قوله :" وفي باب وعيد الله بين المرجئة، والوعيدية من القدرية، وغيرهم".
وبيان ذلك أن أهل السنة والجماعة وسط في باب الأحكام (العقيدة الأصفهانية ص 92)، المعروف بباب الوعد والوعيد بين الجبرية، «بين المرجئة الذين يجحدون بعض الوعيد، وما فضل الله به الأبرار على الفجار» (الجواب الصحيح (1/ 75)، و «قالوا: لا نجزم بثبوت الوعيد لأحد، فيجوز أن يعذب الله الجميع، وأن يعفو عن الجميع، وأن ينفذ الوعيد في شخص واحد يكون هو المراد من ذلك اللفظ، ولا نعلم هل هذه الألفاظ للعموم أو للخصوص، وهذا غلو في التعطيل» (الصواعق المرسلة (2/ 691). و «بين الوعيدية الذين يقولون بتخليد عصاة المسلمين في النار» (الجواب الصحيح (1/ 74 – 75)، ويقولون: «إن من دخل النار لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها، بل يكون عذابه مؤبدا، فصاحب الكبيرة أو من رجحت سيئاته - عندهم - لا يرحمه الله أبدا، بل يخلده في النار» (مجموع الفتاوى (3/ 374)، وكانوا «يكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم» (مجموع الفتاوى (3/ 374)، «ولهذا منعت الخوارج والمعتزلة أن يكون لنبينا صلى الله عليه وسلم شفاعة في أهل الكبائر في إخراج أهل الكبائر من النار.
وهذا مردود بما تواتر عنه من السنن» (مجموع الفتاوى (12/ 480)، وقد عقد شيخ الإسلام موازنة بين الفريقين الجبرية المرجئة والقدرية المعتزلة في كلام رصين مفيد في مجموع الفتاوى (16/ 238 - 242)، قال في آخره: "وكان هؤلاء الجبرية المرجئة أكفر بالأمر والنهي والوعد والوعيد من المعتزلة الوعيدية القدرية، وأما مقتصدة المرجئة الجبرية الذين يقرون بالأمر والنهي والوعد والوعيد وأن من أهل القبلة من يدخل النار، فهؤلاء أقرب الناس إلى أهل السنة، وقد روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبيا، أنا آخرهم»، لكن المعتزلة من القدرية أصلح من الجبرية والمرجئة ونحوهم في الشريعة علمها وعملها؛ فكلامهم في أصول الفقه وفي اتباع الأمر والنهي خير من كلام المرجئة من الأشعرية وغيرهم، فإن كلام هؤلاء في أصول الفقه قاصر جدا، وكذلك هم مقصرون في تعظيم الطاعات والمعاصي، ولكن هم في أصول الدين أصلح من أولئك؛ فإنهم يؤمنون من صفات الله وقدرته وخلقه بما لا يؤمن به أولئك، وهذا الصنف أعلى، فلهذا كانت المرجئة في الجملة خيرا من القدرية، حتى إن الإرجاء دخل فيه الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بخلاف الاعتزال، فإنه ليس فيه أحد من فقهاء السلف وأئمتهم").
و «مسألة الوعد والوعيد من أكبر مسائل العلم» (مجموع الفتاوى (11/ 649)، «فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فساق المسلمين لا يخلدون في النار، بل يخرج منهم من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، أو مثقال خردلة من إيمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته» (المصدر السابق (3/ 375) بتصرف يسير، وينظر: (12/ 479).
«فأهل السنة والجماعة لا يوجبون العذاب في حق كل من أتى كبيرة، ولا يشهدون لمسلم بعينه بالنار لأجل كبيرة واحدة عملها، بل يجوز عندهم أن صاحب الكبيرة يدخله الله الجنة بلا عذاب، إما لحسنات تمحو كبيرته منه، أو من غيره؛ وإما لمصائب كفرتها عنه، وإما لدعاء مستجاب منه، أو من غيره فيه، وإما لغير ذلك.
والوعيدية من الخوارج والمعتزلة يوجبون العذاب في حق أهل الكبائر؛ لشمول نصوص الوعيد لهم» (المصدر السابق (12/ 480)، وينظر أيضا: (12/ 483 – 484)، «فعارضهم غالية المرجئة بنصوص الوعد، فقال الأولون: لا تتناول إلا مؤمنا، وهؤلاء ليسوا بمؤمنين، وقال الآخرون: نصوص الوعيد لا تتناول إلا كافرا، وكل من القولين خطأ» (المصدر السابق (12/ 481).
«والتحقيق أن يقال: الكتاب والسنة مشتملان على نصوص الوعد والوعيد، وكل من النصوص يفسر الآخر ويبينه، فكما أن نصوص الوعد على الأعمال الصالحة مشروطة بعدم الكفر المحبط؛ لأن القرآن قد دل على أن من ارتد فقد حبط عمله، فكذلك نصوص الوعيد للكفار والفساق مشروطة بعدم التوبة؛ لأن القرآن قد دل على أن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب، وهذا متفق عليه بين المسلمين» (مجموع الفتاوى (12/ 485)، وينظر: (8/ 270 – 271).
ومما ينبغي أن يعلم في هذا الباب أن «تناول نصوص الوعد للشخص مشروط بأن يكون عمله خالصا لوجه الله، موافقا للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليقال، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) (رواه البخاري (2810)، ومسلم (1904).
وكذلك تناول نصوص الوعيد للشخص مشروط بأن لا يكون متأولا، ولا مجتهدا مخطئا؛ فإن الله عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان» (مجموع الفتاوى (27/ 474).