السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.
الحمدُللهِ حَمْداً كَثيراً طيِّباً، مُباركاً فيهِ، فتحَ أَبوابَ عطاءِهِ، وأَجْزلَ عَلَى عبادهِ الإِحْسانَ: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾النَّحْلُ:53 أَحْمدُهُ حَقَّ حمدهِ، لهُ الحمدُ كُلهُ، أَوَّلُهُ وآخِرُهُ، ظاهِرُهُ وباطنهُ، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأوَّلِينَ وَالآخِرينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الملكُ القدُّوسُ السلامُ المؤمنُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ المتكبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشركِونَ.
وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُاللهِ ورَسُولُهُ، ختمَ اللهُ بهِ الرِّسالاتِ، فكلُّ رِسالةٍ بَعْدَهُ كذِبٌ، وَضلالٌ، وَزُورٌ، هَدَى اللهُ ـ تَعالَى ـ بهِ النَّاسَ مِنَ العَمَى، ودَلَّهم عَلَى طَرِيقِ الرَّشادِ، وَالهُدى، فَليسَ ثمةَ سبيلٌ يهدِي إلَى اللهِ إِلَّا دلَّنا إليهِ، وَلا طريقٌ يوصلُ إِلَى رحمتهِ، وَرِضْوانِهِ إِلَّا دَلَّ عليهِ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبهِ، وَمَنِ اتَّبعَ سُنَّتَهُ، واقتفَى أثَرَهُ بإحْسانٍ إِلَى يوْمِ الدينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فأَهلاً وَسَهْلاً وَمَرْحَباً بِكُمْ في هَذِهِ الحلْقَةِ الجديدَةِ مِنْ بَرْنامِجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾غافر:60 هَذا البرْنامجُ الّذِي نَتَحَدثُ فِيهِ عَنِ الدُّعاءِ، وَآدابِهِ، وَما يَتَّصِلُ بِهِ منَ المسائلِ، وَما يتعلَّقُ بِهِ مِنَ الأَحْكامِ، نَحْنُ نتَحَدَّثُ في هَذِه الحلَقَةِ، إِنْ شاءَ اللهُ ـ تَعالَى ـ عَنِ المواطِنِ الَّتي تُرْجَى فِيها الإجابَةُ، تَحَرِّي إِجابَةِ الدُّعاءِ هُوَ فِعْلُ أَوْلِياءِ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ الّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنِ الأَوْقاتِ، وَالأَزْمانِ، وَالأَحْوالِ، وَالأَعْمالِ، الَّتي يكونُ فِيها دُعاءهُ مُجابَ، اللهُ ـ جلَّ وَعَلا ـ لم يحُدَّ ذَلِكَ بحدٍّ، وَلا بِوَقْتٍ، بَلْ كُلُ وَقْتٍ يتوجهُ فيهِ العَبْدُ إِلَى اللهِ، فإنهُ يَرْجِعُ مِنْهُ بِخيْرٍ: «إنَّ الله حييٌ كريم، يستحي أن يُمدَّ العبدُ إليه يديهِ فيردهما صِفراً خائبتين»سُنَنُ التِّرْمِذِيُّ (3556) وَصَحَّحَهُ الأَلْبانِيُّ بلْ كُلُّ مَنْ قالَ: يا اللهُ، لا بُدَّ أَنْ يَعُودَ مِنْهُ بِفَضْلٍ؛ كُلُّ منْ قالَ يا رَبُّ في غَيْرِ إثمٍ، وَلا قَطِيعَةِ رَحِمٍ إِلَّا وَسَينالُ مِنْهُ عَطاءً ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ هَذا العَطاءُ يزيدُ، ويكُونُ أَحْرَى في الحصُولِ، وَأَقْربُ في النَّوالِ، في مَواضِعَ، وأَحْوالٍ، وَأَوْقاتٍ، منْ ذلكَ:
