×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / ادعوني أستجب لكم / الحلقة (11) الإخلاص في الدعاء

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:1 ذو القعدة 1441 هـ - الموافق 22 يونيو 2020 م | المشاهدات:2793

السلامُ عليكمُ ورحمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، الرحمنُ الرَّحيمُ، مالِكِ يوْمِ الدِّينِ، لَهُ الحمْدُ كُلُّهُ، أَوَّلُهُ وآخِرُهُ، لَهُ الحمْدُ في الأُولَى والآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلَينَ والآخِرينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحَمنُ الرَّحِيمُ.

وأشْهدُ أَنَّ محمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَفِيُّهُ، وَخليلهُ، صَفْوَتُهُ مِنْ خلْقِهِ، بَعَثهُ اللهُ بالهدَى، وَدِينِ الحقِّ بينَ يَدَي السَّاعَةِ، بَشِيراً وَنَذِيرا، داعِياً إِلَى اللهِ بإذنِهِ وَسِراجاً مُنِيرا، أَشرقَتْ بِدعوتهِ الأَرْضُ بَعْدَ ظُلماتِها، أَنارَ اللهُ بِهِ القُلُوبَ، هَدَى بِهِ البَصائِرَ، أَخْرَجنا بِهِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى محمدٍ وَعَلَى آلِ محمدٍ، كَما صلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، أَمَّا بَعْدُ:

فأَهْلاً وَسَهْلاً ومَرْحَباً بِكُمْ أَيُّها الإِخْوَةُ وَالأَخواتُ .. في هَذِهِ الحلَقَةِ الجدِيدَةِ مِنْ برنامجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾هُوَ قَوْلهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ الَّذي خاطِبَ بهِ جميعَ عِبادِهِ، فَقالَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْغافر:60  الدُّعاءُ شَريفُ المقامِ، عَظيمُ المنزلَةِ، الدُّعاءُ أَمْرٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمنٍ أَنْ يحتَفِي بِهِ، فَإِنَّهُ لا غِنَى بِهِ عَنْ دُعاءِ رَبِّهِ في عِبادَتِهِ،لا غِنَى بِهِ عَنْ دُعاءِ رَبِّهِ في كُلِّ أَحْوالِهِ، في السَّرّاءِ وَالضَّراءِ، في العُسْرِ وَاليُسْرِ، في المنْشَطِ وَالمكْرَهِ، في السَّفَرِ وَالإِقامَةِ، في كُلِّ أحوالِهِ يَكُونُ الدُّعاءُ مُلازِماً، وَمُرافقاً للمؤْمِنِ، فَلا غِنَى بِهِ عَنْ دُعاءِ رَبِّه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُفاطر:15  الدعاءُ لمّا كانَ شَرِيفَ المقامِ عِنْدَ رَبِّنا ـ جلَّ في عُلاهُ ـ فَإِنَّهُ أَمرَ بِهِ، وَوَعَدَ أَهْلَهُ بجميلِ الوَعْدِ، فَقالَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ثُمَّ إِنَّهُ تَهَدَّدَ المعْرِضِينَ، الغافِلينَ، المنْصَرِفينَ، فَقالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَغافر:60  فَهذا وَعِيدٌ مِنْ ربِّ العالمينَ عَلَى أُولَئِكَ الَّذينَ ترَكُوا العِبادَةَ، وَتَركُوا السُّؤالَ، وَالطَّلَبَ، فَلَمْ يَتَوجَّهُوا إِلَيْهِ بِالدُّعاءِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ الدُّعاءُ يجبُ عَلَى المؤْمِنِ أَنْ يَعْتَقِدَ، أَنَّهُ عِبادَةٌ لَها آدابٌ، لَها خِصالُ، لَها شُرُوطٌ، لَها واجِباتٌ، لَها حُقوقٌ، فَينبغِي أَنْ يبْحَثَ عَنْها المؤْمِنُ لِيَكُونَ دُعاءُهُ وَاقِعاً مَوقِعَ الرِّضا مِنَ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ فَإِنَّ هَذِهِ العِبادَةَ لَيْستْ عِبادةً تُؤَدَّى عَلَى أَيِّ نَحْوٍ كانَ، دُونَ مُراعاةٍ لآدابٍ ظاهرةٍ، وباطِنَةٍ، الدُّعاءُ خِطابُ ربِّ العالَمينَ، لما تَقُولُ: يا ربُّ، ولماَّ تقُولُ: يا اللهُ، فأَنْتَ تُخاطِبُ اللهَ، أَنْتَ تَتَحَدَّثُ مَعَ رَبِّكَ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ أَلَيْسَ حَرِيَّاً بِكَ وَبِنا جَمِيعاً، أَنْ نَنْتَقِيَ طيَّب الأَلْفاظِ، وأَنْ نَسْتَحضِرَ كَريمَ الخِصالِ عِنْدَ خطِابِ ربِّ الأَرْبابِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ عِنْدَما تُخاطِبُ أَباكَ فإِنَّكَ تَنْتَقِي اللَّفْظَ الجيِّدَ، عِنْدما تُخاطِبُ شَرِيفاً في قَوْمِكَ، عالي المنزلَةِ، تَتَحَرَّى طيِّبَ الكَلِماتِ في دُعاءِكَ، وَتَتَحَرَّىَ طيِّبَ الحالِ في مَنْظَرِكَ، وَمَظْهَرِكَ، كيْفَ بِكَ وأَنْتَ تُخاطِبُ اللَه رَبَّ العالمينَ؟ أَلَيْسَ جَدِيراً بِنا أَنَّ نَكُونَ عَلَى أَكْمَلَ ما يَكُونُ في أَحْوالِنا، وَآدابِنا، وَما نَسْتَحْضِرُهُ مِنَ الأَحْوالِ، وَالسَّجايا، وَالخِصالِ في خِطابِ ربِّ العالمينَ.

