المقدمُ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَالصلاةُ والسلامُ الأتمَّانِ الأَكْملانِ عَلَى نَبِيِّنا محمدٍ وعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
أُحييكُمْ مُستمِعيَّ الكرامَ بِتحيَّةِ الإِسْلامِ، فالسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ، وأَهْلًا ومرْحَبًا بكمْ، إِلَى حلْقةٍ جديدةٍ مِنْ بَرنامجكُمْ اليومِيِّ الرمَضاني «فتْواكمْ» الَّذي يأتيكم عبر إِذاعَةِ U-FM يَوْميًّا مِنَ الخامِسَةِ وَحَتَّى السادِسَةَ عَصْرًا، نَسْتضيفُ فيه نُخبةً مِنَ العُلماءِ الأَجلَّاءِ والمشايخِ الفُضلاءِ.
باسْمي وبِاسمكُمْ مُسْتمعِيَّ الكرامَ أُرحِّبُ في هذهِ الساعةِ بِصاحبِ الفضيلةِ الأستاذِ الدكتورِ خالدِ بْنِ عبدِ اللهِ المصلحِ، رئيسِ مكتبِ الإِفْتاءِ بمنطقةِ القَصيمِ، والأستاذُ بجامعةِ القَصيمِ، حياكُمُ اللهُ صاحبُ الفضيلةِ.
الشيخُ: السلامُ عليكمُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، أَهْلًا أَخْي عبدِ الرحمنِ ومرْحَبًا، وأَهْلًا بالإخوةِ والأخواتِ عبرَ هَذهِ الإذاعةِ، حياكُمُ اللهُ جَميعًا.
المقدمُ: أَهْلًا وسهْلًا بكمْ شَيخَنا الكريمَ، حديثُنا اليومَ عنْ إِصْلاحِ ذاتِ البينِ -شيخي الكريمِ- وَمُناسَبتِهِ في هَذا الزمانِ المباركِ في رَمَضانَ، والكلمةُ لكمْ.
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأُصَلِّي وأَسْلَمَ علَى المبعُوثِ رحمةً للعالمينَ، نبيُّنا محمدٌ، وعَلَى آلهِ وأَصْحابهِ وَمَنِ اتبعَ سُنتهُ بِإحسانٍ إِلَى يومِ الدينِ.
أما بَعْدُ:
فأهلًا وسَهْلًا بالجميعِ، وأسألُ اللهَ أَنْ يجعلَنا وإياكُمْ مِنَ المباركينَ، وأَنْ يُعِينَنا علَى الطاعةِ وَالإحسانِ، واغتنامِ أوجُهِ البرِّ في هَذا الزمانِ، الَّذي هُوَ أفضلُ زَمانٍ وخيرهُ، وفيهِ خيرُ الأيامِ والليالي.
وصيتي لِنفسِي وإِخْواني بأَنْ نُبادِرَ إِلَى الطَّاعاتِ بِشَتَّى صُوُرِها، وأَلَّا نحصرَ أَنْفُسِنا في بابٍ مِنْ أَبْوابِ البرِّ، فأَبْوابُ البرِّ مُتنوعَةٌ، وهِباتُ اللهِ وَعَطاياهُ كثيرةٌ، ومَنْ جَدَّ وجدْ، وَمَنْ صَدَقَ اللهَ عزَّ وجلَّ في إِقْبالهِ يسَّرَ اللهُ تعالَى لهُ أَسْبابَ الخيرِ، وَطرقُ الإصلاحِ لنفسهِ وَلغيرهِ بِما يحصُلُ بِهِ سَعادةُ الدُّنْيا والآخرَةِ.
الأَعمالِ الصالحةِ كَما تفضَّلْتُ أَخِي عبدَ الرحمنِ أَعْمالٌ متنوعَةٌ، وليستْ عَمَلًا واحدًا، بَلْ أَعْمالٌ شَتَّى وأبوابٌ مُتعددَةٌ، وَمِنْها الإِصْلاحُ بينَ الناسِ؛ فإنَّ الإصلاحُ بينَ الناسِ منْ أجَلِّ القُرُباتِ وأفْضَلِها، مِنْهُ ما هُوَ واجبٌ في حَقِّ المستطيعينَ القادِرينَ الَّذينَ لا يتمُّ الإِصْلاحُ إِلَّا بِهمْ، وَمِنْها ما هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَاللهُ تعالَى قَدْ بيَّنَ فضيلةَ الإِصْلاحِ، وأنهُ عَمَلٌ يُوجِبُ الأَجْرَ، ولَوْ لم يكُنْ للإِنْسانِ فيهِ نيَّةُ تعبُّدٌ وتقربٌ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ النساء: 114، فبينَ اللهُ تعالَى أَنَّ كَثيرًا مما يتكلمُ بِهِ الناسُ ويتداولُونُهُ ويجري بهِ كَلامهُمْ لا خيرَ فيهِ، ثمَّ استثْنَى مِنْ ذَلِكَ ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ﴾، ثم قال: ﴿أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ أي: اشتغلَ بإصْلاحٍ بيَّنَ الناسِ. وأَكَّدَ هَذا المعْنَى تأْكيدًا بينًا فِيما إِذا نوَى بِهِ الإنسانُ التعبُّدَ، فَقالَ جلَّ في علاهُ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساءُ: 114، أيْ: منفعةٌ لهُ. يقصدُ بهِ التقرُّبَ إِلَى اللهِ، وَيرجُو بهِ الأَجْرَ والثوابَ منهُ، فإنَّ اللهَ تَعالَى يُعطيهِ عَلَى ذَلكَ أجرًا عَظِيمًا.
