×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / فضائيات / متى تحفظ لسانك

مشاركة هذه الفقرة Facebook Twitter AddThis

تاريخ النشر:29 شوال 1443 هـ - الموافق 31 مايو 2022 م | المشاهدات:8093

المقدمُ: صاحبَ الفضيلةِ، نلحظُ تساهلَ الكثيرينَ يا شيخُ فيما يَقولون، يعني فقدْ تساهَلوا تساهلًا ملحوظًا فيما يقولونَ، فيما يكتُبونَ، نسمعُ في المجالسِ ونقرأُ في مواقعِ التواصلِ ما تتفطَّرُ لهُ القلوبُ وتذوبُ حسرةً وألَمًا، اتهاماتٌ وعباراتٌ مقيتةٌ، هناكَ مَن يُغذِّي هذا الأمرَ يا شيخُ ويشعِلُ نارَ الفتنةِ، وأصبحتْ هناكَ قطيعةٌ وتباغضٌ وتباعدٌ، ويسعَونَ أيضًا إلى تفتيتِ هذه اللُّحمةِ التي نعيشُها وللهِ الحمدُ، سبٌّ وشتمٌ وقذفٌ كأننا لنْ نُحاسَبَ على مثلِ هذا، ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18]، يعني حتى إنها تكادُ تكونُ هذهِ مألوفةً عندَ الكثيرينَ، كثرةُ ما نقرأُ ونسمعُ، توجيهَكُم حفِظَكمُ اللهُ.

الشيخُ: الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيهِ، وأُصلِّي وأسلِّمُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، إمامِ المتقينَ نبيِّنا محمدٍ وعَلَى آلِه وأصحابِه أجمعينَ، أمَّا بعدُ:

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، تحيةً طيبةً للإخوةِ والأخواتِ والمشاهدينَ والمشاهداتِ، والحقيقةُ هذه القضيةُ قضيةُ اللسانِ وما يصدرُ عنهُ قضيةٌ ذاتُ بالٍ، لا يهتمُّ لها كثيرٌ مِنَ الناسِ؛ لأنهُم كما قالَ بعضُ السلفِ: لا يعُدُّونَ الكلامَ مِن عملِهم، عندَما لا تعدُّ كلامَك وقولَك مِن عملِك فلنْ تحفظَ لسانَك؛ ولذلكَ تجدُ أنَّ مِنَ الناسِ مَن يطلِقُ لسانَه في كلِّ شاردةٍ وواردةٍ، ويطلقُ لسانَه على مستوَى الأفرادِ وعلى مستوى الجماعاتِ، وعلى مستوى الأقوامِ والأُممِ، وهلُمَّ جرًّا دونَ حسابٍ ولا رقيبٍ، كأنهُ لن يُسألَ عما يقولُ، وليسَ ثمةَ ما يصدُرُ عنِ الإنسانِ من قولٍ إلَّا وهوَ في قيدٍ لن يغيبَ عَنِ الحسابِ، قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18].

كل ما يصدُرُ عَنِ الإنسانِ مِن أقوالٍ وكلماتٍ بالتأكيدِ إنها مُسجَّلةٌ، وإذا كانَ الأئمةُ مِن سلفِ الأمةِ كما ذُكرَ عنِ الإمامِ أحمدَ -رحِمَه اللهُ- قيلَ لهُ: إنَّ طاوسَ يقولُ: إنهُ يُكتَبُ على الإنسانِ كلُّ شيءٍ حتى الأنينَ، فتوقفَ خشيةَ أنْ يجدَ في صحيفتِه ما يكرهُ.[تفسير ابن كثير(3/373)]

كيفَ ونحنُ نشهدُ ذاك الذي انتهكَ الحدودَ، وتسوَّرَ الحرماتِ، وتجاوزَ المحرماتِ بوقيعتِه في فلانٍ وفلانٍ، وإيغارِ الصدورِ، وبعثِ النعراتِ، والتفريقِ بينَ المؤمنينَ، والكذبِ والبهتانِ والنميمةِ وسائرِ الآفاتِ التي تحبطُ العملَ، وتحلِقُ الحسناتِ وهيَ حقوقُ الخلقِ وبالتالي لن يكفيَ فيهِ أنْ يقولَ الإنسانُ: "أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إلَيهِ"، بلْ لا بُدَّ فيها مِنَ التحللِ واستباحةِ صاحبِ الحقوقِ.

