المقدمُ: بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مُسْتمعِينا الكرامَ، السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، أهْلًا ومرْحبًا بكمْ مَعَنا إِلَى هذهِ الحلقةِ مِنَ البرْنامجِ اليوْمِيِّ "يَنابيعُ الفَتْوَى"، وفيهِ نسلِّطُ الضوءَ علَى ما يهُمَّ الصائِمينَ في شهرِ رَمَضانِ.
إِخْوتَنا الكرامَ نَتواصَلُ وَإِيَّاكُمْ في هَذا اللِّقاءِ علَى مَدَى ساعةٍ إِلا قَلِيلًا، هذهِ أطْيبُ تحيَّةٍ مِنِّي محمدِ الجريني وَأَخِي ياسر زيدان مِنَ الإِخْراجِ، كَذلكَ يسُرُّنا ويطيبُ لَنا في هَذا اللقاءِ أنْ يَكونَ مَعَنا فَضِيلةُ الشيخِ الدُّكْتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقهِ بجامعةِ القَصِيمِ، الَّذِي نسعدُ ونأْنَسُ بِالحديثِ مَعهُ حَوْلُ مواضيع هذا اللقاءِ. السلامُ عليكمْ يا شيخُ خالد، وحياكمُ اللهُ.
الشيخُ: وعليكمُ السلامُ ورحْمةُ اللهِ وبركاتهُ، مرْحبًا بِكَ أَخِي محمد، وأسألُ اللهَ أنْ يجعلهُ لِقاءً نافِعًا مُباركًا.
المقدمُ: حضراتِ المستمعينَ الكرامِ، بِإمْكانكُمْ مُشاركتُنا مباشرةً مَعَنا عبْر الأَرْقامِ: 6477117 - والرقم الآخر: 6493028 مفتاح المنطقة 012 أَوْ عَلَى تطبيقِ الواتس أَبْ عَلَى الرقم: 0500422121 فحياكمُ اللهُ.
في هَذا اللقاءِ - إِنْ شاء اللهُ - سَوْفَ نبدأُ مَعَ شَيْخِنا فِيما يتعلَّقُ بِأَبْوابِ البرِّ؛ كيفَ لِلمُسْلِم أنْ يغتنمَ هَذا الشَّهْرَ وقدْ مرَّتْ منهُ أَيامٌ وليالٍ؟ كيفَ لهُ أَنْ يَسْتَغِلَّ ويستثمرَ ما تبَقَّى منَ الشهرِ الكريمِ ويحرصَ علَى اغْتنامهِ في نهارهِ وَفي مَسائهِ؟
تفضَّلْ يا شِيخ، باركَ اللهُ فِيكُمْ.
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأُصَلِّي وأُسلمُ علَى نبيِّنا محمدٍ، وعلَى آلهِ وأصْحابهِ. أَمَّا بعْدَ:
فالسلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبَركاتهُ، تحيَّةً طيبةً لِلجميعِ مِنَ الإِخْوةِ والأَخَواتِ المستمعينَ والمستمعاتِ.
لاشكَّ أنَّ شهرَ رَمضانَ شَهْرٌ عظيمٌ يَكْفِي في الحثِّ عَلَى اغْتِنامِ ما فيهِ مِنْ خيراتٍ وصَفَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - لهُ كَما جاءَ في سُنَنِ النَّسائِيِّ ومسندِ الإمامِ أَحْمَد وغيرهِما بإِسْنادٍ جيدٍ قالَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم - : «أَتاكُمْ رمضانُ شهرٌ مباركٌ»أَخرجهُ النَّسائِيُّ (4/129)، هَذا الوَصْفُ النبويُّ لَهذا الشهرِ بأَنَّهُ مُباركٌ يحفِّزُ النفوسَ عَلَى اغْتنامهِ وَاغْتنامِ هَذِهِ البركةِ الَّتي في هَذا الشهرِ، الاغْتنامُ وَالاستكثارُ منْ بركةِ هَذا الشهرِ المباركِ؛ فإِنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلهِ وسلَّمَ ـ قالَ: «قدْ جاءكمْ شهرٌ مباركٌ»، ومعْنَى كونهِ مُباركًا أنهُ كثيرُ الخيْراتِ، فالمباركُ مِنَ الزَّمانِ أوِ المكانِ أوِ الشخصِ أوِ الحالِ أوِ العمَلِ أو الشَّيءِ هُوَ ما كانَ كَثِيرُ الخيرِ كثيرُ النفعِ؛ وَلهذا تَتَشَوَّفَ النفوسُ المؤمنةُ الصادقةُ في الرغبةِ فيما عندَ اللهِ - عزَّ وجلَّ - أنْ تغتنمَ هَذا الشهرَ المباركَ بِكلِّ ما يمكنُ أنْ تغتنمهُ مِنْ صالحِ الأَعْمالِ؛ وَلهذا مِنْ بَركةِ هَذا الشهرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم - ذكر ما خصَّهُ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ مِنَ الخصائصِ الشَّرعيةِ والخصائصِ القدريِّةِ فَقالَ - صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ - فِيما يَتعلَّقُ بِالخصائصِ الشرعيةِ: «فرضَ اللهُ عليكمْ صِيامَهُ» وَهَذا الشهرُ هُوَ مَوْضِعُ ركنٍ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ وَهُوَ الصومُ، وَهَذا مِنْ بَركةٍ هَذا الشهرِ وأنَّ اللهَ جَعلهُ مَحلًّا لِعَملٍ مُباركٍ وركنٍ مِنْ أَرْكانِ الإِسلامِ العظيمةِ وَهُوَ صَوْمُ شهرِ رمضانَ.
وأَما بركاتهُ القدريَّةُ الَّتي جَعلَها اللهُ ـ تعالَى ـ مما ميَّزَ بهِ هَذا الزَّمانَ عَلَى سائِر الزمانِ أنهُ قالَ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: «تُفتحُ فيهِ أَبوابُ السماءِ»أَخرجهُ النسائيُّ (4/129)؛ إيذانٌ بقبولِ الأَعْمالِ وكثرةِ صالحها، فتحُ أَبوابِ السماءِ يؤذنُ وَيشعرُ بِكثرةِ الخيرِ وكثرةِ الصالحِ الصاعدِ مِنَ العبادِ؛ قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ في محكمِ كِتابهِ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾فاطر: 10 ، هَذا السرُّ في هذهِ الأيامِ تُفتحُ فِيها أَبوابُ السَّماءِ بكثرةِ.
هَذا القولُ النبويُّ يستعرضُ فيهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - هذهِ الخصائصُ الَّتي ميَّزَ اللهُ تعالَى بِها هَذا الزمانَ علَى سائرِ الزَّمانِ، ولهذا المحرومُ مِنْ حُرِمَ بركةَ هَذا الشهرِ الكريمِ؛ فإنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ قدْ جعلَ هَذا الشهْرَ ليلَهُ وَنَهارَهُ مَحلًّا لاكْتسابِ الخيراتِ والتقربِ إليهِ بأَلْوانٍ القُرباتِ، فَفِي نهارهِ مِنَ العِباداتِ ما يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ، وفي ليلهِ مِنَ العِباداتِ ما يُقَرِّب إِلَى اللهِ؛ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ قالَ - صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ - : «مَنْ صامَ رَمضانَ إِيمانًا واحْتِسابًا غُفَرَ لهُ ما تقدمَ منْ ذنبهِ ومنْ قامَ رمضانَ إِيمانًا وَاحْتِسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبهِ»صَحيحُ البُخاريِّ (38)، وَصحيحُ مسلمٍ (760) فَهذا الشهْرُ المباركُ منْ أعظمِ مَزارعِ الآخرةِ، فيهِ يَتسابقُ الصالحُونَ إِلَى مَرضاةِ اللهُ - عزَّ وجلَّ - إِلَى عطائِهِ، إِلَى برهِ، إلَى إِحسانهِ، يتحققُ بذلكَ قولهُ - جلَّ وعَلا -: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾البقرة: 197 ؛ كَما قالَ القائلِ:
الخيرُ بادٍ فيكَ والإِحْسانُ *** وَالذكرُ وَالقرآنُ يا رَمضـــــــــانُ
والليلُ فيكَ نَسائِمُ هفهافةٌ *** حنَّتْ لِطيبِ عبيرها الرهبانُ
أي: العُبَّاد.
فهوَ زمانٌ تنشطُ فيهِ النفوسُ تقْوَى فيهِ الرغبةُ في الخيرِ، تضْعُفُ فيهِ الرغبةُ في الشرِّ، فهُوَ مَزرعةُ للعبادِ، تطهرُ بهِ القلُوبُ مِنَ الفَسادِ، ويقُومُ العِبادُ فيهِ بِأَداءِ الحقُوقُ لربِّ العِبادِ جل في عُلاهُ، ويتزودُون بأَنواعٍ منَ الزادِ لِيومِ المعادِ.