ينْبَغِي أنْ نَعْلَم أَنَّ الدُّعاءَ مُناجاةٌ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ أَنْتَ تُخاطِبُ اللهَ، وَاللهُ يسْمَعَكُ، وَلا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِكَ ـ سُبْحانَهُ ـ مِنْ وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْواتِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلمُؤْمِنَ أَنْ يَعْتَنِي في دُعاءهِ بِمراعاةِ الآدابِ، فَإِنَّ آدابَ الدُّعاءِ مِنْ مُوجِباتِ قَبُولِهِ، الدُّعاءِ عِنْدما يَكُونُ رَعَى فِيهِ المؤْمِنُ، والمؤْمِنَةُ الأَدَبَ في اللَّفْظِ، وَالأَدَبِ في القَلْبِ، والأَدَبِ في مَضْمُونِ السُّؤالِ، كانَ ذَلِكَ مُوجِباً لِقَبُولِ الرَّبِّ جَلَّ في عُلاهُ.

لهذا أَنْصَحُ نَفْسي وإخواني أَنْ نَستحضِرَ هَذا المعْنَى في دُعاءِنا لِرَبِّنا، وَأَنْ لا نسْتَهِينَ، وأَنْ لانَسْتَخِفَّ في الدُّعاءِ كَحالِ حالِ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ، يَظُنُّ الدُّعاءَ أمَرا يَعْني هامِش، عَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَأْتي، وَكَيْفَ ما اتَّفَقَ، وَهُوَ غافِلٌ عَنْ أَنَّهُ يُخاطِبُ المَلكَ، يُخاطِبُ ربَّ العالمينَ، يُخاطِبُ مَلكَ الملُوكِ، يُخاطِبُ اللهَ الَّذي بيدِهِ ملَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، يُخاطِبُ اللهَ الَّذي يُسَبِّحُ لَهُ ما في السَّمواتِ وَما في الأَرْضِ، هَذِهِ المعاني يا إِخْواني وأَخَواتي.. عِنْدَما نستحْضِرُها، وَعِنْدما تَكُونُ حاضِرةً في دُعاءِنا لِرَبِّنا، فَإِنَّنا سَنُحَقِّقُ الآدابَ في الدُّعاءِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، لِذَلِكَ لِنَتَنَبَّهَ إِلَى هَذا المعْنَى، وَهُوَ أَنَّ الدُّعاءَ مُناجاةٌ، لا تَنْسَى أَنَّكَ عِنْدَما تَقُولُ: يا اللهَ، فأَنْتَ لا تُخاطِبُ غَائِباً، لا تُخاطِبُ أصَمَّاً، لا تُخاطِبُ بَعِيداً لا يَسْمَعُكَ، إِنَّما تُخاطِبُ اللهَ جلَّ وَعَلا، فَما مِنْ قَوْلٍ يَصْدُرُ عَنْكَ إِلَّا وَاللهُ يَسْمَعُهُ، إِلَّا وَاللهُ يُحْصِيهِ، إِلَّا وَاللهُ عالمٌ بِهِ، إِلَّا وَاللهُ مُدْرِكٌ لما تَقولُهُ، فَحَسِّنْ قَوْلَكَ، وَطَيِّبْ أَدَبَكَ في دُعاءَكَ، حَتَّى يكُونَ وَاقِعاً مَوْقِعَ القَبْولِ، وَإِنَّ مَبْدَأَ الأَدَبِ في كُلِّ عِبادةٍ، أَنْ تَكُونَ للهِ خالِصَةً، هَذا الأَدَبُ أَدَبٌ ضَرُورِيُّ لا يَقْبَلُ اللهُ عِبادَةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ للهِ خالِصَةً لِوَجْهِهِ، لا يقْبَلُ اللهُ قَوْلاً، وَلا عَمَلاً، لا دُعاءً بِالمسْأَلَةِ وَالطَّلَبِ، وَلا دُعاءً بِالنَّصْبِ وَالجَهْدِ، والعَمَلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ للهِ خالِصا: «إنما يتقبّلُ اللهُ مِنَ العملِ ما كانَ خالِصاً، وابْتُغِيَ بهِ وَجْهُهُ»سُنَنُ النسائِيِّ (3140) لذلِكَ مِنَ المهّمِّ أَنْ نُفَتِّشَ عنِ الإِخْلاصِ، عِنْدما نَقُولُ: يا رَبِّ، يا اللهُ، فَإِنَّنا مَطْلُوبٌ مِنّا أَنْ يَكُونَ هَذا القَوْلُ، وَهذهِ العبادةُ، وَهَذا الدُّعاءِ للهِ خالِصا، لا نَبْتَغِي بهِ وَجْهاً سُوَى وَجْهِهِ جَلَّ في عُلاهُ، فَالقَصْدُ، وَالطَّلَبُ لَهُ، «فَهُوَ أَغْنَى الشُّركاءِ عَنِ الشَّرْكِ» صَحِيحُ مُسْلِمٍ (2985).

إِنَّ اللهَ عزَّ وَجلَّ أَمَرَ المؤْمِنينَ بِأَنْ يَدْعُوهُ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينِ، بَلْ قالَ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَالبينة:5  وقالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ أَيْ بِالعَدْلِ: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍالأعراف:29  أَقِيمُوا وُجُوهكُمْ بِالإِخْلاصِ، أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ بِتِمامِ القَصْدِ لَهُ، دُونَ التِفاتٍ يمنَةً، أَوْ يَسَرةً، لا تَلْتِفتْ في دُعاءِكَ إِلَى أَحَدٍ سُوَى رَبِّكَ، فَإِنَّكَ لا تَلْتَفِتْ إِلَّا إِلَى هالِكٍ، إِذا علَّقْتَ قَلْبَكَ بِاللهِ، انْقَطَعَ عَنْك كُلُّ الْتِفاتٍ إِلَى سِواهُ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذا علَّقَ قَلْبَهُ بِاللهِ، علَّقَ قَلْبَهُ بِالكَرِيمِ، المنَّانِ، المَلكِ، العَزِيزِ، الَّذِي لَهُ كُلُّ شَيْءٍ: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُيس:82  فَجَدِيرٌ بِكَ أَيُّها المؤْمِنُ، أَنْ تُحَقِّقَ هَذا الَّذِي أَمَركَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ لا الْتِفاتَ إِلَى سِواهُ، وَ لامَيْلَ إِلَى غَيْرِهِ: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَلاأعراف:29  وَقَدْ قالَ ربُّكَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ: ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِيالزمر:14  وَقَدْ قالَ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَغافر:14 ،﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَغافر:65  كُلُُ هذهِ المعانِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحْضِرَها المؤْمِنُ، وَاللهُ ـ تَعالَى ـ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًاالمزمل:8  يقولُ مجاهِدٌ في مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ أخْلصْ إِلَيْهِ المسأَلَةَ، وَالدُّعاءَ.

