قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" ولما احتج الجهمية على الإمام أحمد وغيره من أهل السنة على أن القرآن مخلوق بقول النبي صلى الله عليه وسلم «تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف ويأتي القرآن في صورة الرجل الشاحب » ونحو ذلك قالوا : ومن يأتي ويذهب لا يكون إلا مخلوقا أجابهم الإمام أحمد بأن الله تعالى قد وصف نفسه بالمجيء والإتيان بقوله:{هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} وقال:{وجاء ربك والملك صفا صفا} ومع هذا فلم يكن هذا دليلا على أنه مخلوق بالاتفاق.
بل قد يقول القائل : جاء أمره وهكذا تقوله المعتزلة الذين يقولون : القرآن مخلوق يتأولون هذه الآية على أن المراد بمجيئه مجيء أمره فلم لا يجوز أن يتأول مجيء القرآن على مجيء ثوابه ؟ ويكون المراد بقوله تجيء البقرة وآل عمران بمجيء ثوابها وثوابها مخلوق .
وقد ذكر هذا المعنى غير واحد وبينوا أن المراد بقوله : « تجيء البقرة وآل عمران » أي : ثوابهما ليجيبوا الجهمية الذين احتجوا بمجيء القرآن وإتيانه على أنه مخلوق فلو كان الثواب أيضا الذي يجيء في صورة غمامة أو صورة شاب غير مخلوق لم يكن فرق بين القرآن والثواب ولا كان حاجة إلى أن يقولوا : يجيء ثوابه ؟ ولا كان جوابهم للجهمية صحيح بل كانت الجهمية تقول : أنتم تقولون إنه غير مخلوق ؛ وأن ثوابه غير مخلوق فلا ينفعكم هذا الجواب . فعلم أن أئمة السنة مع الجهمية كانوا متفقين على أن ثواب قراءة القرآن مخلوق فكيف يكون ثواب سائر الأعمال ؛ وهذا بين فإن الثواب والعقاب هو ما وعد الله به عباده وأوعدهم به ؛ فالثواب هو الجنة بما فيها ؛ والعقاب هو النار بما فيها ؛ والجنة بما فيها مخلوق والنار بما فيها مخلوق".
"مجموع الفتاوى" ( 8/408-409).