فمنْ أَعْظمِ الزَّمانِ خَيْرًا وبرَكةً على الإنسانِ إِذا استغلَّهُ هَذا الشَّهْرَ المباركَ؛ فَإِنَّ فيهِ خيراتٍ عظيمةً، وفيهِ مدرَّات، وفيهِ عَطايا وَهِباتٍ، مَنْ تعرضَ لَها نَجا وفازَ، ومنْ أَعْرضَ عَنْها وفاتتْ عليهِ فقدْ غُبِنَ وَخسرَ، وَهَذا يفسرُ قَولَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلهِ وسلَّم فِيما جاءَ في صَحيحِ ابنِ خُزيمةَ بِإسْنادٍ جَيدٍ أنَّ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قالَ: آتانِي جبريلُ فَقال: «رغِمَ أنفهُ رغمَ أنفهُ» الحديثُ الَّذي قالَ فيهِ جبريلُ لِلنبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «مَنْ أَدركَ رَمَضانَ فلمْ يغفَرْ لهُ أبعدهُ اللهُ» ثمَّ قالَ جبريلُ لِلنَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: «قلْ: آمين» أيْ: قلْ اللهمُّ استجبْ. فَقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «آمين» وقالَ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - : «رغمَ أنفهُ رغمَ أنفُهُ رغمَ أنفهُ قُلْنا: مَنْ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: منْ أدركَ رَمَضانَ فلمْ يُغفرْ لهُ»أخْرجهُ ابْنُ حِبَّانَ (409).
وَلهذا ينبغِي لِكلِّ أحدٍ أنْ يبذلَ وُسعهُ وَطاقتهُ في أنْ يَسلمَ منْ هَذا الخبرِ النبويِّ الَّذي فيهِ الإخْبارُ بِالخسارَةِ أَوْ البدْءِ بِالخَسارةِ؛ لأنَّ «رغم أنفهُ» إِمَّا أنْ تَكُونَ خبرًا أخبَرَ فيهِ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - عنْ خسارِ منْ أدركَ رمضانَ ولمْ يغفرْ لهُ، أوْ دُعاءٌ، وَفي كِلا الحاليْنِ هُوَ تحذيرٌ مِنْ أنْ يفوَّتَ الإِنْسانُ ما فيهِ هَذا الشهرُ المباركُ منَ الخيراتِ.
وعنْ عمارِ بنِ ياسرٍ قالَ: «صعدَ النبيُّ - صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ - المنبرَ فقالَ: آمين، آمين، آمين. فلَمَّا نزلَ قيلَ لهُ: لماذا قلتَ: آمين، آمين، آمين. وأنتَ تصعدُ المنبرَ؟ فقالَ: آتاني جبريلُ فقالَ: رغِمَ أنْفُ رجلٍ أَدْرَكَ رمضانَ فلمْ يغفرْ لهُ أَوْ أبعدهُ اللهُ. قُلْ: آمين. فقالَ النبيُّ - صلَّى اللهُ علَيهِ وَسلَّم -: آمين»أخرجهُ البزارُ (4277) وَهذا يفسرُ حديثَ ابنِ خزيمةَ الَّذي ذكرتهُ قبلَ قليلٍ.
والمقصودُ أنَّ أبوابَ الخيرِ متنوعةٌ، ويمكنُ أَنْ نُجملُها حتَّى لا يَتَشَتَّتُ الذِّهْنُ في مجموعتينِ:
المجموعةُ الأولَى: فرائضُ وواجباتٌ، وهِيَ أولَى وأَولُ ما ينْبغِي أنْ يَشتغِلَ بهِ الإنسانُ، وهِيَ أحبُّ إلى اللهِ منْ سائرِ أَنْواعِ القرباتِ.
الثاني: نوافلُ وتطوعاتٌ.
وقدْ جَمَعها قولُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - في الحدِيثِ الإلهيِّ وهُوَ «ما تقربَ إِليَّ عبدِي بشيءٍ أحبَّ إِلَيَّ مما افترضتهُ عليهِ، وَلا يزالُ عبْدِي يتقرَّبُ إِلَيَّ بِالنوافلِ حتَّى أُحبهُّ»صَحيحُ البُخاريِّ (6502).
هَذا الشَّهْرُ كَسائرِ الزَّمانِ، لكنَّ أَبوابَ الخيرِ فيهِ أَكثرُ وأشهرُ وأظهرُ والأجُورُ فيهِ أعظمُ وأَكبرُ، يقولُ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - فِيما يرويهِ عنْ ربهِ: «ما تقربَ إلَيَّ عبدِي بشيءٍ أحبَّ إِلَّي مما افترضتهُ عليهِ» وقدْ فَرضَ اللهُ ـ تعالَى ـ في هَذا الشهرِ فرائضُ مما يخُصُّ هَذا الشهرَ وَهِيَ الصَّوْمُ، فهوَ العبادةُ المرتبِطةُ بِهذا الشَّهرُ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185 فهوَ عبادةٌ مقترنةٌ بهذا الشهرِ.
وأَما الفرائضُ الأُخرَى الَّتي يتقرَّبُ بِها العبدُ إِلَى اللهِ - عزَّ وجلَّ - فمِنْها الصلاةُ الَّتي جَعلَها اللهُ ـ تعالَى ـ فَرْضًا في العُمُرِ كُلِّهِ، وَلكنْ في هَذا الشهرِ يَكُونُ لَها في الأجرِ ما ليْسَ لِغَيْرِها؛ لأنَّ العِبادةَ تَعْظُمُ ببركةِ الزَّمانِ وبركةِ المكانِ؛ أيْ بفضلِ الزمانِ وفضلِ المكانِ؛ ولذلكَ في الزمانِ المباركِ تعظمُ الأُجُورِ، وَهَذا الزمنُ مُباركٌ؛ فالفرائضُ فيهِ إِتْيانُها أعظمُ أَجرًا، كَما أنَّ إِهْمالها أوْ تَضييعَها أعظمُ وِزرًا وأكبرُ إِثمًا.
فينبغِي للمؤمنِ أنْ يجدَّ ويجتهدَ في عمارةِ هَذا الزمانِ المباركِ بِالفرائضِ ويتقربُ إِلَى اللهِ تعالَى بِها، وَهِيَ أَحبُّ ما تقربَ بهِ العبدُ إِلَى اللهِ عزَّ وجلَّ.
وقدْ جاءَ في فضْلِ الصومِ معَ أنهُ فرْضٌ واجبٌ أنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ قالَ: «مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفرَ لهُ ما تقدمَ مِنْ ذنبهِ»صحيحُ البخاريِّ (38)، وصحيح مسلمُ (760) فنحنُ ينبغِي - أيُّها الإِخوةُ والأخواتُ - ونحنُ نصومُ هذا الشهرَ المباركَ أنْ نستحضرَ هَذا المعْنىَ؛ وهُوَ أنَّنا نُسابقُ إِلَى الفوزِ بِتخفيفِ الحملِ بحطِّ السيئاتِ ومغفرةِ الذنوبِ والخطايا؛ فإنهُ «منْ صامَ رمضانَ إِيمانًا واحْتسابًا غُفرَ لهُ ما تقدَّمَ منْ ذنبهِ»صحيحُ البُخاريِّ (38)، وصحيحُ مسلمٍ (760) فضلٌ عظيمٌ وعطاءٌ جزيلٌ ومَنٌّ كبيرٌ مِنَ الغفورِ الرحيمِ ـ جلَّ في علاهُ ـ أنْ يمسحَ اللهُ كُلَّ الخَطايا.
الآنَ أنتَ لوْ بينَكَ وبيْنَ شخصٍ ديُونٌ، أموالٌ وهِيَ ثابتةٌ في ذِمَّتكَ ومُسجلةٌ عليكَ في دفترٍ وجاءَ وقالَ لكَ: افتحِ الدَّفْترْ. وقالَ: هاتَ الدَّفترَ، هذهِ الدُّيونُ واحدٌ، اثنين، ثلاثة، أربعة. وعدَّ عليكَ قائمةَ ما يَطلبُ منكَ. قالَ: عفوتُ عنكَ. مَسحْتُها. كيفَ يكُونُ هذا وقعُهُ في نفْسِكَ؟!
المقدمُ: فرحٌ عظيمٌ.
الشيخُ: فرحٌ وسرورٌ وابتهاجٌ وشعورٌ بِالخلاصِ وَالافْتكاكِ منْ هَذا العِبءِ الَّذي يؤرقُكَ. كيفَ بذنوبٍ ليستْ في يَومٍ وَلا في يَوْميْنِ، في عمرٍ مِنْ جَريانِ قلَمِ التكْليفِ عَليْكَ، مِنْ بُلُوغِكَ إِلَى هَذا الشهرِ المباركِ، إِذا صُمتَ رَمضانَ إِيمانًا واحْتِسابًا غفرَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ بِفضلهِ ومنهُ وبجودهِ وكرمهِ، يمحُو اللهُ الخَطايا، وَمحوُها طَبعًا يَنعكسُ عَلَى القلبِ إِشْراقًا، وَعَلَى النَّفْسِ اطْمِئنانًا، وَعَلَى العَملِ نَشاطًا وقُوةً؛ فَالحسناتُ يذهبنُ السيئاتِ ويُزلْنَ كُلَّ آثارِها وَأوْزارِها.