لذلكَ مِنَ الجديرِ بالمؤمنِ أنْ يحفظَ لسانَه، وأنْ لا يتكلمَ إلَّا بما كانَ خيرُه ظاهرًا، قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ في الصحيحَينِ مِن حديثِ أبي هريرةَ: «مَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ»[صحيح البخاري(6018)، ومسلم(47/74)].

 اليومَ خطرُ اللسانِ لا يقتصرُ فقطْ على ما يصدرُ عنهُ، بلْ ما يكتُبُه مما يُترجِمُ ما في خاطرِه، سواءٌ كانَ ذلكَ عبرَ وسائلِ الاتصالِ، سواءٌ كانَ ذلكَ عبرَ كتاباتٍ إلكترونيةٍ، سواءٌ كانَ ذلكَ عبر َكتاباتٍ تنشرُها الصحفُ فينبَغي أنْ يتقيَ اللهَ فيما يكتبُ، وفيما تخطُّه يمينُه، فإنهُ قدْ قالَ اللهُ ـ تعالى ـ في قومٍ: ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[البقرة:79].

فأقولُ: احذَرْ أنْ تكونَ ممنْ توعَّدَهمُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بالويلِ بما كتبَتْه يداكَ، بما خطَّه بنانُك على لوحةِ المفاتيحِ، وعلى غيرِها مِن وسائلِ الكتابةِ والتواصلِ معَ الناسِ أو حتى فيما يتصلُ بلمزةِ الزرِّ التي يرتوت فيها الإنسانُ ويعيدُ تغريدَ بعضِ الكلامِ الذي فيهِ مِنَ الفسادِ والشرِّ ما فيهِ، أو القصُّ واللصقُ لإعادةِ النشرِ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ مِن الواتسابِ والتلجرامِ وغيرِه مِنَ الوسائلِ التي يتواصلُ مِن خلالِها الناسُ.

يجبُ على المؤمنِ أنْ يكونَ رقيبًا على نفسِه فيما يصدرُ عنهُ، وليتقِّ اللهَ عزَّ وجلَّ.

الناجحُ والمفلحُ هوَ الذي يقدُمُ على اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ خفيفَ الحملِ، خفيفَ الظهرِ مِن حقوقِ الخلقِ، وحقوقِ الخلقِ لا يلزمُ أنْ يكونَ تعديًا على شخصٍ، أحيانًا السخريةُ بالناسِ على وجهِ العمومِ، أحيانًا إثارةُ النعراتِ، إثارةُ العصبياتِ، إثارةُ الشحناءِ، السعيُ بالفسادِ بينَ أهلِ الإيمانِ وأهلِ الإسلامِ، كفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يحدثَ بكلِّ ما سمِعَ، حتى ولو لم يكُنْ هذا متعلقًا بشخصِ الأخبارِ التي يروِّجُها ويسوقُها، وكلُّ ما سمعَ خبرًا طارَ ينشرُه ليفوزَ ويحوزَ السبقَ الإعلاميَّ والسبقَ الإخباريَّ، نقولُ لهم: اتقوا اللهَ وترَيَّثوا فيما تنشُرونَ، لا سيما في أزمنةِ الأخطاءِ وأيامِ الفتنِ؛ فإنَّ الكلامَ لهُ مِنَ الأثرِ والخطرِ ما ليسَ لغيرِه في زمنِ السعةِ.

