×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / العقيدة الطحاوية / الإيمان بيوم القيامة وما فيه من المشاهد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قوله - رحمه الله -: «ونؤمن بالبعث» أي: إن أهل السنة والجماعة، يقرون بما جاءت به النصوص عن البعث، والبعث هو الإحياء بعد الموت +++ (ينظر: «الصحاح» (1/ 273)، و «لسان العرب» (2/ 116)--- ، والإيمان بالبعث أصل من أصول الإيمان الكبرى، وهو من أكثر أصول الإيمان ذكرا في كتاب الله تعالى، وكثيرا ما يقرنه الله - سبحانه وتعالى - بالإيمان به، كقوله تعالى: {يؤمنون بالله واليوم الآخر} +++ سورة آل عمران: 114 --- ، وقوله: {وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر} +++ سورة النساء: 39 --- ، وقوله: {كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر} +++ سورة البقرة: 264 --- ، وقوله: {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر} +++ سورة آل عمران: 114 --- ، وغير ذلك. والإيمان باليوم الآخر، متفق عليه بين الرسالات، وهو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وقد أقام الله تعالى على ذلك الأدلة ونوعها، فالقرآن مليء بالخبر عن البعث والجزاء على الأعمال، وقد أقسم الله تعالى عليه بنفسه أنه سيجمع الأولين والآخرين يوم القيامة للجزاء، فقال تعالى: {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} +++ سورة النساء:---  87 .. وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، قال - سبحانه وتعالى -: {ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق} +++ سورة يونس: 53 ---. و قال تعالى: {وقال الذين كفروا لا تاتينا الساعة قل بلى وربي لتاتينكم} +++ (سورة سبأ: 3)--- . وقال - سبحانه وتعالى -: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} +++ (سورة التغابن: 7.)--- . وأما الأدلة من السنة فأكثر من أن يحاط بها، ومن أشهرها ما تقدم في حديث جبريل الطويل، وأيضا ما أخرجه أحمد في «المسند» من حديث علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، والبعث بعد الموت، والقدر» +++ ("المسند" (1/ 97)، والترمذي (2145)، وابن ماجه (81)، والحاكم (1/ 87)، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين».)--- . وقد نص المؤلف على الإيمان بهذا الأصل؛ ردا على المنحرفين من الفلاسفة المنتسبين للإسلام الذين يقولون: إن البعث ليس بعثا للأجساد، إنما هو بعث للأرواح فقط، وأما بعث الأجساد فليس كائنا ولا واقعا إنما هو تخييل، ووهم ليس له حقيقة، وقد قال بهذا ابن سينا ومن سار في طريقه من المتفلسفة المنتسبين للإسلام، فإنهم ينكرون البعث الذي تعاد فيه الأرواح إلى الأجسام، ويقوم فيه الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، فإنه لا خلاف بين أهل الإسلام في أن البعث الذي يكون يوم القيامة بعث للأروح والأجساد، هذا ما أخبرت به الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم -، ودلت عليه الأدلة في الكتاب والسنة +++ (أخرجه البخارى (4349)، ومسلم (2860) --- ، وأجمع عليه علماء الأمة, فمن ذلك قول الله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} المطففين:6 وكذلك قوله: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" الروم:27 ومن ذلك ما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: خطب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال: «يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا، ثم قال: {كما بدانا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}». وهذا أكمل أحوال اقتران الأبدان بالأرواح، فإن اقتران الأرواح بالأبدان متفاوت، ففي الحياة الدنيوية الأحكام جارية على الأبدان والأرواح تابعة لها، وفي الحياة البرزخية الأحكام جارية على الأرواح والأبدان تابعة لها، وأما في الحياة الأخروية، فإن ا لأحكام تجري على الأبدان والأرواح، على حد سواء، لاكتمال اقترانهما. قوله - رحمه الله -: «وجزاء الأعمال يوم القيامة» أي: نؤمن ونقر بأن الله تعالى يثيب الناس يوم القيامة على أعمالهم صالحها وسيئها، فجزاء الأعمال هو ما جعله الله تعالى مقابلا على العمل +++ (ينظر: «الصحاح» (7/ 152)، و «لسان العرب» (14/ 145)--- ، فيثيب الله يوم القيامة المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته، قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون} +++ (سورة القصص: 84)--- ، وقال تعالى: {إنما تجزون ما كنتم تعملون} +++ (سورة التحريم: 7)--- ، وقال تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء} +++ (سورة آل عمران: 30)--- ، وقال تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} +++ (سورة النجم: 31)--- ، وقال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} +++ (سورة الزلزلة.)