1) ما يكُونُ عِنْدَ النِّداءِ الآذانِ، فإنهُ مِنْ مَواطِنِ إِجابةِ الدُّعاءِ، وَلِذَلِك نُدِبَ أنْ يَدْعُوَا الإِنسانُ بَعْد الأَذانِ، وَلهذا جاءَ في الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنهُ – أَنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «الدُّعاءُ لا يُردُّ بَيْنَ الأَذانِ وَالإِقامَةِ»سُنَنُ التِّرمذِيِّ (212) وَقالَ: حَديثٌ حَسَنٌ فَكُلُّ مَنْ دَعا بَيَّنَ الأَذان وَالإِقامَةِ، في المساجِدِ، أَوْ في البُيوتِ مِنَ الرِّجالِ، وَالنِّساءِ، أَوْ في الطُّرقاتِ، أَوْ في غَيْرِ ذلكَ مِنَ الأَماكنِ، كُلُّ مَنْ دَعا بيْنََ الأَذانِ وَالإقامَةِ، في المكانِ الَّذي يَعِيشُ فيهِ، فإِنَّهُ يُرْجَى أَنْ يَدْخُلَ، في قَوْلِهِ ﷺ: «الدُّعاءُ لا يردُّ بيْنَ الأَذانِ والإقامَةِ»، فادْعُوا أَيْ: فَجِدُّوا في طَلَبِ الفَضْلِ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
النداءُ عظيمٌ، وهُوَ الأَذانُ الَّذي يُوحَّدُ فِيه اللهُ، ويُكبَّرُ، ويُعظَّمُ، ويُدْعى فِيهِ إِلَى خيرِ عَمَلٍ، وَهُوَ الصَّلاةُ: "حَيَّ عَلَى الصلاةِ، حي عَلَى الفَلاحِ" هَذا الفضْلُ، وذَاكَ العَطاءُ مِنَ اللهِ ـ جلَّ وَعَلا ـ يَعْقُبُهُ فَضْلٌ بِأَنَّ مَنْ دَعا بَعْدَ الأَذانِ، عَلَى النَّحْوِ المشرُوعِ، فَصَلَّى عَلَى النبيِّ ﷺ، ثُمَّ سأَلَ اللهَ الوَسيلَةَ، إِلَّا أَدْرَكَ ما يُؤَمِّلُ، فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ سَأَلَ اللهَ ـ تَعالَى ـ الوَسيلَةَ لِنَبِّيهِ ﷺ، وَهِيَ مِنْزِلَةٌ رفيعَةٌ عالِيةٌ، فقالَ: «اللهُمَّ ربَّ هذهِ الدَّعْوَةِ التامَّةِ، وَالصَّلاةِ القائِمَةِ، آتِ محمدا الوَسيلَةَ، وَالفضيلَةَ، وَابعْثهُ مَقاماً مَحْمُوداً الَّذي وَعدْتَهُ» قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «حلَّتْ لَهُ شَفاعَتِي يَوْمَ القيامَةِ»صحيحُ البُخارِيِّ (614) مِنْ حَدِيثِ جابرٍ، وَمُسْلِم (384) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العاصِ بِمَعْنَى أَنَّ اللهَ يُجيبُهُ علَى هَذا الدُّعاءِ، الَّذي هُوَ مِنْ دُعاءِ العَبادَةِ، أَنْ يَنالَ شَفاعَةَ النَّبيِّ ﷺ، وَأَنْ يَكُونَ مُتأَهِّلاً لَها، وَلهذا مَنْ قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: «رَضِيتُ باِللهِ رَبَّاً، وباِلإسْلامِ دِيناً، وَبِمحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا، كانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضيَهُ، وَأَنْ يَغْفِرَ ذنْبَهُ»صَحيحُ مُسْلٍم (386) وَلَيْسَ فِيهِ: أَنْ يُرْضِيَهُ وَقَدْ جاءَ فيما رواهُ أحْمَدُ، وأبي دَاوُدَ، مِنْ حديثِ عَبْداللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلاً قالَ: يا رَسُولَ اللهِ؟ إنَّ المؤْذِّنينَ يَفْضُلُونَنا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "قُلْ كَما يَقُولُونَ، فَإِذا انَتْهَيْتَ فسَلْ تُعْطَهْ"مُسْنَدُ أَحْمَدَ (6601)، وَقالَ مُحَقِّقُو المسندِ: حَسَنٌ لِغيرِهِ إذاً مِنْ مَواطِنِ إِجابَةِ الدُّعاءِ:َ