 ولهَذا اللهُ ـ تعالى ـ توعَّدَ المُرجِفينَ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا[الأحزاب:60-61]،والمرجِفونَ هُم قومٌ كانوا يُشيعونَ في أهلِ الإسلامِ ما يُخيفُهم، وما يفُتُّ في عضُدِهم وما يفرقُ جماعتَهم، فكانَ هذا التهديدُ الإلهيُّ واللعنُ والطردُ مِن رحمةِ اللهِ بسببِ ما يترتبُ على كلامِهم مِنَ الفسادِ.

نقولُ: مِنَ المهمِّ لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ يَرجو نجاتَه أنْ يفعلَ قولَ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ «مَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ»[سبق]، مِنَ المهمِّ لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ أنْ يمسكَ عليهِ هذا، ألم يقُلِ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ لمعاذٍ بعدَ أنْ دلَّه على بابٍ مِن أبوابِ الخيرِ الكثيرةِ وطرقٍ مِن طرقِ البرِّ العديدةِ، وقدْ سألَه في بدايةِ الأمرِ: "دُلَّني على عملٍ يدخِلُني الجنةَ ويُنجيني مِنَ النارِ" فدلَّه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- ثُم فتحَ لهُ أبوابًا، ثُم قالَ لهُ: «ألَا أدلُّكَ على مِلاكِ ذلكَ؟» يعني ما تملكُ بهِ كلَّ هذهِ الأبوابِ الخيرةِ وأبوابِ البِرِّ والإحسانِ والفضلِ والعملِ المتنوعِ في الصالحاتِ، قالَ: بلَى يا رسولَ اللهِ، قالَ: «كُفَّ علَيكَ هَذا» كُفَّ عليكَ أي: احبِسْ، امنَعْ، وهذا يعني أنَّ الموضوعَ يحتاجُ إلى مقاومةٍ إلى معاناةٍ، إلى معالجةٍ، إلى مصابرةٍ حتى يكفَّ الإنسانُ عَلَيهِ هَذا.

ثُم إنَّ معاذًا ـ رضيَ اللهُ تعالَى عنهُ ـ سألَ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ يعني ما رابطُ هذا بما تقدمَ؟ قالَ: وإنا مُآخَذونَ بما نقولُ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: «ثكِلتْكَ أمُّكَ يا معاذُ» يعني كيفَ يغيبُ عنكَ هَذا؟ هذهِ كلمةٌ تقولها العربُ للاستغرابِ والتعجبِ، «ثكلتْكَ أمُّك يا معاذُ، وهلْ يكبُّ الناسَ على وجوهِهم إلَّا حصائدُ أعمالِهم»[أخرجه الترمذي في سننه(2616)، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وفيها لفظُ "وجوهِهم" و"مناخِرِهم" كلاهُما]، وفي روايةٍ: «هل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد أعمالهم».[لفظ مناخرهم وحده أخرجه في مسنده(22063)]

فيجب على المؤمن أن يتقي الله ـ عز وجل ـ أن يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية بأن يكف لسانه عن ما لا يعنيه، عن ما لا ينفعه، عن ما لا يزيد من رصيده عند ربه، عن ما لا تعلو به درجته عند الله عز وجل.

يجب على المؤمن بأن يكون حذرًا في لسانه، واعلم أن كل شخصٍ دقيق الحساب مع نفسه في لسانه وما يصدر عنه، فإن ذلك سيكون في سائر عمله، بخلاف ذلك الذي أطلق للسانه العنان بكل قول رديء في حق الخاص والعام، في حق القريب والبعيد، ثم لم يراقب الله ـ عز وجل ـ في هذا هو في ما عدا ذلك أضيع وفي ما عدا ذلك من الأعمال أقرب إلى الفساد.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم حفظ ألسنتنا والبعد عن قول السوء والزور، وأن نحفظ بناننا وبياننا عن كل ما يغضبه.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95015 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90685 )

مواد مقترحة

442. Jealousy
8029. مقدمة.
8088. مقدمة
12250.