--- ، والآيات في ذلك كثيرة. وأما السنة، فالأحاديث في ذلك كثيرة جدا، منها ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال في الحديث الإلهي: «يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه» +++ ("صحيح مسلم" (2577)--- وقوله: «يوم القيامة» أي: يوم الدين والجزاء، يقوم الناس فيه بأبدانهم وأرواحهم لرب العالمين، وسمي يوم القيامة بهاذا الاسم؛ لأنه اليوم الذي تقوم فيه الأبدان لرب العالمين، كما قال الله - جل وعلا -: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} +++ (سورة المطففين: 6.)--- ، ولأنه اليوم الذي يقوم فيه الأشهاد من الملائكة والرسل والمؤمنين، فيشهدون بالحق على الخلق، كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} +++ (سورة غافر: 51، 52)--- ، ولأنه اليوم الذي تقام فيه الموازين، فتوزن بها الأعمال والعمال ودواوين العمل كما سيأتي، قال الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} +++ (سورة الأنبياء: 47.)--- . قوله - رحمه الله -: «والعرض» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالعرض على الله، وهو قيام الخلق بين يدي الله تعالى للحساب والمجازاة على الأعمال، ويدخل فيه عرض الخلق على من شاء الله تعالى أن يعرضوا عليه من الخلائق والأشهاد، وكذلك عرض الأعمال على الله تعالى، وعلى من شاء الله أن تعرض عليه الأعمال، قال الله - جل وعلا-: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} +++ (سورة الحاقة: 18.)--- ، وقال أيضا: {وعرضوا على ربك صفا} +++ (سورة الكهف: 48.)--- ، وقال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} +++ (سورة هود: 18.)--- . فالخلق كلهم يعرضون على رب العالمين، فيقضي الله - جل وعلا - فيهم ما يشاء. وهناك عرض أخص جاءت به النصوص، وهو عرض أعمال أهل الإيمان عليهم دون محاسبتهم عليها، فيعرض على المؤمن ما يكون من عمله، ولا يؤاخذ على السيئات، بل يقرر بما كان منه من عمل دون مؤاخذة، ودليله قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «من حوسب عذب» قالت عائشة: أو ليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} +++ (سورة الانشقاق: 8.)--- ؟ فقال: «إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك» +++ (أخرجه البخاري (103)، ومسلم (2876)--- . أي: يعرض عليه عمله الصالح فيسر به، ويعرض عليه عمله السيئ الذي لم يتب منه ويعفى عنه، أما ما تاب منه فالتوبة تهدم ما كان قبلها، وهذا العرض عرض خاص بين الله وبين المؤمن وليس عرضا عاما، بل يدنيه الله - جل وعلا - ويستره، ويقابل هذا الكافر، فإن الله يفضحه على رؤوس الخلائق ويكشف عنه ستره، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين» +++ (أخرجه البخاري (2441)، ومسلم (2768)--- . قوله - رحمه الله -: «والحساب» أي: إن أهل السنة والجماعة يقرون بالحساب، وهو عد الحسنات والسيئات وعرضها على العاملين. فالحساب مأخوذ من المحاسبة، وهي العد والإحصاء، فيكون عطف الحساب على العرض من باب عطف العام على الخاص، أو يقال: إن المراد بالحساب هو عرض الحسنات والسيئات الذي قد يكون معه نقاش، وقد لا يكون معه نقاش، كما قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا}، وهو حساب عرض كما أجاب النبي  صلى الله عليه وسلم  لعائشة لما سألت عن هذه الآية، فقال: «إنما ذلك العرض» +++ (أخرجه البخاري (103)--- . أما من يناقش الحساب فإنه يهلك، كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «ولكن من نوقش الحساب يهلك». والمقصود بالهلاك: المؤاخذة على السيئات كما قال  صلى الله عليه وسلم : «من حوسب عذب» +++ (كالتخريج السابق.)