المقدمُ: حياكُمُ اللهُ مُشاهدينا الكرامَ، في هذه الليلةِ ليلةِ عرفةَ، ما أحلَى اللقاءَ بأهلِ الفضلِ والعلمِ الذينَ يُؤنِسونَ هذا الأستوديو، في ضيافتِنا في الدقائقِ القادمةِ ـ بحولِ اللهِ عزَّ وجلَّ ـ فضيلةُ الشيخِ الأستاذُ الدكتورُ/ خالدُ بنُ عبدِ اللهِ المصلحُ، الأستاذُ بجامعةِ القصيمِ، والمشرفُ العامُّ على فرعِ الرئاسةِ العلميةِ للإفتاءِ في منطقةِ القصيمِ، حياكمُ اللهُ يا شيخُ.
الشيخُ خالدٌ: حياكمُ اللهُ أهلًا وسهلًا ومرحبًا، اللهُ يُحييك.
المقدمُ: كما نرحبُ أيضًا بفضيلةِ الشيخِ الأستاذِ الدكتورِ عليِّ بنِ عمرَ الصحيبانيِّ أستاذِ العقيدةِ جامعةِ القصيمِ.
الأستاذُ عمرُ: أهلًا وسهلًا اللهُ يحييك، حياكمُ اللهُ.
المقدمُ: نحنُ قبلَ ما نبدأُ كانَ أبو عبدِ الرحمنِ يُغرينا، عندَه خلطةٌ خاصةٌ، يقولُ: مسويها في شيءٍ خاصٍّ.
أبو عبدِ الرحمنِ: واللهِ للمشاهقِ الشيخ خالد ما شاءَ اللهُ عليهِ الآنَ...
المقدمُ: الشيخُ خالد يطلقُ عليهِ وش رأيكُم؟
الشيخُ: هذه بدايةٌ تجاريةٌ.
أبو عبدِ الرحمنِ: لا، لا، لا هذه للتعقيمِ يا شيخُ، الحج جزاكَ اللهُ خيرًا.
المقدمُ: هذه شرطٌ تطاقُ قبلَ عرفةَ يَعني؟!
أبو عبد الرحمن: لكنْ لا يعرفُها إلَّا مَن جرَّبها يا شيخُ [ضِحكٌ للجميعِ].
أبو عبدُ الرحمنِ: أنا مواظبٌ عليها مِن قبلُ.. ترَى يا شيخُ، شيءٌ طيبٌ الصراحةَ.
الأستاذ عمر: أبشِرْ بيعطينا رامس إنْ شاءَ اللهُ.
المقدم: حياكمُ اللهُ مشايخَنا الكرامَ، أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكُم، حياكمُ اللهُ، في هذهِ الليلةِ الناسُ كلُّها مستنفرةٌ، شيخُ خالدٌ، يومُ عرفةَ والاستعدادُ لهُ، سواءٌ أنَّ مَن كانَ هُنا اليومَ في صعيدِ منًى، وهوَ يتشوقُ ويستعدُّ ربما جسَديًّا ونفسيًّا، وأيضًا كما يُتابِعونَ خلفَ الشاشاتِ ما يسرَ اللهُ لهمُ الحجَّ، فأيضًا يُحاوِلونَ أنْ يستعِدوا نفسيًا ليومِ الغدِ، كيفَ يستعدُّ الإنسانُ ليومِ الغدِ.
الشيخ خالدٌ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على البشيرِ النذيرِ، والسراجِ المنيرِ نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمَعينَ، أمَّا بعدُ:
لا يخفَى أنَّ المؤمنَ يترقبُ مواسمَ الخيرِ، ويبحثُ عَن مواضعِ الفوزِ، والعاقلُ هوَ مَن بحثَ عَن مواطنِ الربحِ في تجارتِه معَ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ التجارةُ معَ اللهِ تجارةٌ لن تبورَ كما قالَ اللهُ ـ عزَّ وجلَّ ـ: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾[فاطر:29] يؤمِّلونَ ويطمَعونَ في تجارةٍ لا خسارةَ فيها، وهذا شأنُ كلِّ مَن عاملَ اللهَ ـ عزَّ وجلَّ ـ وصدقَ في الإقبالِ عليهِ، فإنهُ يَرجو ويطمعُ في تجارةٍ لا بوارَ فيها، إنما هيَ ربحٌ محضٌ سواءٌ في الدنيا أو في الآخرةِ، في الدنيا بما يفيضُه اللهُ ـ تعالى ـ على الطائعينَ المقبِلينَ عليهِ، الصادقينَ في الرغبةِ فيما عندَه مِنَ الفتوحاتِ، فإنَّ اللهَ ـ جلَّ في عُلاه ـ كريمٌ منانٌ إذا أقبلَ عليهِ العبدُ وجدَ منهُ عطاءً جزيلًا، يَكفي ما في الصحيحِ مِن قولِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ في الحديثِ الإلهيِّ حديثِ أبي هُريرَةَ: »إذا تَقَرَّبَ العبدُ إليَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعًا، وإذا تَقَرَّبَ إليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وإذا أتاني يَمشي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً«صحيح مسلم (2657) هَذا فضلُ اللهِ الغنيِّ عَنا، وعَن عبادتِنا وطاعاتِنا، يبشِّرُنا بأنَّ الإقبالَ بالقلبِ عليهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ مِن كلِّ أحدٍ سواءٌ كانَ حاجًّا أو غيرَ حاجٍّ، يجدُ مِنَ اللهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ فتوحاتٍ فيوضًا كراماتٍ هباتٍ.
