السؤال:
ما معنى قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}سورة القصص: الآية 24. ؟
الجواب:
هذا القول لموسى عليه السلام لما خرج خائفًا من فرعون وقومه، وتوجه إلى مدينة مدين، {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ _فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} وهذا نوع من الإحسان، ثم تولى وانصرف وخلا بربه ودعاه قائلاً: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وهذا دعاء عظيم يبين عظيم ما في قلب موسى عليه السلام من الاعتماد على الله تعالى، وتفويض الأمر إليه؛ فإنه لم يسأل شيئًا معينًا، مع أنه خرج من مصر خائفًا يترقب، لا يدري إلى أين يذهب؟! وهو غريب في هذا المكان، وليس له مطعم ولا مأوى، ومع ذلك لم يسأل ربه لا أمنًا، ولا مأوى ولا طعامًا ولا مؤنسًا! إنما أظهر فقره وحاجته لربه دون تعيين؛ لأنه لا يدري فيما يكون، فجاءه الإحسان من الله تعالى، وهكذا يحسن الله تعالى للمحسنين {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}سورة الرحمن الآية 60، فكما تكون للناس يكون الله لك، وبهذا الدعاء العظيم، فتح الله عليه العطايا {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}، ثم بعد هذا كله جاء أعظم عطاء، وأكبر نوال، وهو الرسالة {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فهذه العطايا الكبيرة كلها بفضل تلك الدعوة المختصرة في ألفاظها العظيمة في معناها {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ}.