×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / العقيدة الطحاوية / أفعال العباد خلق الله وكسب من العباد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قوله - رحمه الله -: «والخير والشر مقدران على العباد» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن كل ما يجري على الخلق من الحوادث من خير أو شر فإنه يجري بقدر الله، قد سبقه علم الله، وكتابته، وهو كائن بمشيئته، وإيجاده، قال الله تعالى: ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾ +++ القمر: 49---  فلا يخرج عن تقدير الله - عز وجل - شيء من شؤون الخلق، بل الجميع تحت قهره وقدرته وخلقه - سبحانه وتعالى -، فتقدير الله تعالى شامل لكل ما يجري من الحوادث، سواء مما يحبه الناس ويميلون إليه أو ما يكرهونه وينفرون عنه، وهذا مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وقد دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {الله خالق كل شيء}، وقال أيضا: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} +++ الأنبياء:35 ---. وأما السنة ففي حديث جبريل لما سأل النبي  صلى الله عليه وسلم  عن الإيمان، قال له: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره» +++ (أخرجه بهذا السياق الترمذي (2610)، من حديث عمر - رضي الله عنه -، وأصله في «الصحيحين».)--- . ولا يشكل على هذا ما جاء من نفي الشر عن الله تعالى، فيما رواه مسلم من حديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في استفتاح الصلاة: «والشر ليس إليك» +++ ("صحيح مسلم" (771)--- ، فإن ذلك لا ينفي أن يكون الشر مخلوقا لله تعالى، كما قال تعالى: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} +++ النساء: 78 --- ، فالحسنات وهي نعم وخير، والسيئات وهي مصائب وشر كلها من عند الله تعالى، قال الله: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} +++ يونس: 107 ---. وأما قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} +++ سورة النساء:79 --- ، فالمراد به أن ما يقع للإنسان من سوء إنما هو بسبب منه، فالكل من الله تعالى كما دلت الآية السابقة، لكن الله أجرى الكون على الأسباب والسنن، فما يكون من سوء فهو بسبب بني آدم، وقد جاء ذلك في آيات عديدة منها {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} +++ سورة الشورى: 30 --- ، فكل المحدثات خيرها وشرها خلق لله تعالى. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : «والشر ليس إليك» فله عدة توجيهات أبرزها ما يلي: أنه لا يتقرب بالشر إلى الله تعالى، وقيل: لا يضاف الشر إلى الله على انفراده، وقيل: إن الشر لا يصعد إلى الله، وقيل: إنه ليس مما يحبه ويصطفيه، وقيل: إن الشر ليس شرا بالنسبة إلى فعل الله فإنه خلقه لحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوق، فالله تعالى لا يخلق شرا محضا، بل كل ما يخلقه تعالى فله فيه حكمة هو بالنظر إليها خير، فيكون الشر نسبيا جزئيا إضافيا، وليس شرا مطلقا. ولهذا كانت طريقة القرآن تنزيه الله عن إضافة الشر إليه، فلا يضاف الشر إلى الله مستقلا بل يذكر الشر ضمن عموم خلق الله تعالى كقوله: {وخلق كل شيء} +++ الأنعام: 101 --- ، أو أنه يضاف إلى فاعله وسببه، كقوله: {من شر ما خلق} +++ الفلق: 2 --- ، أو أنه يذكر من غير تسمية فاعله، ومنه قوله تعالى عن الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} +++ الجن: 10 --- ، وكذلك في سورة الفاتحة، حيث قال: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} +++ الفاتحة: 7 --- ، وهذا الوجه الأخير هو أقوى ما يحمل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والشر ليس إليك» فإنه يتضمن تنزيه الله عن أن ينسب إليه شيء من الشر لا في ذاته ولا في أسمائه، ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهذا لا ينفي دخول الشر في مخلوقاته +++ («بدائع