هذهِ هيَ الفتوحاتُ، وهذه الأرزاقُ أولَ ما تباشرُ القلبَ فتسعدُه، وتمسحُ عليهِ مسحةَ الطمأنينةِ، وتُلبِسُه ثوبَ الانشراحِ، قالَ اللهُ ـ تعالى ـ: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28] والذكرُ هُنا بمفهومِه العامِّ الذي يشملُ الفعلَ لكلِّ طاعةٍ سواءٌ كانَتْ قوليةً، أو عمليةً، ظاهرةً، أو باطنةً، ويقولُ اللهُ ـ جلَّ وعَلا ـ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾[الأنعام:125]، وقدِ امتنَّ اللهُ على رسولِه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ بشرْحِ الصدرِ ثُم بيَّنَ الأسبابَ: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ[1] وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ[2] الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ[3] وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾[الشرح:1-4] ثُم قالَ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾[الشرح:5] بعدَ أنْ ذكرَ جملةً مِنَ العَطايا بشَّرَ بالفرجِ، وبشرَ بهِ مؤكِّدًا ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [5] إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾[الشرح:5-6]، ثُم ذكرَ الطريقَ الذي تحصلُ بهِ تلكَ الفضائلُ، قالَ: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ[7] وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾[الشرح:7-8]، فطريقُ تحقيقِ كلِّ هذه الهباتِ والعَطايا هوَ شرحُ الصدرِ، هو سلوكُ طريقِ العبوديةِ.
إذًا: المؤمنُ يفرحُ بإدراكِ هذا الموسمِ، هذا الموسمُ شريفٌ بكلِّ لحظاتِه، من أولِ العشرِ إلى آخرِها »ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّامِ العشرِ« سنن أبي داود(2438)، وسنن الترمذي (757) لكنْ أيضًا هذه العشرُ كما ميزَها اللهُ بينَ أيامِ السنةِ، ميزَ اللهُ يومَ عرفةَ ويومَ العيدِ بينَ أيامِ العشرِ، وذلكَ فضلُ اللهِ وهوَ أعلمُ ـ جلَّ وعَلا ـ بمواطنِ الفضلِ.
يومُ عرفةَ منزلتُه في كونِه أحدَ الأيامِ العشرِ، ومِن منزلتِه أيضًا كما جاءَ في بعضِ الأحاديثِ أنهُ خيرُ يومٍ طلعَتْ فيهِ الشمسُ، خيريةٌ بالنظرِ إلى الأيامِ، وبالنظرِ إلى أيامِ السنةِ كلِّها، ميزَه اللهُ ـ تعالى ـ بهبةٍ عظمَى، وخِصيصةٍ قدريةٍ كُبرَى، وهوَ أنه اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيهِ للبشريةِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:3]، هذه الآيةُ نزلَتْ على رسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ وهوَ بعرفةَ واقفٌ كما قالَ اليهوديُّ لعمرَ بنِ الخطابِ: آيةٌ نزلَتْ علَيكم معشرَ المسلمينَ لو نزلَتْ عَلَينا أهلَ الكتابِ لاتخذْنا ذلكَ اليومَ عيدًا، ثُم قالَ: ما هي؟ قالَ: اليومَ أكملْتُ لَكم، نعمٌ، بُشرَى عظمَى.. اليومَ أكملْتُ لكُم دينَكُم، كمالٌ والكمالُ لا نقصَ بعدَه، وأتممْتُ علَيكُم نعمَتي، وليسَ فقطْ كمالًا بل إتمامٌ، والإتمامُ منتهَى الغايةِ في الكمالِ الذي لا فوقَه شيءٌ، ورضيتُ لكُمُ الإسلامَ دينًا، أتممتُ عليكم نِعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دينًا.
هذا اليومُ قالَ فيهِ عمرُ ـ رضيَ اللهُ تعالَى عنهُ ـ: واللهِ أني لأعلمُ أيَّ ساعةٍ نزلَتْ، وأينَ نزلَتْ، نزلَتْ على النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ في يومِ الجمعةِ وهوَ واقفٌ بعرفةَ، فهوَ مِن سماتِ هذا اليومِ ومزاياهُ وخصائصِه القدريةِ أنَّ اللهَ أكملَ فيهِ هذا الدينَ الذي تتفيأُ البشريةُ خيراتِه، وتتنعمُ بمحاسنِه منذُ أنْ بعثَ اللهُ ـ تعالى ـ محمدَ بنَ عبدِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ إلى يومِنا هَذا.