1) أَنْ تُجيبَ المؤذِّنَ، ثُمَّ إِذا فرغْتَ مِنْ إِجابَةِ المؤذِّنِ، تَسْأَلُ اللهَ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ مِنَ الخيرِ، والفضْلِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ في مُقدِّمَتِهِ، وَأَوَّلِهِ، أَنْ تُصَلِّي عَلَى النبيِّ ﷺ، وأَنْ تسألَ لَهُ المنزلَةَ الرَّفِيعَةَ، الوَسيلَةَ في الدُّعاءِ الَّذي ذكرَهُ جابرٌ – رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ -: «اللهُمَّ ربَّ هذهِ الدَّعْوَةِ التامَّةِ، وَالصَّلاةِ القائِمَةِ، آتِ محمداً الوسيلَةَ، والفضيلةَ، وابعثْهُ مَقاماً محمُوداً الَّذي وعَدْتَهُ». وَمِنْ مَواطِنِ الإجابَةِ:
2) خَواتيم الصَّلاةِ وأَدْبارُها، فإِنَّ النَّبيَّ ﷺ جاءَ عَنْهُ كَما في السُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ عبداللهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنهُ – أَنَّهُ سمِعَ عَبْداللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، بَعْدَ أَنْ فرَغَ مِنْ صَلاتهِ، وَفي تَشَهُّدِهِ، أَثْنَى عَلَى اللهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبيِّ ﷺ، ثُمَّ دَعا اللهَ لنفسِهِ بِما يَسَّرَ اللهُ لَهُ، فَقالَ النبيُّ ﷺ عِنْدَما سَمِعهُ، يَدْعُو عَلَى هَذا النَّحْوِ، وَفي هَذا الموْضِعِ، عَلَى هَذا النحْوِ: بحمدِ اللهِ، وَالثَّناءِ عَليْهِ، ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى النبيِّ ﷺ، ثمَّ سؤالِ اللهِ ما يَسَّرَ مِنْ خَير،ٍ في دُبُرِ صَلاةٍ قَبْلَ أَنْ يُسلِّم، قالَ ﷺ: «سَلْ تعْطَهْ، سلْ تُعْطَهْ»سننُ الترمذيِّ (593) وقالَ: حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ هَذا توكيدٌ لما جاءَ في حديثِ أَبي أُمامةَ الباهِلِّي – رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ – أَنَّ النبيَّ ﷺ سُئلَ: أيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ؟ يعْني أقربُ للإجابةِ: "أَسْمَعُ" هُنا يَعْني أَجْوَبُ، اللهُ تَعالَى يُجيبُه، وَيقعُ مِنْهُ مَوْقعَ القَبُولِ، فَقال النبيُ ﷺ: «جوْفُ اللَّيْلِ الآخرِ، ودُبُرَ الصَّلُواتِ»سُنَنُ التِّرْمِذيِّ (3499) وَقالَ: حَديثٌ حَسنٌ فمنْ مَواطِنِ إِجابةِ الدُّعاءِ:
3) آخرُ الصَّلَواتِ، هُوَ مِنْ مَواطِنِ إِجابَةِ الدُّعاءِ، وَلهذا كانَ النبيُّ ﷺ، يُوصِي منْ يُحِبُّ بِالدُّعاءِ، فَقالَ لمعاذٍ: «إني أُحِبُّكَ، فَلا تَدَعْ دُبُرَ كُلِِ صلاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ أعِنِّي عَلَى ذِكْركَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبادَتِكَ»سننُ أبي دَاوُدَ (1522)، وصحَّحَهُ الأَلْبانِيُّ وَكانَ هُوَ ﷺ يَقُولُ بَعْدَ صَلاتِهِ: «رَبي قِنِي عذابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبادَكَ» كَما في حَدِيثِ البراءِ بْنِ عازِبٍ، في صَحيحِ الإِمامِ مسْلِمٍصحيح مسلم (709) .