ولهذا أُوُصَي نَفْسِي وَإِخْواني بِتحْقِيقِ سببِ المغفرةِ: «مَنْ صامَ رَمضانَ إِيمانًا واحْتِسابًا غُفرَ لهُ ما تقَدَّمَ مِنْ ذنبهِ»صحيحُ البخاريِّ (38)، وَصحيحُ مسلمٍ (760)، وَلما قالَ الحديثُ ذكرَ عملينِ. بعضُ الناسِ يقُولُ: إِنَّ هَذا أجرَ الصِّيامِ. لا، هَذا لَيسَ أَجرُ الصيامِ فقطْ، الصيامُ عَملٌ بَدنيٌّ بِالإمساكِ عنِ المفطراتِ، لكنْ ثَمَّ عملٌ قلْبِيٌّ مهمٌ، وهوَ شرطٌ في حُصولِ الأجرِ «إيمانًا واحتسابًا» فالنبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ذَكرَ لِتحصيلِ المغفرةِ سَببينِ:
أوَّلًا: الصَّوْمُ، وهُوَ الإِمْساكُ عنِ المفطراتِ علَى الوجْهِ المشْرُوعِ.
ثانيًا: أَنْ يكُونَ الباعِثُ عَلَى هَذا الصَّوْمِ إِيمانًا وَاحْتسابًا، وَالإيمانُ والاحْتسابُ أعَمْالٌ قلبيةٌ؛ الإِيمانُ هُوَ الإِقْرارُ بفرضِ هذا الشهرِ ومشرُوعيتهِ وأنَّ اللهَ ـ تعالَى ـ فرضهُ علَى أهلِ الإيمانِ، ويقبلُ المؤمنُ ذلكَ مُقرًّا بهِ، وأَما الاحْتسابُ فهوَ رجاءُ الثوابِ منِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَلا يكونُ هَذا إِلَّا ممنْ صامَ مُخلصًا للهِ، يَرْجُو ما عَندهُ، لا يؤملُ مِنَ الناسِ ثَناءً وَلا مَدْحًا وَلا يرجُو منهمْ جَزاءً وَلا شُكُورًا، إِنَّما يرْجُو العُقْبى والثوابَ والأَجْرَ ممنْ بيدهِ مَلكوتُ كُلِّ شيءٍ سُبحانهُ وَبحمدهِ.
المقدمُ: وليسَ تَعُوُّدًا يا شيخُ خالد، الناسُ يصومُون فصامَ.
الشيخُ: لا؛ ولذلكَ هُوَ تذكيرٌ بالنيةِ الصالحةِ وَالقصدِ الطيبِ، لا يصُومُ عادَةً وَلا يصومُ مُجاملةً، وَلا يصُومُ مُوافقَةً لِغيرهِ، وَلا يصُومُ لأَجْلِ صِحَّةِ بدنٍ أَوْ نحوِ ذلكِ لا، يصومُ للهِ، يَمْنعُ نفسهُ منَ الطعامِ وَالشرابِ طاعةً للهِ ورغْبَةً فِيما عندهُ، هَذا معْنى الإيمانِ وَالاحْتسابِ، مُقرٌّ بما فرضَ اللهُ، مُطيعٌ لهُ، وَراجٍ ما عندهُ منَ الثوابِ المرتب عَلَى الصومِ، وَالثوابِ المرتبِ علَى الصومِ المفرُوضُ نَوْعانِ:
الأولُ: التخليةُ «غفرَ لهُ ما تقدمَ مِنْ ذنبهِ»، هَذا تطهيرٌ، وهَلْ يقتصرُ فرضُ الصومِ علَى هَذا؛ أنَّ اللهَ يغفرُ الذُّنوبَ؟
الجوابُ: لا، ثمةَّ أجرٌ آخرُ وهُوَ:
الثاني: العَطاءُ والهِباتُ، وهُوَ الثوابُ عَلَى الصَّوْمِ بِفعلِ ما أمرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ هَذا الثوابُ ما هُوَ؟ هَلْ هوَ مبينٌّ محددٌ؟
الجوابُ: جزاءُ الصومِ وأجرهُ قدْ فاقَ كُلَّ تقديرٍ وَحسابٍ؛ ولهذا قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: يقولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ في الحديثِ الإِلهيِّ: «الصومُ لي وَأَنا أجْزِي بهِ»صحيحُ البخاريُّ (7492) أَخْفَى اللهُ ـ تعالَى ـ أجرَ الصِّيامِ لَـمَّا كانَ الصَّوْمُ عَمَلًا خَفِيًّا لا يطَّلِعُ عليهِ إِلَّا الحيُّ القيُّومُ - سُبحانهُ وبحمدهِ - الصومُ ليسَ مما يدركهُ الناسُ يمكنُ أَنْ يظهرَ الإِنْسانُ لِلناسِ بمظهرِ أنهُ مُمْسكٌ عنِ الطعامِ، ولكنهُ مُفْطرٌ بنيتهِ ما نَوى الصومَ، أوْ مفطرٌ بما يَتعاطاهُ مِنَ المفطراتِ حالَ غيبتهِ وخفاءِ الناسِ، لكنْ هَذا إِنْ خَفِيَ عَلَى الناسِ فهوَ لا يخْفَى علَى منْ لا تَخفَى علَيْهِ خافيةٌ الَّذِي يعلمُ السرَّ وأَخْفَى، الَّذِي يعلمُ مَكْنوناتِ الضَّمائرِ ومَستوراتِ الأفْئدةِ؛ فهوَ جلَّ في عُلاهُ يعلمُ حالَ الإنسانِ وما في قلبهِ مِنْ نيَّةٍ صادقةٍ، وما في قلبهِ مِنَ احْتِسابٍ، ويعلمُ إِمْساكهُ عَنِ المفْطراتِ؛ ولذلكَ أجْرُ الصيامِ لم يكُنْ مُحددًا بَلْ كانَ خَفِيًّا، «الصومُ لي وأَنا أَجْزي بهِ».
والصائِمُونَ مُتفاوتُونَ في الأُجورِ عَلَى قدرِ ما يَقومُ في قلوبهمْ مِنْ صِدْقِ الرغبةِ فيما عندَ الحيِّ القيومِ جَلَّ في عُلاهُ؛ ولهذا يا إِخواني وَيا أخَواتي مَنَّ اللهُ عليْنا بإدراكِ هَذا الشهرَ، ويسرَ اللهُ لَنا إِدْراكَ بعضِ أَيامهِ وَنَحنُ في أوائلهِ، فلنصححِ القصدَ والنيةَ، ولنخلصِ العملَ، ولنعظمَ الرغبةَ فِيما عندَ اللهِ، اللهُ أكرمُ الأكرَمينَ، اللهُ يُعْطِي عَطاءً عَظِيمًا - سُبحانهُ وبحمدِهِ - لمنْ صَدَقَ في الإِقْبالِ عليهِ، يَجدُ مَنَّ اللهُ عَطاءً ولَيْسَ فقطْ مُؤجلًا بَلْ عَطاءً مُعَجَّلًا بِشرحِ الصَّدْرِ وطُمأنينةِ الفؤادِ وسعادةِ القلبِ وتيسيرِ الأُمورِ، وَالولايةِ في الحياةِ الدُّنيا، وَيدركُ في الآخرةِ ما لا عينٌ رأتْ وَلا أذنٌ سمعتْ وَلا خطرَ علَى قلْبِ بَشرٍ.
المقدمُ: شيخ خالد، باركَ اللهُ فيكمْ، هُنا وقفة الحقيقةُ فِيما ذكرتموهُ حولَ مَنْ يصُومونَ رَمضانَ إيمانًا وَاحْتسابًا، وَغُفْرانِ الذُّنوبِ في هَذا الموْضُوعِ، وكَيْفَ أَنَّ اللهَ - عزَّ وجلَّ - هُوَ المجازيُّ فَقَطْ في مَسْأَلةِ الصيامِ إِذا أَخْلَصَ العَبْدُ القَصْدَ للهِ - عزَّ وجلَّ - تعلمونَ أنَّ الحسنةَ بِعَشْرِ أَمثالِها، ولعلَّ هَذا القِياسِ لا يَنْساقُ عَلَى شهرِ رمضانَ عَلَى منْ يصومُ في شهرِ رَمضانَ؛ صحيحٌ أَمْ لا؟
الشيخُ: نعم؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها إِلَى سَبعمائةِ ضعفٍ إِلَى أَضعافٍ كثيرةٍ، هَذا هوَ الجاري في كُلِّ عملٍ، لكنَّ الصومَ خَصَّهُ اللهُ بِأَنْ أَخْفَى أَجْرَهُ، فَقالَ: «الصومُ لي وأَنا أَجْزي بهِ». يا أخِي محمد ويا أَيُّها الإخوةُ والأَخواتُ، عندَما يقولُ الغنيُّ الملكُ الَّذي لهُ ما في السمواتِ وَما في الأرْضِ: «الصومُ لي وأَنا أجزي بهِ» يعْنِي يفوقُ التصورَ كُلَّهُ، خيالٌ في العَطاءِ وَالأَجْرِ.