مِن خصائصَ هذا اليومِ ومما يستوجبُ العنايةَ بهذا اليومِ أنهُ يومُ العتقِ مِنَ النارِ، والناسُ تذكرونَ يا إخواني في رمضانَ لمَّا تحدثَ المتحدِّثونَ عَنِ العتقِ في رمضانَ، ويَدعوا الداعونَ: اللهُم اجعَلْنا مِن عُتقائِك مِنَ النارِ، في كلِّ ليالي رمضانَ يَدعونَ هَذا الدعاءَ؟ في يومِ عرفةَ، العتقُ أعظمُ مِن عتقِ رمضانَ، «لم يُرَ يومٌ أكثرُ عِتْقًا مِن النَّارِ مِن يومِ عرفةَ»صحيح مسلم (1348) كما في الصحيحِ.
المقدم: للحاجِّ ولغيرِ الحاجِّ؟
الشيخُ: طبعًا للعمومِ، وهذا فضلٌ لا يختصُّ الحجاجَ.
المقدمُ: بعضُ الناسِ يظنُّ القَضايا لكلِّ أمرٍ يختصُّ بالحاجِّ...
الشيخ: هذا الآنَ لم نتكلمْ عَن شيءٍ يتعلقُ بالحجيجِ، كلُّ ما تقدمَ مِن فضلِ هذا اليومِ بالنظرِ للعشرِ، وبالنظرِ إلى أنهُ خيرُ يومٍ طلعَتْ فيهِ الشمسُ، وبالنظرِ إلى أنهُ يومُ كمالِ الدينِ، هذهِ ما لها علاقةٌ بالحجيجِ، هذا فضلٌ يتعلقُ باليومِ يتفيأُ بركاتِه وخيراتِه أهلُ الإسلامِ في كلِّ مكانٍ ومنهُ العتقُ مِنَ النارِ، فما مِن يومٍ أكثرَ مِن أنْ يُعتقَ اللهُ فيهِ عبدًا مِنَ النارِ مِن يومِ عرفةَ، ولمَّا يخبرُ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ بهذا الخبرِ فهو يشحَذُ النفوسَ للتعرضِ لهذا الفضلِ يعني خاسرٌ مَن يمرُّ علَيهِ يومُ عرفةَ ولم يفُزْ بعتقٍ.
ولذلكَ السؤالُ الذي يَنبغي أنْ نشغلَ أنفسَنا جميعًا بهِ: هلْ نحنُ قدْ تأهَّلْنا للعتقِ مِنَ النارِ؟ العتقُ مِنَ النارِ كيفَ يكونُ؟ يكونُ بصدقِ التوحيدِ للهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ والاجتهادِ وصدقِ الرغبةِ فيما عندَ اللهِ بأنْ يخرجَ الإنسانُ مِن خطاياهُ نادمًا عليها، ويرغبُ مِنَ اللهِ التوبةَ، ويرغبُ مِنَ اللهِ العفوَ، ويرغبُ مِنَ اللهِ الإعانةَ على صالحِ العملِ.
السيرُ إلى اللهِ سيرُ قلوبٍ وليسَ سيرَ أبدانٍ، بعضُ الناسِ يتصوَّرُ يقولُ: لازمْ تروحُ إلى مكانٍ فيهِ عناءٌ ومشقةٌ حتى تدركَ فضلَ اللهِ، فضلُ اللهِ بالتأكيدِ لهُ أسبابٌ؛ لكنْ أسبابُه الأولَى ومفتاحُ هذه الأسبابِ هذا الفؤادُ أن يُقبِلَ على اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ ويصدُقَ في الرغبةِ فيما عندَه، فمَن صدقَ اللهَ صدقَه اللهُ، فالسفرُ إليهِ سفرُ القلوبِ كما قالَ ابنُ رجبٍ ـ رحِمَه اللهُ ـ: قطعُ المسافةِ إلى اللهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ في السفرِ إلَيهِ، قطعُ المسافةِ بالقَبولِ إليكَ، لا بالسيرِ فوقَ مقاعدِ الركْبانِ.
لاتُقطَعُ المسافةُ إلى اللهِ فوقَ بعيرٍ، ولا فوقَ طائرةٍ، ولا فوقَ صاروخٍ، تقطَعُ المسافةُ بقلبٍ مقبلٍ على اللهِ، صادقٍ في الرغبةِ فيما عندَه، فإنهُ يُدرِكُ خيرًا عظيمًا.
مِن فضائلِ هذا اليومِ أيضًا وهيَ ليسَتْ خاصةً بالحجيجِ أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ سُئلَ عَن صيامِ عرفةَ قالَ: «صيامُ يومِ عرفةَ إنِّي أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبْلَه والسَّنةَ الَّتي بعدَه»صحيح مسلم (1162)، وهذا فضلٌ مِنَ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ أنهُ يَعني خَطايا سنةٍ كاملةٍ تُحَطُّ عنكَ بصيامِ يومٍ.
المقدمُ: سنةً قبلُ وسنةً بعدُ.
الشيخُ خالدٌ:سنةً قبلَه وسنةً بعدَه، فضلُ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ واسعٌ فينبَغي للمؤمنِ أنْ يجدَّ ويجتهدَ في النيلِ مِن أسبابِ التكفيرِ وحطِّ الخَطايا، فليسَ حطُّ الخَطايا فقطْ للحجاجِ؛ بلْ حتى للذينَ في بيوتِهم، وهذا مِن فضلِ اللهِ على عبادِه أنَّ اللهَ ـ سُبحانَه وبحمدِه ـ يتفضَّلُ على الناسِ حتى مَن كانَ في بيتِه ولم يغادِرْ محلَّه، وفي أولادِه، وفي مكانِه وشُغلِه وعملِه يجِدُ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ فضلًا وعطاءً.