وَمِنْ مَواطِنِ إِجابةِ الدُّعاءِ، وَأَوْقاتِهِ:
4) أَنْ يَدْعُوا المؤْمِنُ في جَوفِ اللَّيْلِ، كَما جاءَ في حَدِيثِ أَبي أُمامَةَ، وَجاءَ صرِيحاً في حَدِيثِ أَبِي هُريرةَ في الصَّحيحيِْن: "أَنَّ اللهَ تَعالَى يَنْزِلُ – تَباركَ وَتَعالَى - كُلَّ ليْلَةٍ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فيقُولُ: هَلْ مِنْ سائلٍ فَأُعْطِيهُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ فأُجيبهُ، هَلْ مِنْ مُسْتغفِرٍ فأَغْفِرَ لَهُ"صحيح البخاريُّ (1145)، ومسلم (758) هَكَذا يعرضُ اللهُ تَعالَى فَضْلهُ، وَإِحْسانَهُ عَلَى عِبادةِ، في هذا المقامِ العَظِيمِ، وَفي هَذا الوقْت الَّذي لا يَقْتَصِرُ علَى ليلةٍ مِنَ اللَّيالِي، بَلْ هُوَ في كُلِّ لَيْلَةٍ، وَلِذلكَ جاءَ في حَدِيثِ جابرٍ، في صحيحِ الإِمامِ مُسلمٍ، قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقُولُ: «إنَّ في اللَّيْلِ لَساعَةً، لا يُوافقُها رَجُلٌ مُسلمٌ يسأَلُ اللهَ خَيْراً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيا، وَالآخِرَةِ إِلَّا أَعْطاهُ إِيَّاهُ، وذَلِكَ» انتبه، وانتبهي: «وذَلِكَ كُلَّ ليْلَةٍ»صحيحُ مُسْلِمٍ (757) في كُل ليلةٍ يتفضَّلُ اللهُ ـ تعالَى ـ عَلَى عِبادهِ، بإعْطائِهمْ في كُلِّ ليلةٍ، يتفضَّلُ اللهُ ـ تعالَى ـ عَلَى عِبادهِ بفتْحِ خَزائنهِ لهمْ، فليقْتَرِبُوا ما اسْتَطاعُوا، ولْيأْخُذُوا ما رَغِبُوا، فليُقْبِلُوا عَلَى اللهِ، وَلم يَجِدُوا مِنَ اللهِ إِلَّا فَضْلاً، وَعَطاءً، وَبِراً، وَإِحْسانا، مِنْ مَواطِنِ إجابَةِ الدُّعاءِ في أَوْقاتِهِ:
5) ما ذكَرهُ النَّبيُّ ﷺ في يَوْمِ الجُمُعَةِ، وَهُوَ سيِّدُ الأَيَّامِ، وَهُوَ خيْرُ الأَيَّامِ، وَهُوَ خيرُ يَوْمٍ طلعتْ فِيهِ الشَّمْسُ، قالَ فِيهِ النبيُّ ﷺ، كَما في الصَّحيحينِ، مِنْ حديثِ أَبي هُريرةَ: «فيهِ ساعةٌ لا يُوافقُها عبدٌ مسلمٌ، وهُوَ قائِمٌ يُصلِّي، يسْأَلُ اللهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطاهُ اللهُ إِيَّاه»صحيحُ البُخارِيِّ (935)، وَمُسْلِمٍ (852) إلا أنَّ النبيَّ ﷺ أَشارَ أَنَّها ساعَةٌ وجيزةٌ، قصيرةٌ، ما أَسْرَعَ أنَ ْتنْقَضِي، فلينتبهْ لَها، وليُبادِرْ إِلَيْها، وليغْتَنِمَها، كُلُّ مَنْ وُفِّقَ إِلَيْها يَقُولُ ﷺ في الإِشارَةِ، إِلَى ضعفِ قلِّتها، قالَ: «وأَشارَ بيدَهِ يُقلِّلُها».