--- ، وفي رواية قال: «ليس أحد يحاسب إلا هلك» +++ (أخرجه البخاري (4939)، ومسلم (2876)--- . فيكون الحساب نوعين: الأول: الموازنة بين الحسنات والسيئات. والثاني: العرض للسيئات دون المؤاخذة بها. وهذان النوعان من المحاسبة لأهل الإسلام. وأما الحساب المضاف إلى أهل الكفر، فهو عرض أعمالهم السيئة عليهم، وتوبيخهم عليها، وتقريعهم بها، قال الله تعالى: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} +++ سورة الرعد:21 --- ، ويدل له أيضا ما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعا أن الله يلقى العبد الكافر يوم القيامة، فيقول له: «أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني» +++ (أخرجه مسلم (2968)--- ، وحديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: «يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» +++ (أخرجه مسلم (2577)--- . وأما حساب الموازنة بين الحسنات والسيئات فلا يكون للكافر، ولأنه ليس له حسنات يجزى بها، كما قال الله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} +++ سورة الفرقان: 23 ---. قوله - رحمه الله -: «وقراءة الكتاب» أي: نؤمن بأن الناس يوم القيامة، يأخذون كتب أعمالهم، ويقرأونها، والمراد بالكتاب السجل الذي دون فيه ما صدر عن الإنسان من قول أو عمل ظاهر أو باطن، قال الله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} +++ سورة الإسراء: 13 - 14 ---. والناس في قراءة الكتاب على قسمين بالنظر إلى ما حواه الكتاب: الأول: من يسر بكتابه ويفرح ويستبشر، قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه} +++ سورة الحاقة: 19 ---. والثاني: من يسوؤه، قال تعالى: {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه} +++ سورة الحاقة: 25 - 26.--- قوله - رحمه الله -: «والثواب والعقاب» أي: نؤمن بمجازاة العاملين على أعمالهم يوم القيامة ثوابا لأهل الإحسان وعقابا لأهل العصيان، كما قال تعالى: {ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب} +++ سورة إبراهيم: 51 ---. وكما قال: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} +++ سورة النجم: 31 ---. وكما قال أيضا: {إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} +++ سورة يونس: 4 --- ، وكما قال تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير} +++ سورة الشورى:7 ---. قوله - رحمه الله -: «والصراط» أي: نؤمن بأن في يوم القيامة صراطا مضروبا على ظهر جهنم، يعبر عليه الناس حسب أعمالهم، كما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة، قال الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}، فقد فسرت الآية بأن المراد بالورود العبور على الصراط، قال أبو جعفر الطبري: «وورودها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم» +++ ("تفسير الطبري" (15/ 601)--- . ومن أدلة إثبات الصراط حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وفيه قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم» قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: «مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد، يقال لها السعدان» +++ (" صحيح البخاري" (7439)، ومسلم (183)--- ، وقال أبو سعيد: «بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف» +++ (أخرج البخاري (7439)، ومسلم (183)--- . وقد جاء ذكر هذين الوصفين للجسر فيما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود، قال: «يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف، مدحضة مزلة» +++ ("المعجم الكبير" (8/ 125)--- ، فلا تثبت عليه قدم بل تزل إلا من ثبته الله، وجاء عن سلمان - رضي الله عنه - مرفوعا: «ويوضع الصراط مثل حد الموسى» +++ (أخرجه الحاكم (4/ 629). وقال: «صحيح على شرط مسلم»، وتعقبه ابن رجب في «التخويف من النار» (ص 169) فقال: «المعروف أنه موقوف على سلمان الفارسي من قوله»، وأخرجه الحسين المروزي في «زوائده على الزهد» (1/ 478) ح (1357) موقوفا على سلمان.)