المقدم: شيخُ عليٌّ يمكنُ الحجاجُ في الموقفِ في عرفاتٍ لدَيهم أعمالٌ كثيرةٌ ينشغِلونَ بها، لكنْ ماذا يمكنُ أنْ يفعلَ غيرُ الحاجِّ؟ يعني في هذا اليومِ العظيمِ ما هيَ أهمُّ الأعمالِ التي يَنبغي أنْ يقومَ بها ويتهيأَ لهذا اليومِ في يومِ الغدِ؟ يمكنُ أكثرُ مِن يُشاهِدُنا يَعني...
الشيخُ علي: الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهُ، وبعدُ...
ذكرَ الشيخُ حقيقةً كلامًا جميلًا، ونستفيدُ مما ذكرَه الشيخُ أنَّ جميعَ الشرائعِ التي فرَضها اللهُ ـ سبحانَه وتعالَى ـ وبيَّنها هيَ لتَقواهُ، فجميعٌ مِن صيامٍ، ومِن حجٍّ، ومِن أعمالٍ هيَ لتقوَى اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ والتقوَى دائمًا يكونُ محلُّها القلبَ، وإذا الإنسانُ اتقَى اللهَ ـ سبحانَه وتعالَى ـ تحركَ هذا القلبُ لطاعةِ اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ تحركَ هَذا القلبُ؛ ولهذا كما أخبرَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «ألَا إنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلَحتْ صلَحَ لها سائرُ الجسدِ وإذا فسَدَتْ فسدَ لها سائرُ الجسدِ ألَا وهيَ القلبُ»صحيح البخاري (52) فالقلبُ هوَ المحركُ والذي يشعُّ نورُه لهذا الجوارحِ لكي تعملَ.
ولذلكَ لمَّا يعرِّفُ أهلُ السنةِ الإيمانَ: قولٌ باللسانِ، واعتقادٌ بالقلبِ، وعملٌ بالأركانِ، فتجدُ هذا الإيمانَ الذي يكونُ في القلبِ يتبينُ على الأركانِ، ويعملَه الإنسانُ، ويُقبِلُ على اللهِ ـ سبحانَه وتعالَى ـ لكِنَّ الأساسَ في كلِّ هذهِ الأعمالِ هوَ تقوَى اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ ولهذا عندَما نقرأُ في الصيامِ مثلًا صيامِ يومِ عرفةَ كُتِبَ عَلَينا الصيامُ، لماذا؟
لعلَّكُم تتقونَ، وكذلكَ أيضًا في الحجِّ، أعمالُ الناسِ في الحجِّ يُذكَرُ فيها: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾[البقرة:197]، وغيرِها مما يذكرُ اللهُ ـ سبحانَه وتعالَى ـ في التقوَى.
فكلُّ الأعمالِ ينبَغي أنْ نفهمَ مِن ذكْرِ اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ ومِن طاعتِه، ومِن صيامٍ وغيرِه تصبُّ في منحًى واحدٍ وهوَ تقوَى اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ والتقوَى بتعريفِها أنْ تجعلَ بينَك وبينَ عذابِ اللهِ وقايةً في كلِّ ما تَأتي وما تذرُ، فما تتكلمُ بكلمةٍ إلَّا وأنت تراقبُ اللهَ فتصدقُ في كلامِك، في مواعيدِك، وفي أعمالِك، وفي ذهابِك، وفي إيابِك، كلُّه تجعلُه للهِ ـ جلَّ وعَلا ـ مُريدًا بهِ وجهَ اللهِ ـ سبحانَه وتعالَى ـ وأيضًا لأجلِ أنْ يقرِّبَك إلى اللهِ ـ سبحانَه وتعالى ـ وهَذا مِن أهمِّ الأشياءِ.
ولهذا يقولُ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[المائدة:27]، فالأساسُ هوَ التقوَى، ولهَذا معَ الأسفِ في كثيرٍ يعني مِن بعضِ العباداتِ التي نَأتيها قدْ نهتمُّ بجانبِ الحركاتِ والجوارحِ تعملُ وهَذا طيبٌ؛ لكنْ ليسَ أثرُ ذلكَ على قلوبِنا، ولهَذا الأيامُ العشرُ ذكرَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: "فأكثِروا فيهِنَّ مِنَ التهليلِ والتكبيرِ"مسند الإمام أحمد (5446)، وهذه كلُّها الطاعاتُ وذكرُ اللهِ.
المقدم:كأنَّها تهيئةٌ لهذا القلبِ.
الشيخُ عليٌّ: لأجلِ أنْ يكونَ قلبًا مُتقيًا، فأنتَ انظرْ حقيقةَ موقفِ قلبِك مِن هذه الأعمالِ يتبيَّنْ صِدقُك، وصدقُ إيمانِك يعني ليسَ مِنَ الصحيحِ أنَّ الإنسانَ يقولُ: أنا أنهيتُ الحجَّ، ثُم بعدَ الحجِّ يكذبُ.. ما عندَه مشكلةٌ أو يخلفُ أو يعملُ أشياءَ منكرةً، فإذًا لم يكنْ لهذه الأعمالِ العظيمةِ أثرٌ على قلبِك، فأهمُّ ما يكونُ في هذا كلِّه أنْ تبحثَ عَن أثرِ هذا العملِ في القلبِ.