المقدمُ: ويحفزُ المسلمَ عَلَى المبادرةِ.
الشيخُ: بِالتأكيدِ، المؤمنُ إِذا سمعَ مِثلَ هَذا العَطاءَ الجزيلَ علَى الصَّوْمِ اجتهدَ في أن يحققَ ما يُدْرِكُ بهِ هَذا الفضْلَ، وأَنا أختصرُ الشرطَ المذكورَ في الأَجْرِ «مَنْ صامَ رمضانَ إِيمانًا واحْتِسابًا» «إِيمانًا» هَذا ذكرُ للباعثِ الَّذي نشأَ منهُ الصيامُ، الحاملُ، السببُ الَّذي بعثَنا جميعًا علَى الصومِ هوَ الإيمانُ، «احْتِسابًا» هَذا ما نرجوهُ في صِيامِنا، فهُنا ذكَر المبدأَ والغايَةَ، المبدأُ هُوَ إِيمانُنا بِاللهِ وَتَصْديقُنا لِرسولِ اللهِ فِيما شرعَ وَفِيما فرضَ، «احْتِسابًا» أَنَّنا نفعلُ هَذا طمَعًا فِيما عندهُ - جلَّ وعَلا - رَجاءَ ما أعدهُ لِعبادهِ الصالحينَ، فَنسألُ اللهَ أنْ يجعَلَنا جميعًا ممنْ يَصُومُونَ إيمانًا واحْتِسابًا.
وتنبيه لا ينبغِي أنْ يفوتَنا الإشارةُ إليهِ: أنَّ الإيمانَ وَالاحْتِسابَ هُوَ شرطٌ في كُلِّ الأعمالِ، وليسَ فقطْ في الصومِ، كُلُّ عَملٍ صالحٍ لا يُدْركُ الإِنْسانُ فيهِ الأجْرَ إِلَّا بالإيمانِ وَالاحْتِسابِ.
وما السرُّ في ذكرِ الإيمانِ وَالاحْتِسابِ في بعضِ الأَعْمالِ وعدمِ ذكرِها في أَعمالِ أخرَى؟
السرُّ في هَذا العملِ عِندَما يكونُ شاقًّا يذكرُ مثلُ: الإيمانِ والاحتسابِ، عندَما يكونُ أَحْيانًا العَمَلُ تَغيب فيهِ النيَّةُ، ويغفُلُ الإنسانُ عَنِ الاحْتِسابِ فيهِ يذكرُ فيهِ الإيمانَ وَالاحْتسابَ تَذْكيرًا وتنبيهًا حتىَّ لا تختلطُ المقاصدُ أَوْ تغيبُ المعانِي بسببِ انهماكِ الإِنْسانِ بِالعملِ أَوْ كونِ العملِ مما جَرَى عليهِ عملهُ دُونَ تنبهٍ وَاحْتِياطٍ؛ لهذا ينبغِي لَنا أنْ نستحضرَ الإيمانَ والاحْتِسابَ في كلِّ أَعْمالِنا؛ في الصومِ والصلاةِ، وفي برِّ الوالدين، وفي أَداءِ الأَماناتِ، وفي القيامِ بحقوقِ الخلقِ، كلُّ هَذا مما ينبغِي أنْ يكونَ الباعثُ فيهِ الإيمانُ والاحتسابُ، نَسألُ اللهَ أَنْ يُعِيننا وإياكُمْ علىَ ذلكَ. وَهِيَ التَّقوىَ الَّتي أَمَرنا اللهُ ـ تَعالَى ـ بِها، فالتقْوَى هِيَ: العملُ بِطاعَةِ اللهِ، عَلَى نُورٍ منَ اللهِ، تَرْجُو ثوابَ اللهِ، وتتركُ مَعصِيَةَ اللهِ، عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ، تخافُ عِقابَ اللهِ. وَهَذا هُوَ الإيمانُ وَالاحْتِسابُ.
المقدمُ: اللهُ المستعانُ، شكر اللهٌ لكمْ فضيلَةَ الشيخِ خالِدُ علىَ ما ذكرتُموهُ في هَذا اللقاءِ حولَ أَصْنافِ وَأَنْواعٍ منْ أَبْوابِ البرِّ والخيراتِ لِلمُسابَقَةِ إِلَيْها إِلَى رَحماتِ اللهِ - عزَّ وجلَّ – وغُفرانهِ. وَلَعلكُمْ يا شَيخَنا تأذنُونَ بِفاصلٍ قصيرٍ ثم نكملُ - إنْ شاء اللهُ - وَإيَّاكُمْ هَذا اللِّقاءَ.
الشيخُ: بِإذْنِ اللهِ.
المقدمُ: حفظكمُ اللهُ، جزاكُمُ اللهُ خَيْرًا.
حياكُمُ اللهُ مستمِعينا الكرامَ مرةً أخْرَى إلَى برنامجِ "ينابيعُ الفَتْوَى"، وَمَعَ ضَيْفنا فضيلةُ الشيخِ الدكتورُ/ خالدُ المصلحُ؛ الأُستاذُ بِكليَّةِ الشَّرِيعَةِ بِجامعةِ القصيمِ، حياكُمُ اللهُ شيخ خالد مرةً أُخرَى.
الشيخُ: مرحبًا بكَ، حياكَ اللهُ أخِي محمدُ، وحيَّا اللهُ المستمعِينَ والمستمعاتِ.
المقدمُ: أجددُ معكمُ التحيةَ محمد الجريني وياسر زيدان مِنَ الإِخْراجِ، وَكانَ شيخُنا في بدءِ هذا اللِّقاءِ في جزئهِ الأولِ قدْ تحدثَ عنْ جملةٍ منْ أبوابِ البرِّ والخيراتِ، ولعلكمْ يا شيخُ خالدُ - باركَ اللهُ فيكمْ - أنْ تأْذَنُوا بشيءٍ مِنَ التساؤُلاتِ مِنَ المستمعينَ في هَذا اللقاءِ
الشيخُ: حياكمُ اللهُ.
المقدمُ: حفظكمُ اللهُ، أولًا يا شيخُ، فيما ذكرتمُوهُ في بادِئِ هَذا اللقاءِ حولَ: كيفَ أنَّ اللهَ - سُبحانهُ وتَعالَى - يُرغِّبُ عِبادهُ إِلَى البَدارِ وإِلَى المسابقةِ في الخيراتِ واغتنامِ شهرِ رمضانَ في نهارهِ وفي مَسائهِ؟
السؤالُ يا شيخَنا: كيفَ يُمسكُ المسلمُ عمَّنْ يُخاصمُهُ في نهارِ رَمضانَ؟ وكيفَ يضبطُ نفسهُ ليفوزَ بالأجرِ، خاصةً وأنَّ بعضَ الصائمينَ قدْ يكونُ لديهمْ بَعضُ الانفعالاتِ أوْ بعضُ الغضبِ؟ فكيفَ يسيطرُ المسلمُ عَلَى هذهِ التصرُّفاتِ ومَنْ يُسابُّ أوْ منْ يشتمُ أوْ مَنْ يُضايقُ في الطرقاتِ مَثلًا وَما إلَى هنالكَ؟ كيفَ السبيلُ إِلَى أَنْ يكونَ المسلمُ مُتَحَرِّيًا للأَجْرِ لِيفُوزَ بِهذا الثوابِ؟
الشيخُ: أخي الكريمُ، «الصومُ جنةٌ»صحيحُ البخاريِّ (7492)، وصحيحُ مسلمٍ (1151) كَما قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - ومعْنى أنَّ الصَّوْمَ جُنةٌ أي أنهُ يقِي الإِنسانَ القبائحَ وَالرذائِلَ، ويَقِي الإِنْسانَ أَيْضًا المكروهاتِ وسائرَ ما يكُونُ مِنْ رَدِيءِ الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ؛ ولهذا جاءَ في الصَّحيحينِ مِنْ حديثِ أَبِي هَريرَة - رضيَ اللهُ تعالَى عنهُ - أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «الصيامُ جُنَّةٌ» هَذهِ المقدمِةُ خبريةٌ الَّتي أَخبرَ فِيها النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - عَنْ ثمرةِ الصيامِ وَمقْصُودِ الصِّيامِ، فَمَقْصُودُهُ وَثمرتُهُ المرادَةُ والمقصُودةُ هُوَ أنْ يكونَ الصيامُ سُموًّا وَوقايةً للإنسانِ منْ كلِّ شرٍ. ثم قالَ - صلَّى اللهُ عليْهِ وسلمَ - : «فَلا يرفثْ وَلا يجهلْ» الرفثُ: هُوَ القولُ القبيحُ، والجهْلُ: هُوَ ما يكونُ مِنَ المخاصماتِ والاعتداءِ، الرفثُ يطلقُ عَلَى الكلامِ القبيحِ ولوْ لمْ يكنْ سبًّا أوْ شَتمًا. وقولهُ: «لا يجهَلْ» الجهلُ عادةً يطْلَقُ في التعامُلِ مَعَ الغيرِ بِكلامٍ رديءٍ أوْ قَولٍ سيئٍ أو عملٍ فيهِ اعتداءٌ وظلمٌ. قالَ: «ولا يجهلُ» ثمَّ قالَ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - : «وإنِ امْرُؤٌ قاتلهُ» يعْني الصائمَ قدْ يَتعرضُ إِلَى مَواقفَ يكونُ فِيها اعتداءٌ عليهِ، أَوْ توجُّه شَرٍّ وأَذَى مِنْ غَيْرِهِ عليْهِ، إِمَّا بِتَجاوُزٍ في قَوْلٍ، أو بتجاوزٍ في عملٍ، أَوْ بِإِخْلالٍ في حقٍّ، أوْ ما إِلَى ذلكَ مما يكونُ بَيْنَ الناسِ مِنَ احتكاكاتٍ ومواقفَ يظلمُ فِيها بَعضُهُمْ بَعضًا أوْ يبْغِي بعضهمْ فِيها علَى بَعْضٍ؛ فما الموقفُ الَّذِي ينْبَغِي أنْ يكُونَ عليهِ الصائمُ؟
الأصل أن الله ـ تعالى ـ قال: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾البقرة: 194 تُقابَل الإساءة بمثلها، هذه الدرجة المأذون فيها أن تقابل الإساءة بمثلها: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾النحل: 126 هذا المأذون.