وقد اختلفَ العُلَماءُ – رحمهُمُ اللهُ – في تَعيينِ هَذهِ السَّاعَةِ عَلَى أَقْوالٍ عَدِيدَةٍ:
1) قِيلَ إِنَّها مِنْ ساعَةِ دُخُولِ الإمامِ لِلخُطْبَةِ، حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ صَلاةِ الجمُعَةِ، وَإِلَى هذا ذَهَبَ جَماعَةٌ منْ أَهْلِ العِلْمِ، استِناداً إِلَى ما رواهُ الإمامُ مسلمٌ، مِنْ حَدِيثِ أبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ ـ قالَ في ساعَةِ الجمُعَةِ: «هِيَ ما بيْنَ أَنْ يجلسَ الإِمامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاةُ»صحيحُ مسلمٍ (853) .
2) والقولُ الثاني في تَعْيينِ ساعَةِ الإِجابِةِ لِيَوْمِ الجمعَةِ، أَنَّها في آخِرِ ساعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمَعَةِ.
3) وَالقَولُ الثالِثُ في تَحْديدِ وَتعْيينِ وَقْتِ ساعَةِ الإِجابَةِ يومِ الجُمْعَةُ، أَنَّها مِنْ بَعْدِ العِصْرِ، جاءَ ذَلِكَ فِيما رَواهُ أَصْحابُ السُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبي هُريرَةِ – رَضِيَ اللهُ تعالَى عِنْهُ – أَنَّ النَّبيَ ﷺ لمّا ذَكَرَ ما ذَكَرَ، مِنْ ساعَةِ يَوْمِ الجُمُعَةِ، قالَ: «وَهِيَ بعدَ العَصْر» وَجاءَ في حَدِيثِ جابرٍ أَنَّ النَّبيَ ﷺ قالَ: «يَوْمِ الجُمْعَةِ اثْنا عَشَرَ ساعةٍ، فِيها ساعَةٍ لا يُوجَدُ مُسْلِمٌ، يَسْألُ اللهَ فيها شَيْئاً، إِلا أَعْطاهُ إِيَّاها» ثُمَّ قالَ: «فالْتَمِسُوها آخِرَ ساعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ»سُنَنَُ أَبي دَاوُد (1048) وصحَّحَهُ الأَلْبانِيُّ .