--- ، وقد يتوهم التعارض بين وصف الجسر بأنه صراط، وأنه أدق من الشعرة، وأحد من السيف، وذلك أن الصراط "فعال" بمعنى مفعول، أي: مصروط، كفراش بمعنى مفروش، وهو يطلق على الطريق المتسع، وهذا يعارض بقول أبي سعيد - رضي الله عنه -:" أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف". والجواب عن هذا أن وصف الجسر بالاتساع والضيق هو باعتبار أحوال من يمر عليه، فيتسع لأهل الإحسان، ويضيق على أهل الإساءة كل بحسب عمله، وهذا نظير تفاوتهم في سرعة عبورهم على الصراط، ومهما يكن من أمر فضيق الصراط لا يضر أهل الإيمان كما أن سعته لا تنفع أهل العصيان؛ فسير الناس على الصراط في ذلك الاجتياز حسب الأعمال: فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح الشديدة، ومنهم من يمر كالطير، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من تخطفه الكلاليب، جاء ذلك في أحاديث عديدة، منها ما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس فى نار جهنم ... » +++ ("صحيح البخاري" (7439)، ومسلم (183)--- ، وفي صحيح ابن حبان، من حديث أبي سعيد، قال  صلى الله عليه وسلم : «فمن الناس من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الفرس المجرى، ومنهم من يسعى سعيا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يحبو حبوا، ومنهم من يزحف زحفا» +++"صحيح ابن حبان"(7379)---. وهاذا التفاوت العظيم في المرور على الصراط، هو بتفاوت الناس في سيرهم إلى الله - جل وعلا - في هذه الدنيا، فبقدر ما مع الإنسان من العلم النافع والعمل الصالح يحصل له سرعة العبور والاجتياز فمطايا الناس يوم القيامة أعمالهم «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» +++ (أخرجه مسلم (2699)--- ، ووجه ذكر النسب دون بقية أمور الدنيا ومفاخرها في هذا الحديث؛ لأن ذلك كله يزول، أما النسب فيبقى؛ لأن به يعرف الخلق. قوله - رحمه الله -: «والميزان» أي: إن أهل السنة والجماعة يثبتون الميزان وأنه يوضع يوم القيامة، وهو ما يقاس به ثقل الأشياء وخفتها، فينصب لفصل القضاء وإظهار العدل. والميزان ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، قال تعالى: {والوزن يومئذ الحق} +++ (سورة الأعراف: 8.)--- ، وقال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} +++ (سورة الأنبياء: 47.)--- ، وقال تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} +++ (سورة المؤمنون: 102 - 103.)--- ،وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية} +++ (سورة القارعة: 6 - 9.)--- ، وقد جاء ذكر الميزان في أحاديث عديدة؛ منها ما في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» +++ ("صحيح البخاري" (6682)، ومسلم (2694)--- ، وفي «المسند» من حديث علي - رضي الله عنه - قال النبي  صلى الله عليه وسلم  في ساقي عبد الله بن مسعود: «لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد» +++ ("المسند" (1/ 114)، وقال الهيثمي (9/ 288): «رجالهم رجال الصحيح غير أم موسى وهي ثقة».)--- ، وكذا حديث عبد الله بن عمرو المشهور بحديث البطاقة وسيأتي. والميزان الذي جاء الخبر عنه ميزان حقيقي له كفتان، يزن الله به الأعمال والعمال ودواوين العمل، أما وزن الأعمال فدليله قول الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} +++ (سورة الزلزلة: 7 - 8.)--- . وقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} +++ (سورة الأنبياء: 47.)--- . وأما وزن العمال، فدليله قوله تعالى في الكفار: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} +++ (سورة الكهف: 105)--- ، وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إنه لياتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» +++ ("صحيح البخاري" (4729)، و مسلم (2785)--- ، وكذلك ما تقدم من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قول النبي  صلى الله عليه وسلم  عن ساقي ابن مسعود: «لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد» +++ (تقدم تخريجه والحكم عليه.)--- . أما وزن دواوين العمل وسجلاته، فيدل له ما في «المسند» وغيره من حديث عبد الله بن عمرو في حديث البطاقة الشهير، وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة» +++ ("المسند" (2/ 213)، والترمذي (2639)، وابن ماجه (4300)، وقال الترمذي: «حسن غريب»، وقال الحاكم (1/ 710): «صحيح الإسناد».)---  وقد أنكر الميزان المعتزلة وأشباههم؛ حيث قالوا: الميزان كناية عن العدل وما تقدم من الأدلة ترد باطلهم وزورهم.