الفوائد» (2/ 439)، و «مدارج السالكين» (1/ 20)--- . قوله - رحمه الله -: «والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به، فهي مع الفعل» الاستطاعة مصدر استطاع، وهي في اللغة عبارة عن صفة يتمكن بها الإنسان من الفعل أو الترك، وقد يطلق عليها القدرة والقوة والوسع والطاقة، وقد جعلها المصنف - رحمه الله- نوعين، وهذا هو النوع الأول من نوعي الاستطاعة، وهي القدرة المقارنة للفعل، والتي بها يوجد، فهي المقتضية حصوله ووقوعه، ولهذا نفاها الله عمن لم يفعل ما أمر به، كما قال تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} +++ هود: 20 --- ، وكما قال جل وعلا: {وكانوا لا يستطيعون سمعا} +++ الكهف: 101 --- ، فالمعنى أنه لمشقة الحق على نفوسهم وصعوبته عليها لا تستطيع نفوسهم سماعه ولا إبصاره، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه +++ («درء تعارض العقل والنقل» (1/ 36)--- ، فبسبب صدودهم عن الحق واتباعهم للهوى، أصمهم الله وأعمى أبصارهم عن الهدى ودين الحق، كما قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} الصف: 5. وقوله: «نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به» أي: إن هذا النوع من الاستطاعة حقيقته إقدار الله تعالى العبد على الفعل وتمكينه منه، وهي هداية التوفيق والإلهام التي تقارن الفعل، وهذا هو المذكور في مثل قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} +++ الأنعام: 125 ---.وكذلك قوله تعالى: {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} +++ الكهف: 17 ---. قوله - رحمه الله -: «وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب» هذا هو النوع الثاني من أنواع الاستطاعة التي ذكرها المصنف - رحمه الله -، وهي الاستطاعة السابقة للفعل التي أناط الله - جل وعلا - بها التكليف، فلولاها لما حصل التكليف، وهي المصححة للأمر والنهي، وهي التي يتعلق بها الخطاب. قوله: «وبها يتعلق الخطاب» أي: إن هذا النوع من الاستطاعة هو مناط خطاب الشارع بالأمر والنهي، وقد مثل لها المؤلف - رحمه الله تعالى- بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، أي: إن الله تعالى لم يكلف الناس إجمالا إلا بقدر ما يطيقون، ومنها ما ذكره الله تعالى في آية فرض الحج، حيث قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} +++ آل عمران: 97--- ، ومنها قول النبي  صلى الله عليه وسلم  لعمران بن حصين: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» +++ (أخرجه البخاري (1117)--- . وهذا النوع من الاستطاعة أثبته القدرية المعتزلة وأنكره الجبرية بناء على أصولهم في باب القدر. فالنصوص في الكتاب والسنة دالة على هذين النوعين من الاستطاعة، ولذلك يثبتها أهل السنة والجماعة جمعا بين النصوص، وكل هذه النصوص تبطل قول القدرية الذين يقولون: إن أفعال العباد غير مخلوقة لله، وقول الجبرية الذين قالوا: لا فعل للعبد ولا قدرة ولا مشيئة، وإنما هو كالريشة في مهب الريح، لا اختيار له ولا قدرة. قوله - رحمه الله -: «وأفعال العباد خلق الله» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن كل ما يصدر عن العباد من قول أو فعل، خير أو شر، صالح أو فاسد، ظاهر أو باطن، كلها كائنة بخلق الله تعالى و إيجاده، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء} +++ (سورة الأنعام: 102.)--- ، وقوله تعالى: {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} +++ (سورة الرعد: 16.)--- ، وقوله تعالى: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} +++ (سورة الزمر: 62.)--- ، وقوله تعالى: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} +++ (سورة غافر: 62.)--- ، وقوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} +++ سورة الصافات: 96 --- ، وقوله تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى} +++ سورة النجم: 43 ---. ومن أدلة ذلك في السنة النبوية ما رواه البخاري في «خلق أفعال العباد» +++ ("خلق أفعال العباد" ح (118)--- عن حذيفة - رضي الله عنه -، قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «إن الله يصنع كل صانع وصنعته» وتلا بعضهم عند ذلك: {والله خلقكم وما تعملون}، فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة لله تعالى، وهذا بناء على أن {ما} في الآية مصدرية، وقيل: بل هي موصولة، والمراد أن الله خلقكم وخلق الأصنام التي تعبدون، فالذي خلق العابد والمعبود، أحق بأن يعبد وحده لا شريك له، وهذا هو الأظهر في معنى الآية، فإن سياق الكلام يدل عليه؛ لأنه قال: {قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون} فأنكر عليهم عبادة المنحوت، فالمناسب أن يذكر ما يتعلق بالمنحوت، وأنه مخلوق لله، والتقدير: والله خلق العابد والمعبود، ولأنه لو قال: والله خلقكم وعملكم لم يكن في هذا ما يقتضي ذمهم على الشرك، بل قد يقال: إنه إقامة عذر لهم؛ وذلك لأن الواو في قوله: {والله خلقكم وما تعملون} واو الحال، والحال هنا شبه الظرف كلاهما قد يتضمن معنى التعليل، كما يقال: أتذم فلانا وهو رجل صالح وتسيء إليه، وهو محسن إليك؟ فتقرر بذلك ما يوجب ذمه ونهيه عما أنكرته عليه، وهو سبحانه ينكر عليهم عبادة ما ينحتون، فذكر قوله: {والله خلقكم وما تعملون} متضمنا ما يوجب ذمهم على ذلك ونهيهم عنه، وذلك كون الله تعالى خلق معمولهم» اه +++ (ينظر: "منهاج السنة" (2/ 203)--- . فالعبد ذاته وصفته وفعله كلها خلق لله تعالى. قوله - رحمه الله -: «وكسب من العباد» أي: إن ما يصدر عن العباد من أقوال وأعمال، كائنة بابتغاء العباد وتحصيلهم وطلبهم وإصابتهم، ولهذا تضاف إليهم حقيقة لا مجازا. وعلى هذا جرى القرآن في إضافة الأفعال إلى فاعليها، فقال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} +++ (سورة البقرة: 286.)--- ، وقال تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} +++ (الأعراف: 43.)--- ، وقال تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} +++ (البقرة: 267.)--- ، والكسب يصدق على فعل الصالحات والسيئات، فمن الأول قوله تعالى: {أو كسبت في إيمانها خيرا} +++ (الأنعام: 158.)--- . ومن الثاني قوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} +++ (البقرة: 79.)--- ، ومن الآيات التي تجمع بينهما قوله تعالى: {ثم توفى كل نفس ما كسبت} +++ (آل عمران: 161.)--- ، أي: من خير أو شر، صالح أو سيء. وكون أعمال العباد وأفعالهم كسبا لهم لا يخرجها عن كونها خلقا من خلق الله، فأفعال العباد تضاف إلى الله خلقا وإيجادا، وتضاف إلى العباد فعلا وإصابة وكسبا وتحصيلا، ويدل لذلك قول الله جل وعلا: {لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} +++ سورة التكوير: 28 - 29 --- ، فأثبت الله في هذه الآية للعبد مشيئة وفعلا، فقال: {لمن شاء منكم أن يستقيم} +++ سورة التكوير: 28 --- ، ثم أخبر أن مشيئة العبد لا تخرج عن إرادة الله - عز وجل -، بل مشيئته - سبحانه وتعالى - محيطة بفعل العبد ومشيئته، كما قال - سبحانه وتعالى -: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} +++ (سورة الإنسان:30.)--- ، وما شاءه الله تعالى فهو خالقه والمتكفل بإيجاده، قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} +++ (سورة يس: 82.)--- . وقوله: «وكسب من العباد» أي أن أعمال العباد تضاف إليهم على الحقيقة لا كما تقول الأشاعرة الجبرية؛ فإنهم يقولون: «الأفعال خلق للرب كسب للعبد»، فإذا قيل لهم: ما معنى الكسب؟ قالوا: أي: إن أفعال العباد تضاف إليهم، وإلا فإن العبد لا قدرة له على فعله +++ (ينظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (2/ 119)--- . فأثبتوا أن أفعال العباد كسب لهم، لكنهم نفوا قدرة العبد على فعل نفسه، وهذا من عجائب الأقوال، ولذلك عد هاذا القول من المقالات التي تحيلها العقول، وقد قيل إن محالات العقول ثلاثة منها كسب الأشعري، كما قيل: مما يقال ولا حقيقة تحته *** معقولة تدنو إلى الأفهام الكسب عند الأشعري والحال عن *** د البهشمي وطفرة النظام +++ (ينظر: "منهاج السنة" لابن تيمية (1/ 333)--- 

المشاهدات:14353
قوله - رحمه الله -: «والخير والشر مقدران على العباد» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن كل ما يجري على الخلق من الحوادث من خير أو شر فإنه يجري بقدر الله، قد سبقه علم الله، وكتابته، وهو كائن بمشيئته، وإيجاده، قال الله تعالى: ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾ القمر: 49  فلا يخرج عن تقدير الله - عز وجل - شيء من شؤون الخلق، بل الجميع تحت قهره وقدرته وخلقه - سبحانه وتعالى -، فتقدير الله تعالى شامل لكل ما يجري من الحوادث، سواء مما يحبه الناس ويميلون إليه أو ما يكرهونه وينفرون عنه، وهذا مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وقد دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {الله خالق كل شيء}، وقال أيضا: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} الأنبياء:35 . وأما السنة ففي حديث جبريل لما سأل النبي  صلى الله عليه وسلم  عن الإيمان، قال له: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره» (أخرجه بهذا السياق الترمذي (2610)، من حديث عمر - رضي الله عنه -، وأصله في «الصحيحين».) . ولا يشكل على هذا ما جاء من نفي الشر عن الله تعالى، فيما رواه مسلم من حديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في استفتاح الصلاة: «والشر ليس إليك» ("صحيح مسلم" (771) ، فإن ذلك لا ينفي أن يكون الشر مخلوقا لله تعالى، كما قال تعالى: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} النساء: 78 ، فالحسنات وهي نعم وخير، والسيئات وهي مصائب وشر كلها من عند الله تعالى، قال الله: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} يونس: 107 . وأما قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} سورة النساء:79 ، فالمراد به أن ما يقع للإنسان من سوء إنما هو بسبب منه، فالكل من الله تعالى كما دلت الآية السابقة، لكن الله أجرى الكون على الأسباب والسنن، فما يكون من سوء فهو بسبب بني آدم، وقد جاء ذلك في آيات عديدة منها {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} سورة الشورى: 30 ، فكل المحدثات خيرها وشرها خلق لله تعالى.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : «والشر ليس إليك» فله عدة توجيهات أبرزها ما يلي: أنه لا يتقرب بالشر إلى الله تعالى، وقيل: لا يضاف الشر إلى الله على انفراده، وقيل: إن الشر لا يصعد إلى الله، وقيل: إنه ليس مما يحبه ويصطفيه، وقيل: إن الشر ليس شرا بالنسبة إلى فعل الله فإنه خلقه لحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوق، فالله تعالى لا يخلق شرا محضا، بل كل ما يخلقه تعالى فله فيه حكمة هو بالنظر إليها خير، فيكون الشر نسبيا جزئيا إضافيا، وليس شرا مطلقا. ولهذا كانت طريقة القرآن تنزيه الله عن إضافة الشر إليه، فلا يضاف الشر إلى الله مستقلا بل يذكر الشر ضمن عموم خلق الله تعالى كقوله: {وخلق كل شيء} الأنعام: 101 ، أو أنه يضاف إلى فاعله وسببه، كقوله: {من شر ما خلق} الفلق: 2 ، أو أنه يذكر من غير تسمية فاعله، ومنه قوله تعالى عن الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} الجن: 10 ، وكذلك في سورة الفاتحة، حيث قال: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} الفاتحة: 7 ، وهذا الوجه الأخير هو أقوى ما يحمل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والشر ليس إليك» فإنه يتضمن تنزيه الله عن أن ينسب إليه شيء من الشر لا في ذاته ولا في أسمائه، ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهذا لا ينفي دخول الشر في مخلوقاته («بدائع الفوائد» (2/ 439)، و «مدارج السالكين» (1/ 20) .