ومِنْ مَواطِنِ الإِجابَةِ الَّتي يُرْجَى فِيها الإِجابَةُ:
6) النظرُ إلَى فَضْلِ اللهِ ما يكُونُ في لَيلَةِ القَدْرِ، فَإِنَّها لَيلةٌ عظيمَةٌ شَرِيفَةٌ، تُفْتَحُ فِيها الخزائنُ، وَيُنالُ فِيها المأَمِّلُونَ ما يُؤَمِّلُونَ، لِذلكَ قالتْ عائشةُ – رَضِيَ اللهُ تعالَى عَنْها – كَما في السُّنن: "أَرأَيْتَ يا رَسُولَ اللهِ لَوْ عَلِمْتُ أَيَّ ليلَةٍ ليلةُ القَدْرِ، ما أَقْولُ فِيها؟ قالَ ﷺ: «قُولي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تحبُ العَفْوَ فاعْفُ عنِّي»سننُ الترمِذِيِّ (3513) وَقالَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمِنَ الأَحْوالِ الَّتي تُرْجَى فِيها إِجابَةُ الدُّعاءِ:
7) أَنْ يَكُونَ الإنْسانُ في حالَ الاضْطِرارِ، قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾النمل:62 وَمِنَ الأَحْوالِ الَّتي فِيها يُجابُ الدُّعاءُ:
8) وكذلكَ عِنْدَ قَبْضِ رُوحِ الميِّتِ، فَإِنَّ رُوحَ الميِّتِ إِذا قُبِضَ تَبِعهُ البَصَرُ، كَما قالَ النَّبيُ ﷺ، وَلهذا قالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكمْ إِلَّا بخيرٍ فَإِنَّ الملائِكَةَ يؤمِّنُونَ عَلَى ما تَقُولُونَ»صَحِيحُ مُسْلِمٍ (920) .
وَمنْ أَحْوالِ إِجابَةِ الدُّعاءِ:
9) مِنْهُ نُزُولُ المطَرِ، فَقَدْ جاءَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ أَنَّهُ كانَ إِذا نَزَلَ المطَرُ، قالَ ﷺ: «اللهُمَّ صَيِّباً نافِعا»صَحيحُ البُخارِيِّ (1032) وَمِنْ أَحْوالِ إِجابَةِ الدُّعاءِ:
10) عِنْدَ سَماعِ صِياحِ الدِّيكِ، فَقَدْ جاءَ عَنْ أَبِي هُريرَةَ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ – أنَّ النبيَ ﷺ قال: «إِذا سمعتُمْ صِياحَ الدِّيكَةِ فَاسْأَلُوا اللهَ منْ فَضْلِهِ، فَإِنَّها رأَتْ مَلَكاً، وَإِذا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحمِيرِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ، فإِنَّهُ رَأَى شَيْطانًا»صَحِيحُ البخاريِّ (3303)، ومسْلِمٍ (2729) وهَذا الحدَيِثُ في الصَّحِيحَيْنِ.
ثمةَ مواضِعُ وأَحْوالٌ كثيرةٌ، يَكُونُ فِيها الدُّعاءُ مُجابا، وَوَصِيَّتِي أَنْ نَغْتَنِمَ تِلْكَ الأوْقاتَِ، وأَنْ نُبادِرَ بالدعاءِ، وأَنْ نَبْحَثَ عَنْها، وأَنْ نَتَحَرّها، وَأَنْ نُلِحَّ علَى اللهِ تعالى بِالدعاءِ، فإنَّ الإلحاحَ بالدُّعاءِ مُوجِبٌ لإجابة الدُّعاءِ، وقَدْ جاءَ في حَدِيثِ عائشةَ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنْها – أَنَّ النَّبيَ ﷺ قالَ: «إنَّ اللهَ يحبُ المُلحينَ في الدُّعاءِ»الحكيمُ التَّرِمْذِيُّ في نوادرِ الأُصُولِ (949)، وقالَ الأَلْبانِيُّ: موضُوعُ فَيَنْبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يُلِحَّ في الدُّعاء ِعلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ويجتَهِدُ في طلَبِ ما عِنْدَهُ، ويُكرِّرُ المسألَةَ، فَإِنَّهُ كَرِيمٌ مَنَّانٌ، يحِبُّ الدَّاعينَ، وكُلَّ ما زادَ العبدُ دُعاءً، وَإِلحاحاً، زَادَ الربُّ عَطاءً، وَإِحْساناً، وَفَضْلاً، إِلَى أَنْ نَلْقاكُمْ في حَلْقَةٍ قادِمَةٍ مِنْ بَرْنامجِكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهُ الَّذي لا تَضِيعُ ودائِعُهُ، وَالسلامُ عليكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ.