قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" فإن هؤلاء الملاحدة من المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من المخالفين لما جاء به الرسول في الأمور العلمية كالتوحيد والمعاد وغير ذلك يقولون : إن الرسول أحكم الأمور العملية المتعلقة بالأخلاق والسياسة المنزلية والمدنية وأتى بشريعة عملية هي أفضل شرائع العالم ويعترفون بأنه لم يقرع العالم ناموس أفضل من ناموسه ولا أكمل منه . فإنهم رأوا حسن سياسته للعالم وما أقامه من سنن العدل ومحاه من الظلم . وأما الأمور العلمية التي أخبر بها - من صفات الرب وأسمائه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار - فلما رأوها تخالف ما هم عليه صاروا في الرسول فريقين . فغلاتهم يقولون : إنه لم يكن يعرف هذه المعارف ؛ وإنما كان كماله في الأمور العملية . العبادات والأخلاق . وأما الأمور العلمية : فالفلاسفة أعلم بها منه ؛ بل ومن غيره من الأنبياء . وهؤلاء يقولون : إن عليا كان فيلسوفا وأنه كان أعلم بالعلميات من الرسول وأن هارون كان فيلسوفا وكان أعلم بالعلميات من موسى . وكثير منهم يعظم فرعون ويسمونه أفلاطون القبطي ويدعون أن صاحب مدين الذي تزوج موسى ابنته - الذي يقول بعض الناس إنه شعيب - يقول هؤلاء : إنه أفلاطون أستاذ أرسطو ويقولون : إن أرسطو هو الخضر - إلى أمثال هذا الكلام الذي فيه من الجهل والضلال ما لا يعلمه إلا ذو الجلال . أقل ما فيه جهلهم بتواريخ الأنبياء . فإن أرسطو باتفاقهم كان وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ به اليهود والنصارى التاريخ الرومي . وكان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة . وقد يظنون أن هذا هو " ذو القرنين " المذكور في القرآن وأن أرسطو كان وزيرا لذي القرنين المذكور في القرآن وهذا جهل . فإن هذا الإسكندر بن فيلبس لم يصل إلى بلاد الترك ولم يبن السد وإنما وصل إلى بلاد الفرس . وذو القرنين المذكور في القرآن وصل إلى شرق الأرض وغربها وكان متقدما على هذا يقال : إن اسمه الإسكندر بن دارا وكان موحدا مؤمنا ؛ وذاك مشركا : كان يعبد هو وقومه الكواكب والأصنام ويعانون السحر كما كان أرسطو وقومه من اليونان مشركين يعبدون الأصنام ويعانون السحر ولهم في ذلك مصنفات وأخبارهم مشهورة وآثارهم ظاهرة بذلك . فأين هذا من هذا ". "مجموع الفتاوى" ( 4/160-161).