أما المأمول والسمو في مقام الإيمان والمحبوب عند رب العالمين: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾الشورى: 40 ، ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾فصلت: 34 هَذا السموُّ، هذهِ المرتبةُ العاليةُ، لكنْ لا يبلُغُها كثيرٌ منَ الناسِ؛ ولذلكَ أذنَ اللهُ ـ تعالَى ـ أنْ تقابلَ الإساءةَ بمثلِها فِيما إِذا كانَ ذلكَ مِما لا يُوقِعُ في محرمٍ.
في الصوْمِ نَدَبَ اللهُ ـ تعالَى ـ الجميعَ إِلَى الكفِّ عنْ مُقابلةِ الإِساءةِ بِمثْلِها؛ ولهذا قالَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - : «وإنِ امْرُؤٌ قاتلهُ أَوْ شاتَمهُ» قاتلهُ باعتداءٍ بِيَدِ إِمَّا علَى نفسِهِ أَوْ عَلَى مالهِ، أَوْ شاتمهُ بِاعْتداءٍ قوْلِيٍّ، المقاتلةُ اعْتداءٌ عمَلِيٌّ، والمشاتمةُ اعْتِداءٌ قوْلِيٌّ؛ فَما الَّذِي يُقابِلُ بِهِ هَذا الَّذِي حصلَ مِنْ إِساءةٍ واعتِداءٍ في حالِ الصومِ؟
قالَ: «فليقلْ: إني صائمٌ» «فليقلْ» أَيْ: المعتدَى عليهِ بِمقاتلةٍ أو مشاتمةٍ «فليقلْ: إني صائمٌ» وأَمرَ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - بتكرارِ ذَلِكَ فقالَ: «فليقلْ: ِإني صائمٌ» مرَّتينِ، تأْكِيدًا أنَّ عدمَ الردِّ ليسَ عجْزًا، بلْ طاعةً للهِ، وسُموًّا في النفسِ والعملِ ومُراعاةً للحالِ الَّتي هُوَ فِيها منَ الصِّيامِ والتقربِ إِلَى اللهِ تَعالَى بالصَّوْمِ الَّذي وَصَفهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - بأنهُ «جُنةٌ».
يجري الآنَ بينَ الناسِ مَواقفُ كثيرةٌ إمَّا في سيارةٍ، إِمَّا في طريقٍ، إِمَّا في مُعاملةٍ، إمَّا في دكانٍ، إِمَّا في مَوْقف منِ المواقفِ، يكونُ هُناكَ إِمَّا تقصيرٌ في حقِّ الشخصِ أَوِ الاعتداء، ينبغِي أنْ نوطنَ أنفُسَنا علَى الصبرِ والاحتسابِ وعدمِ مقابلةِ الإساءةِ بمثلِها، وتذكر أنَّنا في حالٍ منَ الصيامِ تَتَطَلَّبُ مِنَّا السُّمُوَّ بِأَنْ لا يقعَ مِنَّا رفثٌ، ولا يقعُ مِنَّا جهلٌ، ولا يقعُ مِنَّا مُسابةٌ ولا مُخاصمةٌ، بقدرِ الإِمْكانِ يبعدُ عنْ هذهِ المواطنِ، وعندَما يضطرُّ الإنسانُ إِلَى مثلِ هذهِ المواقفِ، فليقلْ لمنْ سابَّهُ أو شاتمهُ أوْ جهلَ عليهِ: إِني صائمٌ؛ وَلهذا قالَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ - في رِوايةٍ أُخْرَى قالَ: «وَلا يصْخَبُ فإنْ سابَّهُ أحدٌ أَوْ قاتلهُ فليقلْ: إِني امرؤٌ صائمٌ». قولهُ: «ولا يصْخبُ» يعْنِي لا يرفعُ صوتهُ وَلا يقابلُ الأذِيَّةَ بمثلِها، بلْ يقابُلها بِالإخْبارِ بِالصَّوْمِ، هَذا فيهِ تذكيرٌ للنفسِ عندَما يقولُ الإِنسانُ: «فإني امرؤٌ صائمٌ» تذكيرٌ للنفسِ، وأيْضًا إِخبارٌ للمعتدِي بأَني صائمٌ وهَذا يمنعُنني مِنْ أنْ أقابلَ إِساءتكَ بمثْلِها.
وبهذا يتبينُ حقيقةُ أنَّ الصيامَ سُموٌّ باِلأخلاقِ وعُلوٌّ عنْ سفاسفِ الأُمُورِ وقبيحِها؛ ولهذا الصومُ ينعكسُ عَلَى الصائمِ في أَمْرِيْنِ:
الأَمْرُ الأولُ: زيادةُ خيرٍ بأنْ يكُفَّ شرهُ عنِ الناسِ وَأَذاهُ، وَيَشتغلُ بِصالحِ العملِ؛ قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلمَ -: «منْ لم يدعْ قولَ الزورِ والعملَ بهِ» قولُ الباطلِ وَالعملَ بهِ «فلَيْسَ للهِ حاجةٍ في أَنْ يدعَ طعامهُ وشرابهُ»صحيحُ البخاريُّ (6057) فالصَّومُ ينعكسُ علَى الإِنْسانِ في قولهِ وعملهِ؛ في قولهِ ألا يَقولَ باطِلًا وَلا شَرًّا وَلا فاسِدًا، وَفي عَملهِ أَلَّا يعملَ بشرٍّ أوْ سُوءٍ أَوْ فسادٍ.
ثُمَّ إِذا وقعَ عليهِ اعتداءٌ يَسمُو أَيْضًا بألَّا يُقابلَ الإِساءةَ بِمثلِها، بلْ يقولُ: «إِنِّي صائمٌ» كَما وجَّهَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - «وَلا يصْخبُ فإنْ سابَّهُ أَحدٌ أوْ قاتلهُ فليقلْ: إِني امرُؤٌ صائمٌ».
المقدمُ: باركَ اللهُ لكُمْ يا شيْخَنا، تأذنُونَ بأخْذِ هَذا الاتِّصالِ مِنَ الأُختِ عائشةَ، حياكَ اللهُ يا عائشةُ.
المتصلةُ: السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، تفضَّلِي.
المتصلةُ: يا شيخُ أَنا عِنْدي سُؤالٌ أول: أَنا أستعملُ خاتمُ التسبيحُ لأجلِ العدِّ: سُبحانَ اللهِ، وأَستغفرُ اللهَ ... منَ الناسِ منْ يقولُ: هَذا لا يصلُحُ. فَما رأْيكمْ؟
المقدمُ: وَالثاني.
المتصلةُ: السؤالُ الثاني: جاءني العُذر الشرعِي في رَمضانِ، واليوم صُمتُ، وأَنا لمْ أُبَيِّتِ النيةَ؛ فَما الحكمُ؟
والسؤالُ الأَخيرُ: بينَنا وبينَ بَعْضِ الناسِ مُقاطعة، وأَنا أدْعُو اللهَ أنْ يَهْدِيهُمْ ويصلحهم، وأَنا راضيةٌ عنهُمْ؛ فهلْ هَذِهِ تقبلُ حَسنةً؟ وشُكرًا لكُمْ.
المقدمُ: شُكرا لكِ أُختُ عائشة باركَ اللهُ فيكَ. اتَّصالُ آخرُ مِنْ سَلْمانَ، حيَّاكَ اللهُ يا سَلْمان.
المتصل: السلامُ عليكُمْ ورحْمَةُ اللهِ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، تفضَّلْ.
المتصلُ: باركَ اللهُ فيكُمْ، أَنا تأخرَّتُ عنْ صَلاةِ العِشاءِ في أَحَدِ المساجدِ، وَكانَ الإمامُ يُصَلِّي التراويحَ، فدخلتُ معهُ بنيةِ صَلاةِ العِشاءِ، ولكنَّ الإِمامَ صَلَّى الشفعَ والوترَ مُتَّصلَيْن، فَفِي الركعةِ الثانيةِ وَاجْتِهادًا مِني انفصلتْ عنِ الإِمامِ وجلستُ للتشهدِ الأولِ وأَكملتُ الركعتينِ مِنْ صَلاةِ العِشاءِ، ثمَّ لحقتُ الإمامَ في دُعاءِ القُنوتِ، وَبعدَ السلامِ أَكْملتُ ركْعتينِ كشفعٍ لي؛ فهلْ هَذا صحيحٌ؟
المقدمُ: سُؤالٌ آخرُ أخِي سلمان؟
المتصلُ: لا، اللهُ يُجازيكمْ خيرًا، باركَ اللهُ فيكمْ.
المقدمُ: نكتفِي بِهذينِ المشاركتينِ. نعمْ شيخ خالد الأُخت عائشة تسألُ تقولُ: هلْ خاتمُ التسبيحِ جائزٌ؟
الشيخُ: التسبيحُ الأصلُ فيهِ أنْ يكونُ بِالأصابعِ، يعقدُ الإِنسانُ التسبيحُ بيمينهِ؛ لقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ -: «اعقدنَ» أيْ: اعقدنَ التسبيحُ «بأَناملكُنَّ فإنهنُّ مُستنطقاتٌ»سننُ الترمذيِّ (3583) وَهَذا ما كانَ يفعلهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلهِ وسلَّمَ - كَما في السننِ مِنْ حَديثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عمرٍو أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وسلَّم - كانَ يعقدُ التسبيحَ بيمينهِ. هَذا مِنْ فعلهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ، وأَمَّا مَنْ قولهُ: فقدْ قالَ في حديثٍ في السننِ منْ حديثِ يسيرة بنتِ ياسرٍ، قالَ - صلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلهِ وَسلَّمَ -: «واعقدنَ بالأناملِ فإنهنَّ مسؤولاتٌ مستنطقاتٌ» وهَذا ندَبَ إِلَى أنْ يكونَ التسبيحُ تَسْبيحًا باليدِ، وَلا فرقَ في ذلكَ بينَ التسبيحِ الَّذي يكونُ مَذْكورًا فيهِ عددُ كالتسبيحِ في أَدبارِ الصلواتِ أَوْ في أَذكارِ الصباحِ والمساءِ؛ يعني التسبيحُ المقيدُ بعددٍ كثلاثٍ وثلاثينَ تسبيحةً وتكبيرةً وتحميدةً أوْ سُبحانَ اللهِ وبحمدهِ مائةَ مرةٍ؛ فهَذا كُلُّهُ يدخلُ في عُمومِ قولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - في حديث يسيرة بنتِ ياسرٍ: «يا نساءَ المؤمناتِ، عليكنَّ بالتسبيحِ والتهليلِ والتقدِيس،ِ ولا تُغفلْنَ فتنسينَ الرحْمةَ» ثمَّ قالَ: «واعقِدنَ بِالأناملِ فإنهن مسؤولات مستنطقات» هذا هُوَ الأفضلُ وَهَذا هُوَ الأكملُ.
لكنْ لَوْ أنَّ إِنْسانًا قالَ: أَنا لا أُحسنُ العدَّ وأخْشى أنْ أَنْسَى المطلوبَ، فلوْ سبحَ بهذهِ أَوْ عدَّ بشيءٍ ليتقنَ العدَدَ؛ فَلا بأْسَ.
أمَّا في التَّسْبيحِ المطلقِ فَأَنا أقولُ: ينبغِي أَلَّا نهتمَّ بالعددِ، فإنَّ اللهَ تعالَى لا تخفَى عليهِ خافيةٌ، وقدْ أَحْصَى كلَّ شيءٍ عددًا - سبحانهُ وبحمدهِ - فَليسَ هُناكَ داعٍ لاستعمالِ هذهِ العداداتِ؛ لأنهُ في الحقيقةِ أحيانًا هذهِ العدَّاداتُ لَها سلبيةٌ منْ جهِةِ أنَّ الإِنْسانَ يَسْتكثرُ العملَ، فإذا سبحَ ألفَ مرةٍ، مائةَ مرةٍ، صلَّى علَى النبيِّ عددًا مُعينًا وقدْ أحصاهُ بهذهِ العداداتِ - كانَ ذلكَ لهُ منَ الآثارِ الَّتي ينبغِي أنْ يحفظَ نفْسهُ عَنْها مِنْ أَنْ يُعْجبَ بعملهِ.
المقدمُ: يعْني تغرهُ نفسهُ يا شيخ.
الشيخ: أي نعمْ، قد تغرهُ نفسهُ، قدْ يُعجبُ بعملهِ، قدْ يستكثرُ العملَ، فيدخلُ في الاستكثارِ الَّذي نهَى اللهُ ـ تعالَى ـ عنهُ في قولهِ: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾المدثر: 6 المقصودُ أنَّ الحديثَ واضحٌ، ولا يسمعهُ مؤْمِنٌ إلَّا وَيُبادرُ الامتثالَ؛ قالَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – لِلمُهاجِراتِ: «عليكنَّ بِالتسبيحِ والتهليلِ والتقديسِ، واعقدنَ بالأناملِ فإنهنَّ مسؤولاتٌ مستنطقاتٌ».
المقدمُ: باركَ اللهُ فيك يا شيخَنا، أَيْضًا تَسألُ تقولُ: كانتْ مَعذورةً شَرْعًا في الصيامِ ولمْ تنوِ الصيامَ في الليلِ وطهرتْ قبيلَ الفجرِ أوْ بعدَ الفجرِ؛ فَما الحُكمُ؟ هلْ تُواصلُ صِيامَها ولَوْ أَنَّها لمْ تُبَيِّتِ النيةَ، أوْ ماذا تفعلُ؟
الشيخُ: الصومُ منْ شرطِهِ في قولِ جمهورِ العُلماءِ أَنْ يكونَ الإِنْسانُ قدْ بيَّتَ النيةَ منَ الليلِ؛ فقدْ جاءَ فِيما رواهُ أصحابُ السننِ مِنْ حديثِ حفصةَ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنْها أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - قالَ: «مَنْ لمْ يبيتِ الصِّيامَ قبلَ الفجرِ فَلا صِيامَ لهُ»أخرجهُ الدارقطني (2/171) وهَذا الحديثُ يدلُّ علَى أنَّ الصومَ الواجبَ يجبُ فيهِ نيةٌ منَ الليلِ، هَذا مَعْنى «يُبيِّتُ الصِّيامَ قبلَ الفجرِ» يَعني ينويهِ قبلَ الفجرِ، «فَلا صِيامَ لهُ» أي: لا يُعتدُّ بِصيامِهِ.
فإذا كانتْ أُخْتُنا عَلَى ما ذكرتْ منْ أنَّها لم تنْوِ الصِّيامَ مِنَ الليلِ بأنْ كانتْ مَثَلًا علَيْها العذرُ ثُمَّ لما استيقظتْ وجدَتْ أنَّ العُذرَ قدْ انْتَهَى ولم تُبَيِّتِ الصِّيامَ منَ الليلِ؛ فَفِي هذهِ الحالِ تَقْضِي مَكانَ هَذا اليومِ بعدَ رَمَضانَ إِنْ شاءَ اللهُ تَعالَى؛ لأنهُ لم يَتحققْ لها: «مَنْ لم يبيتِ الصيامَ قبلَ الفجْرِ فَلا صِيامَ لهُ».
وفي العُمومِ: كلُّ صائمٍ يحرصُ علَى أنْ ينوِيَ الصيامَ مِنَ الليلِ إِذا كانَ صَوْمًا واجِبًا، بِالنسبةِ لِرمضانَ المسلِمُونَ ينوُونَ الصيامَ مِنْ أولِ ليلةٍ منْ ليالي رَمَضانَ ينوُونَ الصيامَ لِشهرٍ كاملٍ، فهلْ تَكْفِي هذهِ النيةُ أَمْ لابدَّ منْ تجديدِ النيةِ لِكلِّ يومٍ مِنَ العُلَماءِ؟ وَهَذا قولُ الجُمهورِ أنهُ لابدَّ مِنْ تَبِييتِ النيةِ لكلِّ يومٍ، طَبْعًا تَبْييتُ النيةِ لَيْسَ أَمْرًا عسيرًا أَوْ يَحْتاجُ إِلَى أنْ يَتكلَّمَ أوْ يتلفَّظَ، فَعِنْدما يستحضرُ أنهُ غَدًا سيصومُ فيأكلُ مِنَ الأكلِ ما يستعدُّ بهِ لِلصيامِ، فعشاءُ الصائمِ الَّذي سيصُومُ غَدًا ليسَ كَعشاءِ الَّذي انْتَهَى صومهُ، وبِالتالي الأَمْرُ لا يحتاجُ إِلَى أَكْثرَ منِ استحْضارِ النيةِ في القلبِ، وَهذهِ نيةٌ لا تحتاجُ إِلَى قولٍ أَوْ عملٍ.
لكنْ لوْ أنهُ حصلَ ما يمنعُهُ مِنْ ذلِكَ؛ إِذا قُلْنا مَثَلًا نامَ قبلَ المغرِبِ وَاستيقظَ بعدَ الفجرِ منَ اليومِ التالي، هُنا مَضَى الليلُ كلُّهُ وهُوَ نائمٌ فلمْ يُبَيِّتِ النيَّةَ، هُنا عَلَى قولُ الجُمهورِ لا يصحُّ صومُ اليومِ التالي، يمسكُ وعليهِ القضاءُ؛ لأنهُ لم يبيتِ النيةَ منَ الليلِ، وعلَى قولِ الإمامِ مالكٍ - رحمهُ اللهُ - أنَّهُ يكفيهِ نيةٌ مِنْ أولِ الشَّهْرِ ما لم ينقضْها بفطرٍ أوْ غيرهِ مما ينقضُ بفطرٍ؛ كأَنْ يُسافرَ مَثلًا أوِ المرأةُ يأتِيها عُذرٌ أَوْ يفطرُ منْ غيرِ عُذرٍ، وَهَذا هُوَ القولُ الأقربُ لِلصوابِ وَاللهُ تعالَى أعلمُ، لكنْ تبييتُ النيةَ في كلِّ ليلةٍ منَ الأفضلِ لكُلِّ صائمٍ؛ حتَّى يحققَ ما قالهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ -: «منْ لم يبيتِ الصيامَ قبلَ الفجرِ فَلا صِيامَ لهُ» وهُوَ الأحوطُ.
فعلَى هَذا خُلاصةُ الجوابُ أنهُ لما صامتْ ولمْ تنوِ مِنَ الليلِ تَقْضِي مَكانَ هَذا اليومِ، تستمرُّ مُمسكةٌ هَذا اليومَ وتَقْضِي مكانَهُ يَوْمًا آخَر بعدَ رَمَضانَ إِنْ شاءَ اللهُ.
المقدمُ: تستمرُّ عَلَى الإِمْساكِ يا شيخِ.
الشيخُ: أي نعمْ، لا تفطرُ.
المقدمُ: هِيَ تسألُ أَيْضًا حوْلَ المقاطعةِ بينَ الأَهْلِ أَوْ بينَ المعارفِ وَالأقاربِ وَهِيَ تقولُ: رغمَ هذهِ المقاطعةِ إِلَّا أَنَّها رضيتْ عنهمْ وعفتْ عنهمْ وسامحتهمْ؛ فهلْ تؤجرُ في هَذا؟
الشيخُ: هِيَ تؤجرُ علَى العفْوِ ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾الشورى: 40 ، لكنْ ينبغِي أنْ تُبادرَ إِلَى إِزالةِ القطيعَةِ؛ لأَنَّ نفسَ القطيعةِ شيءٌ مَذمومٌ ومنْهِيٌّ عنهُ ويُنافي ما أمَرَ ـ تعالَى ـ بهِ مِنْ صِلَةِ الأَرْحامِ، لكنْ هُناكَ أَحْيانًا وَصْلٌ مَعَ عدمِ العفوِ، وَهُناكَ قطيعةٌ معَ عَدمِ عفوٍ، وَهُناكَ الصورةُ الَّتي ذكرت عفوٌ معَ قطيعةٍ، هُنا نقولُ: لا يكملُ الإحسانَ في مثلِ هَذهِ الحالِ إِلَّا أنْ يَصِلَ الإِنسانُ قرباته، يصبرُ علَى ما يكونُ منَ الأَذى؛ كَما جاءَ في الصحيحِ مِنْ حديثِ أَبي هريرةَ أَنَّ رَجُلًا قالَ: «يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لي قرابةً أصلهمْ وَيقطعُونَني»؛ يَعْني يُقابلُونَ الإِحْسانَ بِإساءةٍ «أصلهُمْ وَيقطعُونني، وأُحسنُ إليهمْ ويُسيئُونَ إِليَّ، وأحلمُ عنهمْ ويجهلُونَ عليَّ» فقالَ النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ - : «لَئنْ كُنتَ كَما قلتَ فكأنهُمْ تُسِفُّهُمُ الملَّ» انظرُ إِلَى التوجيهَ النبويَّ قالَ: «وَلا يزالُ مَعكَ مِنَ اللهِ ظهيرٌ عليهمْ مادُمتَ عَلَى ذلكَ» هذا ندبٌ للاستمرارِ، يعني لمْ يقلْ لهُ: (كفيتَ ووُقِيتَ وَما عليكَ شيءٌ)، لا قالَ: «ولا يزالُ معكَ مِنَ اللهِ ظهيرٌ عليهمْ مادُمتَ علَى ذلكَ» صحيحُ مسلمٍ (2558) ندبَ إِلَى أَنْ يستمرَّ عَلَى هذهِ الحالِ معَ قرباتهِ؛ فيصلُ وإنْ قَطعُوا، ويحسنُ وإنْ أَساءُوا، ويصبرُ ويحلمُ وإِنْ جَهِلُوا عليهِ.
فنقولُ: يا أُخْتي عَفا اللهُ عنكِ لما عفوتِ عنهمْ، ولكنْ صِليهمْ ولوْ بِالسلامِ، وأوجهُ الوصلِ الممكنةِ.
المقدمُ: شيخُنا وردَ لي سُؤالانِ:
السؤالُ الَّذي استمعتمْ إليهِ مِنَ الأخِ سَلْمانَ وَهُوَ مشابهٌ لِسؤالٍ بعثَ بهِ أحدُ الإخوةِ يقُولُ الأخُ سلْمان: لم أُصَلِّ العِشاءَ ودخلتُ مَعَ الإِمامِ في صلاةِ التراويحِ بنيةِ صَلاةِ العِشاءِ، ثُمَّ لما تبينَ لي بِأنَّ الإِمامَ دخَلَ في صَلاةِ الوِتْرِ، انفصلتُ عنهُ في الصَّلاةِ وأَتْممْتُ صَلاةَ العِشاءِ وحْدِي، ثمَّ عُدْتُ مرَّةً أُخْرَى ودخلْتُ معَهُ في صلاةِ التراويحِ لأُدْركَ دُعاءَ القُنوتِ؛ فَما حُكْمُ هَذا؟
الشيخُ: يا أَخِي لما دَخَلَ معَ الإِمامِ في الصلاةِ وَكانَ قدْ وَصَلَ الوترَ - أَوْتَرَ بثلاثِ ركْعاتٍ - فَما فعلهُ أَخُونا لَيْسَ صَحِيحًا، الواجبُ عليهِ أنْ يستمرَّ معَ إمامهِ، فَإِذا قام الإمامُ إِلَى الثالِثةِ يقومُ معهُ مُتابِعًا لهُ، وَيُتمُّ الصَّلاةَ حَتَّى إِذا فرغَ الإمامُ قامَ وَأَتَى بما بَقِيَ عليهِ مِنْ صَلاتهِ وهِيَ الركعةُ الأخيرةُ مِنْ صَلاةِ العِشاءِ، أمَّا الانْفِصالُ فَهذا الَّذي حصَلَ جهِلَ وَلا شيءَ عليهِ فِيما مضَى، لكنَّ الكَلامَ علَى المستقبلِ: إِذا دخلَ الإِنْسانُ معَ إمامٍ في صلاةِ الشفعِ وهُوَ لم يُصلِّ العِشاءَ والإمامُ أوْتَرَ بِثلاثٍ مُتصلةٍ فإنَّ الَّذي يجبُ عَلَى المأْمُومِ أنْ يُتابعَ إِمامهُ، وَإِذا فرغَ الإمامُ مِنْ صَلاتهِ بِالتسليمِ قامَ وأَتَى بما بَقِيَ عليهِ مِنْ صَلاتهِ سَواءٌ أَدْركَ معهُ رَكْعةً أو ركْعتينِ أَوْ أَدْركَ الصَّلاةَ كامِلةً، يأْتِي بركعةٍ وَهِيَ تتمَّةُ صلاةِ العِشاءِ بِالنسبةِ لَهُ.
أمَّا ما فعلهُ فَهُوَ خِلافُ الصوابِ، لَكنْ يُعذرُ بِعدمِ معرفتهِ وَعدمِ علمهِ.
المقدمُ: عليهِ إعادةُ الصلاةِ يا شيخ؟
الشيخُ: لا، ليسَ عليهِ إِعادةُ الصلاةِ؛ لأنهُ أَكْمَلَ صلاتهُ، لكنهُ أَكْمَلَها مُنفَرِدًا فانفصلَ عنْ إِمامهِ، الانفصالُ عنِ الإِمامِ لا يجوزُ إِلَّا لِسببٍ، وأَمَّا هَذا السببُ فليسَ مُسوغًا للانْفِصالِ عنِ الإِمامِ.