المشاهدات:1479
قوله - رحمه الله -: «ونؤمن بالبعث» أي: إن أهل السنة والجماعة، يقرون بما جاءت به النصوص عن البعث، والبعث هو الإحياء بعد الموت (ينظر: «الصحاح» (1/ 273)، و «لسان العرب» (2/ 116) ، والإيمان بالبعث أصل من أصول الإيمان الكبرى، وهو من أكثر أصول الإيمان ذكرا في كتاب الله تعالى، وكثيرا ما يقرنه الله - سبحانه وتعالى - بالإيمان به، كقوله تعالى: {يؤمنون بالله واليوم الآخر} سورة آل عمران: 114 ، وقوله: {وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر} سورة النساء: 39 ، وقوله: {كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر} سورة البقرة: 264 ، وقوله: {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر} سورة آل عمران: 114 ، وغير ذلك. والإيمان باليوم الآخر، متفق عليه بين الرسالات، وهو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وقد أقام الله تعالى على ذلك الأدلة ونوعها، فالقرآن مليء بالخبر عن البعث والجزاء على الأعمال، وقد أقسم الله تعالى عليه بنفسه أنه سيجمع الأولين والآخرين يوم القيامة للجزاء، فقال تعالى: {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} سورة النساء:  87 .. وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، قال - سبحانه وتعالى -: {ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق} سورة يونس: 53 .
و قال تعالى: {وقال الذين كفروا لا تاتينا الساعة قل بلى وربي لتاتينكم} (سورة سبأ: 3) . وقال - سبحانه وتعالى -: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} (سورة التغابن: 7.) . وأما الأدلة من السنة فأكثر من أن يحاط بها، ومن أشهرها ما تقدم في حديث جبريل الطويل، وأيضا ما أخرجه أحمد في «المسند» من حديث علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، والبعث بعد الموت، والقدر» ("المسند" (1/ 97)، والترمذي (2145)، وابن ماجه (81)، والحاكم (1/ 87)، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين».) . وقد نص المؤلف على الإيمان بهذا الأصل؛ ردا على المنحرفين من الفلاسفة المنتسبين للإسلام الذين يقولون: إن البعث ليس بعثا للأجساد، إنما هو بعث للأرواح فقط، وأما بعث الأجساد فليس كائنا ولا واقعا إنما هو تخييل، ووهم ليس له حقيقة، وقد قال بهذا ابن سينا ومن سار في طريقه من المتفلسفة المنتسبين للإسلام، فإنهم ينكرون البعث الذي تعاد فيه الأرواح إلى الأجسام، ويقوم فيه الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، فإنه لا خلاف بين أهل الإسلام في أن البعث الذي يكون يوم القيامة بعث للأروح والأجساد، هذا ما أخبرت به الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم -، ودلت عليه الأدلة في الكتاب والسنة (أخرجه البخارى (4349)، ومسلم (2860)
، وأجمع عليه علماء الأمة, فمن ذلك قول الله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} المطففين:6 وكذلك قوله: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" الروم:27 ومن ذلك ما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: خطب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال: «يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا، ثم قال: {كما بدانا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}». وهذا أكمل أحوال اقتران الأبدان بالأرواح، فإن اقتران الأرواح بالأبدان متفاوت، ففي الحياة الدنيوية الأحكام جارية على الأبدان والأرواح تابعة لها، وفي الحياة البرزخية الأحكام جارية على الأرواح والأبدان تابعة لها، وأما في الحياة الأخروية، فإن ا لأحكام تجري على الأبدان والأرواح، على حد سواء، لاكتمال اقترانهما.
قوله - رحمه الله -: «وجزاء الأعمال يوم القيامة» أي: نؤمن ونقر بأن الله تعالى يثيب الناس يوم القيامة على أعمالهم صالحها وسيئها، فجزاء الأعمال هو ما جعله الله تعالى مقابلا على العمل (ينظر: «الصحاح» (7/ 152)، و «لسان العرب» (14/ 145) ، فيثيب الله يوم القيامة المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته، قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون} (سورة القصص: 84) ، وقال تعالى: {إنما تجزون ما كنتم تعملون} (سورة التحريم: 7) ، وقال تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء} (سورة آل عمران: 30) ، وقال تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} (سورة النجم: 31) ، وقال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (سورة الزلزلة.) ، والآيات في ذلك كثيرة. وأما السنة، فالأحاديث في ذلك كثيرة جدا، منها ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال في الحديث الإلهي: «يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه» ("صحيح مسلم" (2577)
وقوله: «يوم القيامة» أي: يوم الدين والجزاء، يقوم الناس فيه بأبدانهم وأرواحهم لرب العالمين، وسمي يوم القيامة بهاذا الاسم؛ لأنه اليوم الذي تقوم فيه الأبدان لرب العالمين، كما قال الله - جل وعلا -: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} (سورة المطففين: 6.) ، ولأنه اليوم الذي يقوم فيه الأشهاد من الملائكة والرسل والمؤمنين، فيشهدون بالحق على الخلق، كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} (سورة غافر: 51، 52) ، ولأنه اليوم الذي تقام فيه الموازين، فتوزن بها الأعمال والعمال ودواوين العمل كما سيأتي، قال الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (سورة الأنبياء: 47.) .
قوله - رحمه الله -: «والعرض» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالعرض على الله، وهو قيام الخلق بين يدي الله تعالى للحساب والمجازاة على الأعمال، ويدخل فيه عرض الخلق على من شاء الله تعالى أن يعرضوا عليه من الخلائق والأشهاد، وكذلك عرض الأعمال على الله تعالى، وعلى من شاء الله أن تعرض عليه الأعمال، قال الله - جل وعلا-: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} (سورة الحاقة: 18.) ، وقال أيضا: {وعرضوا على ربك صفا} (سورة الكهف: 48.) ، وقال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} (سورة هود: 18.) . فالخلق كلهم يعرضون على رب العالمين، فيقضي الله - جل وعلا - فيهم ما يشاء. وهناك عرض أخص جاءت به النصوص، وهو عرض أعمال أهل الإيمان عليهم دون محاسبتهم عليها، فيعرض على المؤمن ما يكون من عمله، ولا يؤاخذ على السيئات، بل يقرر بما كان منه من عمل دون مؤاخذة، ودليله قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «من حوسب عذب» قالت عائشة: أو ليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} (سورة الانشقاق: 8.) ؟ فقال: «إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك» (أخرجه البخاري (103)، ومسلم (2876) .
أي: يعرض عليه عمله الصالح فيسر به، ويعرض عليه عمله السيئ الذي لم يتب منه ويعفى عنه، أما ما تاب منه فالتوبة تهدم ما كان قبلها، وهذا العرض عرض خاص بين الله وبين المؤمن وليس عرضا عاما، بل يدنيه الله - جل وعلا - ويستره، ويقابل هذا الكافر، فإن الله يفضحه على رؤوس الخلائق ويكشف عنه ستره، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين» (أخرجه البخاري (2441)، ومسلم (2768) .
قوله - رحمه الله -: «والحساب» أي: إن أهل السنة والجماعة يقرون بالحساب، وهو عد الحسنات والسيئات وعرضها على العاملين. فالحساب مأخوذ من المحاسبة، وهي العد والإحصاء، فيكون عطف الحساب على العرض من باب عطف العام على الخاص، أو يقال: إن المراد بالحساب هو عرض الحسنات والسيئات الذي قد يكون معه نقاش، وقد لا يكون معه نقاش، كما قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا}، وهو حساب عرض كما أجاب النبي  صلى الله عليه وسلم  لعائشة لما سألت عن هذه الآية، فقال: «إنما ذلك العرض» (أخرجه البخاري (103) . أما من يناقش الحساب فإنه يهلك، كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «ولكن من نوقش الحساب يهلك». والمقصود بالهلاك: المؤاخذة على السيئات كما قال  صلى الله عليه وسلم : «من حوسب عذب» (كالتخريج السابق.) ، وفي رواية قال: «ليس أحد يحاسب إلا هلك» (أخرجه البخاري (4939)، ومسلم (2876) . فيكون الحساب نوعين: الأول: الموازنة بين الحسنات والسيئات. والثاني:
العرض للسيئات دون المؤاخذة بها. وهذان النوعان من المحاسبة لأهل الإسلام.
وأما الحساب المضاف إلى أهل الكفر، فهو عرض أعمالهم السيئة عليهم، وتوبيخهم عليها، وتقريعهم بها، قال الله تعالى: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} سورة الرعد:21 ، ويدل له أيضا ما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعا أن الله يلقى العبد الكافر يوم القيامة، فيقول له: «أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني» (أخرجه مسلم (2968) ، وحديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: «يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (أخرجه مسلم (2577) . وأما حساب الموازنة بين الحسنات والسيئات فلا يكون للكافر، ولأنه ليس له حسنات يجزى بها، كما قال الله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} سورة الفرقان: 23 .
قوله - رحمه الله -: «وقراءة الكتاب» أي: نؤمن بأن الناس يوم القيامة، يأخذون كتب أعمالهم، ويقرأونها، والمراد بالكتاب السجل الذي دون فيه ما صدر عن الإنسان من قول أو عمل ظاهر أو باطن، قال الله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} سورة الإسراء: 13 - 14 . والناس في قراءة الكتاب على قسمين بالنظر إلى ما حواه الكتاب: الأول: من يسر بكتابه ويفرح ويستبشر، قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه} سورة الحاقة: 19 . والثاني: من يسوؤه، قال تعالى: {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه} سورة الحاقة: 25 - 26.
قوله - رحمه الله -: «والثواب والعقاب» أي: نؤمن بمجازاة العاملين على أعمالهم يوم القيامة ثوابا لأهل الإحسان وعقابا لأهل العصيان، كما قال تعالى: {ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب} سورة إبراهيم: 51 . وكما قال: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} سورة النجم: 31 . وكما قال أيضا: {إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} سورة يونس: 4 ، وكما قال تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير} سورة الشورى:7 .
قوله - رحمه الله -: «والصراط» أي: نؤمن بأن في يوم القيامة صراطا مضروبا على ظهر جهنم، يعبر عليه الناس حسب أعمالهم، كما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة، قال الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}، فقد فسرت الآية بأن المراد بالورود العبور على الصراط، قال أبو جعفر الطبري: «وورودها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم» ("تفسير الطبري" (15/ 601) . ومن أدلة إثبات الصراط حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وفيه قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم» قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: «مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد، يقال لها السعدان» (" صحيح البخاري" (7439)، ومسلم (183) ، وقال أبو سعيد: «بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف» (أخرج البخاري (7439)، ومسلم (183) . وقد جاء ذكر هذين الوصفين للجسر فيما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود، قال: «يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف، مدحضة مزلة» ("المعجم الكبير" (8/ 125) ، فلا تثبت عليه قدم بل تزل إلا من ثبته الله، وجاء عن سلمان - رضي الله عنه - مرفوعا: «ويوضع الصراط مثل حد الموسى» (أخرجه الحاكم (4/ 629).
وقال: «صحيح على شرط مسلم»، وتعقبه ابن رجب في «التخويف من النار» (ص 169) فقال: «المعروف أنه موقوف على سلمان الفارسي من قوله»، وأخرجه الحسين المروزي في «زوائده على الزهد» (1/ 478) ح (1357) موقوفا على سلمان.) ، وقد يتوهم التعارض بين وصف الجسر بأنه صراط، وأنه أدق من الشعرة، وأحد من السيف، وذلك أن الصراط "فعال" بمعنى مفعول، أي: مصروط، كفراش بمعنى مفروش، وهو يطلق على الطريق المتسع، وهذا يعارض بقول أبي سعيد - رضي الله عنه -:" أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف". والجواب عن هذا أن وصف الجسر بالاتساع والضيق هو باعتبار أحوال من يمر عليه، فيتسع لأهل الإحسان، ويضيق على أهل الإساءة كل بحسب عمله، وهذا نظير تفاوتهم في سرعة عبورهم على الصراط، ومهما يكن من أمر فضيق الصراط لا يضر أهل الإيمان كما أن سعته لا تنفع أهل العصيان؛ فسير الناس على الصراط في ذلك الاجتياز حسب الأعمال: فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح الشديدة، ومنهم من يمر كالطير، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من تخطفه الكلاليب، جاء ذلك في أحاديث عديدة، منها ما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس فى نار جهنم ... » ("صحيح البخاري" (7439)، ومسلم (183) ، وفي صحيح ابن حبان، من حديث أبي سعيد، قال  صلى الله عليه وسلم : «فمن الناس من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الفرس المجرى، ومنهم من يسعى سعيا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يحبو حبوا، ومنهم من يزحف زحفا» "صحيح ابن حبان"(7379). وهاذا التفاوت العظيم في المرور على الصراط، هو بتفاوت الناس في سيرهم إلى الله - جل وعلا - في هذه الدنيا، فبقدر ما مع الإنسان من العلم النافع والعمل الصالح يحصل له سرعة العبور والاجتياز فمطايا الناس يوم القيامة أعمالهم «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (أخرجه مسلم (2699) ، ووجه ذكر النسب دون بقية أمور الدنيا ومفاخرها في هذا الحديث؛ لأن ذلك كله يزول، أما النسب فيبقى؛ لأن به يعرف الخلق.
قوله - رحمه الله -: «والميزان» أي: إن أهل السنة والجماعة يثبتون الميزان وأنه يوضع يوم القيامة، وهو ما يقاس به ثقل الأشياء وخفتها، فينصب لفصل القضاء وإظهار العدل. والميزان ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، قال تعالى: {والوزن يومئذ الحق} (سورة الأعراف: 8.) ، وقال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (سورة الأنبياء: 47.) ، وقال تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} (سورة المؤمنون: 102 - 103.) ،وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية} (سورة القارعة: 6 - 9.) ، وقد جاء ذكر الميزان في أحاديث عديدة؛ منها ما في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» ("صحيح البخاري" (6682)، ومسلم (2694) ، وفي «المسند» من حديث علي - رضي الله عنه - قال النبي  صلى الله عليه وسلم  في ساقي عبد الله بن مسعود: «لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد» ("المسند" (1/ 114)، وقال الهيثمي (9/ 288): «رجالهم رجال الصحيح غير أم موسى وهي ثقة».) ، وكذا حديث عبد الله بن عمرو المشهور بحديث البطاقة وسيأتي.
والميزان الذي جاء الخبر عنه ميزان حقيقي له كفتان، يزن الله به الأعمال والعمال ودواوين العمل، أما وزن الأعمال فدليله قول الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (سورة الزلزلة: 7 - 8.) . وقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (سورة الأنبياء: 47.) . وأما وزن العمال، فدليله قوله تعالى في الكفار: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} (سورة الكهف: 105) ، وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إنه لياتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» ("صحيح البخاري" (4729)، و مسلم (2785) ، وكذلك ما تقدم من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قول النبي  صلى الله عليه وسلم  عن ساقي ابن مسعود: «لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد» (تقدم تخريجه والحكم عليه.) . أما وزن دواوين العمل وسجلاته، فيدل له ما في «المسند» وغيره من حديث عبد الله بن عمرو في حديث البطاقة الشهير، وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة» ("المسند" (2/ 213)، والترمذي (2639)، وابن ماجه (4300)، وقال الترمذي: «حسن غريب»، وقال الحاكم (1/ 710): «صحيح الإسناد».) 
وقد أنكر الميزان المعتزلة وأشباههم؛ حيث قالوا: الميزان كناية عن العدل وما تقدم من الأدلة ترد باطلهم وزورهم.
المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91539 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87249 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف