلُّ ذلِكَ بِهذا الدُّعاءِ العَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سُؤالٌ، وَلا طَلَبٌ، إِذاً الدُّعاءُ لا يَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى قَوْلِكَ: يارَبي ارْزُقْني مالاً، يارَبي نجِّنِي مِنَ الهمِّ.. هَذا نَوْعٌ مِنَ الدُّعاءِ، وَهَذا النَّوْعُ مِنَ الدُّعاءِ، وَهُوَ سُؤالُ الحاجاتِ، وَسُؤالُ المطالِبِ، وَإِنْزالُ الرَّغباتِ في ساحَةِ الكريمِ المنَّانِ: ﴿الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) الإِخْلاص:2-3   جلَّ في عُلاهُ هُوَ مِنَ العِبادَةِ، لكِنَّهُ لَيْسَ فَقَط الدُّعاءُ، ولَيْسَ هُوَ الصُّورَةُ الوَحِيدَةُ لِلدُّعاءِ، المأْمُورِ بِهِ في آياتٍ كثيرَةٍ، إِنَّما هُوَ نَموذَجٌ مِنْ نَماذِجِ الدُّعاءِ، وَصُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الدُّعاءِ، وأَعْظَمُ مِنْهُ، وَأَجَلُّ مِنْهُ أَنْ تُمجِّدَ اللهَ ـ تَعالَى ـ وَأَنْ تُعَظِّمَهُ، فَإِنَّ تَمْجِيدَ اللهِ وَتَعْظِيمِهِ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ، يَفْتَحُ لَكَ أَبْوابَ عَطاءِهِ، وَيُنيلُكَ ما تأْمَلْ مِنَ الخَيْراتِ، فَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ إِنَّما يُنالُ ما عِنْدهُ بِالتَّعَرُّضِ لِفَضْلِهِ بِالإحْسانِ المجمل، وَاللهُ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ يُنالُ ما عِنْدَهُ بِالإِحْسانِ في طاعَتِهِ، بِالإِحْسانِ في تَحْقِيقِ العُبودِيَّةِ لَهُ، في تَوْحِيدِهِ، فالعَبْدُ إِذا تَعَرَّضَ للهِ ـ عزَّ وَجلَّ ـ بذلِكَ نالَ ما عِنْدَهُ، يَقُولُ أُميَّةُ بْنُ أَبي الصَّلْتِ، يُثْني عَلَى عَبْدِاللهِ بْنِ جُدْعانَ، في شَهامَتِهِ، وَكَرَمِهِ وَدَفْعِهِ لِلضَّيْمِ، يَقُولُ:

أَأَذْكُرُ حاجَتي أَمْ قَدْ كَفاني... حَياؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الحياءُ

فَتَعَرَّضَ لإِحْسانِهِ بمجَرَّدِ الثَّناءِ عَلَيْهِ، هَذا إِذا كانَ لمخْلُوقٍ، يَقُولُ سُفْيانُ: هَذا إِذا كانَ لمخْلُوقٍ، فَكَيْفَ بِالخالِقِ؟ إِنَّ نَوالَهُ، وعَطاءَهُ، وَفَضْلهُ، وَإِحْسانَهُ يُنالُ بِصِدْقِ العُبودِيَّةِ لهُ، وَبِسُؤالِهِ، وَإِنْزالِ الحاجاتِ بِهِ، فَهُوَ: ﴿الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾ إِلَى أَنْ نَلْقاكُمْ في حَلْقَةٍ قادِمَةٍ مِنْ بَرْنامَجِكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أستودعكم الله الّذي لا تضيعُ ودائِعُهُ، وَالسلامُ عليكُمْ وَرحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95279 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90964 )

مواد مقترحة

445. Jealousy
8183. مقدمة.
8242. مقدمة