ما أَجْمَلَ أنْ يَكُونَ الدُّعاءُ للهِ خالِصا، فَلا يَلْتَفِتْ إِلَى سُوَى اللهِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ ولا يُعلِّقُ قَلْبَهُ بَغَيْرِه، فَإِنَّ تَمامَ الإِخْلاصِ أَنْ يَكُونَ عملُكَ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وقدْ أَمَرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ رَسُولَهُ بذَلِكَ، فَجَعَلَ الإِخْلاصَ مِفْتاحاً لِكُلِّ صَلاحٍ، بَلْ بِالإِخْلاصِ، وَالتَّوْحِيدِ، تنفتحُ لكَ أبوابُ الجِنانِ، أَعْلَى المطالبِ الَّتي يَطْلُبُها المؤمنُ، وَيَسْعَى إِلَيْها، هُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، إِنَّ الوُصُولَ إِلَى ذلِكَ، هُوَ منْ طَرِيقِ الإِخْلاصِ للهِ ـ عزَّ وجَلَّ ـ فاسْتَحْضَرَ الإِخْلاصِ في دُعاءِكَ، علَّقْ قَلْبَكَ باللهِ، لا يَكُونُ في قَلْبِكَ التِفاتاً إِلَى سِواهُ، فَإِنَّهُ مِنْ عَلَّقَ قَلْبهُ باِللهِ أَدْرَكَ السَّعادَةَ، تأَمَّلْ هَذا الدُّعاءَ النَّبَوِيَّ الَّذي تُفْتَحُ بهِ أَبْوابُ الجنَّةِ الثَّمانِيَةِ.

يقُولُ النبيُّﷺ: «ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ» أَيْ يُكمِّلُهُ عَلَى الوجْهِ الَّذي يَرْضَى اللهُ تَعالَى عنْهُ: ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» وَهُنا التوحيدُ: «وأنَّ مُحمَّداً عبدُهُ وَرَسُولُهُ» وهَذِه الشَّهادَةُ كُلُّنا نَقُولُها، لَكِنْ يَتَفاوَتُ الأمْرَ بَيْنَ فُلانٍ وفلانٍ، هُوَ فِيما يَقُومُ في قلْبَهِ مِنْ تَحْقِيقِ الإِخلاصِ، وَمَعْنى هذهِ الكلمةِ: «أَشهدُ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» كُلُّ مُتَوَضِّأٍ يَتَوَضَّأُ عَلَى وَجْهٍ تامٍ، كامِلٍ، ثُمَّ يقُولُ هَذِهِ الكَلِمَةَ: «أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهُ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوابُ الجنَّةِ الثَّمانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّها شاءَ»مُسْنَدُ أَحْمَد (17314) اللهُ أَكْبَرُ ما أعْظَمَ كَرَمِ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وَإِحْسانِهِ، وَلُطْفِهِ، وإِنْعامِهِ، وَجَزِيلِ عَطاءهِ لمَنْ صَدَقَ في الإِقْبالِ عَلَيْهِ، أَبوابَ الجنَّةِ الثَّمانِيَةِ تُفْتَحُ لماذا؟ لِوُضوءٍ مُسْبَغٍ، وَإِخْلاصاً في ذكرهِ، وَدُعاءِهِ، والتبتُل إِلَيْهِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ كَما أمَرَ بِذلكَ: ﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ يقولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ لِرَسُولِهِ: ﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ أيْ أَخْلِصْ في مَسْأَلَتِكَ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وَدُعاءِكَ.

إنَّ الإخلاصَ في الدُّعاءِ مُوجِبٌ لإجابَةِ أَعْداءِ اللهِ، فَكَيْفَ بِأَوْلِياءِهِ؟ يقُولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ﴾ أَيْ كالسَّحابِ الَّذِي يُغطِّيهِمْ، وَيُظْلِمُ عَلَيْهِمْ، وَيُطْبِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ جانِبٍ: ﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لقمان:32  لمّا أَخْلَصُوا الدِّينَ للهِ أَنْجاهُمُ اللهُ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَالعنكبوت:65  وكَما قالَ: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَيونس:22  ينبغِي للمؤمنِ أنْ يستحضِرَ هَذا المعْنَى، في كُلِّ أَدْعيتِهِ، وَفي كُلِّ مَسائِلِهِ، فَلا يَرْجُو إِلَّا اللهُ، وَلا يَسْأَلُ غَيْرَهُ، وَلا يَلْتَفِتُ إِلَى سِواهُ، وَإِنَّ كثْرَةَ دُعاءِ الدَّاعِينَ، إِذا تَجَرَّدَ عَنْ هَذا المعْنى لَنْ يَكُنْ شَيْئا، وَهَذِهِ قَضيَّةٌ قَدْ تخْفَى علَى النَّاسِ، يَقُولُونَ: نحْنُ نَدْعُو اللهَ وَ لا نَرَى إِجابَةً، وقَدْ تَساءَلَ اثْنانِ مِنْ كِبارِ طُلَّابِ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللهُ تعالَى عنْهُ – عَنْ هَذِهِ القَضِيَّةِ، فَقالَ الرَّبِيعُ لِعَلْقَمَةَ، وَفي مَقامِ مَسأَلَةٍ، وَمُناقَشَةٍ، يَقُولُ: "ما أَكْثَرَ ما يَسْأَلُ النَّاسُ، وَما أَقَلَّ إِجابَتِهِمْ" يَعْني كَثِيرٌ يَسْأَلُ النَّاسُ اللهَ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وَلا يَرَوْنَ لِذَلِكَ إِجابَةً، فَقالَ: "إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الدُّعاءِ إِلَّا النُّخالَةُ". يَعْنِي الخالِصَةَ، وَالنُّخالَةَ مِنَ الدُّعاءِ، هُوَ ما كانِ للهِ خالِصا، وَلِذَلِكَ ذَكَر أَحَدُهُما لِلآخَرِ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ – قالَ: "لا يَسْمَعُ اللهُ دُعاءً مِنْ مُسمِّعٍ، وَلا مِنْ مِراءٍ، وَلا مِنْ لاعبٍ إِلَّا دُعاءً يُثَبِّتُ مِنَ القَلْبِ"مُصَنَّفُ ابْنِ أَبي شَيْبَةَ (29270) .

"إِلَّا دُعاءُ داعٍ يُثَبِّتُ مَنْ قَلْبِهِ" أَيْ يَصْدُرُ مِنْ قَلْبِهِ في رَجاءِ رَبِّه، لا يَلْتَفِتُ إِلَى سِواهُ، وَ لا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكْمُلُ لِلعَبْدِ الإِخْلاصُ للهِ.

إذاً كَيْفَ نُحَقِّقُ الإِخْلاصَ للهِ في دُعاءِنا؟ أَنْ يَكُونَ قَلْبُنا مُعَلَّقاً بِاللهِ، فَلا نَسْأَلُ سِواهُ، وَ لا نَرْجُو الخَيْرَ إِلَّا مِنْهُ:

فَلا تَرْجُو إِلَّا اللهَ في الخَطْبِ وَحْدَهُ*** وَلَوْ صَحَّ في خِلِّ الصِّفاءِ صَفاءُهُ

فَإِنَّ قَضاءَ الحوائِجِ، وَبُلُوغَ المطالِبِ، وَالنَّجاةِ مِنَ المهالِكِ، هُوَ بِتَعْلِيقِ القَلْبِ بِهِ، فاللهُ يُنَجِّي أَوْلِياءَهُ: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَالزمر:61 .

اللهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المخْلِصِينَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبِيلَ أَوْلِياءِكَ المتَّقِينَ، وَاجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سيِّدِ المرْسَلِينَ، نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ، إِلَى أَنْ نَلْقاكُمْ في حَلْقَةٍ قادِمَةٍ مِنْ بَرْنامِجِكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ

أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدائِعهُ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ...       

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95120 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90819 )

مواد مقترحة

445. Jealousy
8172. مقدمة.
8231. مقدمة
12182.