ولهذا لما يكونُ الإنسانُ قلبُه طاهرٌ وقويٌ عندَما يرفعُ يدَيهِ إلى اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ يجدُ يعني الشوقَ إلى هذا الدعاءِ، والمحبةِ، والقربِ مِنَ اللهِ ـ سُبحانَه وتعالى ـ لأنهُ قربةُ مسافةٍ ما بينَه وبينَ اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ بهذه التقوَى، وبهذا الإيمانِ، وبهذه الطاعةِ.
ومِن أهمِّ الأعمالِ وإنْ كانَ السؤالُ خاصًّا بما يعمَلُه غيرُ الحاجِّ في يومِ عرفةَ فهوَ الصيامُ، ولا يعني حقيقةً هيَ أيامٌ معدودةٌ، ساعاتٌ معدودةٌ، يومٌ ويكفَّرُ فيهِ سنتانِ، وهذا فضلُ اللهِ ـ سُبحانَه وتعالى ـ كما أشارَ الشيخُ خالدٌ، كذلكَ أيضًا هذا اليومُ لا يضيعُ على الإنسانِ، يحرصُ على الذكرِ، يحرصُ على الدعاءِ، الدعاءُ مِن أهمِّ الأمورِ التي نغفُلُها، بابُ اللهِ ـ سبحانَه وتعالى ـ مفتوحٌ، فمتَى ما تضرعَ الإنسانُ ودعا ولو كانَ غيرَ حاجٍّ، قدْ يُعطيهِ ـ سبحانَه وتعالى ـ أجرًا مَن حجَّ ويتقبلُ دعاءَه.
ولهذا مهمٌّ أنْ يعرفَ الإنسانُ قدرَ هذا اليومِ، وقدرَ هذه الأيامِ خاصةً، يومُ عرفةَ، لأنهُ فيهِ أجرُ دنوِّ اللهِ ـ سبحانَه وتعالى ـ مِن خلقِه، يغفرُ لهم كما ذكرَ الشيخُ سواءٌ كانَ منَ الواقِفينَ في عرفةَ أو غيرِهم مِنَ الناسِ، فكذلكَ يَنبغي للإنسانِ أنْ يحرصَ كلَّ الحرصِ ألا تفوتَ دقائقُ أو ساعةٌ مِن هذا اليومِ إلا يسرَه اللهُ بطاعَتِه.
سائلٌ: قضيةُ أن لو طلبَ مِنَ الحاجِّ قالَ: ودي ببرنامج، الشيخُ عليٌّ قالَ: لا يفوتُ عليكَ هذا اليومُ دقائقُه، لكنْ يريدُ برنامجًا مِن صلاةِ الفجرِ إلى -مثلًا- أذانِ المغربِ قبلَ أنْ يدلِفَ إلى المزدلفةِ، يريدُ برنامجًا إيمانيًا حتى يضمنَ أنهُ استفادَ مِن هذا اليومِ.
الشيخُ خالدٌ: واللهِ ما يحصلُ الآنَ مِن مجيءِ الحجاجِ، مجيئِهم إلى هذه البقعةِ هو تهيئةٌ إلى يومِ غدٍ، يعني النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ جاءَ مِن ظهرِ هذا اليومِ وصلَّى الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفجرَ، كلُّ هذا عملٌ مسنونٌ باتفاقٍ، على أنهُ ليسَ واجبًا ولا فرضًا لو لم يأتِ بهِ الحاجُّ، ما أثَّرَ على صحةِ حجِّه، نقَصَ أجرُ السنةِ لكن لم يؤثرْ على صحةِ حجِّه، لماذا هذا المجيءُ؟
لتتهيأَ القلوبُ ونقولُ: إنَّ القلبَ كونُه مفتاحَ الأجرِ في العملِ الصالحِ هو مفتاحُ الزيادةِ في الفضلِ، هو الذي ينبغي أنْ يُفتِّشَ عليهِ الإنسانُ بعدَما يفرُغُ مِنَ العبادةِ، أي ما الذي زادَ في قلبِه بعدَ هذه العبادةِ، لأنهُ أحيانًا تجدُ أنَّ الواحدَ يصومُ مثلًا، طيب صامَ وصَلَّى وفعلَ الطاعاتِ والعباداتِ، لكنْ يغيبُ عنهُ أنهُ ما أثرُ هذا في قلبِه، ما الذي... هل زادُ إيمانُه؟ هل زادتْ تقوايَ؟ هلْ تخففْتُ مِنَ الخَطايا؟ هل هناكَ اعوجاجٌ وعدمُ استقامةِ في عَملي فقوَّمْتُه؟
هذا مهمٌّ جدًّا فنقولُ: الذي يَنبغي للمؤمنِ هوَ أنْ يعرفَ فضلَ اليومِ سواءٌ أكانَ حاجًّا أو غيرَ حاجٍّ، وإذا عرفَ فضلَ اليومِ سعَى لتكميلِه، والشريعةُ جاءَتْ بتهيئةِ النفوسِ للطاعاتِ «بيْنَ كُلِّ أذانَيْنِ صَلاةٌ، بيْنَ كُلِّ أذانَيْنِ صَلاةٌ، ثُمَّ قالَ في الثَّالِثَةِ: لِمَن شاءَ»صحيح البخاري (624)، وصحيح مسلم (838) كما قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ لماذا؟
حتى إذا دخلَ الفرضَ يكونُ قدْ تهيأَ بالنافلةِ التي قبلُ، النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ في الصيامِ كانَ يصومُ شعبانَ حتى إذا جاءَ رمضانُ يكونُ قدْ تهيأَ، المؤمنُ يأتي في الحجِّ إلى الترويةِ حتى يتهيأَ لعرفةَ لأنهُ اليومُ الذي فيه الهباتُ والعَطايا، وهو اليومُ الذي قالَ فيهِ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «الحَجُّ عرَفةُ»سنن الترمذي (889).
