السؤال: من وقع في شيء من محظورات الإحرام فماذا يترتب عليه؟
الجواب: هذه المحظورات ممنوعات وإذا كانت ممنوعة فيجب اجتنابها، وإذا وقع منها شيء حال الجهل أو النسيانِ أو الإكراه أو الخطأ فإنه لا حرج عليه في ذلك، هذا الراجح من قول العلماء لا يترتب عليه شيء؛ لأن هذه الأمور مما يرتفع بها التكليف « عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»؛ والعفو هو رفع المؤاخذة على الفعل، ورفع ما يترتب على ذلك مما يتعلق بالكفارات، إذا كان يترتب على الفعل كفارة أو فدية، ودليل هذا قول الله -جل وعلا-: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾الأحزاب:5 ، وقول الله تعالى:﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾البقرة:286 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه »، فهذه كلها من النصوص الدالة على أن الإنسان إذا فعل شيء من هذه المحظورات، وهو جاهل أو ناسي أو ُمكره فإنه لا إثم عليه، لكن إن فعلها مختاراً ذاكراً عالماً، فإنه يكون بذلك قد وقع في محظورٍ من محظورات الإحرام يترتب على هذا الفدية.
والفدية ليست أمراً خيارياً بمعنى "اجتنب هذه المحظورات ولك خيار أن تفعلها وتفدي" بعض الناس يتعامل مع الواجبات في الحج، وكذلك مع المحظورات من هذا المنطلق، إن الواجب أنت مخير أنك تفعل أو تذبح شاة، المحظورات أنت مخير أن تجتنب هذه المحظورات أو أن تأتي بالفدية، وهذا ليس بصحيح، بل الواجب التجنب لقوله تعالى:﴿فمن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ البقرة:197 ؛ فنهى الله تعالى عنها وحرّمها فيجب اجتنابها، لكن لو وقع الإنسان في شيء من ذلك إما لغلبة نفسه، وهواه وشهوته في شيء من المحرمات هذه أو لحاجته فثمّةَ أحكام تترتب على هذا الفعل وهو الفدية.
ذكرت أن الفدية هي ما يترتب على ارتكاب المحظور، وهي على أنواع باختلاف المحظورات:
أولاً:ما لا فدية فيه من المحظورات، وهو محظور واحد، وهو النكاح والخطبة فإذا نكح أو أنكح المحرم أو خطب فإنه آثم بفعله، لكن لا يترتب على ذلك فدية باتفاق العلماء ما الذي يترتب عليه؟ يترتب عليه بطلان العقد، أن العقد لا يصح ولا فدية فيه، هذا النوع الأول مما يترتب على مخالفة المحظورات ما لا فدية فيه.
النوع الثاني:فديته مغلظة، وهو الجماع وذلك بإيجاب البدنة، وإبطال النسك ووجوب المضي فيه، ووجوب الإتيان بنسك صحيحٍ سواء كان حجاً أو عمرة، وهذه فدية مغلظة والأصل في هذا المرجع في هذه المترتبات على الجماع، إنما هو ما جاء الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-.
النوع الثالث:من المحظورات ما فيه فدية وهي فدية أذى، فدية الأذى هي ما جاء النص عليها في قوله تعالى ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ البقرة:196 ؛ فاحتاج لأن يفعل محظوراً، وهو الحلاق فدية من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك خيره بين ثلاثة أمور، وقد جاء تفصيل ذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث كعب بن عجرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رآه وقد بلغ به الوجع ما بلغ قال انسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، فخيره النبي -صلى الله عليه وسلم-بين هذه الخصال الثلاثة، وبالتالي إذا فعل الإنسان محظور من محظورات الإحرام كلبس الثياب و أو تغطية الرأس أو التطيب أو تقليم الأظافر أو لبس ما فيه طيب وسائر بقية المحظورات إذا فعل هذا فيها فدية الأذى .
القسم الرابع: من محظورات الإحرام ما يجب فيه الجزع، وهو الصيد فإن الله تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ َمْرِه﴾ المائدة:95 ؛ فبين الله تعالى المترتب على قتل الصيد.
إذاً الفدية، وهو ما يترتب على مخالفة ما وجبَ اجتنابه من محظورات الإحرام على هذه الأقسام الأربعة :ما لا فدية، وهو النكاح.
ما فيه فدية مغلظة، وهو الجماع.
ما فيه فدية أذى، وهو غالب محظورات الإحرام.
ما فيه الجزاء بالمثل وهو قتل الصيد.