وقدْ بيَّن اللهُ تعالَى أنَّ الصُّلْحَ في مَعْناهُ وَفي مَضْمُونِهِ خَير مِنْ حيثُ الأصْلُ، فقالَ جلَّ وَعَلا: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ النساء: 129، وأَمَرَ بهِ في قولِهِ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ الحجرات: 10، وهَذا الأَمْرُ يشملُ ما يَكُونُ بينَ الإِنْسانِ والأفرادِ، ويشمَلُ الإِصْلاحِ بينَ الجَماعاتِ وَالأُمَمِ والقبائِلِ وَالدُّولِ الَّتي يُمكُنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَها ما يُوجِبُ الفُرقةَ، كُلَّ هَذا مما يندرِجُ في الإِصْلاحِ.
فأقولُ لإخواني وأَخواتي: ينبَغِي لَنا أَنْ نَحْرصَ عَلَى الاشتغالِ بِالإصْلاحِ؛ فإنهُ خيرُ ما نتكلَّمُ بهِ. وَالإصلاحُ لِعظيمِ مكانتِهِ وكبيرِ أثرهِ ونفعهِ أَجازَ اللهُ تَعالَى فيهِ أَنْ يتكلمَ الإنسانُ بِخلافِ الحقيقةِ وَالواقعِ؛ لأجْلِ ما يتَرتَّبُ علَيْهِ مِنْ مَصلحَةٍ، فأجازَ التعريضَ، بلْ بعضُ العُلماءِ يقولُ: الكذبُ الصريحُ يجوزُ في مَقامِ الإصلاحِ بينَ الناسِ، ولمّ الشملِ. وَما ذاكَ إِلَّا لِعظيمِ المصلَحةِ المترتبةِ بهِ، والمفسدةِ الَّتي تُدْرأُ بِحُصولِ الشِّقاقِ وَالفُرْقَةِ بينَ الناسِ.
المقصودُ أنَّ الَّذي ينبغِي أنْ نَحْرِصَ عَلَيْهِ أَنْ نَضْربَ في كُلِّ بابٍ مِنْ أَبْوابِ البرِّ.
يا أَخي، لا شَكَّ أَنَّنا نَعْرِفُ أَنَّ بينَ الأُسَرِ يَحصُلُ خلافاتٌ، وبينَ الأَزواجِ يحْصُلُ خلافاتٌ، وبينَ الآباءِ والأَبْناءِ يحصُلُ خِلافاتٌ، وبَيْنَ الإِخْوةِ والأَخواتِ يحصُلُ خلافاتٌ، فينبغِي لَنا أنْ نَسْعَى في الإِصْلاحِ ما اسْتطعْنا، وأَنْ نُقرِّبَ وَجْهاتِ النَّظرِ، وأنْ نلينَ، فإِذا لمْ نلِنِ الآنَ في هَذا الموسِمِ الَّذي تَصْفُو فيهِ النُّفُوسُ وتقتربُ مِنَ الخيرِ، إِذا لمْ نصلُحُ فِيما بينَنا، ونَخْتصِرُ خِلافاتِنا، وَنَتَجاوزُ إِشْكالاتِنا، فمَتى يكُونُ هَذا! هَذا مُوسِمٌ مِنْ مَواسِمِ البرِّ، لاسِيَّما أنهُ إِذا كانتِ الخِلافاتُ لحظوظِ النفسِ وَحَصَلَ شَحْناءٌ وتَباغُضٌ فإنهُ يمنعُ ذلِكَ المغفرةَ والعَطاء والهبات من الله عز وجلَّ.
جاء في الصحيحِ أَنَّ الأعمالَ تُعرَضُ علَى اللهِ عزَّ وجلَّ كُلَّ يومِ اثنينِ وخميسٍ، فيقولُ: أَنْظِرُوا هذينِ حَتَّى يصطَلِحا. فيغفرُ اللهُ تَعالَى لكُلِّ مُسلمٍ إِلَّا مُشْركًا أَوْ مُشاحِنًا.
فينبغِي لِلإنْسانِ أَنْ يُصَفِّي أَجْواءهُ، وَنَحْنُ نُقْبِلُ عَلَى مَواسِمَ صالحةٍ، وخيراتٍ عظيمةٍ، وَهِباتٍ كبيرةٍ، فينبغِي أنْ نعْرِفَ أنهُ مِنْ أَسْبابِ حصُولُ تلكَ الخيراتِ والهباتِ أَنْ تَكُونَ قُلُوبُنا صافيةٌ سليمةٌ، بعيدةٌ عَنِ الأَضْغانِ وَالأحقادِ، وَعَنِ الشرورِ. فَهذا مما نَستعْمِلَهُ في إِقْناع الناسِ في الصُّلح فِيما بينهمْ، وأَيْضًا نحنُ في أنفُسِنا نَصْفَحُ وَنعْفُو ونَتجاوَزُ عَنِ الناسِ، وَلا نبقي في أَنْفُسنا عليهمْ ضغائنَ وأَحْقادًا تَكُونُ في الحقيقةِ ثِقلًا عَلَى قُلُوبِنا، وتَمنَعُنا أَيْضًا مِنَ السُّمُوِّ الَّذي نَدبَتْنا إِلَيهِ الشريعةُ، وَهَذهِ الأَيَّامُ مِنْ مَواسِمِهِ وَمِنْ مواضِعِهِ.
المقدمُ: أَحْسنَ اللهُ إِليكُمْ شَيخ خالد لهذا الحديثِ الشيِّقِ، وَالمسترسِلِ، وَالجمِيلِ، المبنيِّ عَلَى الكتابِ والسنةِ، وَالتأْصِيلِ الجميلِ في مَسألةِ إِصْلاحِ ذاتِ البيْنِ.