من سنن الإحرام وآدابه أن يحرم بعد صلاة، وهذا أقرب الأقوال في وقت الإحرام بعد الصلاة مباشرة، فإذا سلم من صلاته قال:" لبيك عمرة" أو "لبيك حجة" أو "لبيك عمرة وحجة".
إذا كان قد تهيأ، بمعنى أنه تطيب، ولبس إزاره ورداءه واستعدوا استعداداً فرغ فيه من حوائجه، أما إذا كان له حوائج فلينتظر، حتى يقضي حاجته من التطيب وسائر ما يحتاجه لإحرامه ثم بعد ذلك يلبي، لكن إن كان قد تهيأ فالسنة أن يحرم بعد الصلاة من عند موضع الصلاة، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة»؛ و"قل" هذه لا تستلزم المباشرة، لكن فيما يظهر أن الأمر بالصلاة وقول النسك بعدها هو مما يقترن، ولذلك جاء عن ابن عباس فيما أخبر به سعيد بن جبير في المسند وغيره أنه قال:«عجباً لكم أصحاب رسول الله صلى الله وسلم اختلفتم في إحرامه مع أنه لم يحج إلا حجة واحدة»؛ وذلك أن من الصحابة من قال :"يسن أن يحرم بعد الصلاة"، ومنهم من قال :"إذا استويت راحلته"، إذا ركب دابته، ومنهم من قال :"إذا استوى على البيداء وعلا على مكان مرتفع في مكان الميقات لبَّى"، كما في حديث جابر.
وحديث ابن عباس في إسناده مقال، لكنه جمع واضح بين هذه الأقوال أن النبي صلى عليه وسلم كان يفد عليه الناس أرساناً فمنهم من أدركه يلبي بعد الصلاة، فقال:"إنما أهل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الصلاة عند المسجد"، ومنهم من سمعه يلبي عندما علا على راحلته واستويت قائمة فقال :"نعم لبى لما ركب راحلته واستويت به قائمة"، ومنهم من سمع تلبيته عندما علا على البيداء وأشرف على مكان مرتفع فأخبر بما رأى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والأقرب فيما يظهر والله تعالى أعلم أن السنة في الإحرام أن يكون بعد الصلاة، إلا أن يكون له حاجة فينتظر حتى يركب دابته.
وهذا هو الجمع بين هذه الأخبار المختلفة عن أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.