قوله - رحمه الله -: «والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به، فهي مع الفعل» الاستطاعة مصدر استطاع، وهي في اللغة عبارة عن صفة يتمكن بها الإنسان من الفعل أو الترك، وقد يطلق عليها القدرة والقوة والوسع والطاقة، وقد جعلها المصنف - رحمه الله- نوعين، وهذا هو النوع الأول من نوعي الاستطاعة، وهي القدرة المقارنة للفعل، والتي بها يوجد، فهي المقتضية حصوله ووقوعه، ولهذا نفاها الله عمن لم يفعل ما أمر به، كما قال تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} هود: 20 ، وكما قال جل وعلا: {وكانوا لا يستطيعون سمعا} الكهف: 101 ، فالمعنى أنه لمشقة الحق على نفوسهم وصعوبته عليها لا تستطيع نفوسهم سماعه ولا إبصاره، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه («درء تعارض العقل والنقل» (1/ 36) ، فبسبب صدودهم عن الحق واتباعهم للهوى، أصمهم الله وأعمى أبصارهم عن الهدى ودين الحق، كما قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} الصف: 5.
وقوله: «نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به» أي: إن هذا النوع من الاستطاعة حقيقته إقدار الله تعالى العبد على الفعل وتمكينه منه، وهي هداية التوفيق والإلهام التي تقارن الفعل، وهذا هو المذكور في مثل قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} الأنعام: 125 .وكذلك قوله تعالى: {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} الكهف: 17 .
قوله - رحمه الله -: «وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب» هذا هو النوع الثاني من أنواع الاستطاعة التي ذكرها المصنف - رحمه الله -، وهي الاستطاعة السابقة للفعل التي أناط الله - جل وعلا - بها التكليف، فلولاها لما حصل التكليف، وهي المصححة للأمر والنهي، وهي التي يتعلق بها الخطاب.
قوله: «وبها يتعلق الخطاب» أي: إن هذا النوع من الاستطاعة هو مناط خطاب الشارع بالأمر والنهي، وقد مثل لها المؤلف - رحمه الله تعالى- بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، أي: إن الله تعالى لم يكلف الناس إجمالا إلا بقدر ما يطيقون، ومنها ما ذكره الله تعالى في آية فرض الحج، حيث قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران: 97 ، ومنها قول النبي  صلى الله عليه وسلم  لعمران بن حصين: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» (أخرجه البخاري (1117) . وهذا النوع من الاستطاعة أثبته القدرية المعتزلة وأنكره الجبرية بناء على أصولهم في باب القدر. فالنصوص في الكتاب والسنة دالة على هذين النوعين من الاستطاعة، ولذلك يثبتها أهل السنة والجماعة جمعا بين النصوص، وكل هذه النصوص تبطل قول القدرية الذين يقولون: إن أفعال العباد غير مخلوقة لله، وقول الجبرية الذين قالوا: لا فعل للعبد ولا قدرة ولا مشيئة، وإنما هو كالريشة في مهب الريح، لا اختيار له ولا قدرة.