أما البرنامجُ العمليُّ سواءٌ للحاجِّ ولغيرِ الحاجِّ، أنا اليومَ اطلعتُ على كتابةٍ في بعضِ المنشوراتِ في شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ، يعني نُعطي برنامجًا مفصَّلًا، تقومُ قبلَ الفجرِ، تُصلِّي ركعتَينِ، تتسحرُ، يعني هذا البرنامجُ العمليُّ حقيقةً يمكنُ أنْ يُوصَى بهِ، لكنَّ الالتزامَ بخطواتٍ معينةٍ، أفعلُ كذا، أقرأُ أو لا أقرأُ فيهِ يعني الاقتراحُ لكَ ليسَ إلزامًا؛ لأنَّ الإنسانَ يلزمُ مِنَ العملِ ما يجدُ صلاحَ قلبِه فيهِ، وهذه مسألةٌ مهمةٌ؛ لأنه أنا ما هو بلازمٍ أقرأُ قرآنًا، إذا كانَ صلاحُ قلبي -مثلًا- في الذكرِ، في -مثلًا- خدمةِ المساكينِ، في صلةِ الأرحامِ، الإنسانُ يبحثُ عَن صلاحِ قلبِه هذا في كلِّ العباداتِ، أنا أتكلمُ عَن غيرِ الفرائضِ، أتكلمُ على التطوعاتِ التي نندبُ الناسَ إلَيها، كلٌّ يبحثُ عما يُصلِحُ قلبَه والناسُ يتَفاوتونَ بهذا تفاوتًا كبيرًا.
يعني الضابطُ ما العبادةُ التي إذا فرغْتَ منها وجدْتَ...
المقدمُ: ترتاحُ فيها؟
الشيخ خالد: ما هو بترتاح؛ لأنَّ -أحيانًا- الإنسانَ يتذوقُ وجدَه، لا أنا أتكلمُ عَن أثرِ ذلكَ في قلبِه، يعني مِنَ الناسِ مَن إذا تصدقَ... خشوعٌ، زيادةُ إيمانٍ، قربٌ مِنَ اللهِ، حضورُ قلبٍ، إخلاصٌ، كلُّ هذهِ المعاني تتعلقُ بالقلبِ، فإذا وجدَ قلبَه في الذكرِ، إذا وجدَ قلبَه في الصدقةِ، إذا وجدَ قلبَه في تلاوةِ القرآنِ، إذا وجدَ قلبَه في طلبِ العلمِ، إذا وجدَ قلبَه في بِرِّ الوالِدَيْنِ، في صلةِ الأرحامِ، في غيرِ الواجباتِ ينبَغي أن يلزمَ ذلكَ.
فلذلكَ الإمامُ أحمدُ لما سألَه رجلٌ قالَ: أُصلِّي خلفَ فلانٍ، يعني وش رأيك؟
يعني ما فيهِ فرقٌ، الجماعةُ تحصلُ بالصلاةِ خلفَ زيدٍ، وعبيدٍ، وبكرٍ، الآنَ الكلُّ واحدٌ لكنَّه قالَ: أُصلي خلفَ فلانٍ، قالَ: انظرْ إلى ما هو أصلحُ لقلبِك فالزَمْه. هذا المعنَى الدقيقُ هو الذي ينبغي أنْ نتنبهَ لهُ.
يا إخواني نحنُ يعني إذا نظَرْنا إلى الأعمالِ الصالحةِ، أحيانًا ننساقُ وراءَ عملٍ صالحٍ يعني لأجلِ الناسِ يفعلونَه، صيامُ يومِ عرفةَ ما نتذوقُ الصيامَ لكنَّ الصائمينَ يصومونَ، ما يخالفُ هذا عملٌ صالحٌ وخيرٌ، واقتداءٌ بالناسِ في الخيرِ، يعني إنْ أحسنَ الناسُ فأحسِنْ معَهم.
طيب لكنْ أنا معَ هذا ينبغي أنْ أبحثَ عَن آثارِ الأعمالِ الصالحةِ في قلبي، هذا اليومُ المباركُ يعني المشروعُ الأكبرُ فيهِ الذي يَنبغي ألا يغيبَ هوَ ذكرُ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ قولُ اللهِ تعالَى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾[الحج:28]، والنبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ لما قالَ: »ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ«سنن أبي داود(2438)، وسنن الترمذي (757)، قالَ: "فأكثِروا فيهِنَّ مِنَ التحميدِ والتكبيرِ والتهليلِ"مسند الإمام أحمد (5446)، هذا عملٌ ما يعجزُ عنهُ أحدٌ حتى المريضُ على فراشِه ما يعجزُ أنْ يقولَ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، الله أكبر، الله أكبر، ما تحتاجُ تجيبُ صيغَ غيرِ هذه كبِّرْ متواليًا فأنتَ اشتغلْتَ بالذكرِ، أو سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ واللهُ أكبرُ، وما إلى ذلكَ مِن صيغِ التكبيرِ والذكرِ.
المقدمُ: الذكرُ أفضلُ أمِ الدعاءُ؟ ولا أيضًا قضيةُ حضورِ القلبِ؛ لأنَّ بعضَ النصوصِ "خيرُ الدعاءِ، الدعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قالَه النبيُّونَ قَبلي لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ"سنن الترمذي (3585)، هلْ هذا دعاءٌ أم ذكرٌ يا شيخُ أحسنتَ؟
الشيخُ خالدٌ: هُنا الدعاءُ هوَ استجلابٌ وطلبٌ، المذكورُ هنا ليسَ سؤالًا إنما هوَ ثناءٌ على اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ وهذا نوعٌ مِنَ الدعاءِ يُسميهِ العلماءُ دعاءَ العبادةِ، وهوَ أنْ تذكرَ اللهَ تمجيدًا، أنت لما تقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، تطلبُ ماذا؟
الجنةَ، تطلبُ رِضاه، تُثبِتُ حقَّه ـ سُبحانَه ـ وهذا مفتاحٌ مِن مفاتيحِ الجنةِ: «مَن كانَ آخرُ كلامِه لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، دخلَ الجنَّةَ»سنن أبي داود (3116)،فالآنَ الذكرُ هُنا ليسَ بسؤالٍ وطلبٍ إنما هوَ بتمجيدِ اللهِ، فقد جاءَ في المسندِ مِن سننِ أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ: يقولُ اللهُ -عزَّ وجَلَّ-: «مَن شغَلَه ذِكري عَن مَسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أُعطِي السائِلينَ»سنن الترمذي (2926).
يعني هوَ يقولُ: لا إلهَ إلا اللهُ، وده يطلبُ مثلًا ولدًا، وظيفةً، زوجةً، تفريجَ كربةٍ، لكنْ باشتغالِه بالذكرِ امتلأَ قلبُه ثناءً على اللهِ، فلا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ حتى انشغلَ بالثناءِ عَنِ السؤالِ، فهذا موعودٌ بماذا؟
ذكرَه النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ:«مَن شغَلَه ذِكري عَن مَسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أُعطي السائلينَ»سنن الترمذي (2926)، يُعطيك اللهُ خيرَ ما تتمنَّي، أفضلَ مما تريدُ وفضلُ اللهِ واسعٌ إذا صدقَ العبدُ.
المقدم: مثلًا أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها.
الشيخُ خالدٌ: ومثله أيضًا حديثُ أبيٍّ في الصلاةِ على النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: «إذًا تُكفَى همَّكَ، ويُغفَرُ لك ذنبُكَ»سنن الترمذي (2457)، فعطاءُ اللهِ واسعٌ، وقدْ قالَ رجلٌ لأميةَ بنِ أبي الصلتِ، أبيُّ بنُ أبي الصلتِ مدحَ عبدَ اللهِ بنَ جدعانَ، فقالَ: أأذكرُ حاجَتي أم قدْ كَفاني حباءَكَ يعني عَطاءَك، إنَّ شيمَتَك الحِبَى.
يعني أنا أقول لكَ ماذا أريدُ ولا أكتَفِي بعَطاياكَ فأنتَ صاحبُ عطايا وهباتٍ، هذا يقولُ الأوزاعيُّ: إذا كانَ هذا في خطابِ العبدِ فكيفَ بخطابِ الربِّ الذي لا تنقطعُ نعمُه، ومِننُه، وهِباتُه، وإحسانُه؟!
لهذا نقولُ: نشتغلُ بالذكرِ، واسألِ اللهَ حوائجَك، غدًا يومُ عطاءٍ وهباتٍ؛ ولذلكَ حتى غيرُ الحجاجِّ، جاءَ في المنقولِ عَنِ ابنِ عباسٍ أنه في عشيةِ عرفةَ كانَ يجدُّ في الدعاءِ والسؤالِ، صحَّ أنَّ هذا ليسَ عليهِ دليلٌ؛ لكنْ إذا كانَ اجتهادُ صحابيٍّ، فإذا فعلَه الناسُ بناءً على الاجتهادِ فلا حرجَ، ولاسيما الصائمُ، فللصائمِ دعوةٌ مجابةٌ عندَ فطرِه كما جاءَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ.
المقدمُ: الآنَ بالنسبةِ للدعاءِ، الجوالاتُ امتلأَتْ أدعيةً، طلبًا مِن أهلِ الديارِ الأخرَى غيرِ هذهِ الديارِ الطيبةِ والبلادِ والوقوفِ بعرفةَ وهكذا طلبٌ بالدعاءِ الخاصِّ، فهلْ فعلًا الدعاءُ غدًا في عرفةَ في هذا المكانِ سواءٌ أنَّ للمحرمِ أو غيرِ المحرمِ مزيةً خاصةً؟ وهلْ هَذا الدعاءُ هُنا يستجابُ لدرجةٍ أعلَى مِن دعاءِ الصائِمينَ في أماكنِهم حيثُ كانوا في هذهِ المنطقةِ أو في تلكَ المنطقةِ؟
الشيخُ خالدٌ: مسألةُ الاستجابةِ هذه لا شكَّ أنَّ عِلمَها عندَ اللهِ ـ سُبحانَه وتعالى ـ فأنَّ اللهَ ـ سبحانَه وتعالى ـ يستجيبُ لمَن هو في بيتِه، وقدْ يُحرَمُ مَن هو واقفٌ بعرفةَ في أمرٍ مِنَ الأمورِ، لكنَّ اللهَ ـ سُبحانَه وتعالى ـ كريمٌ يستجيبُ، لكنْ مسألةُ التوصياتِ طيب أنَّ الإنسانَ يباعدُ، ولذلكَ نقولُ: اللهُمَّ اغفِرْ للمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنينَ والمؤمناتِ، الأحياءِ منهُم والأمواتِ. فالدعاءُ العامُّ أحيانًا وأيضًا مَهْما خصيتَ مَن... عمومًا إنسانٌ عندَ المصيبةِ ملكٌ يقولُ: ولكَ بالمثلِ أنت لن تخسرَ، وهذا دليلٌ على صدقِ المحبةِ لهذا الشخصِ فتقولُ: اللهُم اغفِرْ لفلانٍ، اللهُم وفِّقْه.
وأحيانًا قدْ تراهُ على أمرٍ لا تريدُ أنْ تصارِحَه ولكنْ تَدعو أنَّ اللهَ يُبعِدُه عَن هذا الأمرِ، وأنْ يفرجَ عنهُ كربَه، فنقولُ: إنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى لا يضيعُ أجرًا، فيجعلُ لكَ مِنَ الأجرِ مثلَ هذا، ولكَ بالمثلِ. فالدعاءُ طيب أنَّ الإنسانَ يجعلُ نظرتَه واسعةً، ومغفرةُ اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ عظيمةٌ يا أخي، والدعاءُ للمسلمينَ، ودائمًا يا إخواني يومُ عرفةَ يومُ موقفٍ عظيمٍ، واجتمعَ الناسُ مِن سائرِ البلادِ مِن شرقِها وغربِها، وألَّا نفتخرَ بأنفُسِنا نحنُ ونظنُّ أننا أهلُ هذه...
لا، ففيهِ مَن قطعَ المسافاتِ، وبذلَ جميعَ مالِه لأجلِ أن يحضُرَ هذه الحجةَ، وفعلَ ما فعلَ، فتجدُ يعني تحتقرُ نفسَك عندَهم حقيقةً، فحبَّذا لو ننشرُ بينَ الناسِ الدعاءَ للأمةِ الإسلاميةِ، الدعاءَ لعامةِ المسلمينَ، الدعاءِ بأنْ يَلطُفَ بأحوالِ المسلِمينَ في كلِّ مكانٍ، الدعاءُ بنصرةِ الحقِّ، الدعاءُ بتأليفِ القلوبِ، فهذهِ مِنَ المعاني التي ينبَغي للإنسانِ ألَّا يغفُلَ عَنها، فقدْ تكونُ سببًا في أن يتقبلَ اللهُ سبحانَه وتعالى.
المقدم: على طريقةِ التغريداتِ، الوقتُ يسرقُ الإنسانَ مِن تغريداتٍ ختاميةٍ توصونَ بها شيخُ خالدٌ وشيخُ عليٌّ، نختِمُ بها لقائَكم المباركَ اللهُ يعِزُّكم بالخيرِ؟
الشيخُ خالدٌ: واللهِ أنا أقولُ فرصةٌ أنْ تدركَ يومَ عرفةَ، حاجًّا أو غيرَ حاجٍّ فلا تفوِّتْ هذه الفرصةَ بلا فوزٍ وعطاءٍ فإنهُ يومُ حطِّ الخَطايا والعتقِ مِنَ النيرانِ، أسألُ اللهَ أنْ يُبلِّغَني وإياكُم مرضاتَه، وأنْ يُعينَنا وإياكُم على ما يُبلِّغُنا جنتَه اللهُم آمينَ.
الشيخُ عليٌّ:يعني فقطْ لأهلِنا وإخوانِنا الذينَ لم يتيسَّرْ لهمُ المجيءُ إلى هذا المنسكِ العظيمِ فلا يَنسَوا يومَ عرفةَ غدًا، فلا ينسوا بالدعاءِ والصيامِ والتقربِ إلى اللهِ ـ سبحانَه وتعالى ـ فقدْ يُدرِكونَ أجرَ الحجيجِ وأكثرَ بدعائِهم وتوجُّهِهم إلى اللهِ ـ سُبحانه وتعالى ـ وقربِهم مِنَ اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ باركَ اللهُ فيكُم.