المقدمُ: هذهِ رسالةٌ يقولُ فِيها السائلُ: فاتتْهُ صلاةُ الجمعةِ ودخلَ مَعَ الإِمامِ في صلاةِ العصرِ بنيةِ الجمعةِ، وبعدَ ذلكَ صَلَّى العصْرَ مُنْفردًا؛ فَما الحكمُ؟
الشيخُ: ما في جُمعةٍ، الجُمعةُ فاتتهُ.
المقدمُ: صحيح فاتتهُ الجمُعةُ، ويقولُ: وأردتُ الجمعة أنْ تكونَ في العصرِ.
الشيخُ: علَى كُلِّ حالٍ، أَخِي الكريمَ، هَذا الَّذي فعلتهُ خَطأٌ، بمعْنَى أنَّ الجمعةَ لا تُصلِّى أولًا إِلَّا في جماعةٍ مَعَ الإِمامِ في وَقْتِها.
المقدمُ: لا تقضى يا شيخ؟
الشيخُ: لا تقضى الجمعة، فلَوْ جاءَ الآنَ إِلَى صلاةِ الجمعةِ بَعدَ رفْعِ الإمامِ منَ الركوعِ الثاني، صَلَّى أَرْبعًا، لا يُصلي ركْعتينِ، فكيفَ والآنَ قدْ فرغَ الإمامُ مِنْ صلاةِ الجمعةِ وأدركهُ في صَلاةِ العصرِ!! لا سبيلَ لإِدراكِ الجمعةِ، فاتتْ الجمعةُ.
وأُوصيكَ بِتقوَى اللهِ تَعالَى وَالحرصِ علَى صلاةِ الجمعةِ، ولعلِّي أُنبهُ إلَى هَذا، نحنُ يا إِخْوة ينبغِي أنْ نعرِفَ قدرَ صَلاةِ الجمعةِ؛ صَلاةُ الجمعةِ أَعظمُ الصلواتِ عندَ اللهِ، وليسَ في الصَّلَواتِ ما يُوازِيها قَدْرًا وَمكانةً وَمنزلَةً وأَجْرًا وَلا عقوبةً في التركِ، اللهُ ـ تعالَى ـ يقولُ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾الماعون: 4 - 5 هَذا لِلصلواتِ كُلِّها، وفي صَلاةِ الجمعةِ الأمرُ أَعظمُ فقدْ قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - كَما في صحيحِ الإمامِ مُسلمٍ منْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ وأَبي هُريرةَ أَنَّهُما سَمعا النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم - علَى أَعْوادِ منبرهِ يَقُولُ: «لينتهينَّ أقوامٌ عنْ وَدَعِهِم الجمُعاتِ» أَيْ: عنْ تركهمْ الجمُعاتِ وَتفريطهِمْ في حُضُورِها «أَوْ لَيختمنَّ اللهُ علَى قلُوبهمْ ثُمَّ لَيكونُنَّ مِنَ الغافِلينَ»صَحيحُ مسلمٍ (865).
ولذلكَ أُوصِي نفسي وإِخْواني بِالحرصِ عَلَى صَلاةِ الجُمعةِ، وَعَلَى أَدائِها في وقتِها، وَفي رَمَضانَ بسببِ أنَّ كَثِيرًا مِنَ الناسِ يَنامُ بعدَ الفجرِ وَلا يأخُذُ قِسْطًا مِنَ النومِ في الليلِ، فَيكونُ منهِمْ تفريطٌ بِتَفويتِ صَلاةِ الجمعةِ، فينبغِي أِنْ نَحْتاطَ وأَنْ نَتهَيَّأَ لِلجُمعةِ، وأَنْ نَذكِّرَ أنفُسَنا وأَبْناءِنا وأَهْلِينا بأَنَّ الليلةَ ليلةُ الجمعةِ: يا جماعةَ الخيرِ غَدًا الجمعةُ، استَعِدُّوا تهيَّئُوا، فَيكونُ التنبيهُ مِنْ قِبَلِ أَولياءِ الأُمُورِ حَتَّى يَحْتاطَ الأَولادُ ويتنبِهُوا لمكانةِ هَذهِ الصلاةِ.
المقدمُ: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾الذاريات: 55 .
الشيخُ: بِالتأكيدِ، ونقولُ: يا إخوان بالتجربةِ التذكيرُ يُحييِ القُلُوبَ كَما قالَ تعالَى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾الذاريات: 55 يتنبَّهُ الإنسانُ وَتزولُ الغفلةُ، ويحرصُ الأبناءُ والإخوانُ وَمَنْ تجبُ عليهمُ الجمعةُ أَنْ يُبكرُوا لَها وأنْ يَستقيظُوا لأدائِها في وقْتِها الَّذي شَرعَ اللهُ عزَّ وجلَّ.
أَمَّا بِالنسبةِ لأَخِينا فَما فعلهُ غَلطٌ، ليسَ صحيحًا، الواجبُ عليهِ أنْ يُعيدَ الآنَ صلاةَ الظُّهرِ ويُصَلِّيها أرْبعًا، ثُمَّ يُصَلِّي العصرَ، هَذا الواجبَ عَليهِ، لكنِ الآنَ إِذا كانَ قدْ صَلَّى العصرَ أَرْبعًا، وَإِنَّما أَخطأَ في صَلاةِ الجمعةِ بِأنْ صَلَّاها ركعتينِ بعدَ انتهاءِ وقتِها فعليهِ أنْ يُعيدَ الصَّلاةَ أرْبَعًا.
المقدمُ: ولوْ أنهُ صَلَّى ويُريدُ الجمعةَ ظُهرًا يُصَلِّيها أَرْبعًا معَ صلاةِ الإِمامِ أَرْبعًا في العصرِ.
الشيخُ: أي نَعمْ، أَحسنتَ، لوْ أنهُ جاءَ والإمامُ يُصلِّي العصرَ، وقدْ فاتتهُ الجمعةُ، يدخلُ مَعَ الإمامِ وَيُصَلِّي أَرْبعًا، هُوَ يَنْوِيها الظهرَ خلفَ مَنْ يُصَلِّيها عَصْرًا، ثمَّ إِذا فرغَ إِمامهُ مِنَ الصَّلاةِ قامَ وَجاءَ بِصلاةِ العصرِ الَّتي لمْ يُصلِّها.
المقدمُ: شكرَ اللهُ لكُمْ شَيخُ خالدٍ، وقبلَ الخِتامِ الكلمةِ الأَخِيرةِ لكمْ حفظكُمُ اللهُ.
الشيخُ: أُوصي نَفْسي وَإِخْواني بِاغتنامِ هَذا الشهرِ المباركِ، وَالاجتهادِ فيهِ بِصالحِ الأَعْمالِ، وَالدُّعاءِ بِكُلِّ خيرٍ لكمْ ولمنْ تُحبونَ وَلِوُلاةِ أَمْركمْ ولبلادكمْ وَلُعُمومِ المسلمينَ بكلِّ خيرٍ.
وأنا أُوصِي نفسي وَإِخْواني ألَّا يمضِي علَيْنا فرصةٌ منَ الفُرَصِ الَّتي أَتاحَها اللهُ لَنا بِالعطاءِ وَالفضْلِ، عندَ الفطرِ، وفي الصَّلَواتِ، وفي أَدْبارِ الصَّلواتِ، وفي السُّجُودِ، وفي آخرِ الليلِ لاسِيَّما وأنَّ أَكثرَ الناسِ يسهرُونَ، إِلَّا ونتوجَّهُ إِليهِ بِما نُحبُّ منْ خيرِ الدُّنْيا والآخرةِ ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾البقرة: 201 ، وأن نشركَ في دُعائِنا منْ نحبُّ مِنْ أبنائِنا وبناتِنا وأزواجِنا ووالدِينا وإِخْوانِنا وأَخواتِنا وجميعَ قَراباتِنا، وكذلكَ نَدْعُوا لوُلاةِ أُمُورنا؛ فلهمْ حقٌّ عليْنا بِالتوفيقِ وَالتسديدِ وَالحفظِ وَالصِّيانةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْييدِ، وكذلكَ لبلادِنا ولجنودِنا المقاتلينَ، وكلُّ منْ لهمْ حقٌّ عليكَ، أوفِ شَيْئًا منْ حقهمْ بالدعاءِ لهمْ، واللهُ كريمٌ، لاسِيَّما في هَذا الشهرِ المباركِ، نسألُ اللهَ أنْ يجعلهُ مُباركًا عليْنا بالصالحاتِ، وأنْ يَحْفَظَنا مِنْ بينِ أيدِينا وَمِنْ خَلْفِنا، وأنْ يُوفِّقَنا وَوُلاةَ أَمْرِنا إِلَى ما فيهِ خيرُ الدِّينِ والدُّنْيا، وَصَلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نبيِّنا محمدٍ، والسلامُ عليكمْ وَرحمةُ اللهِ وبركاتهُ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.