قوله - رحمه الله -: «وأفعال العباد خلق الله» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن كل ما يصدر عن العباد من قول أو فعل، خير أو شر، صالح أو فاسد، ظاهر أو باطن، كلها كائنة بخلق الله تعالى و إيجاده، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء} (سورة الأنعام: 102.) ، وقوله تعالى: {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} (سورة الرعد: 16.) ، وقوله تعالى: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} (سورة الزمر: 62.) ، وقوله تعالى: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} (سورة غافر: 62.) ، وقوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} سورة الصافات: 96 ، وقوله تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى} سورة النجم: 43 . ومن أدلة ذلك في السنة النبوية ما رواه البخاري في «خلق أفعال العباد» ("خلق أفعال العباد" ح (118) عن حذيفة - رضي الله عنه -، قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «إن الله يصنع كل صانع وصنعته» وتلا بعضهم عند ذلك: {والله خلقكم وما تعملون}، فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة لله تعالى، وهذا بناء على أن {ما} في الآية مصدرية، وقيل: بل هي موصولة، والمراد أن الله خلقكم وخلق الأصنام التي تعبدون، فالذي خلق العابد والمعبود، أحق بأن يعبد وحده لا شريك له، وهذا هو الأظهر في معنى الآية، فإن سياق الكلام يدل عليه؛ لأنه قال: {قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون} فأنكر عليهم عبادة المنحوت، فالمناسب أن يذكر ما يتعلق بالمنحوت، وأنه مخلوق لله، والتقدير: والله خلق العابد والمعبود، ولأنه لو قال: والله خلقكم وعملكم لم يكن في هذا ما يقتضي ذمهم على الشرك، بل قد يقال: إنه إقامة عذر لهم؛ وذلك لأن الواو في قوله: {والله خلقكم وما تعملون} واو الحال، والحال هنا شبه الظرف كلاهما قد يتضمن معنى التعليل، كما يقال: أتذم فلانا وهو رجل صالح وتسيء إليه، وهو محسن إليك؟ فتقرر بذلك ما يوجب ذمه ونهيه عما أنكرته عليه، وهو سبحانه ينكر عليهم عبادة ما ينحتون، فذكر قوله: {والله خلقكم وما تعملون} متضمنا ما يوجب ذمهم على ذلك ونهيهم عنه، وذلك كون الله تعالى خلق معمولهم» اهـ (ينظر: "منهاج السنة" (2/ 203) . فالعبد ذاته وصفته وفعله كلها خلق لله تعالى.
قوله - رحمه الله -: «وكسب من العباد» أي: إن ما يصدر عن العباد من أقوال وأعمال، كائنة بابتغاء العباد وتحصيلهم وطلبهم وإصابتهم، ولهذا تضاف إليهم حقيقة لا مجازا. وعلى هذا جرى القرآن في إضافة الأفعال إلى فاعليها، فقال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (سورة البقرة: 286.) ، وقال تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43.) ، وقال تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} (البقرة: 267.) ، والكسب يصدق على فعل الصالحات والسيئات، فمن الأول قوله تعالى: {أو كسبت في إيمانها خيرا} (الأنعام: 158.) . ومن الثاني قوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} (البقرة: 79.) ، ومن الآيات التي تجمع بينهما قوله تعالى: {ثم توفى كل نفس ما كسبت} (آل عمران: 161.) ، أي: من خير أو شر، صالح أو سيء.
وكون أعمال العباد وأفعالهم كسبا لهم لا يخرجها عن كونها خلقا من خلق الله، فأفعال العباد تضاف إلى الله خلقا وإيجادا، وتضاف إلى العباد فعلا وإصابة وكسبا وتحصيلا، ويدل لذلك قول الله جل وعلا: {لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} سورة التكوير: 28 - 29 ، فأثبت الله في هذه الآية للعبد مشيئة وفعلا، فقال: {لمن شاء منكم أن يستقيم} سورة التكوير: 28 ، ثم أخبر أن مشيئة العبد لا تخرج عن إرادة الله - عز وجل -، بل مشيئته - سبحانه وتعالى - محيطة بفعل العبد ومشيئته، كما قال - سبحانه وتعالى -: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} (سورة الإنسان:30.) ، وما شاءه الله تعالى فهو خالقه والمتكفل بإيجاده، قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (سورة يس: 82.) .
وقوله: «وكسب من العباد» أي أن أعمال العباد تضاف إليهم على الحقيقة لا كما تقول الأشاعرة الجبرية؛ فإنهم يقولون: «الأفعال خلق للرب كسب للعبد»، فإذا قيل لهم: ما معنى الكسب؟ قالوا: أي: إن أفعال العباد تضاف إليهم، وإلا فإن العبد لا قدرة له على فعله (ينظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (2/ 119) . فأثبتوا أن أفعال العباد كسب لهم، لكنهم نفوا قدرة العبد على فعل نفسه، وهذا من عجائب الأقوال، ولذلك عد هاذا القول من المقالات التي تحيلها العقول، وقد قيل إن محالات العقول ثلاثة منها كسب الأشعري، كما قيل:
مما يقال ولا حقيقة تحته *** معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال عنـ *** ـد البهشمي وطفرة النظام (ينظر: "منهاج السنة" لابن تيمية (1/ 333) 
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف