الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْعَقَارَاتِ الَّتِي فِي فِلَسْطِينَ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كُلَّ مَا يَكُونُ فِيهِ عَوْنٌ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَمْكِينٌ لَهُمْ. وَكَلَامُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ وَاضِحٌ بَيِّنٌ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُحَلَّى(9/65): "وَالْبَيْعُ مِنْهُمْ جَائِزٌ إلَّا مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَصْلًا" ، ثُمَّ قَالَ: "وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(الْمَائِدَةِ:2)، فَتَقْوِيَتُهُمْ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُقَوُّونَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ، وَيُنْكَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَيُبَالِغُ فِي طُولِ حَبْسِهِ". وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ شَرْحَ الْمُهَذَّبِ(9/432) الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ.
وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ(3/7) نَقْلًا عَنْ الشَّاطِبِيِّ: "إِنَّ بَيْعَ الشَّمْعِ لَهُمْ مَمْنُوعٌ إِذَا كَانُوا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى إِضْرَارِ الْمُسْلِمِينَ". ا.ه، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ يَبِيعُ مَا يُثَبِّتُ أَقْدَامَهُمْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْعَقَارِ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَمَلُ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْأَرَاضِي الَّتِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا وَاغْتَصَبُوهَا، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ، كُلٌّ حَسَبَ طَاقَتِهِ، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (اَلْبَقَرَةِ:286) وَبَيْعُ الْعَقَارَاتِ تَمْكِينٌ لَهُمْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرَاضِيهِمْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا يَجِبُ مِنْ جِهَادِهِمْ لِاسْتِنْقَاذِ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أخوكم/
خالد المصلح
08/04/1425هـ